الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

أين ابن الجوزي.. أين صيد الخاطر؟


شعرت بمرارات كثيرة وأنا أقرأ كِتاب صيد الخاطر لأبو الفرج ابن الجوزي، أوّلها هو قراءتي المتأخّرة لهذا الكتاب، ثانيها هو أن لا أحد، لا أديب ولا متديّن قد تحدّث عن هذا الكتاب الفريد من نوعه، لأن ابن الجوزي معروف جداً بعناوين مُختلفة مثل: زاد المسير، تلبيس ابليس، دفعُ شبه التشبيه، صفةُ الصّفوة، أخبار الحمقى والمغفلين، بستان الواعظين، وغيرهم، ولكن كتابهُ هذا (صيدُ الخاطر) وربما كتاب آخر مثل لفتة الكبد، ليس من بين ما يُذكر في ألسنة الناس ومن يُعرّفون به. وهذا يُذكّرني برواية دوستويفسكي التي تكلمتُ عنها سابقا (رسائل من تحت الأرض)، وقولي بظلم مُحبيه بطمس هذه الرواية وتقديم روايات أخرى، التي لا أشكك في جودتها، ولكن، في كثير من الأحيان، علينا ان نبحث في أطراف الدرج حينما يتعلّق الأمر بالنوابغ والفقهاء، فربّما ما يُشهره الناس لا يكون من أعمق الأعمال. أما المرارة الأخيرة التي شعرتُ بها، هو بظنّي أن أدب المقالات لم ينطلق الا مع مُحاولات ميشال دي مونتين في القرن الخامس عشر، وظنّي أنني لن أجد كتاباً فلسفيا وفقهيا عميقا بأسلوبٍ سهل، بل وبطريقة المأثورات، الا عند الرواقيين، والمتأخرين من القرن الثامن والتاسع عشر. 
كان يُمكنه أن يسمّيه، مأثورات ابن الجوزي، أو مقالات ابن الجوزي. قد يشير الي أحدهم بقول إن أبي الحسن الأشعري كتب كتاباً بعنوان مقالات الإسلاميين، نعم لكن لفظ المقالة هنا ليس بمعناه الحديث، والغريب في كتاب ابن الفرج، ان أسلوبه سهلٌ جداً دون أن يصل الى الركاكة، وعميقٌ جداً، دون أن يصل الى الاستحالة، وقد قادني الفضول الى البحث عن مصادر أخرى لهذا الكتاب، لأنني مهتم بالترجمات بشكل عام، وكانت لي فكرة مُسبقة ان أكثر كتب الكلاميين المترجمة عند الغرب هي للغزالي وابن حزم الاندلسي.
فاذا بي أجد ترجمةً فرنسية لكتابه بعنوان، les pensées précieuses، فأُصبت بالمرارة الرابعة أو الخامسة، فقد كُنت أدّعي مع نفسي أنني قُمت بالجولة اللازمة بالخصوص. 
قبل الحديث عن هذا الكتاب، دعوني أتكلّم سريعاً عن المؤلف العَلَم، نسبهُ يصل الى محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هو من أشهر الفقهاء والمحدّثين، وكذلك من أشهر الادباء والمتكلّمين، وكما تعلمون، قد خصّصت في السابق مقالا مُفصّلاً عن علم الكلام عودوا اليه في مُدوّنتي، أو على موقع مُلهم. المتكلّمون معروفون بالذكاء والحفظ والاطلاع الواسع في شتّى العلوم، خاصة منها الفلسفة واللغات، فما يجعلهم متكلمون هو هذه القدرة الكبيرة في الربط بين العقل والدين، وتفسير الظواهر والأحداث والمعضلات بما يوافق الطرفين على حدّ سواء، وقد عرف عن ابن الجوزي الحفظ وهو صبيّ، وكان لا يفارق المنزل الا لصلاة الجُمعة. 
صيدُ الخاطر، العنوان يشي بمضمون الكتاب، وهو اختصار لاصطياد الخواطر قبل أن تًنسى، فقد كان يكتب تلك الخواطر والمقالات والمأثورات على طرف، بينما كان يُصنّف الكتب الفقهية والحديثية في طرف آخر، وهذا ما يجعل الكتاب مميّزاً، كان ابن الجوزي يُخاطب القارئ بعيداً عن مشقّة التفاصيل، بعيداً عن صعوبات العالم، كأنه يخاطبك كصديق، بأسلوب سردي ليس فيه الأمثلة المُثقلة.
من قرأ منكم كتاب المُختصر لابكتيتوس، لن يجد نفسه غريباً عن ذلك الأسلوب الذي قد يظهر فيه عدم التشابك في المعاني بين المأثورات، ولست من الذين يرون عيباً في هذا، بل على العكس، هذا النوع من الكتب يُفيد كل من لا يستطيع أن يبدأ في قراءة احداث القصص والروايات، فيعجز ويبتعد عنها. وربما أكون قد اخذتُ عن الفلاسفة هذا الأسلوب في النصوص، أي أن كُتُبي لا تُلزمك باحترام البدايات إذا كانت لا تعنيك القصص، بل ستستفيد من أي صفحة تفتحها. 
مجالس ابن الجوزي كانت تصل لمئة ألف رجل وامرأة يصغون الى وعظه في بغداد، لكَ أن تتخيّل قُدرة هذا الحكيم على الكلام والجدال. وما يُثير في شخصية ابن الجوزي هو اعجابه بنفسه، فلا يُخفي ذلك، وهذا لا يُزعج من لامس عبقرية المُعجب بنفسه، لطالما صادفت في الكتب، وخاصة كتب الفلاسفة اعجابا وتضخيماً للذات، هناك من يستعملون هذا للتسويق لأنفسهم، عن طريق اثارة الجدل، وهناك من يعتقدون ذلك في أنفسهم حقاً، وليكن!، لقد قرأت كتابا لنيتشه بعنوان: لماذا أصيغُ كتباً رائعة؟، وأنا أقرأ له أقول، أصبت، لكن الفرق بينهما أن ابن الجوزي مسلم، والمسلم لا يحتقر الآخر، ولا يغتر ليقزم الآخر، حتى لو أفصح بالإعجاب ، أما الأخير فقد كان مغروراً. 
 في كُتبه نلمس كثيراً من التصوّف، ذلك التصوّف الصّافي، فقد كان واعضاً وكان ذا خُلق وصبر كبيرين.
في هذا الكتاب، ستجدون فيه العبر بصفته واعظاً، وستجدون فيه استدلالات من الأحاديث تارة ومن القرآن تارة أخرى، ومن الحكماء أيضاً، وقد لامس تقريبا كل ما يحتاجه الانسان في كل حياته، فهو كتابٌ شاملٌ على يسره. 
قيل إنه ألّف أكثر من أربع مائة كتاب، وقيل تسع مائة، وقيل ألف ويزيد، كان رجلاً غير عاديا. والغريب أنني أصغي هذه الأيام الى بعض الخِفاف، يذمّون كثافة الكتابة والتأليف للكاتب، فأجيبهم بقول ابن الجوزي فيما معناه، لقد أردت معرفة كل العلوم، والتبحّر في كل علم، والكتابة فيها، ولولا قصر العمر والقدرة، لما توقّفت عن التصنيف.
فعلى المفكّر أن يكتب وبكثافة، وليس عليه أن يعتني بشيء غير التأليف والاصدار، فلا شيء يضاهي غزارة الأعمال، فحتى لو أوسعت زمنا للكتاب الواحد فلن يصبح الياذة زمانه، الا إذا كُنتَ موسوعة تمشي فوق الأرض. أبعد عنك فكرة التباعد، سوف يأتي اليوم الذي ستُقرأ فيه كل مصنّفاتك، حيّا كنت أو ميّتاً، فقط احرص على الجودة والعمل الجدّي، واحرص على ان تقدّم الإضافة اللازمة في كل عمل، كتاب ومقال وعمل مرئي، يكون حسنةً جارية لك، هذا هو الكلام الذي أختم بيه هذا المقال، فرحم الله ابن الجوزي، وأدعوكم الى تحميل كُتبه وخاصة الكتاب الذي أشرت اليه.

#عمادالدين_زناف 
#ابن_الجوزي 
المقال 242

الاثنين، 29 نوفمبر 2021

الهاتف الذكي والقطيع.. نيشته شارحاً للعصر.

 


الهاتف الذكيّ وظاهرة القطيع، نيتشه يشرح عصرنا.
في كتابه العلم المَرِح يقول: "نحن الآن نشعر بالخجل من الرّاحة، التأمّل الطّويل يجعلنا نشعر بالندامة، نفكّر ونحنُ نُراقبُ الساعة، نُفكّر وعيننا مركّزة في بريد البورصة، نعيشُ وكأننا شخصٌ يخشي من تضييع شيئٍ ما، او أن يُفوّتَ عليه شيئاً ما."
نُمضي وقتنا في مشاهدة السخافات عبر مواقع التواصل، فيديوهات وصور، فكاهات ومقالب وحيوانات وأطفال، أخبار غير مُهمة نخشى أن نفوّتها، عن فُلان وعلّان، عن أشياء سياسية لسنا بحاجة لمعرفتها. ومع تصاعد هوسنا، يعمل الذكاء الاصطناعي على عرض المزيد من الاقتراحات لأشياءٍ مُماثلة، وهكذا، لن نستيقظ أبداً من هذا التنويم المغناطيسي.
حتى أصحاب الفكاهات والمقالب ومربو الحيوانات، لا يعلمون لمَ تُثير فيديوهاتهم كل هذا الاعجاب، حتى الذكاء الصناعي لا يعلم ما الأمر الذي يجعل تلك الامور تشدّ أكبر عدد من الناس، الذين أصبحوا بهذا عبارة عن قطيع.
ساعات وساعات أمام هذه المحتويات، مما سبب في تراجع للثقافة العامة للمجتمعات. الاستعمال اللامشروط للهواتف الذكية ساهم في تضخيم قوّة القطيع، القطيع الذي لطالما شكّل ويشكّل خطراً على الفرد، خاصة الفرد الذكي والفعّال.
لكي تنظم للقطيع اليوم، ليس عليك تحريك ساكن، فأنت ضمن القطيع بنقرتين، متخفياً وراء اسم مستعار. كل قطعان العالم يشكلون قطيعاً افتراضياًَ واحداً. ذلك القطيع الذي يبحث بلا هوادة عن كبش فداء، ضحيتهم التي يروون بها عطشهم وشهوتهم، كما يسميها نيتشه، شهوة العطش، شهوة الانتقام عما يعتقدونه سوء حظ، ما يعتقدونه أن الحياة تريد ايذائهم.
سلاح القطيع الأوحد هي الأخلاق، تلك الاخلاق المصطنعة والمصنوعة فقط لمعاكسة كل من يختلف عنهم، يختفون وراء الأخلاق، لأنهم بلا حجة ولا قوة.
يقول نيتشه أن هؤلاء يشبهون الفريسيين pharisiens المذكورين في الانجيل، الذين يقول عنهم عيسى عليه السلام أنهم يتظاهرون بالتقوى. لم يعُد هناك نقاش، بل حظر مُباشر لكل فكرة مخالفة، لكل فرد متفرّد. عندما قرّر العالم أن يعيش دون اله يتّبع أوامره، وعندما قرّر الانسان أن يلغي فكرة الرقيب (الله)، وضع نفسه في حالة عبادة وخضوع لشيء آخر، شيء مثل المادة، أو مثل عصابة قويّة تسوقه.
العصابة تحتاج الى رئيس لها، تبجّله وتوقّره، عندما اختفى الدين بين الهواتف، عوّضه حكم الشركات ولوغارتمياتها.


السبت، 27 نوفمبر 2021

نيتشه والتاريخ، نظرة وتفكيك


من أجمل كتب نيتشه وأيسرهم، هو تحليل للتاريخ من أستاذ فلسفة اللغة، قراءة وتفكيك وجيز للكتاب.

 

..يبدو أن مسألة التاريخ هي عائق يُلازم الإنسان عن سائر المَخلوقات، إن الذي يفكّر في التاريخ تفكيراً صحيحاً، لا يراهُ إلا وسيلةً لما يمكنه فهمهُ من هذا الحاضر. إن الذي يُلقي على الأنام بالتاريخ دون مغزى، لا يزيدهم سوى سوءَ فهمٍ وألم.

إن ما يُثقل كاهل الإنسان هو جرّه لتوابع التاريخ، فيحدث أن يتأمل الحيوان متسائلا، لمَ لا يعبّر عن سعادته وهو لا يحمل همّ التذكر والنسيان، فيقول أنه يريد التعبيرَ لكنه ينسى أن يفعل ذلك. إن الإنسان عكس الحيوان يتظاهر بالنسيان والدهشة، إنه عكس الحيوان يفكّر طويلا في المفقود.

 إن البالغ لا يترك حتى يبلغ مراده من الطفل، أن يزعجه حتى يخرجه من النسيان، سيجعله يقول ”كان يوماً“.. وحينئذٍ، سيتركه. سيقترب الإنسان بعدها إلى ما يسمى الكفاح والألم والسأم ليفكر في حقيقة واحدة:

ماضٍ ناقصٌ لا يكتمل البتة.

إن الإنسان يتظاهر، بينما لا يمكن للحيوان أن لا يكون إلا صادقاً، في كل وقت ومكان.

إن السعادة كما عبّر عنها الكلبيّ، هي القدرة عن النسيان، القدرة عن النسيان، وليس التظاهر بالنسيان. إنها ملَكَة الإحساس اللاتاريخي طوال ديمونة السعادة.

الإنسانُ محرومٌ تماما من ملكة النسيان، فهو تلميذ حقيقي لهرقليطس بحيث لا يجرؤ على رفع إصبعه في وجه ما يحدث. إن الإنسان مجبورٌ على أن يبقى مُستيقظاً.

على الإنسان أن يعرف القوة الخلقية له، وللشعب، وللحضارة، قوة تسمح بنمو خارج الذات، وتحويل الماضي وامتلاكه، وعلاج جراحه وتضميدها.

كلما امتلكت الطبيعة الداخلية  للإنسان جذوراً قوية تمكّن من امتلاك الشيء الكثير من الماضي. الطبيعة الأكثر قوة تتجاهل حدود المعنى التاريخي الذي بمكنه أن يضرها بشكل طُفيليّ.  إنه قانون كونيّ، فكل ما هو حيّ يصبح قوياً في حدود أفق معيّن، ودون تحديد ذلك الأفق، فسيمضي سريعاً نحو انهيارهِ.

والتذكّر السليم، يكون في الغريزة القوية التي تجعلنا نحس متى يستوحب أن نستعمل وجهة نظر تاريخية، ومتى تكون غير تاريخية. إن الحيوان متجرد من التصورات التاريخية، فهو لا يتظاهر بالسعادة، ولا بالحزن، ولا بالتخمة والرياء، إن هذه الملكة، أي الإحساس بطريقة غير تاريخية هي الأكثر أهمية وأصالة، فما هو غير تاريخيّ تجده شبيهاً بأجواءٍ آمنة، يمكن فيها للحياة أن تولد.

عندما يتم الإفراط في التاريخ، يتوقف الإنسان من جديد.

إن النظرة الفوق-تاريخية überhistorish،  تُشفي كل ميل للنظر إلى التاريخ بجدية مُفرطة، ولا تجعلنا نمر عن أسئلة أساسية مثل، كيف يتوجب أن نعيش؟ ولماذا؟..

يقول الفوق تاريخيون إن التاريخ والحاضر، وجهان لعملة واحدة، مثل تطابق كل اللغات مع الحاجات الثابتة والنمطية، لكن، فلنترك لهم هذا، ولنستمتع بافتقادنا للحكمة، ولنتمتع بيومنا كرجال للفعل والتقدم.. كمغرمين بالتطور!

 

#عمادالدين_زناف

المقال 241

#نيتشه

 


الخميس، 25 نوفمبر 2021

رسائل مستحضرات التجميل، النفسية والبيولوجية

لماذا صُنعت مستحضرات التجميل للنساء، بينما لا يحتاجها الرجال؟! [علم البيولوجيا والنفس].

منذ القدم، عُرفت المرأة المصرية والبابلبية بوضع مستحضرات التجميل، ثم تطوّرت شيئاً فشيء حتى وصلنا إلى زمن أين أصبح من الممكن تغيير شكل الوجه والجسم، وليس الإكتفاء بدهنه.
الفكرة أعمق من مجرّد اخفاء العيوب، أو لمجرّد الظهور بشكل ”جميل أكثر من العادة“. اللون الوردي والأحمر هو رمزية للدم، يُرف عن الإناث من سن الطفولة إلى المراهقة إلى أواخر العشرينيات، ما يُسمى بـ ”احتباس الماء“، وتلك العملية معروفة عند الجنسين، لكنها بنسبة أكثر عند الإناث، لأن هرمون الأوستروجين يزيد من هذا الإحتباس، لحاجيات المرأة البيولوجية لهذا. هذا الإحتباس، يعطي شكلاً ”أنثوياً“، واحمرارا في الخدين والشفاه، وهذا يعني نسبة ”خصوبة المرأة عالية“ La fertilité. وهذه النسبة هي ما يُغري الرجل في لا وعيه، يعتقد الكثير من الرجال، أن اعجابه بشكل المرأة ووجها عملية يتشارك فيها مع الحيوان، خطأ، لأن الحيوان لا يملك لا وعي يفسّر «سبب اختياره أنثى عن أخرى». المرأة الفاتنة Pulpeuse، هي المرأة التي تُظهر نسبةً عالية من الخصوبة، أي أنها تُعبّر بلغة البيولوجيا على قدرتها العالية على الإنجاب دون مشاكل صحيّة.
تختلف نسبة الخصوبة من إمرأة إلى أخرى، وهذا يعود إلى عاملين؛ عامل الجينات، أي أن الأمر متوارث، أو، خلل هرموني، أي نسبة الأستروجان عندها منخفضة، ما يترتب عنه، قلة احتباس الماء، اي، نقص في احمرار الوجه والشفاه، ونقص في الإمتلاء العام. فيحدث أن تستعمل تلك المرأة ، أساليباً أخرى لتعوّض ذلك النقص [ في لا وعيها ]، وتُعيد الحُمرة اصطناعياً. الكثيرات لا يحتجن لذلك، لكنهن لا يعرفن الحكمة من المستحضرات، فيضفن فوق الحمرة احمراراً ويصبح الأمر هجيناً.
إذا فهمنا أن الرسالة من الأمر بيولوجية بحتة، ثم نفسية. لذلك، نجد أن رسالة الرجل البيولوجية، مضادة لرسالة المرأة، أو معاكسة لها، أي كلما كان شكل الرجل حادّاً وصلباً، كان رسالة منه على علو نسبة التيستوسترون، مما يشير إلى نسبة خصوبة عالية أيضاً، لكن من طريق آخر، غير طريق الأنثى.
فلا بحتاج الرجل لاحمرار ما، وربما تميل النساء لسُمرة وجه الرجل لهذه الحيثية [ بسبب اضطراب المفاهيم عندهن، أي وجب أن يعاكس صورتها البيولوجية كي تستطيع أن ترى نفسها على صورتها ]. القضية كلها في طبيعة الجنسين، كلما كانا في صحة جيدة، كلما أرسلا رسالة بيولوجية سليمة عن خصوبتهم، وتبقى الخصوبة الكاملة، هي السبب الرئيسي للإعجاب بالآخر، عكس ما يشاع عن حسن المظهر.
قد يكون الرجل حسن المظهر، لكنه لا يبعث برسالة خصوبة عالية، كذلك للمرأة.
تفاصيل ذلك لا يحللها العقل بوعيه، بل يحدث ذلك في اللا وعي، لأن التحليل الواع لهذا، يُفقد الإنسان اللذة والشهوة، وهذا ما ققد ينتج عملية عكسية، فالدواء هنا ينقلب سما.
هذا المقال مخصص عن المستحضرات، كان يمكنني الخوض في مواضيع أخرى مثل سبب لباس الكعب العالي، الذي يزيد من حجم الخصر، وهو نفس الرسالة البيولوجية عن الخصوبة العالية، لكن هذه التفاصيل قد يعلمها الكثيرون.
أخيراً، أذكر أن الكذب حرام، وشر ما في الكذب أنه حبله قصير، إذا أظهرتم ما ليس فيكم، فستزيد نسبة إحباط الآخر، وربما -وعلى سخافة الحجة- يسبب في انقطاعات وانفصال، وهدم الأسر.

#عمادالدين_زناف
المقال240

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

رحلة في أقاصي الليل.. سيلين




للأدباء أساليب عديدة في إيصال الرسائل، هناك من هم فلاسفة أدباء، مثل نيتشه وكانط، وهناك من هم أدباءُ فلاسفة، مثل دوستويفسكي وكامو، وهناك من نستطيع تسميتهم بفلاسفة الشارع، المجانين الذي لا يتقيّدون بشيء، يلوح في ذهني بوكوفسكي وسيلين. في هذا المقال، سأعمدُ الى تحليل رواية سيلين رحلة في أقاصي الليل، لكن قبل الدخول في الرواية، العديد منكم قد لا يعرف من هو فرديناند سيلين، هو روائي وطبيب، راديكالي الفكر، كان من أكثر الشخصيات الأدبية موالاة للنـ،ـازية في فرنسا، بذلك هُجّر منها بعد سقوط حُكم المارشال بيتان. يتميّز هذا الروائي بالسخرية السوداء، بالسباب والشتم في نصوصه، بالذهاب بعيداً في الأوصاف، بالدعوة والتحريض المباشرين، بالمقت والكراهية لتقريباً كل شيء، للعصر والمحيط والناس ولتجاربه، خاصة في الجيش الفرنسي، للسياسة والاعلام، كان حاملا للواء الفلسفة العدمية، مستاء وكئيب، وفي نفس الوقت، له قلم موهوب جداً في وصف كل تلك الآلام والبغضاء.  لم نعتد على هذا النوع، بل ليس هناك أدباء في عصرنا بهذه الصفات، ببساطة لأنه الامر صار ممنوعاً، لك ان تتخيل أن ما كان يكتبه في زمنه، زمن الحروب وقبول كل شيء، زمن لا قوانين فيه تمنع العنصرية وأمور مشابهة، وكان مع ذلك يسبب صدمة للقراء، أما الآن، فمجر التفكير في إعادة بعث سيلين وأسلوبه يشكل فوضى حقيقية في عالم الأدب والسياسة أيضاً.
نحن في سنة 1914، تبدأ الرواية بحواره مع رجل حول الحرب الدامية في أوروبا، يتحدّثان فيها حول الوطنية، بين أهميتها وبين عدم جدواها، وانطلق سيلين في السخرية من ذلك بعد ان شاهد قافلة حربية ذاهبة للميدان، وراح يذكر تجربته في باخرة حربية، وكيف يُعامل الجنود من النبلاء. تعرّف في تجربته بسريّات الخنادق، الذين حدّثوه عن الوطنيّة وكره الألمان. عمد سيلين على تفكيك تلك البطولات المزعومة، وراح يسخر من أبطالها. يحاول أن يُخرج أحشاء تلك البطولات النتنة، ويظهرها للناس، استعمل أسلوب العودة الى مولد الكمال، لكي "يفضح" ما يعتقد الناس أمراً رائعاً وخارقاً، ما يحوم حول الشعور بالبطولة، ما هو الا استعطاف وكذب. يتكلّم عن الطبيب، الذي كان يدفع بالجنود للعودة الى ميدان الحرب، وهو مرتاح خلف مكتبه، لا يفكّر الا في تقدّمه في الحياة.
يتحدّث عن جندي مُصاب، وهو في سرير المُستشفى، يحاول اغراء الممرضات بإظهار وطنيّته واستبساله الظاهري، لكي يحظى بإعجابهن. اعتبر سيلين ان كل هذا مسرحية قذرة ليس فيها شيءٌ راقٍ. يقول إن البطولة لا تكون سوى لمن مات، وأن الحب مصطلحٌ كبير، لا يتطابق مع حفنة من الكذبة والمُدّعين. يتكلم الراوي عن الاستعمار في افريقيا، وعن التجربة الأمريكية، وفي كل مرّة، لا يخجل بقول انه جبان يفرّ من كل المعارك، لما يراه من جرائم وقبح، يقول إنه جبانٌ وحاقد. في أطراف الرواية، نكتشف ان شخصية مولي تبيّن جانباً من انسانيته، رغم أنها بائعة هوى، الا انها أحيت فيه انسانيته. بعد ان تركها، عادَ الى قريته في فرنسا.
قرية مليئة بالفقر والجهل والمعاناة، من مخلّفات الحرب والتعصبات. عاد اليها ليعمل كطبيب. فقد قادته الرحلة للعودة الى نقطة البداية، فيبدو انه لم يتفوّق في الهروب من الحضيض الخُلقي جرّاء رحلته، فلم تكن رحلته جواءً له، بل زادته كراهية وبغضاً. 
ثم تحولت رحلته من المحسوس، الى رحلة في ذاته وأعماقه. هذا الجزء عليكم قراءته بأنفسكم. 
أسلوب سيلين قد ولّى، وأصبح محظوراً، لكن بعد اكمال الرواية، ستفهم ان فلسفة هذا الروائي تتلخّص في أنك اذا قمتَ بفعل ما، او شعرت بشيء ما، فافعل واشعر بكل جوارحك، وافعل الفعل فعلا كاملاً، اذا أحببت فأحبّ بقوّة دون شروط، كذلك اذا مقت فامقت دون عطف. فلسفة سيلين هي فلسفة وقحة، لكنها فلسفة واضحة المعالم، لا نفاق فيها ولا حيلة، سيلين ينبذ نفسه بنفسه، فلم يعد لمن يريد أن ينبذه قول ولا نقد، فقد قام بكل شيء. 

#عمادالدين_زناف
المقال 239

الاثنين، 22 نوفمبر 2021

رسائل من تحت الأرض، شكرا دوستويفسكي




قبل الحديث عن الرواية، أريد أن أشكر الكاتب الفرنسي فرونسوا بيغودو، الذي شاهدت له حواراً مدّته ساعتين، "نعم هذا ما يثير انتباهي، ان أستمع لكتاب وفلاسفة يتكلمون عن أنفسهم لساعات"، وعند نهاية الحوار، أشار على عجالة بانه ينصح ببعض الكتب، وذكر اسم هذه الرواية، فالتقطت العنوان ورحت أبحث عنها، فصدمت وانا أقرأ محتواها، كيف يمكن لهذه الرواية ألا تكون واحدة من أشهر أعمال الفيلسوف الروسي؟ محتوى الرواية يُشبه ضخامة الفيل، مكدّسة بالأفكار، حتى انني قلت في نفسي سأدوّن بعض المقاطع كي أعلّق عليها، فوجدتني أكتب أربع أوراق فقط لمقتطفات. قبل البداية في التحليل، عليكم أن تعلموا أن ليس هنالك شيء يُضاهي نصيحة في صنعةٍ ما، من صاحب الحرفة.
رسـائل من تحت الأرض، كتاب فيه مزيج من المونولوج، الحوار الوهمي مع القرّاء، التحليل الاجتماعي والتاريخي والنفسي للإنسان، في قالب روائي، هي رواية، لكنها كل شيء الا رواية بالمعنى العام الذي نعرفه. تَشعُر أن الكاتب كان مضطراً على وضع قصّة ما، لكن الهدف الحقيقي ليس تلك القصة، وهذا ما ذكّرني بعض الشيء، بروايتي مسرحية يعقوب، لا اخفيكم أنني شعرت بالفخر لتطابق الأسلوبين، رغم أنني لم أقرأ رواية فيودور الا الآن، أقصد منذ ساعات. لن أُقدم على حرق الرواية، رغم أن ليس فيها ما يُحرق صراحةً، لأن وكما أشرت، فيها القليل من الرواية بالمفهوم العام، وكثير من التحليلات التي يمكن أن تسحبها وتضعها في كتابٍ فكري أو فلسفي، وهذا ما جعلني أتكلّم عنها، فكل من يقرأ هذه المقالة، يعلم حبّي غير المشروط للفلسفة، فلا يجب اعتبار هذه القراءة كنوع من التحليل الموضوعي، لا تعنيني الموضوعية، ولا أؤمن بالحياد، خاصة في القراءات الأدبية، فاعتبروه انحيازاً، لكنه انحياز يستند على أسس مُحترمة، وليس انحيازاً لمجرّد الانحياز. "الرواية" واقعية بحيث أن الراوي هو نفسه الكاتب، يسقط الزمن والمكان وسنه اسقاطاً حقيقياً، يبدأ بذم واحتقار ذاته، وتشبيه نفسه بكل الأمور المنبوذة، ولم يتوانى عن إهانة نفسه، مشبهاً نفسه بالفأر المسجون تحت الأرض منذ أربعين سنة. وقد يكون هذا المونولوج، إشارة منه على خروجه لسطح الأرض ليسأل الناس (القراء)، أسئلة في المنطق والطبيعة والكون والتاريخ والنفس الإنسانية، أطماع البشر وما يرغبون فيه، مترنحاً بين اسقاط ذلك على نفسه تارة، وعلى صديق، الذي هو صديق الجميع. 
انا حاقد على الزملاء في العمل، شخص حسود وسيّء جداً، هكذا يصف نفسه، أنا شخصٌ يجد لذّة في الألم، ويجد لذّة في اخافة القديسين، هكذا يرى واقعه. صعوبة تجاوز هذه التضاربات النفسية التي تختلجه، جعلت منه شخصاً سيئاً حتى في سوؤه، فقد انهزم في الوصول الى أن يكون سيئاُ. هنا ينطلق دوستويفسكي في تفكيك الانسان بطريقة مُبهرة. في قبوه، أو سجنه، في مكان ما تحت الأرض، وحيداً، لم يجد قدوة له في السوء، لا يُحبه أحد، لأنه لا يُحب نفسه، لكنه يجد في ذلك لذّة غير طبيعية، لأن ذلك يخرج عن المألوف والملل. حقده وغيرته، درّته الى البحث عما يزعجه من الآخر، يُشر الى أنه تعرّض الى الدفع من قبل شرطيّ في حانة، يقول بان ذلك الشرطي لم يعي حجم الإهانة، فجعَل يفكّر لمدة طويلة في كيفية الانتقام منه، الى درجة اقتناء ملابس جديدة، ليردّ تلك الإهانة، وعندما جاء ذلك اليوم، واستطاع ان يدفع ذلك الشرطي، فان الأخير لم ينتبه تماما لا لهُ، ولا لفعلته، كان فوزاً مُحبطاً جداً، ومنه شرّح الانتقام في نصوصه، وجعله شيئاً سخيفاً جدا. 
هذا الرّجل يتغذى من الاحتقار والاذلال الذي يتعرّض له، لكي يبرّر فشله، لأنه يعاني من غياب المبررات الحقيقة لعدم تفوّقه. 
سأعمدُ الآن الى ذكر بعض المأثورات التي أثارت انتباهي، ثم أعلّق عليها حسب السياق.
يقول "ان الذكي لا يمكنه ان يكون خطراً، الأحمقُ فقط من بمكنهُ أن يكون كل شيء"، الذكي يتجاوز الآخر، فهو يُسخّر موهبته لنفسه، أما الأحمق، فيمكنه أن يشكل خطراً، لأنه لا يكتفي بذاته، بل يرى أن نجاحه متعلّقٌ بخسارة الآخرين. 
"تُرى ما الذي يستطيع أن يتحدّث به الانسان ويشعر بالمتعة؟ الجواب: أن يتحدث مع نفسه. الحديث مع الذات هو أرقى الأمراض النفسية. يقول "أقسِمُ يا سادة ان شدّة الادراك هو مرضٌ حقيقي"، لحياة جيّدة، قد يحتاج الانسان الى ادراكٍ متوسّط. "ان في اليأس لأقصى درجات الاستمتاع، خاصة عندما يدرك الانسان أنه في موقف ميؤوس منه." وهذا يُشير الى أن اليأس "في روايته" وقد يكون كذلك في الحياة، نوع من أنواع التبرير للفشل! تخيّل أنك تفشل، ولا تجد مبررا لفشلك! أليس الأمر محبطا؟
"قد يتمتع الفأر بادراكٍ شديد بنفسه، الا أنه يضل فأراً مع ذلك." الادراك، لا يُغيّر من الذات، فأن تدرك نفسه والعالم، لن يغيّر منهما شيئاُ، بل ان الادراك زيادة مشقّة. يقول "الطبيعة لا تتوقف لتسألكَ رأيك." عليك أن تقبل بها، فهكذا سترى الجدار جداراً. 
"نكاتي وسخريتي سخيفة، لأنني لا أحترم نفسي، وهل يستطيع الانسان الذي يتمتع بالإدراك ان يحترم نفسه؟" في إشارة بليغة أن معرفة الانسان لذاته تزيده من تقزيمها وتحجيمها، فالجاهل فقط من يحظى باحترام نفسه، الاحترام هنا بمعنى تعظيم الذات طبعا.
يقول "ما العمل إذا كان همُّ الذكي هو أن يثرثر، أي أن يصبّ الماء في الغربال"، الاذكياء كثيرو الكلام أيضاً، لفرط المعلومات والتحليلات التي تهزم صمتهم. يقول "تمنيت أن أكون كسولاً، لأجد سببا أقنع به نفسي على عد قيامي بفعل ما." أما هذه فقد أعجبتني كثيرا، الانسان يبحث عن الشماعات دائماً، فان لم يجد شمّاعة لفشله وكسله، فلربما يجد نفسه مضطراً للعمل؟ 
يقول "إذا لم تجعل الحضارة الانسان أشد تعطشا للدم، فان جعلها تعطشه أشد شرّاً"، يشرح ان الحضارة طوّرت من لذّت العنف عند الانسان، وجعلتها أكثر فنّا واتقانا. "العقل ممتاز، لكنه ليس أكثر من عقل، فهو لا يشبع الا الناحية العقلية من طبيعة الانسان، في حين أن الإرادة أشمل، العقل لا يعرفُ سوى ما أفلح في تعلّمه." لا أجد ما أعلّق عليه، الفقرة عبقرية. يقول "يمكننا وصف التاريخ البشري بكل شيء، انا انه متعقّل". التاريخ جملة منظمة من اللاعقلانية الكرونولوجية. 
"الخمول، هو أبو الشرور كلها"، نعم، أضيف ان نبيّنا عليه صلوات الله استعاذ بالله من العجز والكسل. يقول أيضا "الانسانُ يعمل على تحقيق الأهداف الا انه لا يميل الى تحقيق هذه الأهداف." وهذه عبقرية أخرى، سبق بها الجميع، المغامرة اهم من الوصل، دائما، فالخطر الذي يخشاه الانسان، ان تنتهي أهدافه، بعد تتويجه، التتويج الذي لا يدوم الا لبضعة دقائق.
هكذا كانت قراءتي لهذه الرائعة، ما عساي الى ان أحثّكم على قراءتها، وقراءة أعمالٍ مشابهة. 

#عمادالدين_زناف
المقال 238

الجمعة، 19 نوفمبر 2021

الفلسفة المصرية القديمة



الشامل عن الفلسفة المصرية القديمة، التي تقودُ العالم.

▪ظاهرة الفلسفة.
لم تعرف الفلسفة شكلها الناضج الا في القرن السادس قبل الميلاد. ومع هذا، فلا يخفى عند الكثير من المهتمين بأمّ العلوم، أنّ مرحلة ما قبل سقراط، كانت المُفعّل والمكوّن الحقيقي لما يُسمّى الفلسفة اليونانيّة. فلاسفة وعُلماء مثل طاليس وفيتاغورس، كزينوفانيس، هيرقليطس، أنتيفونس أو ديموقريطوس، كانوا الحجر الأساس لقيام النهضة الاغريقية، قبل أن تُصبح حضارة هيلينيسية، امتزج فيها الفكر اليوناني بالفكر الشرقي بوضوحٍ تام. عُرف فلاسفة ما قبل سقراط بالنظريات الهندسية والرياضية والكونية، لكن لم تَعرف اليونان في ذلك الوقت حضارة قائمة على أسس صُلبة –عمرانية وإدارية-، عكس الحضارة الضاربة في عُمق التاريخ في الضفة الأخرى من البحر المتوسط، مِصر. 
▪مؤسسة اليونان.
لا يَختلف اثنان على أن اليونان هي مهدُ الحضارة الأوروبية قاطبةً، ولكن لكل بداية، بداية أخرى، ولكل مادة وفكرة، فكرة ومادة أسبق.
تتضارب الموروثات الحضارية في أصول الفكر ما قبل سقراطي، لكن مما لا يدعو للشّك، أن حساب زوايا وأضلاع ومساحات الأشكال الهندسية لم تَكُن الا بالنّظر الى الهندسة الحضارية المصرية، فلا يوجد بالمنطقة أقرب لليونان من مصر، ولا حضارة متكاملة الأركان مثلها.  فقد كان هؤلاء الفلاسفة مُحلّلين ومُفسّرين لظاهرة حضارية، ولم يكونوا مؤسسين لها، فاستعملوا المنطق الرياضي والهندسي لبناء تلك النظريات، ليصلوا أو ليلامسوا طريقة بناء الحضارة من البداية. 
إذا كان موروث الاولينَ شحيحاً، لا يكاد يوجد مختصّ في التاريخ والفلسفة، يشكّك في رحلات أفلاطون وأرسطو لمصر، للتعلم عند علماء مصر، ولم يكونوا الوحيدين، يمكننا ذكر من سبقهم مثل المؤرخ الكبير هوميروس. 
الجذور.
كل هذه التوطئة تجعلنا نطرحُ تساؤلات مشروعة، هل كان اليونانيين لصوصاً، أم حفنة من نقلة العلم، أم مُطوّرين لعلم سابق؟ 
الإرث الحضاري الذي تلقّفته اليونان، لم يكن سوى نتيجة عمل فكري وفلسفي وعلمي وثيولوجي عميق، ثابت في جذور حضارة مصر. عام ثلاثة آلاف ومئة وخمسون سنة قبل الميلاد، بدأت تتوحد صري في عهد الملك مينا، بتأسيس عاصمتها ممفيس. في ذلك العصر، لم تكن اليونان بشيءٍ يُذكر، الى غاية ألف ومئتين قبل الميلاد، برز العصر الكلاسيكي، أو العصر اليوناني المُظلم، الذي تخللته حروب عديدة على رأسها الغزوات الفارسية العديدة، بينما كانت مصر في عهد الفرعون آمون مسس، الحاكم للأسرة التاسعة عشر! الفرعون رقم مئتين وستة وأربعون لمصر. فمن الطبيعي جداً أن يكونَ لمصر القديمة، السبق في التصوّر الكوني والثيولوجي والفكري، والعلمي والرياضي والهندسي، ومُجرّد مناقشة هذا يُدّ ضرباً من السّفاهة. 
عند المصروليجيّين، أي علماء المصريات، تعود الفلسفة الوجودية الى ذلك التاريخ، تحديداً الى اوزيريس، لكن الحديث عن هذا مباشرة يُعدّ حرقاً للأشواط، فكيف نفهم الفلسفة المصرية؟
▪بناء المؤسسة الفكرية.
ما تركه لنا المصريون القدماء، هو تراكم فنّي فولكلوري لفكرة ومُعتقد أوسع بكثير، ما نراهُ في مصر، هو بناء هندسي مُتقن، تناغُم عمراني يتوافق والنجوم وحركة الشمس والقمر، بناء ميليمتري يظهر بشكل معيّن، ويرمز لشيء معيّن، مع كل تغيّر موسمي، ليشير الى بداية حول وسنة، وعمل ومحفل. كذلك، تعتبر الهيروغليفية، لغة تصويرية متطوّرة بشكل كبير جدا عن كل منطقة الحوض المتوسط والعالم، وما قد يُنافسها في التعقيد والدقة هو اللغة المسمارية في العراق، التي سبقتها أو عاصرتها.
الرمزية والاسقاط عند المصريين أمر عجيب جداً، يُجسّدون آلهتهم بشكل يشير الى معتقد ميتافيزيقي، مثلا ايزيس آلهة الحياة، اوريس إله السماء. وكل قناع حيوان يعبّر عن فكر وميول ورمزية، يتقلّدها راهب ما، لتمرير رسالة محدّدة. هذه الفكرة أخذها اليونانيون، في صورة زيوس إله الآلهة، وهو تقليد مباشر لآمون، وقد يكون هو آمون نفسه، بصورة جديدة وبُعد آخر. سنعود اليه لاحقاً. مصر القديمة تعتمد على المنطق والمفهوم والتسلسل الهرمي لكل شيء، الفرعون والحكام والوزراء والعمال والمزارعين والعبيد، كذلك العر.ق الأعلى المصري نحو الأعـ.ـراق الأخرى، منطق الهرمية ألهم العالم بأسره في طريقة الحُكم والتعامل البيروقراطي، بمعنى، الوصول الى الرؤساء والحكام والوزراء وأرباب المال، لا يكون بالسهولة التي تؤدي الى الفوضى، بهذا يكون هناك تواصل من كل مجموعة الى ما فوقها الى أن يصل الى الرأس الأعلى، وحتى الآلهة لها مهام خاصة، تبقى تحت لواء آلهة أعلى، الى أن تصل الى المُهندس الأعظم، وسنعود الى هذه الفكرة أيضاً.
هوسُ الكون عند المصريين.
   
حتى عند أقل الناس معرفةً بالفكر المصري، يُدرك حجم الاهتمام التي اولته هذه الحضارة للسماء والنجوم والكواكب، للكون أو الكوسموس عند اليونانيين. يتربّع على عرش الملوك والفراعنة الذي أسسوا لكل هذا الملك آمون رع، أو أمنرع، إله الشمس والرياح والخصوبة، الهُ كل شيء. هو نفسه سيتحوّل الى زيوس في الميثولوجيا الاغريقية، وكذا جوبيتار في الميثولوجيا الرومانية. 
آمون إله الخلق عند المصريين، فهو يُعتبر مروّضاً للفوضى، التي هل أساس الكون، وصنّفها في شكل منفصل، أي الى عالمين.
يرمز اسمُ آمون إلى ما هو مخفي، الشيء غير المعروف، واختيار هذا الاسم يشير إلى الإيمان بالأصل الميتافيزيقي للكون، أي أن فكرة الاله أصلٌ، تتجاوز قدرتنا على التمثيل، فسُميّ "المجهول". 
في احدى الجداريات يُقال، لا يمكننا معرفة الخالق انما نكتفي بمعرفة مخلوقاته. توصل المصريون إلى هذا الاستنتاج قبل فترة طويلة من الفلاسفة اليونانيين أو الألمان، مثل إيمانويل كان، الذي تناول هذه الفكرة في كتابه نقد العقل المحض.
نجد فكرًا مشابهًا ومماثلًا عند أفلاطون، يشرح فيها أن الجواهر أصل الكون. إن تقسيمه الواقع إلى عالمين، عالم مادي أرضي، وعالم ميتافيزيقي سماوي، ستكون –حسب نيتشه-  تسلسلاً منطقياً لبروز الدين المسيحي، كمواصلة لفكر أفلاطون، دون معرفة الأصل الأساسي لهذه الفكرة، أي الاعتقاد المصري القديم فكرة وجود الخالق.
لكن فكرة المصريين لم تكن بهذه البساطة، لا يزال العديد من الباحثين، يصنفون حضارة مصر على أنه حضارة تؤمن بتعدد الآلهة، بوليتييست، بينما الواقع يقول إنه كل تلك الآلهة تعود الى آمون او المخفي، فقد يكون المصريون موّحدون -لفكرة مشوهة-  للرب الأوحد، مونوتييست.
على عكس ما جاء به الدين السماوي –الإسلام- الذي نؤمن به، لا يعتقد المصريون القدماء أن الخلق جاء بإرادة من الله، فهم لا يرون بأن هناك بداية للخلق، أي خلق الأشياء من الله بعد أن لم تكن، وهذا ما تبعهم فيه الاغريقيون، فكرة أزلية الكون وقدم العالم، لا بداية حقيقية ولا نهاية في الأفق، كيف ذلك؟
▪المادة تلد المادة، المصريون يسبقون ماركس.
عند المسلمين، والقصد هنا بكل من تابع الأنبياء على ما جاءوا به من توحيد لله، الله خالق لكل شيء، لكن عند المصريين القدماء ومن تابعهم من حضارات، آمون هو الآب، والآب هو الذي يُنجب، الآب والخالق أمران مختلفان تماما. لهذا بُعث الأنبياء للتصويب.
الآب لا يخلق العالم، بل يلده، مثل المرأة التي تلد ابنها ولا تخلقه، هذه هي فكرة آمون، زيوس، اودين وجوبيتير. عند المصريين، هناك مادة أولية تسبق كل موجود، تُسمى عند الأفلاطونيين ديميورجdémiurge الجوهر المادي الأساس الذي يصنع كل شيء. 
هذا المُصطلح يعني بالصانع، أو الحِرفيّ بشكل أوضح، فسّره أفلاطون انه الحرفي الذي وضع قانونا ليُنظّم الكون. هل سمعتم بهذا الاسم من قبل؟ هناك منظمة عالمية لم تعد سريّة تحمل حرف G في شعارها، قد يكون هو الأصل الفرعوني للصانع الذي يؤمنون به، اما العين، فقد تعدّدت الأقوال، لا يَبعُد أن تكون عين حورس الفرعونية، المرفقة في صورة المقال. الأصل الفكري للعالم القديم هو المنظور المصري، والمتوسط والمعاصر تابع له، ما لم يخض للدين السماوي الإسلامي.
عند الفراعنة، الصانع هو القانوني والمشرّع للكون، بعد ان كان عبارة عن دمار وفوضى. تفرعت فكرة الصانع عند المصريين في بعض العصور، بين من عبد آمون، وأتوم، وبتاح حتب. وبتاح حتب، معناه الحرفيّ أيضاً.
نفس فكرة الفلسفة المادية التي تفعل كل شيء لتتحاشى ذكر الله، وتتحاشى القول بالخلق، وتكتفي بالأصل المادي للمادة، لأن الفكرتين متلازمتين، الله والخلق، والقول بهما يغير نظرتهم للكون رأساً على عقب، بكل التفاصيل، ما يجعلهم يحيدون عن الفكر الفرعوني المشرّع لهم. فكرة الفراعنة هي فكرة مادية، السببية لكل شيء، القول بأن العالم بدأ بخلق اراديّ، تعني أن هناك من هو أقدر من الفرعون، في مجتمع هرمي، هذه الفكرة هرطقة عظيمة، كما يبيّن لنا القرآن قصة موسى عليه السلام مع فرعون، الذي يرجّح انه رمسيس الثاني.
▪تلاميذٌ نُجباء، لكنهم لصوص.
هكذا أنعتُ اليونانيين، فقد أخذوا كل ما يلزم من المصريين لبناء حضارة أوروبية تتلاءم مع طبيعتهم، الفلسفة التي لاقت رواجاً واسعاً، وكما بيّنت، تقسيم أفلاطون تماشى مع الفكرة النصرانية، وهذا ما جعل لها القبول في العالم الغربي، رغم أنهم يدركون أن المنبع الحضاري لكل فلسفاتهم هم المشارقة القدماء. تلاميذٌ نجباء، فقد طوّروا العلم من أفكار غير منظّمة، وواصلوا فيها، لكنهم لصوص، اذ لم يشيروا الى مُعلّمٍ مصريّ واحد في مخطوطاتهم، هذا ما يُعاب عن كل فلاسفة اليونان، تبنّي ما ليس لهم، حتى أصبح الغرب يعتقد أن اليونان هي أم الفلسفة. 
ان فكرة استاذيّة الحضارات الشرقية، وأديانها، في تعليم العالم الغربي لكل شيء، فكرة صعبة للهضم، هذا ما يُفسّر تحاشى الغوص في أصول الفلسفة اليونانية، أكثر من ذلك، لم يتمّ الى يومنا معالجة اختفاء الفكر اليوناني من خارطة العالم بلمح البصر، بعد كُغيان الفكر الروماني، وسرقته لمعظم الإرث الاغريقي. لم تنتج اليونان ولا فيلسوف واحداً، في زمن عجّت فيه أوروبا بالفلاسفة، من البرتغال الى روسيا ومن إيطاليا الى السويد.
ما لم تُدركه من فلسفة المصريين، تشاده عند اليونايين.

#عمادالدين_زناف 
المقال 237

الأحد، 14 نوفمبر 2021

طاحونة تطحن نفسها



طاحونة تطحن نفسها.               [مقال ليس لكلّ أحد]

ليس هناك عهدٌ ينتهي من ذاته، إنما ينتهي عندما يملّ الإنسان مما يفعله، فلا تتعاقب الحضارات، سوى من الملل الذي يسودُ شعوبها وعلمائها وحكامها وفرسانها، ذلك الملل الذي يحطّ من الهمم، فتتقابل مع حضارة فتيّة في عزّ شبابها، تُعجّل من هلاك ذلك الشيخ المريض، ولم يشخ حقاً إنًما انتهى شغفه للحياة. هكذا تدول الدول، ترشدُ حتى تسْكَر من رُشدها. 

يقف الإنسان الأخير، في عتبة نهاية حضارته، يبكي بكاء الصقور، لا ينفعهُ سوى ابقاء ما سلف في الورق والجدران، أو استشراف ما هو آت،  فتحمله أمواج الحضارات الأخرى، يعيش بين ظهرانها، اِبناً لكل حضارة لا يشيخ ولا يغرق.

لا يرفُض الفعّالُ الحضارة سوى ليطرحَ فكرة ما بعدَ الحضارة، بمعاييرَ أكثر صرامة. الهدّام، يرفُض الحضارة لكي ينزل بالعالم إلى جُحرهِ، فلا ننزل إلّا لمن يرفعنا لما وراء الواقع.

من يغيّر الحضارة سوى القويّ، لكن تراجيديا القوي أنهُ يعاني أكثر من الضعيف، فالقوي قويٌّ لأنه يتحمّل الصّعاب، فاحموا الأقوياء من الضعفاء، لكي يكون للضعفاء خلفٌ أقوياء.

توقّف عن جعل الصّور هي من تحدّد القويّ من الضعيف، لا تُبنى الحضارات بنوادي المصارعة، بل بالعقول المعلقة في بعض الأجساد الهشّة والمتوسّطة. ومع هذا، لا تدع فكرة الجسد الهشّ مثالاً للقوّة، اضفر بالقوّة بكلّ أركانها، فالقويً الكامل قويً اللّسان، وجدير بصدّ كلّ من يعتدي عن اللّسان. 

الحضارة قرار، هذه الفكرة التي فهمها الإنسان، لا يوجد تسليمٌ ولا تبادل للحضارات، لا يوجد مسرح للتويج، لضمان صيرورة الإنسانية، كل حضارة، لا تريد وجود حضارة بعدها.

لا ننجح، لأننا نأخذ بالنقد، ونتراشق به، ونتبادل التهم، ونهدم كل من يحاول تجميع الهمم، نحنُ نحب فكرة أننا بليدون، لماذا؟ لأن البليد رُفع عليه التكليف، البليد طفل ليس مكلّف، إذا أحسن مدحناه، وإذا أساء قُلنا لم يبلغ الرشد.

نحب فكرة أننا سيؤوون حد الثمالة، ما دمت سيئا، فإذا أنا لست مكلفاً، أنا سيًء، إذا أنا متحرّر من كل شيء، وأستطيع أن أقوم بأي شيء، في الأخير.. لا يوجد ما تذمّ به القبيح سوى البحث عن مرادفات جديدة للقُبح. 

عليك أن تقبل بالنهايات التراجيدية، الموت حقيقة لكل مخلوق، وكل متحرّك متلازم بالسكون، وسكون الكون متلازم بسكون الوقت، والوقت مخلوق كغيره، سيأتي فيه يوم لا يكون.

سيكون النصر يوماً، والنصر لا يعتمد عليك كشخص بعينك، إنما تستطيع أن تكون ضمن لائحة النصارى مع المنتصرين.

هذا هو الإنسان في نظري.

#عمادالدين_زناف 
المقال 235

الخميس، 11 نوفمبر 2021

التكيّف؛ هاجس الفلسفة الجديد



هاجس الفلسفة الجديد: التعامل مع التكيّف!

في كتاب "يجبُ أن نتكيّف، تحت الزامٍ سياسيّ" Il faut s'adapter، تناولت الفيلسوفة "النيتشيّة" باربرا ستيغلر موضوع التكيّف من جوانبه العديدة، خاصة الجانب الفلسفي والإنساني، حيثَ عملت على مسح تاريخي سريع عن التسارع التكنولوجي الذي مس العالم، وقدرة الأفراد على التأقلم أو التكيّف معه، حيثُ أشارت بأن نيتشه، في كتاب Œuvres posthumes، كان قد عبّر عن قلقه من بروز التيلغراف، الذي سيلغي العمل الإنساني، مما سيأثر على طبيعته وجسده وهرموناته، حيث كان متأثراً بالنظرية الداروينية التي ترمي الى تأقلم الانسان مع الوضع، وأشار، أن هذا النوع من التكيّف سيكون مضراً، وهو غير محمود بالمرّة، لكنه واقع وجب التأقلم معه في نفس الوقت. أسست باربرا خطة عمل تاريخية، تدرس بداية ظهور الليبرالية الجديدة في سنوات 1930، وتبلور حكومات جديدة تقود هذا التحوّل الإنساني والحضاري الجديد.
فكرة التكيّف مع الواقع، نقلتنا الى فكرة التأقلم مع هذا التأقلم، يقول نيتشه أننا سنقوم بردود فعلٍ، في زمن ردّ الفعل أصلا، ما سيجعلنا نحوم حول نفس الفكرة العدمية، ذوبان العالم في فكرة وحدة وتوجّه واحد، اضمحلال الثقافات والعادات، وبروز العولمة والفِكر الموحّد، لن يساعد على بروز فكر جديد، ينقذ البشرية من هذا التأقلم السّام. ترعرع نيتشه في نفس الزمن الذي شاع فيه استعمال التليغراف، والصحافة المكتوبة، وقد أشار الى أن هذا العالم الجديد، لا سبيل بعده للرجوع الى الانسان الأعلى. 
تناولت فكرة العود الأبدي، عندما فككت فكرة نيتشه الى مصطلحين، الركود والاغلاق، الأمر الذي يعطّل التطوّر الإنساني نحو الأفضل، وليس التغييرات السطحية في التواصل وتعويضه بالآلة، الركود يُقصد به عدم تطور الانسان تفاعليا، جرّاء التراجع الجسدي والهرموني، وفقدان القدرات البدائية له، والاغلاق، هو البقاء في تلك الحالة، فكر وتوجّه مُوحّد للعالم كله، يجعل منه مغلقاً يُكرّر نفسه، فكما هو معلوم، الاختلاف أصل التقدّم الإنساني، أما القيادة الوحيدة، فتجعل العالم راكداً ومُغلقاُ، ولو ظهرت التغييرات كلها. 
كيف يمكننا أن نبقى بشراً في زمن التليغراف؟ كيف ستكون تعاملاتنا، عندما نتباعد، هكذا أشار نيتشه الى نقد ما بعد الحداثة، وكيف سيعود الانسان، بعد ان تكيّف مع الوضع العالمي، في ظلّ غياب كلّي للصوت الآخر.
يقول، لا نستطيع أن نواصل في فكرة "سنُصبح" الديوجينيزية، المواصلة دون توقف ستجعل العالم لا يطاق ولا يُعاش، ولا يمكن التوقف والركود، الفكرة الأبولونية، خاصة وأن هذا الركود يحدث عندما ينغلق الانسان على توجّه نحو الهاوية. 
التكيّف مع عالم مريض، هل هذا هو الحل الوحيد؟ هكذا وضعت حكومات العالم فكرتها النهائية، في بداية القرن العشرين، تمخض العالم وبرزت فيه عدّة أيديولوجيات متباينة الفكر والوسائل، الحروب والمكائد والمخلفات التي وصل اليه في منتصف هذا القرن، جعلت الانسان يظن أن زمننا الحالي هو أنضج ما يمكن أن يصل اليه الانسان، كذلك تظن كل حضارة مسيطرة على الزمكان.
بعد الحرب الباردة، خرج العالم بأسره منهكاً من كل شيء، من الجوع والعداوات وحالات عدم الاستقرار، مما أنتج جيلاً تلازمه فوبيا "المقاومة" والحروب، جيل يقبل كل التغيرات الجديدة التي تُبعده عن الواقع، وتضعه في حجر أو في منفى، يعيش مسالماً وسط خيالاته، والفخ الذي لا نَعلمُ كيف سنجاوزه : كيف سنُجاوز قنطرة هذا التكيّف الجديد. 

المقال 234.
#عمادالدين_زناف

الأربعاء، 10 نوفمبر 2021

الجزائريات أحسن من الفرنسيات

لماذا تتفوق الجزائر و”بعض البلدان العربية“ على دول مثل أمريكا وفرنسا وكندا في نسبة النساء المهندسات بشكل عام، وحاملات الشهادات العلمية الصلبة!
فقد أشار موقع المختص بالإقتصاد econstrum، إلى أن نسبة النساء اللواتي اخترن تخصص المعلوماتية وتخرّجن فيه في الجزائر، تصل إلى 48.5% ، تونس 44.2%، المغرب 42.5%، سوريا 43.%.. أما في فرنسا فهي في حدود 26%، الو م أ 20%، كندا 19%.  هذه الدراسة أوضحت أن الدول المتقدمة، نسائها لا تتقدمن للمواد العلمية الصلبة، إنما تخترن علوماً إجتماعية مثل، علم النفس والآداب واللغات!  عكس الدول المصنفة في طريق النمو، نجد نسباً عالية في اختيار العلوم الصُلبة بالنسبة للسيدات! كما ذكرت لكم آنفاً.
نستطيع تفكيك سرّ هذه الإختيارات، من جانبين، الأول فلسفي والثاني ليس بذلك البعد عن الأول، الإقتصادي.
في بلدان تعاني تراجعاً، أو استقراراً في ضُعف توجهها العلمي، نجد مفارقة تستحق الدراسة، وهو اهتمام السيدات بما هو غير معمّم في بلدانها.
أولا، عامل المرأة الأوروبية النفسي، وعامل بلدها الإقتصادي، يسمح لها بأن تختار أي تخصص بحرية تامة، غير مقيدة بنوعية العمل الذي ستوظف فيه مستقبلاً، بما أن الفرص متاحة، ثانياً، لا تشعر السيدة الأوروبية بالخطر الاقصادي على حياتها، لأن معظم دول الغرب تعتمد امداد البطّالات مِنح البطالة ومنح أخرى عديدة تكفل كرامتهن.   ليس المال عند الأوروبية هدف في ذاته للحياة، او لتجهيز شيء ما، الحياة هناك تعتمد على الإبداع والعمل فيما تحب، لتكونَ سعيداً، أخيراً، نسبة ذكاء المرأة الأوربية أقل من نساء العالم، هذا لأن المرأة الأوروبية تحمل جينات امرأة لم تكن رحّالة، بل لازمت البيت كثيرا عند غياب الرجل، بسبب الطقس البارد، وهذا ما لم يسمح لها بالتطور اجتماعياً، بازاء مناطق العالم معتدلة الطقس، والتي كانت للمرأة فيه دوراً قياديا، وكانت تسافر كثيراً مع زوجها.
الآن، نصل إلى عالمنا النامي، المرأة هنا تعاني الكثير من الضغوطات، أولاً، لا أمان اقتصادي، هذا ما يجعلها تفكر في لا وعيها في تأمين مصدر رزقها، ثانيا، تعمل المرأة على ضمان تجهيز زواجها، الأمر الذي بتطلب منها مدخولاً محترماً، ثالثاً، قد تعاني من ضغوطات عائلية لدراسة العلوم الصلبة، للتباهي بين الناس، رابعاً، المرأة العربية والجنوبية بشكل عام، أذكى كما ذكرت، وهذا راجع لجيناتها المساهمة في تاريخ المنطقة، ديهيا، تينهينان، فاطمة نسومر، كمثال في الجزائر حصراً.
هذا الأمر الذي دفع دول أوروبا، يساريّوا الفكر خاصة، بالعمل على؛ إما لزهم لهذا الخيار العلمي، الاعتماد على أدمغة العالم الثالث، أو دفع الرجال إلى التوجه لتخصصات أخرى، او، دفع حركات النسو.ية للمطالبة بالعدل والمساواة في الرواتب مهما كان التباين في التخصصات، وهذا لرفع القدرة الشرائية للمرأة، والتي تبقى الضحية الأولى للشراء، أي، هي أساس السوق في العالم.

#عمادالدين_زناف
المقال 233


السبت، 6 نوفمبر 2021

تفسيرات جديدة، للثابت المحكم؟!



القرآن الكريم، بين القراءة الأصولية والاستقراء الحديث.

عَرفَ عصرنا الحديث، شيوع مصطلح "الاعجاز العلمي"، الذي يرمي الى ربط العلم بالآيات، واثبات صحة الحديث والقرآن، بالتطابق بين ظاهر النص، وآخر ما توصّل اليه العلوم، بمختلف التخصصات. عرفت هذه الحركة رواجاً عبر العالم، بين تأييد المسلمين بشكل عام، واستنكار الآخرين. وقد بيّن الكثير من العُلماء، أن الاعجاز العلمي قد يكون سلاح ذو حدّين، فقد يَدعم ظاهر النص أحياناً، وقد يتغيّر المنظر العلمي، او يتم اكتشاف شيءٍ مخالفٍ تماما، وهذا يضع المُستدَل ببعض الآيات في حرج، لذلك، آثر الكثير من الفقهاء، ألا يتم التسرّع بإسقاط الآيات الثابتات، على الأمور المتغيرات، فالعلم غير ثابت النظرة، لذلك، من العبث أن نُثبت أحقية القرآن، بشيء غير صُلب، والقرآن في ذاته، يؤمرنا بالإيمان بالغيب، ولا يطالبُ بإثبات ذلك مادياً. 
لكن هذه الحركة، حركة الاعجاز العلمي، هي حركة مُجتهدة، تُصيب وتخطئ، فلا تُعاب على اجتهادٍ، ما لم تجزُم به، ولم تَفرضه فرضاً على الناس، عكس حركات جديدة، تدّعي انّها قرآنية، أي تعتمد على القرآن فقط، ولا تلتفتُ الى السُّنة، رغم أن نفس الذي أتى بالسنة ونقلها لنا، هو الذي نقل القرآن تواتراً لفظياً، فاذا كان القرآن مقدّساً فالسنةُ كذلك مقدّسةً، واذا شكّكنا في مصادر السنة، ألزمنا أنفسنا بأن نشكك بمصادر تواتر القرآن، فهو لا ينزل من السماء على "القرآنيين"، بل يعتمدون على سند الرجال والقُرّاء، مثل قراءة حفص عن عاصم، وورش عن نافع، رضي الله عنهم جميعاً. 
الآن وبعد أن فككنا أوّل قنبلتين، بقيت لنا قُنبلة أخيرة، اعادةُ قراءة القرآن، تأويلاً وتفسيراً. هذه المهنة عُرفت لمن يُسمّونَ المفسّرين بدرجةِ المُجتهدين. ما المُجتهد في التعريف الديني للمصطلح؟ المُجتهد هو الذي أحاط بكل أدوات وعلوم الآلة الخاصة بالدين، المُجتهد مُحيطٌ بعلوم اللغة، نحو وصرف وبلاغة ومجاز، بعلوم الفقه بكل ما فيها، علوم الحديث قاطبةً، بعلم الرجال، الإحاطة بالجرح والتعديل، معرفة أصول المذاهب، على ما قامت عليه، وعلى ما اختلفوا فيه، كذلك أضيف شيئاً مهماً، الاطّلاع على كل التفسيرات السابقة، من تفسير ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، الى الطبري الى ابن كثير الى البصري الى القرطبي، هذا إذا اكتفينا بأعمدة التفسير الأوائل.
كذلك، الإحاطة بالاختلافات العقائدية بين أهل الحديث، الأشاعرة، الماتردية، قراءة كتب العقائد المشهورة، مثل العقيدة الطحاوية والنسفية وغيرهم. فاذا أحاط الطالب بكل هذا، ويعلم الله كم هو صعب وشاق على أي طالب أن يحيط بكل هذا، هُنا يُمكنه أن ينطلق في فهمٍ جديد، لم يُسبق اليه، مع عدم تنصّله من الثوابت الدينية المعلومة من الدين بالضرورة.
أما ان تتقدم لشرح النصوص، وأنت لا تُحسن قراءة الآيات بأكثر من قراءة، ولا اعرابها، ولا تعرف سبب نزولها، ولا ما قاله الصحابة عنها، وتخطئ وتلحن في الكلام، وليس لكَ دراية بمن هو الطبري والطبراني، النسفي والتفتزاني، الباقلاني والجويني، السرخسي والزمخشري، الذهبي وابن عساكر، ولا تعرف من هم أعمدة التفسير، وأهل الحديث والرجال، ثم تقوم لتفسّر القرآن.. فهذا عَبث لا يصحّ.

والله ينصر المُتعلّم، طيّب النوايا.

#عمادالدين_زناف 

المقال _231

الخميس، 4 نوفمبر 2021

نص بسيط.. يُهكّر عقلك



منشور لتهكير العقل وكنس الشوائب.

▪مـا الذي يُعطّل فهمنا للأشياء؟
🔸استباق الأحداث؛ قراءة الأجوبة قبل إجابة الآخر.
🔸 الإنحياز الفكري؛ أن تملك فكرة مسبقة تعتقد أنها الحق المطلق.
🔸الإنحياز التأكيدي؛ تريد البحث عما يدعم فكرتك، أولا وقبل كل شيء.
🔸الإندفاع العاطفي؛ تريد حماية نفسية من الحزن و الكآبة.
🔸المصالح الشخصية؛ ذلك المفهوم سيشوش علاقاتك.
🔸التعصّب؛ مزاجك لا يحتمل التفكيك العلمي.

▪مـا الذي يجعلنا لا نُحسن الإقناع؟
🔵 بناء الحجة من الشّك؛ ما يبنى على باطل، سيبقى هشاً، الكلام بالقيل طريقه مسدود.
🔵 بناء الحجة بلا مصدر؛ ستقع في حرج لو قلت أنها من رأسك.
🔵بناء الحجة من العاطفة؛ تريد أن تجعل من الوهم شيئا ملموساً.
🔵بناء الحجّة لإرضاء طرف ما؛ أنت لا تتكلم بلسانك وعقلك، إذا كلامك محدود.
🔵بناء الحجة بالحجة ذاتها [المصادرة عن المطلوب]؛ أن نجعل من الماء مصدر لشرح الماء، لا يمكنك اقناع نفسك.

▪مـا الذي يجعلنا لا نركّز، عندما نحتاج التركيز؟
⚛ المشاكل العالقة؛ كل مشكلة لم تحل، ستعود في غير وقتها تطلب الحل.
⚛ الخوف والقلق؛ تخلص من كل مخاوفك، عالج نفسك.
⚛ التركيز مع عملية التركيز؛ الدوامة، التركيز فيما يجب فعله يشوش، فكر في الهدف لا في الوسيلة.  
⚛عدم الإهتمام؛ إذا كان الأمر لا يهمك انسحب.
⚛استصغار الذات؛ انت تقلل من قدرة عقلك على الاستيعاب، خطأ، أنت فقط كسول.

▪مـا الذي يجعلنا مترددين؟
☣عدم تحديد الهدف؛ كيف تعيش دون هدف؟ .. سارع بتحديده.
☣الخوف من رأي الآخر؛ الآخر يخاف من رأيك أيضاً..متى ننتهي؟
☣عدم معرفة طاقاتنا الذاتية؛ اختبر نفسك لتعرف إمكانياتك، غامر.
☣ تأثير التجارب السابقة؛ الماضي قد مضى، ولن يعود، لا هو ولا ظروفه، انت ابن اللحظة.
☣تأثير تجارب الغير؛ توقف عن وضع المقارنات، كل شخص وبصمته، لكل قبره.
☣الاستماع لغير العلماء والمفكرين؛ توقف عن هذا، فضلاً.

▪مـا الذي يجعلنا غير طلقاء اللسان؟
☢الإعتقاد بكمال الآخر؛ هو مثلك، لكنك أشجع، لأنك تتكلم.
☢الإعتقاد بأن الآخر يهتم لما نقول؛ قليلا، أقل مما تظن.
☢الإعتقاد بأن علينا أن نكون خارقين؛ الناس أقوياء ككتلة ضعفاء كأفراد، فكّكهم. 
☢الإعتقاد بأن العفوية خطأ منهجي؛ المنهجية مهمة، النقاط تؤخذ بعفوية، لا تكن ابن الحرف.

#عمادالدين_زناف

الأربعاء، 3 نوفمبر 2021

الحرية قيدٌ شفاف



الإنسان خاضع للضمنية، فهو ضمن كون، وضمن نظام طبيعي، وضمن عالم المخلوقات، وضمن عالم الإنس، وضمن مجتمعه، وضمن نفسيّته، وضمن قوقعته [ الأنا]، ولو بقينا نعدد الضِّمَن فلن ننتهي.
 فقط تخيّل كرة صغيرة، ضمن كرة أكبر منها، وأخرى أكبر.. وكل كريّة خاضعة لظرفها، المرتبط بالكرة المحيطة بها، أصغرهم مرتبطة بأكبرهم بالتسلسل النظامي، المعنوي، الروحاني، والمادي.
فعندما يأتي أحدهم، ويدّعي التحرّر، نطرح عليه سؤالاً وجيهاً؛ التحرّر عن ماذا؟ تقصد أن تُصبح إلكترون حرّ؟
لن تجد تعريفاً مباشراً للالكترون المتحرّر.
 كل فكرة وحركة واعتقاد يُقيّدك بضمنية أخرى، صنعها أشخاصٌ آخرون.
ربما يكون مصطلح [الأحرار والحريّة والتحرّر] هو أكبر أكذوبة يصدّقها بعض الناس. لأنه مصطلح مُقيّد كغيره، فأنت تتحرّر من فهم، لتتقيّد بفهمٍ آخر، حتى لو ادّعيتَ التنصّل من كل المفاهيم، حتى لو سكنت الكهوف، وتجرّدت من كل رمز حضاري، مادي وفكري أو معتقدي، فأنت مقيّد بالفكر البدائي.
يُستعمل مصطلح التحرر والتمرد عادة، لإخفاء الإنتماء الحقيقي للأفراد، أو الإنتماء الجديد الذي يعتقدونه، وبحكم القيد الإصطلاحي في المجتمعات، يمتنع الكثيرون عن ذكر المعتقد الذي يسيرون عليه.
يحدثُ أن يجهل مدّعي التحرر ما الإعتقاد الذي يسلّم به، وهذا للعجز الثقافي والفكري الفادح.
من لا يَعبدُ الله، فهو يعبدُ رغباته، اي نفسه، يُقدّس ملذاته، ورغباته، أو، يقدّس إنساناً مثله، لا حول له ولا قوة. فإذا تحررت عن الدين، تقيّدت بشيء آخر، له نفس قُدسية الدين!
اللعب بالمُصطلحات، هو التحرر الذي يعتقده الناس في معتقداتهم اليومية، وأفعالهم العشوائية.
إن الذي إذا جاع أكل، وإذا تعصّر أحدث، وإذا حزن بكى، وإذا فرح ابتسم، وإذا أحب أعطى، وإذا كره عادى.. لا يُحسن أن يتحرر من عاداته الضمنية، فكيف له أن يتحرر بما يفوقه إدراكاً، وهو جزء من بليون جزء، ضمن عالم كالخاتم، ملقي في وسط صحراء شاسعة..بالمقارنة بعرش الرحمٰن.

#عمادالدين_زناف

الاثنين، 1 نوفمبر 2021

مصطلح ”الهيولي“ الغريب




مقال اليوم فلسفي، لا مُجاملة فيه.

وأنا أتصفّح كتاب «التوحيد» لأبي منصور الماتُريدي، صاحب المذهب الماتُريدي الشهير، شدّني مُصطلحٌ كرّرهُ بكثرة، وبأسلوب مُزعج بعض الشًيء، فشعرتُ بأنني سمعتُ بهذا المُصطلح من قبل، والحقيقة أنني قرأتهُ عند الفلاسفة، باللغة الفرنسية -Hylé-، لكنني لم أقف عندهُ في ذلك الوقت، لأن فلسفة آرسطو تسمح بأي تصوّر، لكن أن تجدهُ في كتاب ”دينيّ“، فهذا يدعو للبحث الجاد.
الهيّولة أو الهيولا أو الهَيولي، هو جزء من خمسة أجزاء لما يُسمّى ”الجوهر“، الصورة، النفس، الجسم، العقل، والهَيولي.
نبدأ بتفكيك مصطلح الجوهر! ستجد عدة تعريفات فلسفية له، لكنها تتحاشى القول ببساطة أن الجوهر هو الروح، روح تشبه صورة الجسم لكنها غيرُ مريئة، مشكلة العديد من الفلاسفة الأولين، إما إنكار الروح، أي إنكار الجوهر من أساسه، أو، جعل الروح في كل شيء، أي لكل شيء جوهر! لن تعريف الجوهر فلسفيا، غير تعريف الروح دينيا، لذلك أخذوا هذا المصطلح ووضعوه في وعاء فلسفي، وهي فلسفة تشبه فكرة [ وحدة الوجود، التي ترمي لاتحاد الخالق بالجمادات ] للفيلسوف سبينوزا، ولبعض المتصوفة كابن العربي وابن الفارض وابن سبعين والحلاج، وتشبه أيضا فكرة [ الإتحاد ] التي يؤمن بها النصارى، وهي تثليث الرب. إذا فهمنا بالتقريب ما المعنى بالجوهر، والإسم يدلّ على المعنى، فلا يتفاعل شيء في هذه الحياة دون جوهر، وبعد تقسيم هذا الجوهر، بقي مُصطلح الهيولي مُعلّقاً بين الفلاسفة والمتصوفة والعلماء.
يُقصد بالهيولي هو أصل المادة، وهو أصلٌ مُوحّد عند جميع المواد، إنما تختلفُ صورته عند كل مادة، أو يأخذ صورة من كل مادة، كما بينت في تقسيم الجوهر. 
وهذا المبحث، اتّخذ طريقاً واسعا فيما يُسمى علم الأجزاء،  وأسس كذلك لمذهب الذرات الروحية مذلك ”المونادولوجيا“، والتي ينطلق منها كل الكون، من تفكير الفيلسوف ليبنيتز. الذي شرح فيها إجمالا «مبادئ الطبيعة واللطف الإلهي».  -ابحث أكثر-
إذا اتفقنا أن المصطلح فلسفي بحث، فما الذي جعل الماتُريدي يردّده في كتاب، يزعم أنه يتكلم على التوحيد، سؤال وجيه. المعروف أن الأشاعرة والماتردية قد تأثروا كثيراً بالفكر المُعتزِلي -فرقة المعتزلة، ابحث أكثر- ، والمعتزلة ذاتهم كانوا متأثرين جدا بالفلسفة، إلا أنّهم ”لطّفوها“ فيما يسمى بـ ”علم الكلام“، وهو فرع من فروع الفلسفة. وقد حاولوا التوفيق بين الفلسفة والدين في أصل الدين، وهذا ما أحدث فتن عديدة معروفةً جداً لا أريد الإطالة فيها.
اتّفق للماتريدية عديد المصطلحات الفلسفية في الوعاء الاصطلاحي الديني.
ما تراهُ من الأجسام، في قول الفلاسفة، ظاهرهُ منفصلٌ وباطنه مُتصل! بمعنى، أن الأجسام تتجزّأ نظريا، لك تحتوي على نفس الهيولي! الآن اتضحت لكم الفكرة، وفهمتم لمَ قلت أنها قريبة من فكرة الحلول والإتحاد التي تبناها سبينوزا وابن العربي.
إذا الخطأ جليّ وواضح في هذا الاستعمال للإمام أبي منصور الماتُريدي، ولا أعتقد أنه يؤمن بالحلول والاتحاد، بل كان اعتقادهُ سليماً، لكن هذا المُصطلح في غير محله، بعد أن فككناه فلسفيا، وعرفنا أن لا أصل له في ديننا، إنما الاصل عندنا هي الروح والنفس، وما نعرفه عنهما هو ما عرفنا الله به فقط، ولا يمكن تحليل الروح علمياً لأنها من الغيبيات.
تجد مصطلح الهيولي منتشراً في العلوم الدقيقة، كالدم والعظام، وتجده منتشراً عند بعض الماركات العالمية التي تسوق التسميات الفلسفية، كما شاهدنا مؤخرا تسمية (ميتا).

لا تنسى نشر المقال لتعُمّ الفائدة 
المقال 231
#عمادالدين_زناف