الأربعاء، 21 يوليو 2021

حمدان قرمط والاشتراكية



قبل الحديث عن حمدان، وجب وضع تعريف عام عن نشأة القرامطة! 
القرامطة هم أبناء مُشوّهون لدولة مُشوّهة سمّت نفسها بالفاطميـة انتساباً لأهل بيت الرسول عليهم السلام كذباً وبهتان، وهي الدولة العُبيديّة الباطنيّة، نشأت لداعيتها الزنديق عبد ابن ميمون ابن ديصان الفارسي القدّاح، وقد كان من رُسُله في العراق رجل يُدعى حمدان قُرمُط، والمعروف أن القرامطة رفضوا إمامة الفاطميين وانشقوا عنهم وكونوا جماعات في مناطق انبثقت بين البحرين والحجاز.

 أفكار قُرمط أثّرت في فلاديمير لينين نفسه.. قائد الثورة البولشفية! فقد كان يَسند بذور الشيوعيّة إلى حركات القرامطة، ويكتب أشعاراً عنهم. فالمعروف عن القرامطة أنّهم أشاعوا الأموال والأملاك والنّساء، فقد كانت دعوة قُرمط الى التبرّع بدينار للإمام!

ثمّ طالب بمُلكهم، وقال بأن المُلك للجماعة، الى أن طالب بنسائهم أيضاً، فزوجة كل واحد هي زوجة الجميع.. فأباح كل شيء.

الثورة القرمطية هي ثورة الفلاحين والعمال، فقد كانت تلك الثورة إبان ثورة ”الزنج“ بالبصرة ضد الدولة العباسية. تسلل الإسماعيليون إلى الحركات المناهضة للحكم العباسي، وقد كانوا أنصار إمامة اسماعيل إبن جعفر الصادق، ثم بايعوا إبنه محمد ابن اسماعيل، واطلقوا دعوة لمهديّته. على عكس من يؤمنون بإمامة موسى إبن جعفر، وهم الشيعة الإمامية الإثناعشرية.

قدم أحد الدعاة للفرقة الإسماعيلية، وهو حسين الأهوازي، وكان الناس آنذاك يعانون من تردي أوضاعهم بسبب كثرة الضرائب المفروضة عليهم، واستغلال الملاكين لمجهوداتهم.
التقى حسين الأهوازي بفلاح يدعى حمدان قرمط، وكان قد بدأ بدعوته من قبل، فآمن بدعوته، وقد انتشرت حركة القرامطة بسرعة غريبة في أوساط العمال والفلاحين، ثمّ امتدت لتشمل أهل الحرف والمعدمين من سكان المُدن في منطقة الكوفة والبصرة وغيرها من مدن العراق، ثم امتدت للمليج وبعض مناطق بلاد الشام! ثم إلى اليمن في جنوب الجزيرة.

#عمادالدين_زناف

الأحد، 18 يوليو 2021

عندما تفلسف التصوّف



يقول البَـيروني”الصُوفية مأخوذةٌ من الكلمة اليونانية صُوفوس،  والتي منْها فيلوصُوفيا، بما يعني حُب الحكمة،  ومنها السَّفصطة، أي مذهب الحكمة“. وهو رأي شاذٌ وزائف، ولكنّه يُلامس التـَّلاقي بين الفلسفة والصوفيّة عند البَحرُ العَلم البَيروني! فالقول عن التصوّف بالمُجملِ لم يُجاوز لباسَ الصُّوف، لتوفّره وبخص ثَمنه، للصّفاء والكَرم، وللصّفّيّين، الذين يلتحقون بالصّفوف الأولى في الصّلاة. قالَ عنهُ الكتّـانيّ أنّهُ الخُلُق، وقالَ التُـسْتُريّ أنّهُ من صَفا من الكَدَر، وقال الـرُوذَباريّ هو من لبِسَ الصُّوفَ على الصّفا..وكانت الدُنيا منهُ على القفا..ونهجَ سبيلَ المُصطفى، وقالَ ذو النُـون المِصري من إذا نَطَقَ أبانَ عن الحقائِق.. ومن إذا سكَتَ نَطَقت عنهُ الجوارِح بقطعِ العلائق. ولكن أُصيب هذا التصوّف بعقائِدَ زندُقيّة مقيتَة، مُختلفةُ المصَادر. وكان التَصوّف والزُّهد شيئاً واحداً، إلى أن افترقا في يومٍ حزين. وأصبحَ للتصوّف سُلوكاً مُستقلّاً، وقد نوّه حُجّة الإسلام الغـزّالي، أنه ليس الزُّهد لمن ليس له ما يترُكُه، إنّما هو التّركُ لمن كان لهُ نصيبٌ من النّعمِ، وأصلُ التصوّف في الزهد عن الدنيا بِما فيها لـ لله. فمن ذا الصُّوفيّ كأبي حامد والحافِظ السُّيُوطي! لكن، متى ظَهر مُصطَلحُ التصوّف؟، يُقالُ أنّ أوّل من تكلّمَ به هكذا هو الجـاحِظ ”الصُوفيّة النُسّاك“، فكُلّ ما نُسبَ للأعلامِ بهذا المُصطلح قبل الجاحظِ كَذبٌ. فقد كان يُسمّى بالسّير والسُّلوك عند ابن تـيميّة كمِثال، وقد كانَ التصوّفُ الإسلاميّ الأوّل زُهداً، مصدرهُ الكتابُ والسّنة، بالخُصوص أوّل قرنينِ مِنَ الإسلام. 
مع بداية القرنِ الثالث انشقَّ التصوّف عن الزُّهُد، وهي الفترة التي عرفت ترجمة الفلسفة اليونانيّة عند العرب، فبدأ التأثّر بشكل كَبير بالفِكر الأفلاطونيّ، حيثُ مهّد لهذا الكِنْـديّ، ومَعروف، معروفُ ابن فَيْـرُوزان الكَرخيّ، وتوالى مع السَـقطيّ، ثمّ الجُـنَيْد، وكلُّهم ينتمون للمدرسة البغداديّة.  في نفسِ الفترة انبثقت حركةُ الزّنادقة، والإباحيّة في التصوّف. وقيلَ أنّهُم كانوا يقولون أنهم قد ”وصلوا“، وأنّ بالعبادة المُثلى قد سَقَطت عنهم الفرائِضُ! كما دوّنوا”اسقاطُ العبادة عن أهلِ الولاية“!، فقالَ عنهم الجُنيد أنهم ”قد وصولوا إلى صَقَر“. وكانَ التشقّق عن الزُّهد بتبنّي المدرسة الفارسيّة للزندقة في العقائد الأوليّة متأثرة بالفلسفة اليونانية، كأزليّة الكون. فشاعَ فيها الغُنوص وقلّة الحِسّ، من أشهر أعلامها البُسطاميّ والحُسين ابنُ منصور الحـَلّاج، وقد كان حُلولِيّاً، معتقداً أن الإله يحلُّ في الإنسان، وهي فكرة بعيدة عن الشريعة والزّهد الأوّل. 
فانتشرت الإباحيّة، إباحةُ المكروهات ووضعُ العِبادات، والحُلوليّة. فيمنتصف القرن الثالث الهجري، عرف التصوّف منحى فلسفيّ، مع ثوبان ابن ابراهيم ذو النون، الذي أشاع الأفلاطونيّة المُحدثة، التي تُنسب إلى أفلوطين، وانفجرَ في القرن السادس والسابع مع مؤلّفات مُحي الدين ابن العَربيّ، الحاتم الطّائي، وعبد الحق ابن سبعين، والسُّهوردي، وظهرت معها وحدانيّة الوُجود، أي أن الخالق هو الطبيعة، مشتقة من الهندية القديمة كفلسفة ومُعتقد. وهو نفس الفكر عند الفيلسوف البرتغالي باروخ سبينوزا. 
وما يزال أتباع المذهب الصّوفي منتشرين بقوّة في العالم، فمنهم من اتّبعوا الزّهد الأوّل، وهم الأولياء العرفين بالله، ومنهم من تبنّى التصوّف الفلسفي الثاني، الذي عرفته المدرسة الغدادية المعتدلة نوعاً ما، ومنهم من تبنّى الأفكار الزندقية الواضحة ابتداءً من المدرسة الفارسية والهندية القديمة. 
استفدتُ في هذا المقال من مراجع طرحها الدكتور عدنان ابراهيم حول تاريخ التصوّف. 

#عمادالدين_زناف 
المقال 181

الأربعاء، 14 يوليو 2021

الحكم على الآخر عمل صحّي



📌 هل ”الحُكم على الآخر“ عادة خلقية سيئة، أم عادة إنسانية طبيعية؟

كثيراً ما يردّد الناس أنه من المخزي أن تحكم على الآخر بالفساد، بالغباء، بالضعف، بالتطرّف، بالجهل، لمجرّد خطأ أو جملة أو عمل أو إشارة كانت قد صدرت منه، وقد تكون تلك ”الهفوة“ لا تمثّل سريرته ولا أهدافه ولا نواياه، وقد تكون لحظة غضب أو اندفاع أو سهو أو زلّة لسان، بحيث لا يمكن أن تكون لحظة هي المُمثلة لكائن مركّب مثل الإنسان.
يقولون أيضاً، أنّه من المرجّح أن يكون الشخص نابغة، عبقري،  قويّ المُلاحظة، سريع البديهة، عميق الفكر، إذا بدر منه شيء بسيط يشير إلى تلك الصّفات، إذا أصاب الشخص في موضوع ما، في رأي ما، في معلومة ما، يتم ترجيح أنّه من الأذكياء، ففي كلا الحالتين، يخضع الآخر للحُكم الآني اللحظي، وأساس ذلك الحُكم هو الظاهر من الأعمال.
الحُكم على الآخر يخضع لشيء وحيد وأوحد، وهو الإنحياز المعرفي، ما يسمى بالفرنسية le biais cognitif بحيث لا يمكن في أي حال من الأحوال تفادي هذا الإنحياز المعرفي حتى في العلوم، وكمثال سريع، يخضع المؤمن تلقائيا إلى الدراسات التي تشير إلى الخلق الإنساني أكثر منها إلى التي تدرس التطوّر، ويُحاجج المؤمن تلقائيا بتلك المقالات العلمية لمناهضة الأبحاث الأخرى، ربما دون قرائتها حتى. 
يسمى هذا أيضا بـ النزعة التأكيدية او الإنحياز التأكيدي biais de confirmation الذي بدوره يعدّ حلقة مغلقة من الباحث او المُصدر للأحكام، في معظم الحالات يتم استعمال هذا المنطق لمن يرى أن حجج الآخر قد تشكّل خطراً، وبالتالي، يتم تجميع أكبر عدد من البحوثات المختارة بعناية والتي تصب لنفس النتائج، في أي موضوع، علمي نفسي اجتماعي وفلسفي.
إذا أسقطنا الإنحياز المعرفي والإنحياز التأكيدي في الحياة اليومية بين أفراد المُجتمع، فنجد هذه العملية ”تلقائية جداً“، بحيث لا نتردّد في الحكم على الأشياء بالصلاح والفساد عن طريق قياسها بمُكنتنا العلمية، أي لما ننحازُ إليه نفسياً، وفي الغالب، يكون العلم ضحية تلك التحيّزات، فقد يستخدم الناس كما أسلفت جانباً من الأبحاث دون الأخرى لإشباع حقل راحتهم المعرفية لكسل فكري، فعوض التفكير خارج الحقل المعرفي الخاص، يحاول الفرد فرضه وتأكيده في كل مرة.
مغالطة رجل القش!
من بين الأساليب في الحكم عن الآخر هي تقويل الآخر ما لم يتفوه به، لكي نجرّه إلى حقل معرفتها ومجالنا الذي نتحكم فيه مبدئيا بشكل أحسن، ويمكننا من خلاله المواصلة في الكلام واستبدال المصطلحات لايهام الآخر بأننا نملك رصيداً معرفيا، وأن هذا الحكم ليس عبثيا، وإنما هو علمي اخلاقي قائم على أسس متينة.
لماذا يجد الإنسان نفسه في كل مرة مضطراً بأن يحكم على الآخر بالفساد أو بالصلاح؟ 
قضية الحكم على الآخر أساسها حيواني غرائزي بحت، فالإنسان كائن اجتماعي يبني حياته على أساس تفادي المخاطر، والخطر بشكل العام هو الآخر، الغريب، ولتأطير تلك المخاوف، عليه أن يصنّف الآخر تصنيفاً ولو كان مبدئياً، فالآخر يجد نفسه في امتحان مستمر خاصة في لحظاته الأولى، ذلك الحكم السريع يأخذ منحى شبه علمي، فالعقل يحاول عقلنة المخاوف فيربطها بالمحصلات العلمية والأخلاقية، فإذا وافقت لغة الآخر ومصطلحاته وحركاته ما نعرفعه علميا وخلقيا، فهو ينحاز معرفيا الينا، وكل ما لا ينحاز لمعارفنا فهو الخطر، وعليه، يوضع في قائمة الصفات الذميمة، واذا اضطررنا لإثبات ذلك، فما علينا سوى تكرار ما نعرفه.

#عمادالدين_زناف 
المقال 180

الثلاثاء، 13 يوليو 2021

بلعام بن باعوراء



كيف كان عارفاً بالإسم الأعظم ثمّ انقلب على موسى وبني اسرائيل.. وانسلخ وأصبح من أتباع الشيطان!
هو Balaam عند الغرب، شخصية من العهد القديم، وقيل أنه هو الْمَعْنِيُّ بقوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ*ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
تعلّم من الأنبياء، وكان رجلاً صالحاً، خاصّيته أنه مُستجاب الدّعوة، وهو وقومه كذلك، نزل موسى عليه السلام ومن معه من جنود بني اسرائيل على أريحا في فلسطينَ، للذهاب إلى بيت المقدس، وبوصوله أرض الكنعانيين، أتى الكنعانيون لبلعام، وكان حكيهم المُستجاب، طالبين منه العون والنجدة، فقد ظنّوا بأن موسى عليه السلام وجنوده جاؤوا ليخرجوهم من أرضهم، ويجعلوا القدس موطنًا لبني اسرائيل ويطردوا منها الكنعانيين.
فطلبوا منه الدعاء على موسى عليه السلام حتى يرده الله مع مَن معه من الجنود! فاستنكر طلبهم! إذ إنه كيف يدعو على نبي الله وهو بمعية الملائكة والمؤمنين،(بحسب رواية ابن اسحاق و الطبري)، وردّ أنه إذ فعل ذلك فقد خسر الدنيا والآخرة، فألحوا عليه في طلبهم!
فتريّثَ لينظر بماذا يُؤمر، فكان بلعام لا يأت الدعاء حتى يرى في المنام ما يؤمر به، فرأى في المنام أنه يؤمر بألّا يدعو عليهم، فقد كان رجلاً مؤمناً ورعاً، فأخبر الكنعانيين بذلك، وقال إنه إذا دعا عليهم فسينسلخ من آيات الله عز وجلّ، فطلبوا منه إعادة الاستخارة، وتكررت إجابته في كل مرة، معاودين الطلب بأن يكرر الاستخارة.. إلى أن افتُتن ووافق على طلبهم.
ركب بلعام حمارته وراح يصعد بها الى رأس الجبل لكي يدعو عليهم، فاعترضته الملائكة! 
فقد كانت توقف الحمارة في كل مرة، فتركع ببلعام، فيضربها حتى تقف مجدداً ويعاود الركوب، فتركع ويعيد ضربها.. إلى أن خلّوا سبيله.
عندما وصل إلى رأس الجبل بدأ بالدعاء على بني اسرائيل ويدعو للكنعانين، فإذا بلسانه يدعو لبني اسرائيل بالخير ويدعو على قومه بالشر، دون إرادته. 
استنكر قوم بلعام ما فعله، فكيف يدعو عليهم بعد أن وعدهم بأن يدعو على موسى عليه السلام ومن معه، وخافوا من ذلك.. لعلمهم بأنه مجاب الدعوة، فما دعاه عليهم حاصل عليهم محقق، فقال أن لا حيلة له في ذلك! فخرجت منه حمامة بيضاء،ليل على خروج الإيمان من قلبه! وقال لقومه: ذَهَبْت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة للانتصار على موسى عليه السلام ومن معه.
 أمر بلعام قومه بأن يزينوا النساء ويجملوهم، ويخرجوهم إلى معسكر موسى عليه السلام، وأن يحملوهن بضاعة ليبيعوها لهم في معسكراتهم، وأن يأمرونهم بألّا يمتنعن إذا ما طلبهن أحد من رجال موسى عليه السلام، لأنه إذا زنا أحد من جنود النبي موسى عليه السلام فقد انتهى أمرهم وكُف شرهم عن الكنعانيين، فسيعاقبوا من الله عز وجلّ.
فعصى أحد الجنود أوامر موسى عليه السلام وزنى بإحدى النساء، فعوقب بنو إسرائيل بانتشار الطاعون فيهم جزاءً لهم، ويقال كما ورد في بعض الكتب إنه مات منهم قرابة السبعين ألف شخص.

  #عمادالدين_زناف بتصرف عن موقع موضوع

الأحد، 11 يوليو 2021

سنوحي المصري



حكاية سنوحي هي واحدة من أكثر القصص شعبية في الأدب المصري القديم، تبدأ في عهد أمنمحات الأول ، مؤسس الأسرة الثانية عشرة، هي أيضًا واحدة من أقدم الأعمال الأدبية التي وصلت إلينا.
ألهمت هذه الحكاية الروائية الفنلندية ميكا والتاري. تدور أحداث الرواية في عهد إخناتون. بعد ستة قرون، استحوذت هوليوود على هذا العمل وأنشأت فيلمًا أخرجه مايكل كيرتس مع ، من بين آخرين ، إدموند بيردوم (سينوه) ومايكل وايلدنج (أخناتون) وبيتر أوستينوف (كابتاه). تسمى كل من رواية (1945) وفيلم (1954) سنوحي المصري.".
تُروى هذه القصة بضمير المتكلم، لأن الراوي هو نفسه سنوحي.

في أواخر الثلاثينيات من عهد أمنمحات الأول ، كان الشعب المصري منشغلًا في حرث الحقول التي قام الطوفان بتخصيبها، كما كانوا يعدون الحبوب التي من شأنها أن تكون بذوراً للحقول، والأطفال يضحكون ويلعبون حولهم، ولم يعلموا أن هناك محنة كبيرة تنتظر البلد.
بعدها مات الملك الصالح أمنمحات، ف حزن الشعب وندب عليه، واستغرق الحداد سبعين يوما، وأصبحت مصر في حالة من الكسل.
في الوقت نفسه ، كان ولي العهد سيزوستريس قد أكمل لتوه عملية عسكرية ضد اللصوص غرب الدلتا، في أرض نسميها أرض الشمال، وفي طريق العودة ، جاء مبعوثون من المحكمة لمقابلته وأبلغوه بالأخبار المروعة، غادر سيزوستريس حزينًا وسارع للوصول إلى العاصمة.
يواصل سنوحي :كنت بالقرب من أحدهم عندما جاءوا ليعلنوا موت الملك، ما سمعته لم يجلب لي أي بهجة، لقد شاهدت على الرغم من نفسي، التحضير لمؤامرة ضد ملك القادم.. دون الرغبة في أن أكون جزءًا منها ، شاركت لأنني كنت في المكان الخطأ في الوقت الخطأ..غير قادر على تحمل ذلك ، قررت أن أقوم برحلة، كنت أختبئ من المارة، كان من الخطير بالنسبة لي أن أعود إلى المحكمة ، لأنه إذا اندلعت حرب الخلافة، فمن المحتمل أن يعتقد سيسوستريس "وريث العرش" أنني أنتمي إلى المؤامرة.. لذلك كانت حياتي معلقة بخيط رفيع..ولكي أعيش ، كان علي فقط أن أتقدم للأمام.
مشيت لأيام متتالية، عابرة المستنقعات، أنام حيث أستطيع، وآكل ما أجده، وأروي عطشي في الآبار العشوائية التي صادفها.
أصبحت ظلًا لنفسي ، وجعلت نفسي متحفظًا قدر الإمكان ، اندمجت في المناظر الطبيعية. أعبُرُ الأهوار والمروج .. بأكبر قدر ممكن من التكتم.
بعد أسابيع من التجوال ، تمكنت من عبور النهر في قارب قديم.. ثم سلكت الطريق الشمالي، عند وصولي إلى الحدود التي تم وضع علامة عليها بجدار لمنع اللصوص،اضطررت للاختباء مرة أخرى خلال النهار وأواصل السير ليلاً.
بالقرب من البحيرات المرة ، كان علي أن أمشي على الرمال، مع ازدياد الحرارة أثقل وأثقل، ونفاد الماء، انتهى بي الأمر وأنا أتضور جوعًا.. جعلني طعم فمي أدرك أن الموت كان قريبًا..منذ متى وأنا مستلق على الطريق.. لا أستطيع أن أتكلم.
 كان الراعي الذي يقود قطيعه هو الذي وجدني، هذا الشخص أقام في مصر ..لذلك تعرف علي، أعطاني الماء وقدم لي ضيافة.. وشيئًا فشيئًا استعدت قوتي مع عائلته، تابعتهم لفترة ثم انتقلت إلى كيدم.. 
في هذا الوقت قابلت أمير ريتينو، فسألني عن أسباب النفي، أخبرته أنه ليس لدي ما أخجل منه وأنني شاهدت محادثة ممنوعة بسبب سوء حظي !
.كان خوفي أن يخطئ ملكي في التصرف ويضعني تحت مصير المتآمرين، لهذا السبب ، وتمسكًا بالحياة ، فضلت البقاء بعيدًا. 
بعد أن لمس الأمير صدقي، عرض عليّ الانضمام إلى بلاطه، مؤكداً لي أنني في آمان. رغم أن بعض مستشاريه مصريين.
هذا الرجل ذو الكرم العظيم ، عاملني بشكل أفضل مما كنت أعتقد أنه يمكن للمرء أن يعامل ابنه.
 أعطاني يد ابنته الكبرى وقدم لي أراضٍ زراعية وكميات كبيرة من الماشية، كان الوقت يمر، عشت بسعادة، كان لدي أطفال جميلون نشأوا ثم واصلوا عيش حياتهم، حاولت أن أكون لطيفًا مع جاري، اعتنيت بالمرضى ورويتُ العطشى، كانت هناك أوقات كنت أخدم فيها الأمير من خلال قيادة جيشه، لقد أتيحت لي الفرصة لإظهار بسالتي وتميز استراتيجيتي.
بينما كنت أعيش.. سمع سيسوستريس عني وعن مآثري وكذلك المكانة الجديدة لأمير ريتينو، فأرسل مبعوثين يحملون هدايا سخية بالإضافة إلى هذه الرسالة:
"وسام ملكي للرفيق سنوحي".
"لقد كانت تلك إرادتك أن تنفي نفسك إلى أراضٍ بعيدة، ما الأذى الذي فعلته  والذي قد يودي بحياتك؟ في عيني.. لا شيء. لذا عد إلى البلد !سترى القصر الذي نشأت فيه مرة أخرى ، وبعد تقبيل أرضية الباب المزدوج الكبير ، ستصبح أحد أصدقائي مرة أخرى. 
فكر في اليوم التالي، ستتلقى الزيت والشرائط ، ستوضع في تابوت من الذهب واللازورد ، ستأخذك عربة ثور إلى القبر يليها موكب مع الموسيقيين والمعزين ، وسنقرأ لك قائمة العروض، ستقدم الذبائح في مكان دفنك. 
من ناحية أخرى ، إذا مت في بلد أجنبي ، فلن يتم اصطحابك إلى القبر، سوف تكون مخيطًا في جلد غنم بسيط ..وسنجمع لك القليل من الأرض وبعض الحجارة في الأعلى.
أنت الآن أكبر من أن تعيش حياة بدوية.. لذلك أقول لك: ارجع! "
عند قراءة هذا الترتيب ، شعرت بالسعادة..فكرت في أن الملك سيغفر لي، أقول لنفسي ..كنت مخطئًا في الفرار من بلدي.
 فليمنحني ملكي ، بلطفه العظيم ، أن أقضي نهاية أيامي في بلاطه،  سارعت إلى إرسال هذا الرد إلى الملك:
"سيد عروش الأرض المزدوجة، أتمنى أن تُمنح القوة والحياة لخياشيمك ، عسى أن تمنحك الأبدية!"
 يسعد خادمك المتواضع أن تعلم أن لا تلومه على رحلته وأنك تفهمها، لست متأكدًا مما دفعني للمغادرة، كان مثل نوع من الحلم، لم أتعرض للتهديد أو الاضطهاد، ومع ذلك شعرت بالخوف، بدأت كل أطرافي ترتجف ودفعني شيء كي أرحل.
لكن القطيعة عن ختدمك المتواضع لم تهدر، سمح لها بلقاء أمراء مؤيدين لمصر والذين سيكونون حلفاءها المخلصين، الأمر إذن بإحضار ربان ريتينو إلى المحكمة ؛ لقد كان دائمًا ودودًا ومتشوقًا لخدمتك، افعلوا الشيء نفسه مع الأمراء مكي من قديم ، وخنتيوياوش من خنتكشوس ، ومنوس من أرض فنخو، تحية لهم كأصدقاء.
أما خادمك المتواضع فهو على استعداد للتخلي عن مهام الوزير التي يمارسها في البلد الذي يقيم فيه لكي يطيع أوامرك على الفور! عسى جلالة الملك أن يفعل ما يشاء، ولتحميه الآلهة إلى الأبد! "
بعد بضعة أشهر  وصل وفد من مصر للبحث عني.
 أخذت الوقت اللازم لتمرير كل متعلقاتي لأولادي، هكذا فعلت ، وسلكت الطريق للعودة إلى ملكي، على حدود الأرض الشمالية كانت السفن التي أرسلها الملك تنتظرني، كانت محملة بالهدايا لمن رافقوني، إذا كان من دواعي سرورهم أنهم استقبلوهم.
عندما اقتربت من المقر الملكي، جاء بعض الرجال يبحثون عني لأخذي إلى القصر، بعاطفة عميقة لمست الأرض بجبهتي بين أبي الهول.
 كان أبناء الملك هم الذين استقبلوني عند الباب الأمامي وقادوني إلى الملك، جلست جلالة الملكة على عرشها الذهبي، كانت المشاعر في أوجها وبينما كنت على وشك أن أقول مرحبًا ، فقدت الوعي..
 عندما أتيت إلى نفسي ، سمعت صوت سيزوستريس يطلب من رجل أن يوقظني حتى أتمكن من التحدث إليه، مرت لحظة وكان الملك لا يزال تحت تأثير الانفعال:
- "ها أنت عائد بعد نفيك في  أرض أجنبية.
شعرت بتوبيخ في صوته، اعتقدت أنها كانت مؤامرة مدبرة جيدًا حتى يتمكن الملك أخيرًا من معاقبتي على خيانتي.
- ها أنا أمامك. حياتي لك.
دعا أطفاله وكذلك نفيرو ، الزوجة الملكية العظيمة.
- يرون عودة سنوحي.
جميع العيون كانت علي..لم يتعرف علي أحد.
- إنه ليس هو يا جلالة! إنه البدوي!
- إنه هو حقًا.. لقد هرب ، لكنه عاد بناء على طلبي ، ليجلس بين أصدقائي. "أجابهم الملك مبتسمًا".
بعد هذه العودة إلى النعمة ، نقلني سيسوستريس إلى شقة في القصر الملكي،  تمكنت من الاستفادة من جميع المزايا بسبب رتبتي، خدمني هناك جيش من الخدم، لدرجة أن ثقل السنين اختفى تدريجياً تحت أيدي خبراء التدليك الملكي والحمامات والنظافة الشخصية المهمة للغاية في مصر.
 كنت أخيرًا أحظى بأيام سعيدة، لقد كسبت صداقة الملك وأولاده، كنت أتلقى ثلاث إلى أربع وجبات في اليوم، تم بناء هرم مزخرف مفروش من أجلي بالقرب من هرم ملكتي.. أمر الملك لي بتمثال مطلي بالذهب.
هذه هي الطريقة التي يمكنني بها القول إنني تلقيت بركات أكثر من أي رجل آخر واستمتعت بالمزايا الملكية حتى أنفاسي الأخيرة.

هذه هي قصة سنوحي 🌌
ترجمة عماد الدين زناف

السبت، 3 يوليو 2021

العلاج الوهمي والتجربة العمياء


علاجٌ وَهميّ مع تجربة عَمياء!
Effet Placébo avec une étude randomisée en double aveugle !
 
هي لُغة طبيّة يعقلها المتخصصون في المَجال، تأثير بلاسيبو يعمل على خداع المريض حرفيا، يكون ذلك بإعطائه دواءً ليس له أي مفعول مع مرضه، مع اقناعهم إياه بأنّه سيُعاجله.
العلاج الوهمي هو "تجربة دواء جديد يكون قيد الدراسة " أو "تمويهاً، أي بوضع دواء غير فعال" دون دراية المريض، وقد استُعملت هذه الطريقة في تجربة عدّة أدوية ناجحة، ومنها الفاشلة أيضا، التي أودت بحياة المرضى.
في بعض الأحيان، يكون المريض على دراية بأنه تحت تجربة العلاج الوهمي، فمثلاً، حبوب منع الحمل قد تكون أدوية وهمية، مثلها مثل الأدوية المقوية جنسيا، وقد يكون تأثيرها النفسي قوياً جداً لدرجة أن شعور الفرد بتأثير جسدي حقيقي بعد تعاطيها.
ان تأثير العلاجات الوهمية ليست بالشيء الهيّن، فقد درس العُلماء بدقّة تفاعل الانسان مع الأمل، وأنّ الدراسات النفسية أفضت الى أن إعطاء الآخر "وهماً"، قد يَكون أكثر إيجابية على نفسيّته وجسده، "ولو كانت خطوة غير مهنيّة"، على التصريح له بأن لا دواءَ ولا حلّ لمشكلته.
فالرّبط الذي حدث بين الطب والجانب النفسي مطلع القرن التاسع عشر، كان بعد الملاحظات المتكررة لاستجابة المرضى مع "أدوية واحدة" على شكل أقراص، سوائل، وحقن، مع عدّة أمراض، الأمر الذي جعلهم يستعملون تأثير بلاسيبو امّا: لتجربة أدوية جديدة دون ذكر التفاصيل عنها، او، استعمال نفس الدواء لمرض مختلف عن سابقه، وكمثال مؤخراً، وجدنا أن البروفيسور ديدييه راوولت دعى الى استعمال دواء "هيدروكسي.كلورو.كين" لفايروس كورو.نا، رغم عدم تشابه الوباء الحالي مع سابقه في 2002، لكن فكرة راوولت أن الأوبئة المنتمية لنفس العائلة، قد تخضع لنفس الدواء، بحيث يمكننا تصنيف هذا النوع من التداوي على انه علاج وهمي، لأننا لا نملك الأرقام والإحصاءات النهائية ومدى تأثير البروتوكول نسبياً.. وقد يكون ايجابياً، أو، يدخلُ ضمن قائمة التجربة العمياء، وهذا اللفظ يُقال عندما تُخفى نتائج أدوية ما، أو لُقـ.ـاح ما، يكون فيها الطَّرف المُعالج مُتحيّزاً وغير مهنيا، وهذا لا يعني أن نتائج الدواء سلبية ومضرة، بل يُمكن أن تُخفى لأنها ناجحة.. وذلك لا يَخدُمُ أطرافاً أخرى.
لماذا ذكرتُ هذا المثال الطويل؟ لأنني أردت أن اسقطه على ما يحدثُ لنا في الحياة اليومية، من الجانب النفسي والاجتماعي، فنحن نخضع طوال الوقت الى علاجٍ وَهمي نَعي أنّهُ مُفرغ المُحتوى، مثل الإحاطة بشخصيات وهمية على مواقع التواصل، مثل المأكولات المضرّة للصّحة، مثل الكتب المفرغة من المحتوى، مثل البرامج والمسلسلات وكل تلك الثقافة الوهمية التي تحدثت عنها في مقالٍ سابق، كلها تندرج في علاج "بلاسيبو"، فما يُحيط بنا يُعدّ علاجاً فعلاً، لكنّ هناك علاج حقيقي لسقمٍ مَعروف، وهُناك علاج وَهمي لأمراض غير واضحة المعالم، بل هي في مُعظم الأحيان لا تلبس لباس المرض، فكما ذكرت، نسعدُ بأمور وهمية، وهي نفسها علاجُ وحدتها المتجذّرة، والسؤال هُنا: كيف سيكون أثر هذه التجربة العمياء؟ بما أننا المَفعولُ بنا، ولسنا الفاعلين، فلم نختر الانطواء على هذا العلاج الا بعد ان تشبّعنا بالوهم، وأصبح مُخدّراً وسُكّراً لا يُشبع ولا يُسمن.. 
الفريقُ الفاعل صاحب هذه التجربة العَمياء، في كل المجالات، يُخضعنا الى مَفهومه ويسوقنا الى نتائجه، فاذا هُزمنا ولم نقدر على المواصلة، نلومُ أنفسنا على عدّم اتّباع بروتوكول الوهم الى النهاية، وانّ محاولتنا للاطّلاع على الواقع هي محاولة انتحارية..
نتائج هذه التجربة العمياء تبقى خَفيّة، ناجحة أم خاسرة، ستبقى تلك النتائج في أدراج المتخصّصين، الذين يدرسون بها الخطوات القادمة، وبعدَ نجاح أكثر شيء يجب على الانسان عدم تقبله، ألا وهو "تقييد الحُريّات"، فالباب أصبح مفتوحاً لتجربة أمور أكثر عُنفاً وجُرأة.

المقال 179 
Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف