التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العلاج الوهمي والتجربة العمياء


علاجٌ وَهميّ مع تجربة عَمياء!
Effet Placébo avec une étude randomisée en double aveugle !
 
هي لُغة طبيّة يعقلها المتخصصون في المَجال، تأثير بلاسيبو يعمل على خداع المريض حرفيا، يكون ذلك بإعطائه دواءً ليس له أي مفعول مع مرضه، مع اقناعهم إياه بأنّه سيُعاجله.
العلاج الوهمي هو "تجربة دواء جديد يكون قيد الدراسة " أو "تمويهاً، أي بوضع دواء غير فعال" دون دراية المريض، وقد استُعملت هذه الطريقة في تجربة عدّة أدوية ناجحة، ومنها الفاشلة أيضا، التي أودت بحياة المرضى.
في بعض الأحيان، يكون المريض على دراية بأنه تحت تجربة العلاج الوهمي، فمثلاً، حبوب منع الحمل قد تكون أدوية وهمية، مثلها مثل الأدوية المقوية جنسيا، وقد يكون تأثيرها النفسي قوياً جداً لدرجة أن شعور الفرد بتأثير جسدي حقيقي بعد تعاطيها.
ان تأثير العلاجات الوهمية ليست بالشيء الهيّن، فقد درس العُلماء بدقّة تفاعل الانسان مع الأمل، وأنّ الدراسات النفسية أفضت الى أن إعطاء الآخر "وهماً"، قد يَكون أكثر إيجابية على نفسيّته وجسده، "ولو كانت خطوة غير مهنيّة"، على التصريح له بأن لا دواءَ ولا حلّ لمشكلته.
فالرّبط الذي حدث بين الطب والجانب النفسي مطلع القرن التاسع عشر، كان بعد الملاحظات المتكررة لاستجابة المرضى مع "أدوية واحدة" على شكل أقراص، سوائل، وحقن، مع عدّة أمراض، الأمر الذي جعلهم يستعملون تأثير بلاسيبو امّا: لتجربة أدوية جديدة دون ذكر التفاصيل عنها، او، استعمال نفس الدواء لمرض مختلف عن سابقه، وكمثال مؤخراً، وجدنا أن البروفيسور ديدييه راوولت دعى الى استعمال دواء "هيدروكسي.كلورو.كين" لفايروس كورو.نا، رغم عدم تشابه الوباء الحالي مع سابقه في 2002، لكن فكرة راوولت أن الأوبئة المنتمية لنفس العائلة، قد تخضع لنفس الدواء، بحيث يمكننا تصنيف هذا النوع من التداوي على انه علاج وهمي، لأننا لا نملك الأرقام والإحصاءات النهائية ومدى تأثير البروتوكول نسبياً.. وقد يكون ايجابياً، أو، يدخلُ ضمن قائمة التجربة العمياء، وهذا اللفظ يُقال عندما تُخفى نتائج أدوية ما، أو لُقـ.ـاح ما، يكون فيها الطَّرف المُعالج مُتحيّزاً وغير مهنيا، وهذا لا يعني أن نتائج الدواء سلبية ومضرة، بل يُمكن أن تُخفى لأنها ناجحة.. وذلك لا يَخدُمُ أطرافاً أخرى.
لماذا ذكرتُ هذا المثال الطويل؟ لأنني أردت أن اسقطه على ما يحدثُ لنا في الحياة اليومية، من الجانب النفسي والاجتماعي، فنحن نخضع طوال الوقت الى علاجٍ وَهمي نَعي أنّهُ مُفرغ المُحتوى، مثل الإحاطة بشخصيات وهمية على مواقع التواصل، مثل المأكولات المضرّة للصّحة، مثل الكتب المفرغة من المحتوى، مثل البرامج والمسلسلات وكل تلك الثقافة الوهمية التي تحدثت عنها في مقالٍ سابق، كلها تندرج في علاج "بلاسيبو"، فما يُحيط بنا يُعدّ علاجاً فعلاً، لكنّ هناك علاج حقيقي لسقمٍ مَعروف، وهُناك علاج وَهمي لأمراض غير واضحة المعالم، بل هي في مُعظم الأحيان لا تلبس لباس المرض، فكما ذكرت، نسعدُ بأمور وهمية، وهي نفسها علاجُ وحدتها المتجذّرة، والسؤال هُنا: كيف سيكون أثر هذه التجربة العمياء؟ بما أننا المَفعولُ بنا، ولسنا الفاعلين، فلم نختر الانطواء على هذا العلاج الا بعد ان تشبّعنا بالوهم، وأصبح مُخدّراً وسُكّراً لا يُشبع ولا يُسمن.. 
الفريقُ الفاعل صاحب هذه التجربة العَمياء، في كل المجالات، يُخضعنا الى مَفهومه ويسوقنا الى نتائجه، فاذا هُزمنا ولم نقدر على المواصلة، نلومُ أنفسنا على عدّم اتّباع بروتوكول الوهم الى النهاية، وانّ محاولتنا للاطّلاع على الواقع هي محاولة انتحارية..
نتائج هذه التجربة العمياء تبقى خَفيّة، ناجحة أم خاسرة، ستبقى تلك النتائج في أدراج المتخصّصين، الذين يدرسون بها الخطوات القادمة، وبعدَ نجاح أكثر شيء يجب على الانسان عدم تقبله، ألا وهو "تقييد الحُريّات"، فالباب أصبح مفتوحاً لتجربة أمور أكثر عُنفاً وجُرأة.

المقال 179 
Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...