الأحد، 29 أغسطس 2021

الشر عند الشرق والغرب.. سيد حسين نصر



العلمنة حوّلت الغرب إلى حضارة بلا روح.
-
يُعدّ الايراني سيد حُسين نصر الفيلسوف المُسلم الوحيد "من الأحياء" المُعترف به في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم كل نظرياته وآرائه المناهضة للفلسفة المادية بشكل عام.
فقد اعتمد على المقارنات في الفهم اللاهوتي بين الاسلام والمعتقدات الشرقية عامةً، مع نظيرتها الغربية الحديثة، وأوضح كيف يتعامل العقل المسلم والشرقي (الآسيوي) مع مفهوم الشر في العالم، بحيث أنه يتعاطى مع المسألة بأكثر فلسفة وعمق من الغربيين.
انّ فكرة المُروق عن الدين بسبب الشر المُنتشر في البشرية والعالم، هي فكرة غربية بحتة لم ولا تطرأ على عقل الانسان الشرقي كما أشار الفيلسوف الإيراني سيد حسين نصر، المسلم او غيره من الديانات كالبوذية والكونفشيوسية أو الهندوسية وغيرها، لان الجواب يختلف بين العهد الجديد والقديم، مع القرآن. في الإسلام، الله هو الخير المطلق فما دونه جلّ علاه يحتمل الشر، كل شيء خلقه الله لا يجابهه في شيء، وليس كمثله شيء، إذا، الخير والشر، بالمفهوم العام هو الخير يساوي الله وما يأتي من عند الله، وما دونه جلّ علاه، يناديه الانسان شراً، في حقيقة الأمر، هو شيء غير مُكتمل، غير نورانيّ، بعيدٌ عن الألوهيّة الكاملة.
الالحاد لفكرة ان الله قد خلق الشر هي فكرة غير منطقية، لأن الالحاد في الأصل هو نكران وجود الخالق، ويبرر الملحدون بعدم تقبل العقل لفكرة وجود ما لا نراه! هناك فرق شاسع وواسع بين أمور تُناقض فهم العقل، وأمور تتجاوز فهم العقل. التناقض يأتي عندما يُقال عن الأبيض أنه أسود، في فطرة الإنسان النور نور والظلام ظلام، بعيداً عن أي خلفية دينية أو فلسفية. ما يُقال أنّهُ ظلام وهو في أبصارنا نورٌ يُناقض العقل قطعاً، وهو مرفوض من حيثُ جاء. أما إذا وُجد شيءٌ لا هو نورٌ ولا هو ظلام، فهذا لا يُناقض العقل، إنما هو يتجاوز فهمه فحسب. فمن المُلحدين من يتكلمون بالتناقض بين العقل وما يراه ويستطيع شرحه، مع الروح والملائكة والخالق والأمور التي لا تُرى، قائلين إنها أمور تُناقض المنطق والعقل!، وهو دليل على عدم تمكّنهم من أدني درجات المنطق والفلسفة. التناقض يكون في المقارنة بين الأشياء التي يعقلها العقل في الأساس! كما ذكرت النور والظلام، العلم والجهل، أما المقارنة بين علم الغيب والشهادة، أي الملموسات والمحسوسات مع الماورائيات، فهي مقارنة لا تصحّ منطقياً وعلميا. وعلى ذكر العلم، فالعلم لا يُثبت الغيبيات ولا يُنفيها، العلم يتلخّص في دراسة الواقع. علم الشهادة يتعلّق بالإيمان، والإيمان بـ الله والملائكة والروح، يتبعه الإيمان بقدرة الخالق على فعل المعقول وغير المعقول! وغير المعقول قطعاً هو ما يُجاوز فهم العقل. وليس ما يناقضه.
فاذا أقررنا ان هناك خالق انتهت فكرة الالحاد، ودخلنا في عالم مَفهومية النص الديني، فنجد أن الإسلام في هذه الحيثية، قد اتى بالجواب الكافي، في أن الشّر ليس من الله، بل هو ابتلاء للإنسان، ذلك الانسان المُدعّم بنصّ الرّب الكامل النورانيّ، فمن بقي على نور الله الكامل، سيكون له مَفهوم آخر عن الشر الدُّنيويّ، كل الرسالات والنبوءات دعت للقسط والعدل والصلاح والإصلاح، الشّر الإنساني هو نتاج الابتعاد على هذه الدعوات الربانية، فالشر في ذاته غير مصنوع كشرّ، ولنا في ابليس آية، فقد اختار أن يعصي أمر الله بعدم السجود لآدم، ولم يَكن مخلوقاً ليكون شريراً، بل كان مُقرّباً قبل ذلك. 
ان الله يعلم ما خلق حتى قبل أن يخلُقَ آدم، فقد جعل الملائكة تسأل عن سرّ صناعة مخلوق يسفك الدّماء، فقال أنّه يعلم غيب السّماوات الأرض، فهو يعلم أنّ الانسان سيصبح شريراً إذا ابتعد عن الحق، فالشّر هو مقرون بالمَيل عن الحق، ما يجعل الانسان مسؤولا عن مآسيه ومآسي غيره، والأصل في كل هذا هو حريّة الاختيار، ما دمت تملك حرية الاختيار، فأنت تعلم الخير من الشّر، ولا تكون الحجّة قائمة على من يقوم بالشّر لو لم يفعل ذلك عن رغبة منه وليس عن عدم تفرقة وفهم للخير والشر.

#عمادالدين_زناف 
المقال 192

الاثنين، 23 أغسطس 2021

سُلطةُ الزُّخرُف



التأثير والإستعطاف والمُغالطة:

▪سلطة الزُخرُف ❗

الزخرف هو الذهب، والذهب رمزية لكل ما هو نفيس، فلم تعد تلك المادة الصفراء وحدها ذهباً، بل كل المحروقات والأوراق والمناصب والمنصات.. تعدّ زخارفاً. 
حجة السّلطة: قال الله «ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي مُلكُ مِصرَ»، «وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون»، «أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكادُ يبين فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب»،  قال المعرّي ”جنو صانما وتلو باطلاً وقالوا صدقنا.. فقلنـا نعم“!. الحق غير منوط بالغنى والتسلّط والعلم، ولا بالانتصار. 
تتكون حجة السلطة من توسّل ”السلطة“ في الحجة، ووضع قيمة للبيان بناءً على أصله، بدلاً من محتواه. وتختلف هذه الوسائل الخطابية والبلاغية عن استخدام العقل أو العنف، أحيانًا يتم الإشارة إلى حجة السلطة بثلاث صيغ لاتينية عُرف بها ارثور شوبنهاور:

argumentsum ad verecundiam: 
"حجة الاحترام" كرجل العلم، والدين والحكمة.
argumentsum ad potentiam 
"حجة القوة" كرجل الدولة، والملك، ورب العمل. 

يستعمل المتحدث سلطته الموثوقة بطريقة زائدية قادرة على تثبيط أي نقد، لتكون مهنته أو منصبه حجة على توثيقه.
منذ القرن الثاني عشر وحتى بداية عصر النهضة، أعادت أوروبا اكتشاف الأعمال التي أنتجها الإغريق واللاتينيون خلال العصور القديمة، إلى حد كبير من خلال الترجمات العربية التب أتى بها ابنُ رشد وغيره، والمعرفة التي قدمتها الأسماء العظيمة في العالم  تمثل السلطة المعنوية للاوروبيين إلى يومنا. 
ومن ثم فإن الارتباط بين منطق أو تأكيد وكلام الشخصية القديمة له قيمة زخرفية على العقول.

 يُنظر إلى المعرفة التي جمعتها المجتمعات الأوروبية في العصر الحديث على أنها تميل إلى مساواة تلك الموجودة في العصور القديمة أولا، ثم تعمل على تجاوزها ثانيا، هكذا يتم التشكيك في السلطات المعنوية القديمة.. على سبيل المثال، في علم الفلك، أبطلت أفكار لكوبرنيكوس وجاليليو علم الكونيات لأرسطو وبطليموس، وأبطل نيوتن وانشتاين وهانس أفكار سابقيهم.

في مجال البلاغة ، كتب توما الأكويني في الخلاصة
 «إذا كانت السلطة التي تستند إلى العقل البشري وسيلة إثبات محترمة، فهي على العكس من ذلك ليست أقوى من السلطة القائمة على الوحي الإلهي»
وهنـا يحاول توما إخضاع السلطة المادية إلى سلطة أعلى منها.

ثم حدد توزيع المهام بين العلم والإيمان في فقرة أخرى: «في أمور الإيمان والأخلاق، يجب أن نؤمن بالقديس أوغسطين أكثر من الفلاسفة. لكن إذا كنا نتحدث عن الطب، فأنا أترك الأمر لجالينوس وأبقراط، وإذا كان الأمر يتعلق بطبيعة الأشياء، فأنا أتحدث إلى أرسطو أو أي خبير آخر في هذا الشأن.
 يمكن للمرء أن يكتشف فيه أو لا يكتشف حجة السلطة وفقًا لما إذا كانت هذه الآراء مقبولة على أنها نهائية أو ببساطة مقبولة.».

كما ينتقد الاستخدام الحصري لحجة السلطة: «إذا حللنا مشاكل الإيمان بالسلطة فقط ، فإننا بالتأكيد سنمتلك الحقيقة ولكن في رأس فارغ !»

في النهج العلمي، فإن تطور هذه العقلانية المادية مصحوب بتغيير في العقليات ووسائل الاتصال، وبدأ هذا من خلال استخدام الطباعة والتخلي عن اللاتينية الرسمية، واللغة الفصحى.. لصالح اللغات المحلية، فتحافظ هذه العملية على استخدام مصادر المعلومات، ولكنها لا تعتبرها حقيقة لمجرد سلطتها الشعبوية.

أجرى روجر بيكون وألبرت الكبير أول إعادة فحص لفكر أرسطو!  ومع ذلك! حافظ توماس الأكويني على ثقته في نتائج هذا الفيلسوف الطبيعي.
لكن لم يعد هناك مجال للشك في اغلاطه بعدما أظهر جاليليو (1564-1642) خطأً واضحًا لأرسطو، في أن الأجسام الثقيلة تسقط بسرعة أكبر، وبالتالي، لم تعد لآرسطو سلطة معنوية طبيعية على توماس، ولا لتوماس سلطة دينية على الناس.

الحجة المقبولة: حجة السلطة مقبولة هي عندما يتم الاتفاق على أن الشخص موثوق في المجال الذي تم التقرب منه حياله.. لكن قد تكون قيمته الإثباتية منخفضة! فإذا كان تحديد حجته على أنها حجة موثوقة لأنه صاخب اختصاص.. فيمكن أن يؤدي هذا إلى تشويه سمعة ”الحجة المقبولة“ وإبطالها.

تحدث المغالطة عندما لا يكون الشخص الذي تم استدعاؤه موثوقًا، بحيث يتم إخراج البيان من سياقه أو تحريفه! وبهذا نكون قد تخطينا الحق بحجة عدم موثوقية القائل.

كخلاصة، وجب وضع الحق كمعيار نعود إليه، وكما قال علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، يعرف الرجال بالحق! ولا يُعرف الحق بالرجال.

المقال 191.
#عمادالدين_زناف
للنشر ☑

الأربعاء، 18 أغسطس 2021

نبوءات الأولين !



هذا المقال هو تلخيص وتجميع وتصفية  الزوائد لمجموعة من المقالات، منها خطبة عدنان ابراهيم، جمعتها لكم في مقال واحد لتكون حَوصلة يعلمها أصدقائي وصديقاتي.
حفاظاً عنه وتقريباً للعامة، أنشره.

في كتب البراهمة كتاب السامافيدا، أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس.
وفي كتاب زندا افستا، بشارة عن رسول يوصف بأنه (رحمة للعالمين) (سوشيانت).. ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة بأبي لهب، ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفواً أحد (هيج جيزبار ونمار) وليس له أول ولا آخر، ولا ضريع ولا فريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا ولد، ولا مسكن ولا جسد، ولا شكل ولا لون ولا رائحة (حزاخاز وانجام وابنا زود شمس والمنز ويار ويدر ومادر وزن وفرزند وماي سوى ومن آسيا وتنافي ورنك وبواست.
 وفي الكتب الزرادشتة ،إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم، يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، يومئذ يصبحون – وهم أتباع للنبي - رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم، وأن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات.
وفي كتاب اوروافيدم ادهروويدم ، أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس.. وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد.
وفي كتاب بنوشيا برانم بهوش برانم، في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم (محامد) الملقب بأستاذ العالم والملك يطهره بالخمس المطهرة). وفي نفس الكتاب وصف لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (هم الذين يختتنون، ولا يربون القزع، ويربون اللحى، وينادون الناس للدعاء بصوت عال، ويأكلون أكثر الحيوانات إلاَّ الخنزيز، ولا يستعملون الدرباء للتطهير بل الشهداء هم المتطهرون، ويسمون بمسليَّ بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ودينهم يخرج مني وأنا الخالق). ج 3 فصل 3 عبارات 27 -28
أوّل نبوءة عجيبة من الكُتب السماوية في سفر التثنية، وهو آخر سفار موسى الخمسة، Pentateuch، علماً بأن Penta معناها خمسة، ومن ثم كلمة Pentateuch معناها الأسفار الخمسة، سفر الخلق، كما يُسميه السامرة والمشهور بسفر التكوين Genesis وسفر الخروج وسفر اللاويين وسفر العدد يُسميه السامرة الإحصاءـ أي سفر الإحصاء ، تثنية الاشتراع آخر أسفار التوراة، في آخر الأسفار – "وهذا حديث موسى قبل أن يموت في آخر أيامه – يُبارِك قومه، أي يُلقي عليهم البركة"، هذه بركة رجل الله كما تقول التثنية موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – ونص هذه البركة: "أتى أو جاء الله من سِيناء، وأشرق"، كما في روايات أخرى، بحسب الترجمات تجد هناك تحريفات، "من سعير واستعلن"، وفي ترجمة "وتلألأ – من جبل أو جبال فاران". والمعروف أن فاران هي مكّة.
ويستكمل: "وأتى من ربواتِ القدس وعن يمينه نار شريعة لهم."
القرآن يُحيل على التوراة والإنجيل، ويقول القرآن عن نفسه بأنه جاء مُصدِّقاً ومُهيمناً.
 "أتى الله من سِيناء"، وهذه إشارة واضحة إلى موسى عليه الصلاة وأفضل السلام، "وأشرق لهم من سعير"، جبال سعير مُنتهى أرض يهوذا، سعير الآن يُقال بيت ساجور، هناك بلدة إسمها سعير، كانت تُسمى سعير، بعيدة عن بيت لحم مورد السيد المسيح عليه الصلاة وأفضل السلام، وتُسمى بيت ساجير، وبيت ساجير أي بيت الرُعاة، نسبة إلى الرُعاة الذين ظهرت لهم الملائكة تُبشِّر بميلاد السيح المسيح، وفي بيت ساجير تحت الأرض كنيسة منحوتة في الصخر تُسمى كنيسة الرُعاة، إذن واضح، أشرق له من سعير، وهو عيسى، هذه في آخر أسفار موسى الخمسة.
 الله يُوحي إلى موسى مُشيداً بنبوته ورسالته ثم مُنبئاً بنبوءة عيسى ومن وراء عيسى الخاتم صلى الله عليه وآله.
تلألأ، وفي ترجمة استعلن، شيء كبير متلألئ، من جبل أو جبال فاران، بحسب القديس جيروم Jerome – يوسابيوس Eusebius المعروف بجيروم Jerome – وهو قديس ومُؤرِّخ، قال فاران هي مكة، وهناك نصارى آخرون قالوا فاران هي البرية التي تقع في وادٍ بين ثلاثة جبال، بين أبي قبيس وقيقعان وحِراء، والتي كان فيها قد شبَّ إسماعيل صغيراً.
في سفر التكوين، أول الأسفار الخمسة، حين ألحَّت سارة – عليها السلام – على إبراهيم بأن يطرد هاجر وابنها وقالت لا يرث مع ابني – هذا ابن أمة لا يرث على ابني –، ذهب إبراهيم بهاجر وإسماعيل بنص سفر التكوين إلى فاران.
 فَ شبَّ وترعرع إسماعيل في فاران بهذا الوادي غير ذي زرع، أي بمكة، ولذلك يقول وتلألأ أو استعلن من فاران، فمتى كان أعظم علو لرسول الله في حياته؟ متى استعلن أعظم استعلان وفعلاً شعَّ وتشعشع نوره؟ يوم الفتح بجيش فيه عشرة آلاف. 
ترى في ترجمات أُخرى للتوراة للـ Hebrew Bible ، يقولون وأتى معه أو في – أي ضمن – ربوةٍ من الملائكة، إذن قالوا ربوة، فما هي الربوة؟ في قاموس الكتاب المُقدَّس، الموسوعة الشهيرة التي ألَّفها مجموعة من الإخصائيين في ثلاثة مُجلَّدات، هم يُفسِّرون الربوة، والربوة عشرة آلاف، أي اسمٌ لعدد. كذلك في نُسخة الملك جيمس King James وهى أكثر نُسخة مُعتمَدة في العالم الإنجليزي Ten thousands of his saints، أي عشرة آلاف من القديسين، إذن هذا هو رسول الله، يدخل مكة مُستعلِناً، يدخل فاران بعشرة آلاف صحابي.
نبوءة فاران تتحدَّث عن رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، وهذه النبوءة في التثنية تُذكِّر بقوله تبارك وتعالى "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۩ وَطُورِ سِينِينَ ۩ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ۩، فقوله وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۩ " يُراد به إبراهيم وعيسى وهذا واضح ومعروف لماذا، "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۩" مجاز عن منابتهما بالأرض المُقدَّسة المُكرَّمة، فقوله "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۩ " يُراد به إذن إبراهيم وعيسى، وقوله وَطُورِ سِينِينَ ۩ يُراد به موسى، وقوله وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ۩ يُراد به محمد.
نأتي إلى نبوءة أُخرى مشهورة جداً وهو ذكر مصطلح الفارقليط، يقولون باليونانية باراكليتوس Parakletos، ما هو الفارقليط؟ اختلفوا كثيراً، الترجمة العربية المشهورة اليسوعية وغيرها يسمونها المُعزي، أي Comforter بالإنجليزية، قالوا الفارقليط هو المُعزي، في إنجيل يُوحنا، حين أراد السيح المسيح – عليه الصلاة وأفضل السلام وأتباعه بإحسان، قال الله "وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ۩ "
 أن يُمهِّد لخروجه من هذا العالم الديجوري قال لهم "أما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني"، فعظم هذا على الحواريين، حزنوا واغتموا لكنه طمأنهم أن من الخير ومن الأفضل لهم أن يذهب لأنه "لو لم يذهب لن يأتي المُعزي"، قال وأنا أطلب من الآب، وهو لفظ آرامي بالمد، فيُقال الآب وليس الأب، أن يُرسَل إليكم مُعزياً يبقى معكم إلى الأبد.
قال مُعزياً يبقى إلى الأبد، قال أحمد ديدات رحمه الله أنه لا يجوز ترجمة الأسماء، الأسماء تُعرَّب، نحن المُسلمون نُعرِّب الأسماء، فما هو التعريب؟ 
تأتي بالاسم وتُحدِث فيه بعض التحويرات لكي يسهل الاشتقاق منه، فشروط التعريب في العربية للأسماء الأعجمية – مثلاً – أن ترده إلى جذر رباعي على الأكثر بحيث يُمكِن أن يُشتَق منه وتتصرَّف فيه صوتياً بما يُناسِب الأصوات والمخارج العربية، وإن أمكن ألا يشتبه بجذرٍ عربي كان هذا أفضل، هذا هو التعريب، والأسماء تُعرَّب لا تُترجَم.
فالقرآن ذكر إسحاق ولم يقل الضحّاك، أي يتسحاق Yitzhak – أولها الياء – بالعبرية، ويتسحاق Yitzhak معناها الضاحك، ويتسحاق Yitzhak هو إسم الفاعل – Partizip – من يضحك، لكن القرآن لم يقل الضاحك، فإسحاق ويتسحاق Yitzhak نفس الشيء، وكذلك يُقال إيزاك Isaac بالإنجليزية، وهذا واضح جداً وقريب جدا.
 لكن لو ترجمت سوف تقول لي الضاحك، ورزق الله إبراهيم بالضاحك، مَن سيعرف من الضاحك؟ هكذا هم فعلوا مع إسم محمد في الكتاب المُقدَّس، يُترجِمونه ويتصرَّفون فيه بما هو أكثر إخلالاً.
هذا التصرف يظهر ويضح مع كلمة أو مع إسم أو علم الفارقليط، وطبعاً هذه الكلمة أو هذا الاسم حيَّر الباحثين، فمنهم مَن ترجمه بالمُعزي مع أنه ينبغي ألا يُترجَم، ومنهم مَن ترجمه بالناصر، ومنهم مَن ترجمهم بالماحي، ومنهم مَن ترجمه بالرحمة.
قال البروفيسور Professor الإيطلي  كارلو نلينو Carlo Nallino الخبير باللغات الباراكليتوس Parakletos تُرادِف وتُعادِل أفعل التفضيل من الحمد في العربية. 
"وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ ۩، الله، قال لك المُعزي هو هذا، الحديث عن رجل إسمه أحمد، ليس المعنى هو المُعزي وإنما أحمد.
 قال لهم عيسى من الأفضل أن أذهب لكي يأتي أحمد، وأحمد يبقى معكم إلى الأبد، في يُوحنا – إنجيل يُوحنا – أيضاً وصفه بأوصاف دقيقة، فقال بمعنى الكلام عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله وأتباعه بإحسان – أشياء كثيرة أو أمور كثيرة لأقول لكم، ولكن أنتم الآن في هذا الوقت لا تستطيعون أن تحتملوا، أي أن الحق الذي أعرفه كله لا أستطيع أن أُفضي به إليكم، طوقكم يقصر عنه فلا تستطيعون أن تحتملوا.
في نبوءة في سفر حجي أو حجاي وهو من أسفار التوراة، أي من أسفار العهد القديم، النبي حجاي أو حجي في السفر الثاني الآية سبعة يتحدَّث في  النسخة اليسوعية المُترجَمة أو النُسخة المُشترَكة بالعربية ، سوف تجدون “وأتى مُشتهى كل الأمم”.
نعود إلى الأصل العبري، بالعبرية مكتوب “وبا – با يعني أتى – حمدت كل هجويم”، أي الأمم من غير اليهود، فكل مَن ليس يهودياً هو من الجوييم، الأمم الأُخرى، الجينتايلز Gentiles كما يقول الرومان، البرابرة كما يقول اليونان.
الهاء أداة التعريف بالعبرية، فيُقال هتوراه، أي التوراة لكن من غير هاء، أي من غير الألف، لماذا؟ 
هناك خمسة حروف، وهي الهمزة والهاء والعين والخاء والراء – أربعة حلقية وواحدة ذلقية وهي الراء، إذا كانت في أول الاسم أو في أول الكلمة تبقى الألف، فيُقال هأرض، أي الأرض، لأن الكلمة تبدأ بالهمزة، باستثناء هذه الأحرف الخمسة تبقى الهاء بغير الألف، لذلك هنا هجوييم، أي كل الأمم، “وبا حمدت كل هجويم”، أي وجاء حمدت كل الأمم، ترجمتها :جاء المحمود عند كل الأمم، مَن هو المحمود؟ مَن هو الذي إسمه مُحمَّد وأحمد ومحمود؟ هو حمدت كل الأمم عليه الصلاة وأفضل السلام.
 فما علاقة مُشتهى بحمدت؟ والجذر تقريباً نفسه في العربية والعبرية والآرامية وهو الحِمد ومنها الحَمد، نفس الشيء ونفس المعنى، وجاء حمدت كل الأمم، إذن يُبشِّر به هذا السفر، سفر حجاي.
 بشارةٌ أُخرى وردت برسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام – في نشيد الأنشاد أو المعروف بنشيد سليمان، سليمان النبي الملك عليه وعلى والده الصلاة والسلام، في الإصحاح الخامس، في نشيد الأنشاد وردت نبوءة وهى بشارة أيضاً اختلف فيها اليهود والنصارى والمُسلِمون، فاليهود رجَّحوا أن المُراد بها سليمان نفسه بدليل أن السفر سفره والنشيد إنشاده، وهذا كلام وجيه بادي الرأي، أما النصارى فقالوا كلا، هذا وصفٌ لعيسى، المذكور هنا هو عيسى عليه الصلاة وأفضل السلام، أما المسلمون وهم لا يحتاجون إلى هذه البشارة ولا إلى هذا البُرهان فقادهم الدليل المحض المُجرَّد إلى أنه محمد.
 في نشيد الأنشاد يُوصَف هذا الشخص المذكور بأن حلقه حلاوة وبعد ذلك في الترجمات العربية والإنجليزية يُقال وكله مُشتهيات He is altogether lovely،ما معنى كله مُشتهيات؟ يوجد نوع من التصرّف في الآية هنا، هو تصرّف آثم حرّف هذه الكلمة في الكتاب المُقدَّس، بالعود إلى الأصل العبري يختلف الأمر، افتح سفر نشيد الإنشاد واقرأ هذا العدد – أي هذه الآية – من السفر الخامس بالعبرية، ينطقه الحاخاميون بصريحه، فتسمعهم وهم يقرأون ويقولون محمديم.
ما معنى محمديم؟ هل محمديم هو محمد؟ فماذا تفعل هذه الـ (يم ימ)؟
في اللغة العبرية هذه الـ (يم ימ) تلحق الأسماء في أواخرها للتعظيم، علماً بأنها جمع مثل الوهيم، ما معنى الوهيم؟ جمع تعظيم، للإجلال والتوقير Respect، ليس جمع العدد وإنما جمع الإجلال والتوقير، فيتحدَّثون عن الله بأنه الوهيم، لأن هذه الـ (يم ימ) للجمع ولكن ليست جمع العدد، وهنا تحدَّثوا عن محمد بأنه محمديم لتبجيله، فالسفر تحدَّث عن هذا وقال محمديم، لكن هل فعلاً هو محمد؟ محمد أربعة أحرف، وطبعاً اللغة العبرية لم تدخلها أحرف العلة – Vowels – كما يُقال إلا في القرن الثامن الميلادي، قبل ذلك كانت تُكتَب بغير أحرف علة، ولذلك كُتِبَ هذا الإسم بأربعة حروف فقط، الميم والحاء والميم والدال، (ميم מ، حت ח، ميم מ، دالت ד) بالعبرية.
_

 
#عمادالدين_زناف

السبت، 14 أغسطس 2021

حسداً من عند أنفسهم


لم تتوقف الكتب - مذ أن خطّ الإنسان بالحبر - على قصّ الأحداث التي تفضح جشع البشر بإخوانهم من بني جلدتهم، فقد آثر الحبيب أن يغتال من يحب لكي يأخذ مكانه في الحُكم والإمامة والوظيفة، ومكانته - جبراً - بين الناس والأحبار والمثقفين.

فقد صرخت الأوراق بوصف الحسد في التاريخ، ولكن سبقهم في ذلك إبليس، فقد حسد آدم إذ أُمر أن ييجد له والملائكة، وحسده إذ نفخ الله من روحه على جسدٍ من ماء وصلصال، وعزم على أن يكرّس مشروع غيرته وضغينته وحسده، بأن يزرعه في كل إنسان،  يسمح له بأن يقود عقله وقلبه وجوارحه.

بهذا سنّ ابليس والشياطين سنّة البغضاء والعداء، وقد كرّسها واحدٌ من ابني آدم على آخيه، ولم يطل الأمر كثيراً إلى أن استقرّ الحسد طويلاً في قرية نوح، يسفّهونه ويستخفّون بدعوته، وبعد الطوفان، وانتشار الحضارات في أرباع آسيا، توالى الأنبياء والصّلحاء، وفي كلّ مرّة يُقابل النبي بالصّد والنّكران، بعضهم أفصح عن حقده إذ يسأل لمَ نزل الوحي على رجل من قبيلة أقلّ شأناً من قبيلته. فكان لنبيّنا محمد عليه صلوات الله عليه النصيب الأكبر، وآله من بعده، إذ نُصب لهم العداء، لا لشيء سوى أنّهم من نسل الكرماء. 

وقد ذكرتُ غير مرّة، حسد النبلاء لليوناردو دا فينشي، فقد كان بحراً من العلوم والفنون، غير أنه لم يكن يحسن اللاتينية، فأخذوها ذريعة لاقصائه من زمرة النبلاء الإنسانيين. كذلك حدث لإدورد جينر مخترع اللقاح، وإغناس سيميلفيس، الجراحي ”الناصح بغسل اليدين“!
كلهم طردوا حسداً لتفوّقهم وسبقهم الفكري.

فالحسد يمزّق قلوب البشر تمزيقاً، والحسد عكس الغيرة يؤدي إلى الجريمة، والجريمة ليست بالقتل دائما، بل تكون أبشع من ذلك، ذلك أن الحاسد لا يُبقي للمحسود شرفاً الى وهتكه بلسانه وغمزه للقريب والبعيد، ولا يكون الحاسد حاسداً الا وقد خلع الإيمان من قلبه، والمنطق من عقله، فالإيمان يلزم المؤمن أن يرضى بقسمة الله ورزقه، وأن يعرف أن لكل قدره ونصيبه، ولكل معاناته ومصائبه، والمنطق يلزم العاقل بأن يصدق بالعمل، فالبعمل يمكن للمجتهد أن يصل، قد لا يصل لمرتبة جاره وقريبه، ولكنّه بادر وارتقى، وهذا هو الأصل.

الحسد ليس شعوراً عادياً، بل هو وليد التراكمات، يجعل من الحاسد ميكيافلياً، يخطط بدهاء الشياطين، فهم يعينونه على ذلك، يقول نيتشه «مشاعرنا كأفكارنـا، غير أنّ هذه الأخيرة أكثر بسـاطة»، فالمقصود أن المشاعر أعقد من الأفكار، لا يمكن تحليلها أو الاحاطة ببدايتها ونهايتها. 

أمـا الأفكار، فمعظمها مكتملة الأركان، على سذاجتها أو عبقريتها. 

آرسطو قال أننا نحسد أشباهَنـا، في العمل والميدان والسنّ والبلدة، لذلك تجد أن آخر من يُقدّر جُهودك هم المقرّبون، من همُ في سنّك وعلى مقدرة ”نظرية“ لفعل ما تفعله، فإن المُعاصرة أصل المنافرة، قلّة هم من لا ينصبون لك البغضاء والحسد من معاصريك، ولو كتموا ذلكَ تقيّةً من مُحبّيك.

الحسدُ يمنعك من العدل، فالحاسد يخذل الحق إن لم ينصر الباطل، ويتمنى في صمته أن يهلك الناجح.

أخيراً، يتصدّر حسّاد الدين مرتبة الحساد مباشرة بعد إبليس، وهذا بقول الله تعالى: «ود كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا #حسداً من عند أنفسهم من بعد أن تبين لهم الحق»

فاللهم اجعل انفسنا طاهرة من الحسد. 


Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

الأربعاء، 11 أغسطس 2021

معاني القرآن تتمدّد



📌سرّ القرآن مطّاطي، ثابت المعنى، طويل المفهوم!

 يتوسّع ويتمدّد فهمه مع تطوّر العقل البشري، من غير المعقول أن يفهم عرب الصحراء تفسير الأرضين بالمعنى المعاصر لتعدد الأكوان، والعالم الموازي..، ولا أقول قد، بل قطعاً سيكون عقل إنسان المستقبل أكثر اتساعاً لما يعد الآن غير ممكنا، أو لا يوجد في مخيلة البشر من أساسه، دليلي؟
🔸سأل الرجل ابن عباس عن الآية، فامتنع ابن عباس، فقال الرجل: ما يمنعك أن تجيبني؟، فقال: وما يؤمنك أن لو أخبرتك أن تكفر؟، فقال الرجل أخبرني.. فقال له: سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم.. (الحديث المشهور)
🔸 قال الرسول عليه صلوات الله: #أُذن_لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش..(الى نهاية الحديث)، ركزوا مع "أُذن لي" أي أجاز الله أن يتكلم عن هذا الشيء فقط، لأن العقل لا يتقبل ولا يستوعب هذا.
🔸 الآيات في القرآن معظمها تضرب الأمثلة بما يراه الناس، مثل الجبال والإبل والأنعام، وبعضها فقط تحمل إشارات كونية عظيمة مثل: ..أن السماوات والأرض كانتا رَتقاً ففتقناهنا..، وهذا يبيّن أن الله اختار للإنسان ما يتقبله أكثر مما يشغله!
🔺 الخطر أن يتم اسقاط الآيات اسقاطاً جازما على نظريات علمية آنيّة، ما يدرينا! قد يرى العلم غير ذلك بعد 500 سنة! أو أقل.
🔸 تمدّد المفهوم القرآني للآيات العلمية من أعجب حكم الله، لأنه يُخضع الإنسان لحقيقة أن الله محيط ويعلم قبل أن يعلموا، فهو مُسبب الأسباب وخالق كل شيء! 

 #عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 10 أغسطس 2021

التأثيلية في الميزان




📌التأثيلية.. بين أصول الكلمات ومعناها
 المعاصر!

يقع الكثير من الكتاب والمؤرخين والصحفيين والمدققين في فخ التناقض المفاهيمي للمصطلحات، وهذا اللبس يجعل من النصوص في الكتب، والمقالات الصحفية، والدراسات النقدية مترنحة بين الأصل والمعنى الحديث للمصطلحات في ذات النّص! فتجد المؤلف يستعمل مصطلحات ليبرز نوعا من الإستعراضات اللغوية، يقصد بها الإحالة إلى معناها الأصلي في المعجم، وقد يكون ذلك باقتباس أو استنباط مباشر، من أبيات شعر أو من القرآن أو نصوص لشخصيات عَلَم، وتجد نفس المؤلف في نفس النص أو الكتاب، يستمعل مصطلحات في اللسان العربي القحّ، ليسقطها بالمعنى المُعاصر، كقوله ”ذلك البُهلولُ“، يقصد به المجنون، متناسياً ان البُهلول هو السيّد في قومه أصلاً! كقوله ”زعم“، قيل في الحديث ”زعم جبريل“ وهو استعمال صحيح مرادف لقال، لكن الآن اختلفت! كقوله ”هلك الرجل“ هلك تعني مات فقط، لكنها أضحت مات شر ميتة.
فلو أقام كلّ نصّه على هذا الاستعمال المعاصر، لاحتكم المقال، فالمعنى منذ البداية واضح أنه مبني على سياق لغوي مُعاصر، أما وقد أردت أن تبني نصاً مثقلاً بالمثقلات، لتُلازمه مع مصطلحات معصرنة المعنى، فهنا يقع اللّبس، فإما يكون المبنى على أصول المصطلحات، أو سنقع حتماً في التناقض والخلط، وقد يكون هذا المفهوم ضبابيا عن القارئ، يشعر فيه بتمايل لغوي ولا يحسن تفسيره.
قد يكون علينا الخضوع التام للمعاني المعاصرة دون تكلّف، فالرسالة موجّهة لمن يحسنون المعاني الدارجة وليس الأصول التأثيلية، خاصة إذا شرع الكاتب في كتابة أمور فكرية يناشد الفهم لا التلذّذ بالمجاز والاستعارات.

السبت، 7 أغسطس 2021

الجَــزآئِرُ كإسم ومُصطلح


اشارة، لا يجب أخذ النصوص التي سوف أضعها على أنّها حقّ، فكما يَعلمُ الجميع، قد طرأ تغيير وتحريف في النص الأصلي، هذا المقال يُبيّن الاستعمال القديم لاسم #الجزائر في التوراة، فعلى عكس ما يُشاع، هذا الاسم قديمٌ جداً. 

جاء ذكر اِسم الجزائر كمُصطلح واسمٍ في عديد المرات في العهد القديم، على لسان أنبياء بني اسرائيل عليهم السلام أكثر من  ثلاث وعشرين مرة، تفرد "سفر إشعيا" بــإحد عشرة مرة، وفي سفر حزقيال أربع مرات، وفي سفر إرميا مرتين، وفي سفر يشوع بن سيراخ مرتين، وفي سفر المزامير مرتين، وذكرت في سفر دانيال مرة واحدة، وفي سفر المكابيين الأول ذكرت مرة.

... كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ  هُوَذَا الأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ الْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا #الْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ! 16 وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِيًا لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِيًا لِمُحْرَقَةٍ. 17 كُلُّ الأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ الْعَدَمِ وَالْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ. 18 فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ 

وهُنا في سفر حزقيال 
كلُّ سُكَّانِ #الْجَزَائِرِ يَتَحَيَّرُونَ عَلَيْكِ, وَمُلُوكِهِنَّ يَقْشَعِرُّونَ اقْشِعْرَاراً. يَضْطَرِبُونَ فِي الْوُجُوهِ.

وهنا في سفر ارميا 
"فَاعْبُرُوا #جَزَائِرَ كِتِّيمَ، وَانْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ، وَانْتَبِهُوا جِدًّا، وَانْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هذَا؟"

وهنا في سفر المزامير
اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ، فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، وَلْتَفْرَحِ #الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ.

وفي سفر ياشوع بن سيراخ
 بكلامه طامن الغمر وانبت فيه #الجزائر

السؤال هنا، الجزائر اسمُ بلد، لطالما بحثنا عن أصل تسميته، بين جمع جزر، والزيريين، الاستعمال الوحيد له كان في العهد القديم، ولا يستعمل العرب هذا الجمع الا نادراً.
 فهل من صلة بين من أطلق هذه التسمية الجديدة القديمة، على أنّها تسمية عربية عتيقة، أفصح من الجُزُر.

الاثنين، 2 أغسطس 2021

سقراط لم يكن نبيا



هل كانَ سُقراط هو  "لُقمان الحكيم" أو نبيّاً؟ (لا)

ابتداءً، لستُ في معرض المقارابات والتباعدات الزّمنيّة، ولا في امكنايّة تواجد نبيّ من خارج بني اسرائيل بَعد النبيّ دانيال وقُبيل بعثة عيسى عليه الصلاة والسلام بقرون يَسيرة جدّاً. وهُنا أيضا لا أعرض الاستحالة، فلا أملك أيّ دليل على فُسحة حدوث هذا دينياً وتاريخيا من بُطلانه. 
العَرضُ سيكون عن المذكور عينه، سُقراط، كيفَ وُصفَ من أقرب مقربّيه وتلاميذه وحواريّيه، وهل ما استحالَ عليه يؤكّد نبوّة ما؟ أو كما قيل أنّه "لُقمان الحَكيم"، على فَرض على أنّ هناك اختلاف في نبوّة لُقمان.
لا يَختلفُ المُؤرّخون على اسم لُقمان، فنفسه لُقمان في القرآن هو لُقمان عند الغرب، فلا نعلم سبب اقحام اسمُ سقراط في اسم لُقمان، ولم تُشر أي جداريّة هيلينية الى اشتباه اسم سقراط بلقمان، ولا حتى شرح كلمة سقراط، فهي لا تشير الى لُقمان تماما، على أن الاغريق، كانو يستعملون كثيراً الصفات بدل الاسماء، فقد ورد في الانجيل الإغريقي لفظة "باراكليتوس" أو الفارقليط، فقد فسّرها النصارى على أنها "المُخلّص"، لكنّ ترجمتها الحقيقية هي أحمد أو محمد، أي مجامع الحمدِ، هنا يمكننا المُقاربة بين اسم محمد و"الفارقليط" رغم تباعد اللفظين.
أيضا هناك اشارات عديدة تربط الحكيم أو النبي لقمان بمجتمعات الشام أو مصر، لما كانت الحضارة والتجارة فيهما بارزة، والديموغرافية كثيفة، وعدد الأنبياء فيهما وَفير، حتى ان كل الأنبياء المذكورين في القرآن لم يكونو في غير منطقة الشام والخليج ومصر، أو غرب وجنوب آسيا بشكل أوسع، فلمَ يكون لقمان الوحيد خارج هذه المنظومة، في "بلاد الاغريق".. على أنه سُقراط.
الى حد الآن قمت بتوطئة، ولم أدخل بعد في تشخيص سقراط، الذي كان حقّاً حكيماً، لكن من المستحيل قطعاً أن يكون بدرجة الحكمة التي يخلده اللهُ بها في القرآن، خلا أن يكون نبياً، وهذا أبعد بل حاشى لـ الله أن يكون نبيّاً شخصٌ كسقراط.
يقولُ أحدكم لمَ هذا العِداء على شخص وصفته قبل حين بالحكيم، حِكمت سقراط تكمن في ذكائه في فهم الواقع، لكنّ تاريخيه عكس تاريخ الصالحين من الحكماء والأنبياء المذكورن في القرآن.
فقد عُرف عن سُقراط السفصطة! وهي مدرسة فلسفية لمؤسسها بروتاغوراس، و السفصطة هي المغالطة والتزييف والكذب والمجادلة  وتزيين المنكرات والفواحش، وحِيل خداع الناس بالكلام المعسول. وعُرف عن سُقراط الشذوذ أيضا، كيف لا وقد رسّخ التاريخ علاقته مع ألسبياد، القائد العسكري الاغريقي الشاب، حيثُ كتبت عنهم القصص والأساطير. فهل يُخلّد القرآن رجلاً، جاءَ بأكبر المناكر التي خُسف على اثرها قوم لوط...!
عُرف عن سقراط أيضا ظُلمهُ لزوجته، على أنه لم يقم معها علاقة قطّ، وكان يحتقرها، الى أن جُنّت واصبحت تذمّه وتحاول اغضابه، فكيف يكون رجل كهذا حكيما، وأيّ ابنِ لرجل لم يقم علاقة مع زوجته. وأخيراً وهذا أخطر ما عُرف عن سقراط وعن اليونانيين عموما، البيدوفيليا.
فقد كان يُساق الصبيّ الاغريقي الى المعلم ويُترك معه، ويُسمح له ان تقام معه علاقة جنسية، قانونية باسم الدولة الآثنية، بموافقة الوالدين، على انها جزءٌ من التعليم والموالاة للمعلم. 
وكانت تسمى بيديراستي pédérastie، ولم يكن سقراط بدعة منهم، فقط جانس عمّ أفلاطون نفسه.
فكيف يُخلّد القرآن رجلاً بهذه الصفات المنبوذة، على أنه رجل كان يملك من البديهة والذكاء ما مكنه من طرح أسئلة عميقة والاجابة عن أخرى، وقد علم المنطق والتأمل والتحليل، الا أنه، لم يكت بذلك الرقي الأخلاقي الذي يجعله من زمرة الصديقين.

المقال 182
Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف