التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الشر عند الشرق والغرب.. سيد حسين نصر



العلمنة حوّلت الغرب إلى حضارة بلا روح.
-
يُعدّ الايراني سيد حُسين نصر الفيلسوف المُسلم الوحيد "من الأحياء" المُعترف به في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم كل نظرياته وآرائه المناهضة للفلسفة المادية بشكل عام.
فقد اعتمد على المقارنات في الفهم اللاهوتي بين الاسلام والمعتقدات الشرقية عامةً، مع نظيرتها الغربية الحديثة، وأوضح كيف يتعامل العقل المسلم والشرقي (الآسيوي) مع مفهوم الشر في العالم، بحيث أنه يتعاطى مع المسألة بأكثر فلسفة وعمق من الغربيين.
انّ فكرة المُروق عن الدين بسبب الشر المُنتشر في البشرية والعالم، هي فكرة غربية بحتة لم ولا تطرأ على عقل الانسان الشرقي كما أشار الفيلسوف الإيراني سيد حسين نصر، المسلم او غيره من الديانات كالبوذية والكونفشيوسية أو الهندوسية وغيرها، لان الجواب يختلف بين العهد الجديد والقديم، مع القرآن. في الإسلام، الله هو الخير المطلق فما دونه جلّ علاه يحتمل الشر، كل شيء خلقه الله لا يجابهه في شيء، وليس كمثله شيء، إذا، الخير والشر، بالمفهوم العام هو الخير يساوي الله وما يأتي من عند الله، وما دونه جلّ علاه، يناديه الانسان شراً، في حقيقة الأمر، هو شيء غير مُكتمل، غير نورانيّ، بعيدٌ عن الألوهيّة الكاملة.
الالحاد لفكرة ان الله قد خلق الشر هي فكرة غير منطقية، لأن الالحاد في الأصل هو نكران وجود الخالق، ويبرر الملحدون بعدم تقبل العقل لفكرة وجود ما لا نراه! هناك فرق شاسع وواسع بين أمور تُناقض فهم العقل، وأمور تتجاوز فهم العقل. التناقض يأتي عندما يُقال عن الأبيض أنه أسود، في فطرة الإنسان النور نور والظلام ظلام، بعيداً عن أي خلفية دينية أو فلسفية. ما يُقال أنّهُ ظلام وهو في أبصارنا نورٌ يُناقض العقل قطعاً، وهو مرفوض من حيثُ جاء. أما إذا وُجد شيءٌ لا هو نورٌ ولا هو ظلام، فهذا لا يُناقض العقل، إنما هو يتجاوز فهمه فحسب. فمن المُلحدين من يتكلمون بالتناقض بين العقل وما يراه ويستطيع شرحه، مع الروح والملائكة والخالق والأمور التي لا تُرى، قائلين إنها أمور تُناقض المنطق والعقل!، وهو دليل على عدم تمكّنهم من أدني درجات المنطق والفلسفة. التناقض يكون في المقارنة بين الأشياء التي يعقلها العقل في الأساس! كما ذكرت النور والظلام، العلم والجهل، أما المقارنة بين علم الغيب والشهادة، أي الملموسات والمحسوسات مع الماورائيات، فهي مقارنة لا تصحّ منطقياً وعلميا. وعلى ذكر العلم، فالعلم لا يُثبت الغيبيات ولا يُنفيها، العلم يتلخّص في دراسة الواقع. علم الشهادة يتعلّق بالإيمان، والإيمان بـ الله والملائكة والروح، يتبعه الإيمان بقدرة الخالق على فعل المعقول وغير المعقول! وغير المعقول قطعاً هو ما يُجاوز فهم العقل. وليس ما يناقضه.
فاذا أقررنا ان هناك خالق انتهت فكرة الالحاد، ودخلنا في عالم مَفهومية النص الديني، فنجد أن الإسلام في هذه الحيثية، قد اتى بالجواب الكافي، في أن الشّر ليس من الله، بل هو ابتلاء للإنسان، ذلك الانسان المُدعّم بنصّ الرّب الكامل النورانيّ، فمن بقي على نور الله الكامل، سيكون له مَفهوم آخر عن الشر الدُّنيويّ، كل الرسالات والنبوءات دعت للقسط والعدل والصلاح والإصلاح، الشّر الإنساني هو نتاج الابتعاد على هذه الدعوات الربانية، فالشر في ذاته غير مصنوع كشرّ، ولنا في ابليس آية، فقد اختار أن يعصي أمر الله بعدم السجود لآدم، ولم يَكن مخلوقاً ليكون شريراً، بل كان مُقرّباً قبل ذلك. 
ان الله يعلم ما خلق حتى قبل أن يخلُقَ آدم، فقد جعل الملائكة تسأل عن سرّ صناعة مخلوق يسفك الدّماء، فقال أنّه يعلم غيب السّماوات الأرض، فهو يعلم أنّ الانسان سيصبح شريراً إذا ابتعد عن الحق، فالشّر هو مقرون بالمَيل عن الحق، ما يجعل الانسان مسؤولا عن مآسيه ومآسي غيره، والأصل في كل هذا هو حريّة الاختيار، ما دمت تملك حرية الاختيار، فأنت تعلم الخير من الشّر، ولا تكون الحجّة قائمة على من يقوم بالشّر لو لم يفعل ذلك عن رغبة منه وليس عن عدم تفرقة وفهم للخير والشر.

#عمادالدين_زناف 
المقال 192

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...