الخميس، 24 أغسطس 2023

معركة أقدين


، يمكن لأي أحد استعمالها لإعادة نشرها في ويكيبيديا. 
_
وقعت معركة أكدين يوم 10 ديسمبر 1847 بين قوات سلطان مراكش عبد الرحمان بن هشام بقيادة ابنيه مولاي محمد ومولاي سليمان ضد جيش الأمير عبد القادر الجزائري، في سياق احتلال فرنسا للجزائر .

🔸السياق التاريخي.
بعد ما تم إبرام معاهدة طنجة (1844) ، تم الإعلان على أن الأمير عبد القادر الجزائري الإدريسي هو شخص خارج عن القانون في جميع أنحاء التراب المراكشي وكذلك في التراب الجزائري التابع للاحتلال الفرنسي آنذاك .
لقد كان الأمير يريد تجنب الحرب مع سلطان المغرب بقدر الإمكان في كل مرة، بل وكان يسعى لكسب إعانته ضد الاحتلال الفرنسي، وقد كان يرسل خليفته في كل مرة إلى حاكم مراكش، ثم أرسل أخلص مراسليه وهو بوحميدي بفاس لكي يتمكن من التفاوض معه مرة أخرى.
كان في كل مرة يُقتل أو يُسجن مراسلي الأمير عبد القادر. ووصل بوحامدي إلى قصر العاهل المغربي وطلب أن يتم استقباله وفق طقوس الاستقبال المقدسة، وراح باسم الصداقة والدين يستحضر له ذكريات الماضي والأخوة. لكن أدخله مولاي عبد الرحمن إلى السجن، ويقال إنه أُجبره على شرب السم [1] ، ومات بعد فترة قصيرة من سجنه.
بعد المعركة الأولى ضد جيوش السلطان المغربي في جويلية 1847، حطّ الأمير عبد القادر جيشه وقاعدته في زمالة، وهي في أكدين على الضفة اليسرى لنهر ملوية [2] الذي يعتبر هو الحد التاريخي الفاصل بين الجزائر والمغرب.
سير التحركات العسكرية
في 9 ديسمبر 1847 ، سمع الأمير إشاعات مفادها أن الجيش المغربي يتقدم نحو موقعه بسرعة عالية لينهي عليه، وذلك في إطار التعاون المغربي الفرنسي لصد مقاومة الأمير. وفي 10 ديسمبر، حصل الأمير عبد القادر على تأكيد مفاده أن ابني السلطان عبد الرحمن كانا في قلعة سلوان [3] ، وكانا على بعد 3 ساعات فقط من مكان السمالا ليهجموا على موقعه وينهوا بذلك حلم مساعي الأمير عبد القادر.
تكوّن الجيش المغربي الذي أرسله سلطان مراكش من 50 ألف رجل مقسمين إلى 3 فرق متتابعة.
كانت تفصل بينها مسافة كيلومتر واحد تقريبًا. عندما رأى عبد القادر هذه القوة تتقدم نحو معسكره الذي يضم 5000 شخص فقط، عرف أنه سيتم الاستيلاء على زماله لا محالة وحتماً إذا لم يتحرك بخطى محكمة. ومن ناحية أخرى، لم يكن لديه سوى قوة خفيفة من الضخيرة والأسلحة والعتاد بالمقارنة مع الجيش المغربي النظامي، فقد كان غير قادر على التعامل مع مثل هذه الأعداد بالطرق العادية.
في 11 كانون الأول (ديسمبر) حشد الأمير عبد القادر حوالي 1200 جندي مشاة و800 رجل وأمرهم بالاستعداد لمتابعته في ساحة المعركة ليلاً، وقد كانت حيلة منه لتفكيك الجيس المغربي من الداخل. أمر عبد القادر هؤلاء الجنود بتغطية جملين بالكامل بالحلفة بعد أن تم تغطيتهم بالقطران بشكل كامل[2] . وبعد أن أشعل النار فيهما، اندفع الجملان نحو المعسكر بقوة مرعبة، وأعقب ذلك إطلاق نار من المشاة الجزائريين الذين استظهروا ب سلاح الفرسان بقيادة عبد القادر وهو يهاجم معسكر العدو ببسالة منقطعة.
في خضم هذه الأحداث الملتهبة، واصل الأمير عبد القادر وفرسانه هجومهم وهم يستعدون للاصطدام بالفرقة الثانية من الجيش المغربي المرعوبة والمهزومة والمشتتة مثل الأولى. وفي أقل من ثلاثين دقيقة وصلوا إلى الدرجة الثالثة للفرقة المغربية التي كما ذُكر كانت تتباعد بنحو الكيلومتر عن بعضها. وبعد أن تحذيرهم من الأصوات القادمة من مقدمة الجيش المغربي من خطورة مشاة الأمير، كان لدى الأمراء المغربيين الوقت الكافي لإعداد بعض الجنود النظاميين للدفاع عنهم بالإعانة. وكان عبد القادر يعتزم مهاجمة خيامهم مع أَسْرهم هم كذلك .
في ظهر ذلك اليوم، تقدم 5000 من سلاح الفرسان المغربي نحو موقع الأمير ومخيمه. انتظر الأمير عبد القادر اقترابهم بفارغ الصبر بما كان يحضّره من قوة ردّ، وعندما اقتربوا من مسافة معقولة حسب نظرة الأمير، وضع نفسه على رأس جيشه وقاد الهجوم المعاكس.

🔸اللواحق والعواقب
لم تتعرض سمالة عبد القادر لمثل هذا الخطر الكبير من قبل، فقد نفدت الذخيرة - ولم تكن الذخيرة التي تم استعمالها من المغاربة مطابقة لذخيرة بندقيتهم. وعلى الرغم من استمرار أعداءه في مضايقة جيشه بعد عبور نهر ملوية، إلا أن الأمير عبد القادر رفض مغادرة هذه الضفاف حتى تكون سماله أمامه بمسافة ساعة في سهول طريفة . فقد العديد من الرجال حياتهم أو أصيبوا خلال اشتباكات على ضفاف نهر ملوية. وقد قُتل منهم القائد محمد بن يحيى الملقب بالشيطان بعد مآثره ومعاركه الكثيرة [2] . وفي حوالي حوالي منتصف الليل، وصلت السمالة إلى قبلة الواد ، ثم توقفت القواة المغربية عن إزعاجه فقد. كانوا على الأراضي الفرنسية.
لم يفقد أحد حياته بفضل عبقرية عبد القادر وشجاعته، ولم تتعرض السمالة لأي خسائر معتبرة. ومن بين هؤلاء الرجال المخلصين الذين تبعوه في ساحة المعركة، هلك ما يقرب من 200 [2] . أما بقية هؤلاء الجنود فقد أصيبوا بجروح طفيفة. عبد القادر نفسه فقد 3 خيول، ما عرف انتصار قواة الأمير ضد الجيش المغربي.

🔸المذكرات و المراجع
1. ^ Elsa Marston (2013). The Compassionate Warrior (بالإنجليزية). Indiana, USA: World Wisdom Inc. p. 63.

2. Charles Henry Churchill (1867). The Life of Abdel Kader, Ex-sultan of the Arabs of Algeria : Written from His Own Dictation, and Comp. from Other Authentic Sources (بالإنجليزية). Londres: Chapman and Hall. p. 261.

3. ^ أمير معسكر محمد باشا الجزائري (1903). كتاب تحفة الزائر في مآثر الامير عبد القادر واخبار الجزائر. Alexandrie. ص. 321

4- كتاب الاستقصا؛. ص 57 [بقية أخبار الحاج عبد القادر]

المقال 368

#استرجع_تراثك
#عمادالدين_زناف

السبت، 19 أغسطس 2023

تطور منهجيتي الفكرية



نبذة عن تطور منهجيّتي البحثية من البداية.. إلى اليوم.
«من سيرتي»

في بداية مطالعاتي وأنا في الجامعة، كنت أهتم بشكل كلي بالحضارات لا غير، كنت مهووسًا لدرجة أنني كنت أقتني الألعاب التي لها علاقة بالحضارات (يوغي يو، برينس اوف بيرسيا، ايج اوف أومبير..)، كنت أحفظ (وما زلت) عن ظهر قلب التسلسل الحضاري من بلاد ما بين النهرين إلى غاية الحاضر، لكن لماذا؟ 
لأنني كبرت على جوّ تقليدي، في المنزل، كنا نشاهد كل خميس ليلا فيلم ڨلادياتور دون أن نمل منه، وعندما كبرت قليلا، كنت أعشق أفلام الصينيين والمصارعة، ثم الأنميات التي تحاكي الماضي.

بعدها، ولجت إلى عالم السياسة، بما أنني كنت أدرس العلوم السياسية، وأول كتاب نصحت به من الأستاذ روابحية، أستاذ الاقتصاد السياسي هو كتاب الأمير، ثم كتاب من الحرب لفان كلاوسفيتز البْروسي. طبعا، لم أعقل بشكل صحيح معظم ما كتب فيهما، كل ما كان يثيرني وأنا شاب هو تلك الطاقة والذكاء والتخيطيط عند هؤلاء الرجال، وشيئا فشيء أصبحت أبتعد عن المراهقة الفكرية وأتوجّه إلى محاولة فهم العالم الحديث، بعد أن كنت منغلقا في حب العالم القديم.  طبعا، هذه العملية تستوحب عدة أدوات، تسمى علوم الآلة، وتعريفها هو كالآتي: هي العلوم التي تستعمل لغيرها. ما المقصود بهذا؟ ببساطة، لكي نرسم خطا مستقيما علينا أن نستعمل المسطرة، بالتالي، لكي تفهم العالم، عليك ان تستعمل أدوات الفهم.  في بداية الأمر، تأثرت كثيرا بعلم النفس، ذلك أن شقيقتي كانت تدرسه، ولم تكن تبخل عليّ بنقاشات تفوقني سنا. كانت تتقاسم معي بشكل يومي كل ما يتعلق بالموضوع، حتى أنني تاثرت بشكل كامل، وصرت أشاهد نفس المسلسلات النفسية التي كانت تتابعها، من بينها مسلسل ”مانتاليست“، المسلسل الذي وضعني أمام الإنسان بشكل مباشر.

 ثم توالت المسلسلات بهذا الخصوص مثل ”لاي تو مي ..وصولا إلى الاسطورة كريمينال مايندز“.    في نفس الوقت، بدأت أنتقل من الكتب التاريخية والسياسية إلى النفسية، إلى أن اصطدمت بالفيلسوف نيتشه.

اكتشافي لنيتشه لم يكن بشكل مباشر، لقد كانت مرحلة كبيرة جدا اوصلتني إليه، وآخر باب قبل غرفته كانت أفكار فرويد، فمن يقول فرويد وكارل يونغ، يقول خلفية نيتشية بحتة.  اكتشاف نيتشة أحدث زوبعة في عقلي، وهذا ليس حكرا علي، يمكنكم أن تسألوا أي شخص قرأ لنيتشه أول مرة، سوف ترون ردة فعله.
نيتشه كان بوابة الفلسفة بشكل رسمي عندي، وقد طالت هذه المرحلة لأن اكتشاف الفلاسفة ليس بالشيء الهين، بل يحتاج تجرعا. وقد كان هو -نيتشه- الذي أعاد فتح ملف التاريخ والحضارات مجددا بالنسبة لي، ولكن بالمنظور والنظارات الفلسفية البحتة، الشيء الذي دفعني لزاما للنظر في الفلسفة عند المسلمين. وهنا كانت مرحلة الحسرة والصدمة بالنسبة لي على ما تم إهماله من طرفي، فقد فُتح علي أخيرا أثقل ملف يمكن أن يلجه أي باحث في الفكر كيف لا وما تركه المسلمين هو إرث للعالم وليس لنا فحسب، فاكتشفت علم الكلام والمتكلمين، وفلاسفة الفرس والهند والسند والأناضول، حتى قادمي ذلك إلى شمال إفريقيا، وبها بلدي.

أما ملف الجزائر، فقد كان بالنسبة لي شيئا غامضا محصورا على ما تعلمناه في المدرسة، إلى أن رحت أقلب الصفحات وأرى ما كتبنا وما كتب عنا، ففتحت ملفا جديدا يدعى الجزائر بكل ما فيها.. 
وها أنت الآن تقرأ مقالة شخص دخل عالم الفكر والفلسفة بشكل غير منظم، لكنه سريعا ما كان يتدارك الثغرات وما يزال يفعل، وإا نظرت إلى مكتبته والكتب فيها ستقول: هل هي مكتبة شخص واحد أم عدة شخوص؟!..

قد يُتبع!

المقال 368
#عمادالدين_زناف

الجمعة، 18 أغسطس 2023

شمعة المشرق والمغرب، المقري التلمساني.



من شيوخ المؤرخين المسلمين، نجم الأدب المسيلي التلمساني.
هو أحمد بن محمد المَقْري، أصلهُ من المسيلة ببلدية مَقْره وهو تلمساني المولد والنشأة.  هو مؤرخ وأديب وشاعر جزائري، ولد في زمن إيالة الجزائر البحريّة، وذلكَ سنة 1578م، تعلّم عند عمّه مًفتي تلمسان سعيد المقري، الذي ارتحل إليها جدّه وسكنت عائلته بها. رحل إلى فاس ومراكش وقد أعجبَ سلطان فاس المنصور به لنُدرة أمثال ذلك الجزائري وافتقار محيطه لخامةٍ أدبية مثله، فقرّبه واستفاد منه كثيرًا، ثمَّ نصبه إماما ومفتيا وخطيبا، فردّ له المقري جميله بتأليف كتاب يمتدح فيه فاس والعلماء الذين حلّوا فيها.  ثم رحل منها بعد صراع أبناء المنصور على مُلكِ فاس، فتدهورت الأوضاع وترك أسرته هناك ثم هجَّ إلى الحجاز، ثم بعدها إلى مصر، فتزوّج بسيدة مصريّة وسكنَها مُدرّسا في الأزهر، وشرع فيها بتأيف أشهر كتبه وهو كتاب النفح الطيّب، وهو كتاب في التاريخ الأندلسيّ.   ثمّ هاجر إلى القدس ومنها إلى دمشق، فأعجب بها ولاق استحسان علمائها، فألحّوا عليه البقاء معهم، فقبل وهمّ يغادر مصر إلى دمشق، لكن سبقته المنيّة وتوفّى بها سنة 1632م. كـان أبو العباس مـالكيا أشعريا مثل أجداده الجزائريين، وهو لم يعمّر أكثر من 53 سنة،  فلم يسعه عمره في تأليف كتابه أنواء نيسان في أنباء تلمسان المسقط والجنّة، الذي نوى تأليفه عندما كان في فاس حيث قال "حالت بيني وبين ذلك العزم والأقدار، فشغلت بأمور اللإمامة والفتوى والخطابة" وهو الذي كان كثير الحديث عن حنينه لهواء الجزائر، وقد كان كثير النقل لشعراء مدحوا تلمسان في نفح الطيب، كقوله : "أحسن قولا لكاتب الثغر ييمدح تلمسان بقوله،

تاهت تلمسانٌ بحسن شبابها ... وبدا طراز الحسن في جلبابها
فالبشر يبدو من حباب ثغورها ... متبسّماً أو من ثغور حبابها
قد قابلت زهر النجوم بزهرها ... وبروجها ببروجها وقبابها
حسنت بحسن مليكها المولى أبي ... حمو الذي يحمي حمى أربابها
ملك شمائله كزهر رياضها ... ونداه فاض بها كفيض عبابها
أعلى الملوك الصّيد من أعلامها ... وأجلّها من صفوها ولُبابها
غارت بغرة وجهه شمس الضحى ... وتنقيت خجلاً بثوب ضبابها
والبدر حين بدت أشعّتها له ... حسناً تضاءل نوره وخبا بها
لله حضرته التي قد شرّفت ... خدّامها فسموا بخدمة بابها
فاللثم في يمناه يبلغها المنى ... والمدح في علياه من أسبابها.

أما مؤلفاته فلا حصر لها، كثير منها متوفرة في موقع مكتبة نور، ومنها «نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرَّطيب» في أربعة أجزاء وهو في تاريخ الأندلس وعلمائها وأدبائها، والثَّاني « أزهار الرِّياض في أخبار القاضي عِياض»  في أربعة أجزاء، ولا يزال الكتابان من أبرز مصادر الأدبين المغاربيّ والأندلسيِّ حتَّى اليوم. من كتبه الأخرى «روضة الأنس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من علماء مراكش وفاس» و«عرف النَّشق في أخبار دمشق» و«حسن الثَّنا في العفو عمَّن جنى» وله أرجوزة سمَّاها «إضاءة الدُّجنَّة في عقائد أهل السُّنَّة» وله في النَّبويَّات «فتح المتعال في وصف النِّعال» نعال النبيّ.

من علماء الجزائر الذين أشعلوا شمعة علمهم في المشرق والمغرب. 

المقال 367
#عمادالدين_زناف   #استرجع_تراثك