التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تطور منهجيتي الفكرية



نبذة عن تطور منهجيّتي البحثية من البداية.. إلى اليوم.
«من سيرتي»

في بداية مطالعاتي وأنا في الجامعة، كنت أهتم بشكل كلي بالحضارات لا غير، كنت مهووسًا لدرجة أنني كنت أقتني الألعاب التي لها علاقة بالحضارات (يوغي يو، برينس اوف بيرسيا، ايج اوف أومبير..)، كنت أحفظ (وما زلت) عن ظهر قلب التسلسل الحضاري من بلاد ما بين النهرين إلى غاية الحاضر، لكن لماذا؟ 
لأنني كبرت على جوّ تقليدي، في المنزل، كنا نشاهد كل خميس ليلا فيلم ڨلادياتور دون أن نمل منه، وعندما كبرت قليلا، كنت أعشق أفلام الصينيين والمصارعة، ثم الأنميات التي تحاكي الماضي.

بعدها، ولجت إلى عالم السياسة، بما أنني كنت أدرس العلوم السياسية، وأول كتاب نصحت به من الأستاذ روابحية، أستاذ الاقتصاد السياسي هو كتاب الأمير، ثم كتاب من الحرب لفان كلاوسفيتز البْروسي. طبعا، لم أعقل بشكل صحيح معظم ما كتب فيهما، كل ما كان يثيرني وأنا شاب هو تلك الطاقة والذكاء والتخيطيط عند هؤلاء الرجال، وشيئا فشيء أصبحت أبتعد عن المراهقة الفكرية وأتوجّه إلى محاولة فهم العالم الحديث، بعد أن كنت منغلقا في حب العالم القديم.  طبعا، هذه العملية تستوحب عدة أدوات، تسمى علوم الآلة، وتعريفها هو كالآتي: هي العلوم التي تستعمل لغيرها. ما المقصود بهذا؟ ببساطة، لكي نرسم خطا مستقيما علينا أن نستعمل المسطرة، بالتالي، لكي تفهم العالم، عليك ان تستعمل أدوات الفهم.  في بداية الأمر، تأثرت كثيرا بعلم النفس، ذلك أن شقيقتي كانت تدرسه، ولم تكن تبخل عليّ بنقاشات تفوقني سنا. كانت تتقاسم معي بشكل يومي كل ما يتعلق بالموضوع، حتى أنني تاثرت بشكل كامل، وصرت أشاهد نفس المسلسلات النفسية التي كانت تتابعها، من بينها مسلسل ”مانتاليست“، المسلسل الذي وضعني أمام الإنسان بشكل مباشر.

 ثم توالت المسلسلات بهذا الخصوص مثل ”لاي تو مي ..وصولا إلى الاسطورة كريمينال مايندز“.    في نفس الوقت، بدأت أنتقل من الكتب التاريخية والسياسية إلى النفسية، إلى أن اصطدمت بالفيلسوف نيتشه.

اكتشافي لنيتشه لم يكن بشكل مباشر، لقد كانت مرحلة كبيرة جدا اوصلتني إليه، وآخر باب قبل غرفته كانت أفكار فرويد، فمن يقول فرويد وكارل يونغ، يقول خلفية نيتشية بحتة.  اكتشاف نيتشة أحدث زوبعة في عقلي، وهذا ليس حكرا علي، يمكنكم أن تسألوا أي شخص قرأ لنيتشه أول مرة، سوف ترون ردة فعله.
نيتشه كان بوابة الفلسفة بشكل رسمي عندي، وقد طالت هذه المرحلة لأن اكتشاف الفلاسفة ليس بالشيء الهين، بل يحتاج تجرعا. وقد كان هو -نيتشه- الذي أعاد فتح ملف التاريخ والحضارات مجددا بالنسبة لي، ولكن بالمنظور والنظارات الفلسفية البحتة، الشيء الذي دفعني لزاما للنظر في الفلسفة عند المسلمين. وهنا كانت مرحلة الحسرة والصدمة بالنسبة لي على ما تم إهماله من طرفي، فقد فُتح علي أخيرا أثقل ملف يمكن أن يلجه أي باحث في الفكر كيف لا وما تركه المسلمين هو إرث للعالم وليس لنا فحسب، فاكتشفت علم الكلام والمتكلمين، وفلاسفة الفرس والهند والسند والأناضول، حتى قادمي ذلك إلى شمال إفريقيا، وبها بلدي.

أما ملف الجزائر، فقد كان بالنسبة لي شيئا غامضا محصورا على ما تعلمناه في المدرسة، إلى أن رحت أقلب الصفحات وأرى ما كتبنا وما كتب عنا، ففتحت ملفا جديدا يدعى الجزائر بكل ما فيها.. 
وها أنت الآن تقرأ مقالة شخص دخل عالم الفكر والفلسفة بشكل غير منظم، لكنه سريعا ما كان يتدارك الثغرات وما يزال يفعل، وإا نظرت إلى مكتبته والكتب فيها ستقول: هل هي مكتبة شخص واحد أم عدة شخوص؟!..

قد يُتبع!

المقال 368
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...