الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #8



سلسلة #لسان_الزمخشري #8

اعتمد الزمخشري في تهذيب اللسان، خاصة في كتابه الضخم أساس البلاغة، الذي أخذ نصيب الأسد من هذه السلسلة، على ما سمعه من الأعراب من فصيح اللسان، من نثر بشتى فنونه وشعر في شتى صوره وما طولع في بطون الكتب ومتون الدفاتر من روائع الألفاظ.
 فقال (فُليت له العربية وما فصح من لغتها، ومُلح من بلاغتها، وما سمع من الأعراب في بواديها، ومن خطباء الحلل في نواديها، ومن قراضبة نجد في أكلائها ومراتعها، ومن سماسرة تهامة في أسواقها ومجامعها، وما تراجزت به السقاة على أفواه قُلبها، وتساجعت به الرعاة على شفاه عُلبها، أو ما تزاملت به شعراء ثقيف وهذيل في أيام المفاتنة، وما طولع في بطون الكتب ومتون الدفاتر من روائع ألفاظ مفتنّة، وجوامع كلم في أحشاؤها مجتنّة)
وقد اعتمد على القرآن الكريم، والحديث النبوي من مثل قوله (ولا تؤبن فيه الحرم) و(سترون بعدي أثرة)، وأقوال الصحابة على رأسهم علي وعمر عليهما الرضوان والأنوار، وشعر الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين، والأمثال كـ ( آبل من حُنيف الحناتم) و(سمنكم هوريق في أديمكم)
 وكلمات منثورة للعرب مثل ما جاء (وتقول العرب، أصل كل داء البَردة، وأصل كل دواء الأزم)، (وفي أدعيتهم أبى الله لك أسراً) (وقال أعرابي لآخر، كيف كانت مطرتكم أأسّلت أم عزّمت)، وشعراء المولدين كأبي نواس في طردياته : 
تراه في الحضر إذا هـَا هـَا به    كأنما يحرج من إهابه
وما سمعه بنفسه كـ (قال، وهو مستأهل له، وسمعت أهل الحجاز يستعملونه استعمالاُ واسعاً)  وما قاله (وفي نوابغ الكلم، من كان آدب كان رحله أجدب)، وعن المعجمات العربية القديمة وما رواه اللغويون قبله مثل أخذه من كتاب العين للفراهيدي (الواو في مرئي أكلتها الياء، لأن أصله مرؤوي) 
ونقل عن اللغويين 'وقال عن الأصمعي أبيض يضُّ ولهق بمعنى واحد، وهو الشديد البياض. وقال ابن دريد : هو الناصع اللون في سمن. وقال المبرد : هو الرقيق البشرة الذي يؤثر فيه كل شيء)
واطلع على كتب كالمفردات في غريب القرآن للأصفهاني.

في المقال المقبل (التاسع) سأتحدّث عن ترتيبه للعلوم اللسانية ان شاء الله .

#عمادالدين_زناف
المقال 328

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #7



سلسلة #لسان_الزمخشري #7

بعض الهَنات اللسانية اليسيرة للزمخشري في تفسير الكشاف، وكُتب الهمع، الفائق وأطواق الذهب، وغيرها. وهي من استدراكات ابن حيان من نقول الدكتور فاضل صالح السامرائي.

وما جاء في الكشاف، (فهل أسلمتم أم أنتم بعدُ على كفركم؟) وهذا الموطن للهمزة لا لهل. فإن (لهل) للتصديق فحسب. وقد استعمل (هل) في موطن لا بصلح إلا للهمزة في أماكن عدة منها قوله (هل تخاف لائمتهُ وتشمئز لمعابه أم لا تعبأ بذلك؟) وقوله (هل تتم عند صدمة ذلك.. أو ترفع رأساُ.. أو تلقي سمعاُ..أم بها في تلك الوهلة ما يشغلها عن أن تنطق في شأن يعنيها بحرف؟) ومنها قوله (وهل ينفعك نخيلك الصنوان وغير الصنوان أم يدفع عنك ما يخرج من طلعها من القنوان؟). 

وحاء في كتابه أعجب العجب ( وليس المراد أني سأفعل هذا في المستقبل فقد لا يحصل بذلك مدح) مع العلم بأن (قد) مختصة بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس. وجاء في الكشاف (لئن احتجبتن فإنّ لكنَّ على النساء فضلاُ) والصواب بلا فاء، وذلك لتقدم القسم على الشرط، إذ من المعلوم أن إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما، فإذا تقدمهما ما يحتاج إلى خبر فأنت محيّر في أن تجعله لأيّهما شئت. وهذا من شرح الأشمونيّ. فالصواب أن يقول (إنّ لكن). 
وجاء في الكشاف (حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول : إن عافاني الله لأجمعن حطباُ لإبراهيم) ولا يصح أن يكون (لأجمعن) جواباُ للشرط إلا على تقدير قسم محذوف سابق للشرط أي (لئن) أو (والله إن). وجاء في أعجب العجب (أي لست محياراُ في وقت اعتراض اليهماءات) واليهماءات جمع يهماء وفي المفازة. ولا تجمع (اليهماء) على اليهماءات، فإنها إن كانت وصفاُ مؤنث (أيهم) كما حكى ابن جني (يرّ أيهم) جُمعت على (يُهم) كأحمر حمراء حُمر، وإذا غلبت عليها الاسمية كالصحراء فإنها تجمع على (اليهماوات) كالصحراوات والخضراوات.

وجاء في الفائق (الأُبَيْنى') بوزن (الأٌعَيْمى') تصغير الأبنى بوزن الأعمى واسم جمع للابن. ولسنا ندري ما الأُعَيْمى إذ إن ( الأعيمى) ليس تصغيراُ للأعمى وإنما تصغيره (الأعيمي) بالياء، إذ يُردُّ الآخر إلى أصله في التصغير مطلقاُ كما هو معلوم.

وجاء في الكشاف (وما يظهر لهم دليل قط) واستعماله "قط" مع المضارع ليس بالجيد، لأن "قط" ظرف مختص بالماضي.

المقال 328
#عمادالدين_زناف

الأحد، 18 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري 6



سلسلة #لسان_الزمخشري  #6

يقول تبوّجَ البرقُ، أي شعَّ، ويقولُ باخَ الحرّ أي استقرَّ وبقى، وعن هلاك الشيء يقول أتى بَوارهُ، وإذا عبّر عن مصلتحك قال هذا ليس من بابَتِكَ، وإذا جاء الناس بكثرة يقولُ جاءوا ببَوَشٍ وقد بوّشوا، وعن الفرار يقول أنّه البَوصُ، ونقول بَهَرهُ عن الذي غلبهُ، والبهرجُ هو رديء الفضّة يقال بهرجة أي فضة كاذبة، وإذا أردتُ إبعاد أحدهم أقول بَهَزتهُ، وإذا قصد الذئب أذيّة فلان نقول بهش إليه أب أقبل عليه، ويُسمى الباهش الناهش، ومن أثقلهُ الحمل نقول بَهَظه ومنها الباهظ أي الثقيل، والبهق لشديد البياض ويسمى الأمهق والأبهق، والرجل الباهل هو المتردد بغير عمل، والمبتهل هو المتضرّع لله.
ونقول أبهَمَ الباب أي أغلقها، ونقول عن الإناء الممتلئ أنه إناءٌ مُتأقٌ وقد تَئِقَ، ويقال عن من دعا على القوم أنه تبّب عليهم، وهي من التبّ، ونقول الشبخ تبَّ وكنت شابا فصرت تابّاً، وطيبو الأعراق والأصل نقول طيبو التّخومِ، والترحةُ هي الحزن، ويقال ما الدنيا إلا فرحٌ وترحٌ، ويقال أن تلك المرأة تارّة أي ممتلئةٌ، ويقال أن الذي يحوم بشكل دائري أنه ترّاس، ومن أحكم الشيء يقول أنه ترّصه.
 ومن ملأ الكأسَ نقول أنه أتْرعها وأترَعَ الكأسَ، ونقول عن الذي وصل لأقصى حدّ أن بلغت روحه التَّراقي، والمتعطّر يقال التَّفلُ، وهنّ تفلاتٌ أي مُتعطّراتٌ، والأتلعُ هو طويل العُنُقِ، ومن يضع الشيء في يد الآخر يقال أنّه تلَّ الشيء على يده، وإذا ارتفعَ الشيء نقول تَمَكَ، نقول جبلٌ تامِكٌ،وعن الرّجل نقول مُتمهلّ القوام أي طويل عال، والتيهور هو الرمل والتراب غير المتماسك، وعن الذي يرمي بنفسه في الشيء دون تثبت نقول عنه أنه يتتايعُ، ونقول ليلة ثئِدة أي كثيرة الندى.
   وثَئِطَ الشيء أي فَسد، والثّأيُ هو الفسادُ، وثَبَجهُ تعني ضَرَبَهُ، والأثرم من سقطت ثنيّة أسنانه، والثلطُ هو العيبُ، والثمدُ هو قلّةُ الماءِ، والثولاء هي المجنونة، والجؤجؤ هو عظم الصدر،  ويقال جأبٌ على شديد الصلابة، والقلقُ يقال جَئِزٌ، وجبَذَ عكسُ نَبَذَ، والجبسُ هو الجبان،  والجحافل هم خلق عظيم، والجاحم هو الشيء شديد الحر، والمجدوع هو مقطوع أحد الأعضاء، وانجذم أي انقطع.

إلى المقال السابع من السلسلة إن شاء الله
المقال 327

#عمادالدين_زناف

الخميس، 15 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #5



شيوخ النحو، أقدم الكُتب، وأئمة الزمخشري. 
سلسلة #لسان_الزمخشري 5

عرفَ علم النحو تدرّجاً زمنياً قبل أن يصلَ إلى الزمخشري، فالمعروف أن من أسّس علم النحو في بداياته هو سيدنا على ابن أبي طالب كرّم الله وجهه، وقد كان لتلامذته الفضل في التوسع في هذا العلم لحماية القرآن من الخطأ في النقل.  ثم انطلق تدريسه باستقلال تام مع أبو الأوسد الدؤلي 69هـ، التابعي تلميذ عليّ رضي الله عنهما، فدرّسه لكل من نصر بن عاصم الليثي الكناني وعنبسة بن معدان الفيل المهري وابن هرمز ويحيى بن يعمر العدواني. 
 ثم انطلقت من البصرة دراسة علم النحو من ابن أبي إسحاق 118هـ و عيسى بن عمر 149هـ، وأبو عمرو 154ه.  تعلّم عن ابن أبي إسحاق كب من الأخفش الأكبر، والخليل ابن أحمد الفراهيدي، ويونس ابن حبيب.
 ثم جاء من تلاميذهم سيبويه، اليزيدي، أبو زيد، وتتلمذ لذا هؤلاء كل من الأخفش وقطرب. تلاهم من التلاميذ الجرمي 225هـ والمازني 249هـ والرياشي 257هـ، وتتلمذَ لذا هؤلاء المبرّد، إمام المدرية البصرية ، وهو  أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر 286هـ. أما من طريق عيسى بن عمرو فلم يشتهر نحويّ، وأما من طريق أبو عمرو، فقد تتلمذَ لديه الرءاسي والهراء، وتتلمذ لهما الكسائي 119هـ، وتتلمذَ له كل من أبو الحسن الأحمر وأبو زكريا الفراء وأبو الحسن اللحياني. 
ثم تتلمذ عنهم كل من ابن سعدان والطوال وابن السكيت، وتتلمذ لهم أبو العباس ابن سيار "ثعلب"  291هـ إمام المدرسة الكوفية. 
تخرج عن المبرّد كلّ من أبو إسحاق إبراهيم الزجّاج 311هـ، ألو بكر محمد بن علي بن إسماعيل مبرمان 345هـ، أبو بكر محمد بن السري السراج . تتلمذ لديهم كل من أبو علي الفارسي و أبو سعيد السيرافي وأبو الحسن الرماني. تتلمذ لديهم كل من أبو الفتح عثمان "ابن جني" 350 هـ، علي بن عيسى الربعي، وأبو طالب العبدي. تلاهم عمر بن ثابت الثمانيني، ألو أحمد عبد السلام البصري، وأبو الحسن السمسمي. تتلمذ عنهم أبو المعمر يحيى بن طباطبا العلوي، وعبد الواحد العبكري (ابن برهان)، وأبو زكريا الخطيب التبريزي، تتلمذ لديهم كلّ من هبة لله ابن الشجري، أبو القاسن الحريري، موهوب بن الخضر الجواليقي، و جار الله محمود ابن عمر الزمخشري.
يُعتبر كتاب سيباويه أقدم كتاب وصلنا في النحو، يصفه النحاة أنه غير منظم الخطة، يرجّح أنه قد تم خلط أوراقه، بالرغم من أن البعض رمى إلى أن الخلط كان في ترتيب الفصول أصلاً.  ثم كتاب مقدمة في النحو للأحمر، وكتاب المقتضب للمبرّد. وكلها كتب قيل أنها غير منسقة تماما. تلاه كتاب الجمل للزجاجي، والتفاحة في النحو العربي للنحاس، واللإيضاح للفارسي، واللمع لإبن جني، وملحة الإراب للحريري، وأسرار العربية للأنباري.

هذا المقال خصصته لنحاة النحو وأئمته إلى غاية الزمخشري، لأخذ فكرة عامة عن من سبقه، والخلاصة أن الزمخشري من أئمة النحو الذين نظّموا من هذا العلم كثيراً، وألمّوا فيه وجعلوه قابلاً للفهم كما وصلنا في كُتبه. وما المقالات السابقة واللاحقة إلا مثال يوضّح تمكّن هذا العَلَم في علوم العربية. 

إلى المقال السادس من السلسلة إن شاء الله.
المقال 326

#عمادالدين_زناف

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #4



سلسلة #لسان_الزمخشري  #4

يقول عن هزيل الجسد بئيل وضئيل، وقد ضَؤل وبؤُلَ، وقد تعبَ من الضؤولة والبؤولة، ويقول عن المُفتخر أنه يَبْأى على أصحابه، وإن فيه لبأواً وزهواُ.  
والبتاتُ هو الزّاد والمئونة ، ويقول عن شمسِ النهار أنها البُتيراء، وعن المخلص أنّهُ تبتّلَ إلى الله، والبتولُ هي المنقطعة عن الزواج، كما تسمى مريمٌ البتول عليها صلوات الله. 
وبثَثَ تعني بَسَطَ ووَضَعَ، يقول تعالى 'وزرابيّ مبثوثة'، ويقول ياثثتهُ سرّي أي أطاعتهُ عليهِ. 
والبَثَنُ من الخُصوبة، وتسمى المرأة بُثينة كما سُمّيت زُبيدة لنفس المعنى.  ويقول أن البجج هو الطّعنة الواسعة، ورجلٌ أبجّ العين يعني أنه واسع العين.  
ويقول إمرأة زجّاء بجّاء، ورجل بجباج أي نفّاج، أي الرجل الذي يقول ما لا يفعل. 
والبجارى هم الدواهي، والبُجرُ هو باطن الشيء، والأمور البجاري هي الأمور المعيبة. ونقولُ تبجّسَ الشيء أي انفجرَ، انبجست عيناهُ من فرطِ الأسا. ونقول سحائبُ بُجّس.  ونقول عن الشيء الخالص أن بحتٌ، نقول أنه بحتٌ محتٌ أي صادقٌ. وعندما نُجب بشيء لذا شخصٍ نقول بخٍ لكَ.  وعن العين العوراء نقول أنها مبخوصةٌ ومبخوقة.   
ونقول عن النصيبِ أنهُ البدد، ومن فاجئه أمرٌ نقول بدَهَهُ، ونقول عن الذي بارز أحدا أنهُ باداهُ، وعن الطويل أنه باذخٌ، وعن الغالب أنّهُ باذٌّ، ومن ليس له رأيٌ نقول أنه بُذُمٌ.
 ونقول فلان له بريص أي له بريق، ونقول برقشهُ أي لوّنهُ، ونقول أبرهَ فلان، أي جاء بالبرهان، اسم  تصغيرها بُريهة، ومنها اسم إبراهيم عليه السلام. والبرهرهة هي المرأة البيضاء. 
والمتقاعس عن شيء نقول عنهأنه بزخَ، ونقول عن الغلام الذكي أنه بَزعٌ،  ونقول عن الخطة العظيمة أنها بَيزلاء،  والمتعوّد على شيءٍ نقول أنه بسأ عليه، ونقول عن الشيء المفتت أنه مبسوس، والحرب البسوس هي الحرب المطحونة. 
ونقول عن الذي يجاوز حده في المرح أنه بَطَرَ في الطربِ، و من حفر بئرا نقول أنه بعقها، والمتوسّع في العلم نقول بَقَرَ أو باقرٌ في العلم، ونقول فتنة باقرة أي كبيرة، ومن فتّشَ وبحث في العلم نقولُ بَقَرَ عن العلوم. 
ونقول عن العين البكاءِ أن قليلة الجمع، من بكأ. والبِكاء من قل كلامها. ومن كان ذا بك أي صار قليل خيرٍ. والساكت بعد اليأسِ نقول أنه مُبلسٌ، (وهم فيه مبلسون)، .

إلى المقال الخامس من السلسلة ان شاء الله.
المقال 326

#عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #3



سلسلة #لسان_الزمخشري #3

من أقوال الزمخشري عن الورعِ "احرص وفيكَ بقيةٌ على أن تكون لكَ نفسٌ نقيّةٌ، فلن يسعدَ إلا التقيُّ، وكلُّ من عداهُ فهو شقِيُّ"، والمُلاحظ على لسنا الزمخشري الحرصُ الشديد على التفنن في القافية، سواءً في النثر أو الشعر. وقال أيضا في الورع " من استوحش المنكراتِ، استأنسَ عند السكراتِ.. وقامَ في إهانةِ الأشرار وعصبَ سلمتهم، وفي إعانة الأبرارِ ونصب كلمتهم". وهذا من كتابه أطواق الذهب. 
وقال في ديوانهِ،
المرء في دنياه ليس بخالدٍ .. فعلام يطلبها بجهد جاهد
هو طالب الدنيا وطالبه الردى .. والطالب الفلكي أسرع واحد
وقال في النفسِ "ولا تطعها فإن النفس لأمارة بالسوء، تطلب منك أن يكون مسكنها داراً قوراءَ، وسكنها مهاة حوراء، تحر في عَرَصتها فضول مرطها"، قوراء يعني بها واسعة، والحوراء هي المرأة الحسناء.  وقال عن الزواج "لا تخطب المرأة لحسنها ولكن لحصنها، فإن اجتمع الحصن والجمال فذلك هو الكمال. وأكمل من ذلك أن تعيش حصوراً وإن عمرت عصوراً"، ويقول عن العلم "وتسويدٌ بخط الكاتب أملحُ من توريد بخد الكاعب" ويعني بالكاعب الممتلئ، أي المرأة الجميلة. 
ويقول عن العرب "العرب نبع صلب المعاجم، والغرب مثل الأعاجم". وقال عن اللسان العربي "الله أحمدُ على أن جعلني من علماء العربية أو جبلني على الغضب للعرب والعصبية، وأبى لي أن أنفردَ عن صميم أنصارهم وأمتازَ، وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحازَ" وهذا بالرغم من أنه فارسيّ العِرق. 
وقال "ولعل الذين يُغضون من العربية ويضعون من مقدارها ويريدون أن يخفضوا ما رفع الله من منارها حيث لم يجعل خيرة رسله وخير كتبه في عجم خلقه ولكن في عربه ولا يبعدون الشعوبية منابذةً للحق الأبلج، وزيغاً عن سواءِ المنهج" وعن القرآن ولسانه قال "الحمد لله الذي فضل على جميع الألسنة لسان العرب كما فضل الكتاب المنزل به على سائر الكتب".
وقد كان جار الله غير محبٍّ للفلسفة، ولفرط علمه أحترم فيه هذا وأتعلم منه، رغم عدم اتفاقي مع من يعمم في ذم الفلسفة. حيث قالَ "ولا تستمع لقول الفيلسوف لأنه لا يألو أن يتحمقَ، وأن يغلو ويتعمقَ، إن اشتهاره بقوله الفج، طوّح به وراء كل فجّ..  ما شئتَ بالتظاهر بالفلسفة، من أنوا الركاكةِ والسفسفة". 
وكان حنفيَّ المذهبِ حيث قال فيه "وتّدَ الله الأرض بالأعلام المنيفة، كما وطّد الحنيفية بعلوم أبي حنيفة، والأئمة الجلة الحنفية، أزمّة الملة الحنيفيّة".  
أما في نقده للفلسفة، فلا يكون نقدها إلا ممن تبحّر فيها، كما فعل أبي حامد الغزالي وأئمة علم الكلام عامّةً وهو الذي يتبنى مذهب أهل الرأي كما أشرت.

إلى المقال الرابع من هذه السلسلة إن شاء الله.

المقال 325
#عمادالدين_زناف

الاثنين، 12 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #2



سلسلة #لسان_الزمخشري #2

نقول عن صاحب الدهاء أَرِبٌ و ذو إربٍ، ودع عنكَ قول "أذكى من صاحبه" لقول "آرب عن صاحبهِ"، ونقول عن توثيق الشيءِ "أرّبتُهُ"، ومن يتعسّر على الناس يقال أنه تأرّب فيهم.
ونقول عن من أفسد أنّهُ أرّثَ، وعن من أوقدَ النارَ أنه أرّثَ نارَهٌ.  
ونقول عن صوت نشيش البُرمة أنه أزيزٌ، ونقولُ هالني أزيزُ الرعدِ،وصدّعني أزيز الأطفال، ونقول أنّه أزّهُ على فعل الشيء، أي أغراهُ. 
ونقول أزِفَ الرحيل، خيرٌ من "اقترب موعدُ الرحيل" وأفصح.   والعيش الضيّق يُسمّى عيشٌ آزفٌ أو عيشةٌ أزَفٌ.
ومن غرقَ في المأزق نقول أنه أزِقَ.   والأزلُ هو الضيق، والعيشُ في أزْلٍ هو العيشُ في ضيقٍ. ويُقال أزَمَ على الشيء أي استمسكَ به وعضّهُ، ويقال أخذَ مالي وأزمَ عليه.  وأيام الشدائد والسنوات يقال سنونٌ أوازِمُ.  
وعن ما قيل حول اسم "أسدٍ" نقول في أرضِ بني فٌلانٍ مأسدة، وأكثرُ المآسد في بلاد اليَمنُ. ومنها استأسدَ على صاحبه.  وآسدَ الكلبَ بالصيدِ تعني أنه أغراه بالصيد.   ونسمّي الجريء أسمّ وأسمٌ ومنه اسمُ أسامةَ.    ونقول عن الاختلاط  أنه الأشبُ، بيني وبينك أشبٌ، ونقولُ تأشّبوا أي تجمّعوا من هنا وهنا. 
ونقول أصَدَ البابَ أي أغلقهُ، ونقول بابٌ موصدةٌ أي محكمة الإغلاق. ونقول باب الخير عنه مُؤصِدٌ. 
مقال الكاتب عماد الدين زناف
ونسمي العهود والمواثيق بالإصر، ويقال، والحاملُ الإصر عنهم بعدما غًرقوا. ونقول، ليس بيني وبينه آصرة رحمٍ أي ليس بيني وبيه عاطفة. وأقول أنا جاري مُؤاصري، أي حافظي. 
وأصلٌ والأصل هو الحائط، ومن لا أصل له هو من لا نسب له. ويقال أن لفلان أصيلة أي له أرضٌ تليدة يعيشُ بها. وجاءوا بأصيلتهم أي جاءوا بأجمعهم. 
و نسمي الملجأ أنه أضَضٌ، يقول الشاعر، لأنعتن نعامةُ ميفاضاُ، خرجاءَ ظلت تبغي الإضاضا. 
والأطط هو الحنان، ونقول أطّت بك الرّحمُ، أي رقّت وحنّت.  ونقول أطم والآطامِ نعني  بها الحصون المُرفّعةُ.  وأفخَ تُقال إذا غلبَ وسبقَ وانطلق أوّل الليل.   ونقول أفَـكَهُ عن رأيه أي صَرَفَهُ. وعندما تغيّر رأيك قُل أفكتُ عنه. 
والأَكَمَة هي التّل. ومن لا يُدامج نقول أنه لا يُؤالس والألس هو الخيانة والكذب. ونقول ألل وإلاًّ وهي القرابة. وأمَمَ من الأمّ والأُمَمْ والأمّة ويؤمّ قومهُ، أي يلعب دور الأمّ. ونقول إمرأة مِئناثٌ وقد آنثت، أي أنها كاملة من النساء. 
والذي يتوب كثيراُ يسمّى أوّاب،ونقول أوبَ، ومنها اسم أيّوب. وأقول أيَيتُ بالمكان أي تمكّثتُ وسكنتُ. ونقولُ بؤبؤ الشيء أي قلبه وأصله، ويقال هو في بؤبؤ المجد أي في عزّه.

إلى المقال الثالث من السلسلة إن شاء الله.

المقال 324
#عمادالدين_زناف

الأحد، 11 سبتمبر 2022

سلسلة لسان الزمخشري #1




المقال الأوّل من السِلسلة.

وها قد انطلقنا، فلا تقُل في "أوّل الأمرِ" بل قل في "إبّانه"، وقد نقل عن ابن الأعرابيّ أنه قال :  "قد هرّمتني قبل إبّان الهرَم". 
 وإن مللت من "همّ ليذهبَ" فقل "أبَّ ليذهبَ"، وإن سئمت من تكرار "اتّسعَ له الرزق" فقل " طاعَ لهُ الأبُّ". 
ثم قالَ، تأبّدَ فُلانٌ، ومعناهُ توحّشَ، أي صار مثل الوحوش في غربته. وإننا قد افتقدناه إلى الأبد. والتأبّد والأبيدِ فقدٌ، ويقال  كانت أعمارهم طويلة الآباد،  فهم من الآبدين. 
ويقال تأبّدَ المنزلُ، أي سكنتهُ الوُحوش بعدً أن أُبّد، وان مللتَ من قول 'أحب القصص الغريبة" فقل "مولعٌ أنا بأوابِدِ الكلامِ"، ويقول، قال النابغة : "نبئتُ زُرعةَ والسفاهةُ كاسمها، يُهدي إليّ أوابد الأشعارِ"، وإذا مللت من قول "جئتنا بكلام غريب" فقل "جئتنا بآبدةٍ ما نعرفها". 
وإذا قالوا لكَ "قهروهُ وزجروه" فقل لهم وكذا "أبَسوه وحبسوهُ"، وهي من الأبْسِ، أي القهر. 
وقد قالَ أن الإبِلُ المؤبّلة تعني الإبل المُهملة. والإبالة من السياسة،. ويقول، تأبّلَ فلانٌ، أي امتنعَ عن الزواج. ويُقال عن الراهب أنه أبيلٌ، ويقول، فلانةٌ لو أبصرها الأبيل ضاقَ به السبيل. 
مقالة للكاتب عماد الدين زناف.
وقال جار الله أيضا، الأبَنُ من القضيب الخشبي كثير العُقد، ويُقال بينهُن أبَنٌ، أي بينهم عداواتٌ، ويقال كذلكَ بينهم إحنٌ. ومن البلاغة أن يقال إن في حصانهِ أبَنٌ، أي فيه عيبٌ.
وخيرٌ لنا أن نقولَ تأتّبَ الثوب عن لبسهُ (أَتَبَ)، إذا كان في الثوب ثقبٌ ( مثل قمصاننا)، فاللّبس يكون لما يُرتدى مثل المعطف. ويُقال ها قد تأتّبَ الجُنديّ سلاحَهُ، أي لبسهُ من عنقه.
 ولا نقول قضى عليهم الدهرُ، فالقضاء قد قُضيَ، بل قُل أتَى عليهم الدهرُ. ونقول استأتت الناقة، أي طُلِبَ منها أن تأتيَ. و تُضاف (ا س ت) إذا أردنا أن نطلب الشيء (استثمر، استقبل، استرشد، استخبر..)،  ونقول أيضاً تأتّيتُ لهذا الأمرِ، والمعنى أنّني تهيأت له، وتفصيلا معناه، هيأت نفس لآتي إلى الأمر. و"الأتيُّ فينا" و "أتاويٌّ" هو "الغريبُ"، أي أتى من مكان مجهول.  وقال عمرو ابن الإطنابةِ : وبعضُ القول ليس له عِناجٌ، كمخض الماء ليس له إتاءُ. 
ثم دَع قول "اجتمعوا حوله" لقول تأثّفوهُ، من الأثفية. وقل: لا تترك الحق، وإن "تأثَفَكَ" الأعداء.
وقل أثّلتهُ، أي أصّلتهُ، ولذاك يسمى علم المصطلح بالتأثيلية، أي ذكر أصول ومعاني المصطلح،  والأثالُ هو المجدُ.
وقلنا  إن الله أوجدني بعد فقر أي قوّاني. و نقول ناقةٌ أُجُدٌ، وبناءٌ مُؤْجَدٌ، وثوْبٌ مُؤْجَدُ النسيج، فـ الأجَدُ يعني القوّة.  
وكفّ عن قولِ "كَرِهَهُ" وتفنّن بقولِ "أجِمَهُ".
ونقول، أَدِبْهُم على الأمر، أي اِجمعهم، والأدَبُ هو الجمع على شيءٍ، ونقول أدبهم عليه وضدها نَدَبهُم عنه.  
ونقول آذنتهُ بالأمر، وهي من إبلاغ الأُذن، أي أسمعتهُ أمري من فمي لسمعه، لقوله تعالى (فأذِنوا بحربٍ من الله ورسوله)، فإذا قيل تأذّنَ المؤذن أو السلطان بمعناه أنه نادى للأذنين، وليس للأبصار(بالإشارة). 
مقال للكاتب عماد الدين زناف.
ويقال يأرِزُ فلانٌ لوطنه، يعني يروح ويجيء إليه. ونقول صعدَ الجبل آرزاً، أي منهكاً. ويقال بتنا في ليلةٍ آرزة، أي، يأرزُ من فيها من شدة البرد.
ونقولُ تأرّضَ فلان، أي أنه لزم تلك الأرض ولم يغادر ولم يبرح. ونقول إذا وصل مقرّهُ تأرّضَ، وهي من الأرض.
ونقول أن الأمرَ فيهِ أرنٌ، أي فيه مرحٌ، ونقول عن اليوم الشديد أنه أرَوْنَانيّ.
 
1 #لسان_الزمخشري 

المقال 323
#عمادالدين_زناف

الأحد، 4 سبتمبر 2022

بنو موسى والنشأة العلمية




النشأة العلمية المَرجُوّة: {بنو موسى} مثلاً!

تروي المؤرخة الألمانية سيغريد هونكه في كتابها شمسُ العرب تسطع على الغرب، قصة الفَلكيّ موسى بن شاكر، صاحب كتاب الدرجات في طبائع الكواكب السبعة، وهو خراساني الأًصل. وله ثلاثة أبناء. هؤلاء الأبناء من أعجب ما قدّمه المسلمون للعلم والعالم. كان أبوهم رجلاً نبيلاً ذو مكانة في عهد الخليفة المأمون ابن الرشيد في الدولية العباسية، والمعروف أن في حقبة المأمون عرف المسلمون أزهى عصور الانفتاح الفكري والفلسفي والعلمي. كانت لموسى وصيّة للرشيد بأبنائه هؤلاء، وكانت لموسى مكانةٌ عند الرشيد، فاستوصى بهم خيراً وتربوا مع المأمون، وعندما حكَم هذا الأخير عملَ بوصية أبيه فيهم، وكلّف بعده والي بغداد إسحاق بم إبراهيم المصعبي ليرعاهم، فأدخلهم إلى بيت الحكمة.
فكان الإخوة محمد وأحمد والحسن من النجباء العباقرة، مهتمين بالعلم بشكل لم يسبقهم فيه أحد، تربوا على يد العلامة يحيى بن أبي منصور الذي علمهم الرياضيات والفلك والجغرافيا. فقد كانوا تحت رعاية الدولة الرسمية، وذلك أمر لم يُسبق كذلك. وكانت كل أموالهم تَصُبّ في التجارب العلمية حصراً. برعَ الثلاثة في مجالات الفلك والهندسة والجغرافيا والفيزياء.
كتبوا في كتابهم -الدرجات المعروفة- نصاً عجيباً حول اليونانيين:
(إن القدماء من أهل اليونانية تسلموا علومهم التجريبية من الهند. ولما نظرنا في الكتب الموجودة إلى الآن، في معرفة أحكام النجوم، وجدنا أكثرها حايدا عن الصواب، وعنما سطره أولوهم، ووجدنا للقدماء عندهم كتبا قد هجرها المتأخرون، لجهلهم كيفية استعمال ما فيها، وبعدها عن أذهانهم، فتكلَّفنا التعب الشـديد في نقلها إلى لغة العرب، واستعننا بذلك بأفضل ما وجدناه من الناقلين في زماننا، واجتهدنا في تهذيب العبارة وإصلاحها)
فقد وثّقوا أن اليونان أخذت من الهند، وأن العرب والهند لم يكونوا ذوي خبرة ودقة في تأليف الكتب الفلكية، وقالوا أن الناس هجرت الكتب العتيقة الموثقة، لنزول فهمهم الحاد لدرجة أنهم لم يستطيعوا معرفة ما فيها ولا استعماله. 
ثم قالوا: تكلّفنا في نقله إلى لغة العرب. ما يُفهم منه هو أنهم قاموا بشرحها وتبسيطها وترجمتها إلى العربية، ما يسمى حاليا تيسير العلوم، وجعلها علوما شعبية يفهمها الناس. ولم يكتفوا بالنقل والترجمة، بل هذّبوا العبارات، أي اختاروا أحسنها في اللغة ثمّ سوّوها بعبارة مقبولة، وصلّحوا العيوب المأثورة منها. 
وضعوا الشكل الإهليجي في الرياضيات بشكل دقيق، وذلك باختراعهم طريقة وضع الدبابيس ولف الخيط وربطهم ببعضهم، لتعطي رسما دقيقاً.  وفي الفلك، توصلوا لحساب عدد الأيام في السنة التي تعادل 365 يوم 6 ساعات بالضبط. 
ثم حددوا الاعتدال الصيفي والشتوي وحركة الشمس. وكذاك وضعوا خطاً لسير الكواكب، وعملوا على رصدها، وقد اخترعوا لهذا آلة راصدة مكبرة. ويُنسب لهم اكتشاف الجاذبية للأجرام السماوية بشكل مستقيم. إلى أن كلفهم المأمون بقياس محيط الأرض، فقاسوها بدقّة حتى توصلوا إلى حقيقة كُرويّتها، وكانت التجربة انطلاقا من صحراء سنجار مستعين بالأوتاد. وقد وصلوا لنتيجة أن محيط الأرض هو 24 ألف ميل عربيّ. 
وعُرفوا بعلم الحِيَل، واسم لأشهر كتبهم، وهو علم الميكانيكا، وقد ركزوا على ميكانيكا السوائل، فاخترعوا آلات فلاحية زراعية ورافعات الأثقال وآلات منزلية، وألعاب للطفال.  فاخترعوا الحوض السحري، والقمقم المسكون، والسراج المريح، والنافورة العجيبة، وغيرها. وقد قال الزركلي أن من بين الكتب الموضوعة في مكتبة الفاتيكان، هو كتاب الحيل. 
ما الذي أردته بكل هذا؟
انظروا الاهتمام الذي ولّاه الأب للعلم، على الرغم من أنه كان قاطعاً للطريق! لكن لزّه حبه لأولاده وللعلم بأن يوصي بأبنائه خيرا، والخير في العلم. فمشت الوصية بين خليفتين ووالي. فدفعهم الوالي إلى بيت الحكمة، التي كانت تعتبر جامعة العالم. فنشأ الأخوة على حب العلم، والاحتكاك بالعلماء والأدباء، فاستفزوا مخيلتهم وأنتجوا العجائب.  
من أين يأتي الشغف بالعلم إذا كان الأب لا يأبه، والوالي لا يعنيه، والعلماء والمثقفون لا يربون ولا يجتهدون في الترجمة والتبسيط والتيسير ومساعدة الناشئين.

المقال 322
#عمادالدين_زناف