الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

الكامل عن علم الكلام



كنت قد أشرت إليه في السابق، ولم أخصّص له مقال مُفصّلاً كما يجب، فها هو المقال، لنتحدّث بالتفصيل 
المُمل عن

 🔹عـِـلْـ الكلام ــمِ🔹

يفتتح مُحمد جواد مُغنية كلامه في تعريف علم الكلام، في كتابهِ "معالم الفلسفة الإسلامية" بمقولة سيدنا علي بنُ أبي طالب كرّم الله وجههُ (بعَثَ اللهُ مُحمدا صلى الله عليه وسلّم، وليس في العرب يقرأ كتاباً، ولا يدّعي نُبوّة ولا وحياً).
تفصيل كلامهِ يُجمل معنى أن العرب لم يكن لهم شأنٌ ولا ميول للعلم ولا للمعرفة الدينية الواسعة، فكُل تفاصيل حياتهم كانت بالتقاليد الموروثة عن آبائهم، وكان هذا هو ردّهم عن النبي صلى الله عليه وسلّم (انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مُقتدون) سورة الزُخرُف. فتغيّر الأمر تماما بعد الإسلام، فقد سمعوا وتعلّموا أموراً جديدة عليهم، وبعضها لم تُعرف في لسانهم، مثل (الرُويبضة) و(الهرج) و(السنون) و(الوهن)، ولولا قولهم (وما الرويبضة.. وما الوهن) قبل كُلّ تساءل عن المصطلح، لما عرفنا أنهم لم يكونوا يعرفونه بين ألسنهم (وهذا لا يعني أن لا أصل له في اللسان). 
فسمعوا أخبار الأقوام واطّلعوا على بعض العلوم والروحانيات، وشاهدوا وحضروا عديد المُعجزات. فتحوّل حالهم من الجهل الى النور، أي من حالة اللا معرفة الى المعرفة -التي أرادها الله-.
لكن لم يكن لهم اجتهاد أو حاجة في الكلام عن الدين الا تساؤلات، فقد كانوا يتلقّونَ العلم من النبي الكريم، ويسألونه في حال لم يتبيّن لهم الأمر، وطوال فترة حياة النبي عليه صلوات الله، لم تَكن هناك صعوبة لغوية في فهم النصوص القرآنية، ولا في إشارات وأحاديث النبي، الا ما كان –كما أشرتُ-جديداً عليهم، وحتى بعد وفاته بثلاثة قُرون، لم يتغيّر الحال كثيراً، الا بَعض الشذوذ من قِبل فرقة الخوارج، كما ذكر في الحديث الشريف: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .." الى نهاية الحديث. 
فقد اتفقوا جميعاً أن الإسلام هو ما جاء به النبي مُحمد عليه صلوات الله، ومن لم يُسلّم بما جاء به فهو على غير الإسلام، الا أنه كانت هُناك بعض المُحاولات من طرف أتباع الديانات الأخرى في زرع الجدال، كقول يهودي (لم يمُت نبيّكم حتى اختلفتم فيه)، أي يقصد الاختلاف في الخلافة، فردّ عليه عليّ (بل اختلفنا عنهُ، ولم نختلف فيه)، فكــانت هذه بوادر انطلاق علم الكلام في الاسلام، وكان أفصح العرب النبي، وبعده القرشيين، وعلى رأسهم علي بن أبي طـالب مع أغلب الصحابة. 
علمُ الكلام فرع من الفلسفة، والفلسفة ليس كما يتبادر في أذهان الناس أنها "حصرا" من اليونان، انما هي واسعة كـانت من قبلهم في حضارات الشرق ومن بعدهم حضارة المسلمين والغرب الى يومنا، الا أن اليونانيين اعتنوا بها أكثر من غيرهم، وأصّلوا لها، اعتمادا على سابقيهم.
اختلف المسلمون في مسـائل فقهية وسياسية وعقائدية، كما ذكرت في مقالات سابقة، وخاصة تلك التي تكلمت فيها عن التصوّف، وفصّلت كيف ولمَ تمّ اللجوء الى الكتابة، وكيف تفرّع المسلمون في أقطار الأرض، وزاد عددهم ومسائلهم، الأمر الذي أنتج مذاهب مُختلفة ومسالك وطُرق، بعضها يُسند الى النبيّ وبضعها ابتدع وبدّل، عُد الى مقال (الكامل عن التصوّف) لتفاصيل أكثر.
الآن سوف أتحدّث عن موضوعنا حصراً، ألا وهو علم الكلام.
بعد العواصف والفتن التي حلّت منذ استشهاد سيدنا عثمان رضي الله عنه واستشهاد علي كرم الله وجهه واستشهاد سيدنـا الحُسين عليه الرضوان، والانتقال من الحكم الراشد الى المُلك، تغيّر حال الثقافة عند العرب، وصار الانفتاح على العالم أوسع من ذي قبل، واحتكوا بثقافات وعوالم أخر، واستأثر حكام دولة الأمويين وبعدهم العباسيين بالحُكم، واختلف الفقهاء والعلماء في مسائلهم، وقبل ذلك، تعرّض المسلمون الى غزوة ثقافية جديدة، ألا وهي دخول الفلسفة اليـونانية، والذين ساهموا في ذلك العديد مثل الكِندي والفارابي وابن سينا وغيرهم، وكلهم كنت قد خصّصت لهم مقالاً، طبعا لن أذكر بن طُفيل وابن رشد وغيرهم لأنهم جاءوا في زمن كان قد ارتكز علم الكلام جيّداً. 
لكن من الظّلم أن ننسب الخرق الفلسفي في الفهم الديني الى هؤلاء، لأن من فعل ذلك هم الفقهاء أنفسهم، بدءاً بفرقة المعتزلة، والتي ظهرت بعد أن اعتزل واصل بن عطاء مجلس التابعي الجليل الحسن البصري رضي الله عنه، وعرفت فتنتهم أوجّها بعد ادّعاءهم خلق القرآن، فاختلط الحابل بالنابل واهتزت عروش العلماء والفقهاء، وسُجن من سُجن وقُتل من قُتل وظُلم من ظُلم، وعلى رأس من ظُلم هو الامام البُخاري رضي الله عنه. ثم ظهرت الجهميّة والكرّامية والقدريّة والباطنيّة والجبريّة والحشويّة والمُجسّمة، وأفكار اما لا سند لها، او تتكلّف في فهم النصوص.
فكــان على العلماء ان يهتموا بشكل جدّي بعلم الكلام، أكثر من الذي كان عليه أبو حنيفة رحمه الله، فقد كان يهتم بالرأي أكثر من الكلام، مع ذكر أن مالكاً والشافعي وأحمد لم يكونوا من محبّي هذا التوجّه.
وقد أصبح الدين كلّه في خطر، فظهر أعلام، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الامامين الأشعري والماتريدي اللذان سميا بالمُجدّدان، وكان الأشعريّ معتزليّاً قبل أن يتسنّن، وقد استفاد من المعتزلة بأخذه منهم التحكّم في علم الكلام، وأدخله في السنّة للدفاع عن الدين بالنصّ والعقل، فانتسب اليه من السنّة من كان يأخذ بعلم الكلام. كذلك جاء مذهب الظاهريّة وخاض فيه وألّف ساداته عنه.
ثُم توالى الكلاميون، من الامام الجويني والغزالي والقاضي عبد الجبار الى السرخسي الى حافظ الدين النسفي و عضد الدين الايجي والتفتازاني والباقلاني وشمس الدين السمرقندي وأمين الدين النسفي والفخرُ الرازي .. والعديد العديد الى يومنا.
وقد اتّخذ العلماء موقفا من علم الكلام، منهم من امتنع عنه وحرّمه مثل الأئمة الأربعة، وذلك أنه يفسد الدين ويُدخل الشّك، وظنّي أن رأيهم كان خاضعاً لظروفهم التي لم يكن فيها علم الكلام والفلسفة طاغيان، ولم يخلقا الفتنة التي جاءت من بعدهم، أي أن الكلام بالوحي والحديث لم يعد ينفع الناس الذين اتخذوا من الفلسفة والعقل مقياسا حصرياً لهم. 
وهناك من هم محايدون، مثل تقي الدين السبكي، والباقلاني، وابن تيمية، وجلال الدين السيوطي، والسعد التفتازاني الذي رأى أن فيه ما ينفع وفيه ما يضر، والمقصود أن ندرسه لندافع عن الدين لا لكي نتكلّف فيه، ومن المعاصرين المتكلمين هم الإمام الكوثري والشهيد رمضان البوطي، وسعيد فودة (على قيد الحياة).
والرأي المُتابِع لهم في كل شيء، يتمثل في الفرق التي ذكرت، وفلاسفة العرب الذي اتّخذوا من المشائين أئمةً لهم، كابن رشد وبن طفيل وبن باجة وقبلهم الفارابي والكندي وبن سينا والمعري.
أما عند الشيعة، فقد اهتم الطّوسي بعلم الكلام، والعديد غيره، مثل باقر الصدر، ومن الذين قرأت له في هذا هو المعاصر كمال الحيدري، الذي لديه كتب في الفلسفة أيضاً. 

المقال 217
#عمادالدين_زناف

السّعد التفتازاني ✨



رجلٌ يعدّ من درجة الغزالي، والسرخسي، والباقلاني! 
فمن هو؟ 

🔹المختصر عن السّعد 🔹
هو سعد الدّين مسعود ابن عُمر ابن عبد الله، وُلد في تفتازان بإيران سنة 1322م وتوفى في سمرقند في أوزبكستان سنة 1390م. 
▪هو إمام حنفيّ، فقيه، نحوي وبلاغي، وعالم منطق، ومُتكلّم. تلقّى علمه من الإمام العبقريّ، عضد الدين الإيجي، والقُطب التحتاني، عالم المنطق والمعقولات. من تلاميذه علاء الدين البُخاري المعروف في ردّه على المُجسّمة.
كـان السّعد طالباً ثقيل الفهم، ليس سريع البديهة، لا يَحفظ، إلى أن جاءته رؤيا، وفيها أن قدِمَ إليه رجلٌ يطلب منه ان يأتي معه في نزهة، فردّ عليه سعد الدين أنه مشغول بالقراءة، فهو لا يرى نفسه أهلا للتنزّه لأنه ضعيف العلم، فأصرّ عليه الرجل، فقال له: لم أرى أبلد منك! قُلت لك أنّ ليس لي في المشي، لست أهلا لهذا! فقال الرّجل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يطلبك، ففزع سعد الدين وهرول مع الرّجل، حتى إنه قد نسي لبس نعليه، فلمّ اقترب، وجد الصحابة ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنظر إليه متبسّماً، وقال له، يا سعد؛ نرسل لك المرّة بعد المرّة ولا تأتي! 
فقال سعد بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله ما علمت أنك أنت المُرسل، وإني ذكرت لهذا الرحل بطء فهمي وأنني أكرّر المطالعة ولا أفهم، وليس عندي وقتٌ للخروج؛ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلّم افتح فمك يا سعد! ففتح فمه فتفَلَ فيه النبي وقال: ارجع إلى منزلك، وبشّره بالفتح وأن الله سيفتح عليه في العلم فتحاً عظيماً.

▪فمن يكون التفتازاني! وما مقدارُ علمه؟

تغيّر السعد، وانتبه لذلك معلمه عضد الدين، فعظّمه، واشتهر سعد الدين بين طلاب العلم، في علوم كثيرة!
🔹 صنّف في الكلام والفقه والمنطق والنحو والصرف والبلاغة والتفسير، وشرح التفاسير كما أشرتُ في مقالٍ سابق عن نقله للعقيدة النسفية لحافظ الدين النسفي، التي ردّ فيها عن السفصطائين، وهو من أشهر مصنّفاته الكلاميّة، حيث وضعت له حواشي كثيرة جداً، وشرحوا شرحه للعقائد في الهند وباكستان وإيران وتركيا العثمانية.
له ايضا شرح المقاصد، وكتاب تهذيب المنطق والكلام، وهذا الكتاب حمّلته منذ مدّة، وتقّفت عن مطالعته لصعوبته عليّ في ذلك الوقت، عُدت إليه منذ أيام، فوجدت نفسي أحسن، ولم يكن هذا ليحصل لولا أني طالعت العديد من كتب المنطق والكلام متفرّقين، هذا الكتاب مُعتمد عند جميع المسلمين، سنة وشيعة، فهو السّد المنيع لكل من يتوهًم الثغرات في الدين، أمـا في أصول الفقه، فقد صال وجال، وقد كان على الطريقة الحنفيّة، فكتب المطوّل على التلخيص، ليشرح شرح معلمه العضد في الأصول. وصنف كتاب التلويح في شرح التنقيح في صدر الشريعة، وفي الصّرف، إقرأ جيّداً هذا: فقد ألّـف كتابه شرح تصريف الزنجاني وهو في سن ▫السادسة عشر▫. وأمـا في البلاغة، صنّف كتاب المُطول في شرح تلخيص المُفتاح، فهو مرجع جميع العلماء، بدأ في كتابته وعمره عشرون عاماً. لهُ أيضاً حاشية على تفسير الكشّاف للزمخشري.

                       فيـا تُرى، أين  نحنُ من هؤلاء ؟
    أليس عار علينا أن نُلقّبَ بالمُبدعين وبكل ما هو ليس فينا!

▪عقيدته: هو سني أشعريّ على طريقة أبو الحسن الأشعريّ، وله بعض الآراء التي تشير أنه كان سُني ماتورديّ على طريقة ابو منصور الماتريدي أيضاً، وهو كلاهماً معاً، إلا أنه مُتكلّم، ولهذا نُسب للأشاعرة، لأن لهم في الكلام أكثر، فقد تأثر الأشعري بمُعتزليّته السابقة وأخذ منها فنّ علم الكلام، وأضافه للسنّة. واُختلف في مذهبه، شافعي أم حنفي، لأنه يشرح بالطريقيتن أيضاً. 

إقرأ لهُ. رحمه الله.

المقال 216
#عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

الرحمة والحب



🔹 المُلخّص المُطوّل عن ”مولانا“🔹

عاشَ جلال الدين، محمد بن محمد ▪بهاء الدين▪ البلخي، معظم حياته في قونية عاصمة الدولة السلجوقية في تركيا الحالية، وتوفى فيها. وُلد في بلخ بأفغنستان سنة 1207م ويصل نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وتوفى سنة 1273م.
▪عُرفت قونية في تلك الفترة بتنوًّع ثقافي، وتعايش ديني [إسلامي نصراني بوذي وهندوسي] لم يُعرف من قبل، لأنها كانت تتوسّط ما كان يُعرف بـ [طريق الحرير]، أي الطريق التاريخي التجاري من أقصى الصين إلى أبعد نقطة في أوروبا، لنقل الحرير وغيره من المواد والتبادلات. [راجع مقالتي في الخصوص عبر مدوّنتي]. 
لم يبقى في بلدته في بلخ، بسبب غزو المَغول لها، كان والدهُ بهاء الدين، رجل دين، وأستاذاً في الفقه الحنفي، فترعرع وسط هذا الجوّ النَشط مع والده، فتعلّم كأهل البلاد، التركيّة، وكان يخطّ الأدب بالفارسيّة، والعربية للقرآن والمراسم الدينيّة. 
▪كتب في الفقه [فيه ما فيه]، قبل أن يلتقي بـمعلّمه الأوّل، في سن السابعة والثلاثين، شمس الدين التبريزي، الشاعر الشافعي المتصوّف. فألّف بعد تتلمذه عنده [ديوان شمس تبريز] و [الرباعيات]، التي كانت مزيجاً لكلامهما، والتي احتوت 1759 رباعية و3318 بيت ، و الكتاب المثير للجدل [المثنوي] لما فيه من تعاليمه.
 وقد كان قبل أن يتتلمذ عنده -أي عند شمس الدين- رجلاً مُتصوّفاً عادياً. فأصبح بعدها شـاعراً. ومن خلال تلك الأشعار كان يُنشد ويَرقُص.
ومع تزايد صداقتهما، دفع تلاميذ شمس الدين مولاهم للرحيل إلى دمشق. 

🔹بعض مما نشد في الرباعيات:

طِوال النهار والليل، لحنٌ
نيرٌ، هادئ
غناءُ مِزمارٍ
لو خَبا، نذوي 
_
النومُ هذا العام ليس له سلطان
ربما الليل أيضا يكف عن البحث عنا
حين نكون على مثل هذا
محجوبين،  ما عدا في الفجر
_
لِم كل هذا الأسى والشحوب؟
لا تنظر علي.
كمثل وجه عاكسٍ نور آخر 
القمر نبع الألم
_
في داخلِ الماء، ساقيةٌ تدور.
نجم يلفُ مع القمر
على بخر هذا الليل نحيا ذاهلين،
ما هذه الأنوار؟
_
يرجع الليل حيث أتى
كلهم عائدٌ أحياناً
يا ليلُ، عند وصولك
إحكِ لهم كم أحبك

▪لقد كانت عملية ترجمة كلمات الرومي من أصعب ما واجهه أيُّ مترجم، فانتقاء المفردات والمصطلحات يشبح عمليةً جراحية دقيقة لقلبٍ أحدهم. فقد استوجب عليهم معرفة اللغة الفارسية، وأحوال الزمن، واختلاف المعاني بين الأزمنة، واختلاف الاستعمالات والدلالات، ومعرفة حقل اللغة والمصطلحات للمتصوّفة العرب ومتصوًفة المدرسة الفارسية، ومعرفة محترمة للشعر الأعجمي.

 ▪كان استاذه شمس الدين كثير التجوال، درويشاً، فقد اختفى سريعاً عن جلال الدين، فارك في قلبه غصّة، عبر عنها في أشعاره.
كان يحاول الرومي فك شيفرة اللفظ والمعنى، والوصل بينهما. لكنه كان يرى -فيما معناه- أن الألفاظ ليست سوى غبار على مرآة تجارية.
🔹يقول الفيلسوف الألماني هيـجل:
إذا أردت رؤية أجمل الطهارة والسمو فعليك الانتقال إلى شعراء الإسلام حسنما يضع جلال الدين الرومي الرائع تركيزاً خاصا على وحدة النفوس مع الواحد في المحبة.
فقد قال أنه ينقي الطبيعة من الضحالة والتفاهة ويبسطها مجرّدة.

▫خلاصتي عن الرومي:
قرأت الكثير عنه، وله، وسمعت عنه، وعليه، الرومي بسيط غير متبجّح، متكلّف في المشاعر، فهي كسطح الماء الذي يرجف لنسمة خفيفة. كان يرى الدين من فتحة الحب والرحمة،  محب لدينه، الغالب انه على مذهب أبيه الحنفي، منفتح للجميع، كما ذكرت، لبيئته المتنوعة، يقول

 «إن قلبي مثل الفرجار، رجل ثابتة في أرض الشريعة والأخرى تدور على اثنين وسبعين ملة».

▪وفي حبه للنبي عليه صلوات الله، وتنصًله مما ينسب إليه من الشركيات:

«إنني خادم للقرآن، وذرة غبار في طريق المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم، وإني لأشكو أمري إلى الله من هذه» الإسنادات وأبرئ نفسي من قائلها»
«كل ما يمتلكه الأولون  والآخرون إنما يمتلكونه بوصفه انعكاساً له، وهم ظلّه صلى الله عليه وسلم»

رحمة الله عليه.
#عمادالدين_زناف

الاثنين، 27 سبتمبر 2021

علم الكلام ضد السّفسطة



▪هو أبو البركات عبد الله بن أحمد، وُلد في قرشي بأوزبكستان سنة 1223م وتوفى بإيذج في إيران، سنة 1310م.
هو من سادة الأحناف، ومن جهابذة علم الكلام الأصلولي، عُرف بتفسيره لكتاب الكشاف للزمخشري وتفسير البيضاوي.
شرَع النّسفي في نقد السّفسطة ، لأنها كانت من الأساليب الشائعة بين المتكلمين، أساسها قبول كل الآراء، والمُغالطة في الحوار، وعدم الخروج بأي نتيجة، فاعتبر هذا خطراً على الدين. 
▪وفي كتاب شرح العقائد النسفية، لسعد الدين الدين التفتزاني، نقل شروحات النسفي وردّه على أنصار السّفسطائية.
يقولُ ما يلي: [..ردّا على القائلين بأنه لا ثبوت لشيء من الحقائق، ولا علم بثبوت حقيقة، ولا بعدم ثبوتهت. خلافاً للسوفسطائية، فإن منهم من ينكر حقائق الأشياء، ويزعم أنها أوهام وخيالات باطلة، وهم العِناديّة. ومنهم من ينكر ثبوتها، ويزعم أنها تابعة للإعتقاد، حتّى إن اعتقدنا الشيء جوهراً فجوهر، أو عرضاً فعرض، أو قديماً فقديم، أو حادثاً فحادث، وهم العِنديّة، ومنهم من يُنكر العلم بثبوت شيء ولا صبوته، ويزعم أنه شاكّ، وشاكّ في أنه شاكّ وهلمّ جرًا، وهم اللاأدريّة، ولنا تحقيقاً أنّا نجزم بالضرورة بثبوت بعض الأشياء بالعيان، وبعضها بالبيان، وإلزاماً أنه إن لم يتحقّق نفي الأشياء فقد ثبت، وإن تحقّق فالنفي حقيقة من الحقائق لكونه نوعاً من الحكم، فقد ثبت شيء من الحقائق، فلم يصحّ نفيها على الإطلاق، ولا يخفى أنه إنّما يتمّ على العِناديّة قالوا، الضروريّات منها حسّيات، والحسُّ قد يغلط كثيراً، كالأحول يرى الواحد اثنين، والصفراوي قد يجد الحلوّ مرّاً، ومنها بديهيّات، وقد تقع فيها اختلافات، وتعرض بها شبه يفتقر في حلّها إلى أنظار دقيقة، والنظريّات فرع الضروريّات، ففسادها فسادها، ولهذا كثر فيها اختلاف العقلاء. قُلنـا: غَلَطُ الحسّ في البعض لأسباب جزئيّة لا ينافي الجزم بالبعض بانتفاء أسباب الغلط، والاختلافات، في البديهي لعدم الإلف والعادة أو لخفاء في التصوّر لا سنافس البداهة، وكثرة الإختلاف لفساد الأنظار لا تنافي حقّيّة بعض النظريات، والحقّ أنه لا طريق إلى المناظرة معهم، خصوصاً مع اللاأدرية، لأنهم لا يعترفون بمعلوم ليثبت به مجهول، بل الطريق تعذيبهم بالنار، ليعترفوا أو يحترقوا، و«سوفسطا» اسم للحكمة المموّهة، والعلم المزخرف، لأن «سوفا» معناه العلم والحكمة، و«اسطا» معناه المزخرف والغلط، ومنه اشتقت السفسطة، كما اشتقّت الفلسفة من «فيلاسوف»، أي: محب الحكمة. وأسباب العلم، وهو صفة يتجلّى بها المذكور لمن قامت هي به، أي: يتّضح ويظهر ما يذكر، ويمكن أن يعبّر عنه، موجوداً كان أو معدوماً، فيشمل إدراك الحواس وإدراك العقل من التصوّرات والتصدقيات اليقينية وغير اليقينية، بخلاف قولهم: صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، فإنه وإن كان شاملاً لإدراك الخواسّ بناء على عدم تقييد المعاني، وللتصوّرات بناء على أنها لا نقائض لها على ما زعموا، لكنّه لا يشمل غير اليقينيّات من التصديقات هذا، ولكن ينبغي أن يحمل التجلّي على الإنكشاف التامّ، الذي لا يشمل الظنّ، لأن العلم عندهم مقابل للظّن..»
أدعوكم لقراءة هذا الكتاب الماتع لمعرفة الردود القويّة على الفلسفة بشكل عام، والسوفسطائية بشكل خاصّ، التي أفردتها بمقالات ودرسين في اليوتوب، ولا يزال الكثير للحديث عنها وعن استعمالاتها في الحيل والتلاعب.

المقال 214
#عمادالدين_زناف

طـاهر اللّغة

 


ومن الشخصيات التي لا تُذكر كثيراً، الطـاهر الجزائري، يعرفه الدمشقيون جيّداً لأنهُ وُلد وترعرع ومات فيها، كأن يُعرف أنّه من مجموعة المُصلحين الدينيين، عُرف بميله عن الحُكم العُثماني، وقُربه من الفكر السلفي، وعُرف عليه اللغة والاتقـان فيها.
وُلد في دمش سنة 1825م، في فَترة طويلة تُعرف بـ"هجرة الشيوخ" الجزائريين من الجزائر، خاصة بَعد توقّف الثورة ضد المستعمر، وقد هاجر الكثيرون لحاقاً بالأمير عبد القادر.
كان يتبنّى التيَّار الذي يدعو الى التَّواصلَ الفكري والرُّوحي مع التُّراث العربي الإسلامي، مع الانفتاح على الغرب وثقافته وفلسفته وعلمه، وكان من رحبة الذيين مثّلوا ذلك التَّيار في بلاد الشَّام.
هو طاهر بن صالح بن أحمد بن حسين بن موسى بن أبي القاسم الجزائري الدِّمشقي الحسَني، ينتهي نسبه الأصلي الى علي بنُ أبي طالب، أما نسبه الجزائري فهو من قرية في بجاية.
تخرَّج على يد الأستاذ الشيخ عبد الرحمن البوسنوي، وقد تلقَّى على يديه اللغة العربية، والفارسية، والتُّركية، وتوسَّع في دراسة العلوم الشَّرعية. وكان سياسياً، دارساً لحالة الغرب واجتماعه،.فقد كان يُشبّه بالعلماء الذين درسوا الشعوب والحضارات أمثال ابن خلدون.
عُرفت كتبه بالميل الى لغة الضاد، فقد أحبّها وحبّب الناس اليها. ومن كُتُبه
التِّبيان لبعض المباحث المتعلِّقة بالقرآن على طريق الإتقان و توجيه النَّظر إلى أصول الأثر و الجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية و العقود اللآلي من الأسانيد العوالي و مبتدأ الخبر من مبادئ علم الأثر ومُنيَة الأذكياء في قصص الأنبياء وإتمام الأُنس في حدود الفرس و إرشاد الألبَّاء إلى طريق الألف باء. و أشهر الأمثال وبديع التَّلخيص وتلخيص البديع و التَّسهيل المجاز إلى فنِّ المعمَّى والألغاز والتَّقريب لأصول التَّعريب وتمهيد العُروض في فنِّ العَروض وحدائق الأفكار في رقائق الأشعار والحكم المنثورة وسائل في علم الخط. ودائرة في معرفة الأوقات والأيام و الفوائد الجسام في الكلام على الأجسام ومدُّ الرَّاحة لأخذ المساحة. ومدخل الطلاب إلى فنِّ الحساب.ب- من تآليفه المخطوطة:1- أسنى المقاصد في علم العقائد.2- الإلمام بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام والتفسير الكبير. وجلاء الطَّبع في معرفة مقاصد الشرع و الكافي في اللُّغة.
وقفة مع كتابه الكافي في اللّغة.
هو من الكتب التي أعادت الاعتبار للغة العربي في أوائل القرن العشرين،تكلّم فيه عن أصول اللغة ونشأتها وأصولها من دلالات ومعانٍ، وقد عمد على تصنيف المقارنات في المعاجم العربية، مستعيناً في كلامه بالآيات القرآنية وكتب الحديث الشريفة، واستعمل فيه أسهل العبارات لكي تُحفظ، ومفرِّقًا بين الفصيح والأفصح، والصحيح والأصح.
أما كتابه أشهرُ الأمثال.
فقد أكثر فيه المجاز، درس فيه مبنى الكلمات، وكثّف فيه واختزل المعاني الراقية في محض جمل. فقد كان من موثّقي الأمثال العربيىة للحفاظ عليها؛ تأثّر بـ«الزمخشري» وغيره في طريقة العرض، جمع فيه الأمثال الدارجة وفهرَسها، وأفرد مساحة للحديث عن فوائدها وعلومها.
توفى في دمشق 1920 م، رحمه الله
المقال 213


شمسُ الأئمة



اخترتُ لكم شخصية لا نكاد نسمع عنها شيئاً، رغم أنها لا تقل شيئاً عن الذين نكرر ذكرهم.

▪هو الإمام شمس الدين السرخسي الخزرجي الأنصاري، وُلد في إيران ببلدة سرخس سنة 1009م وتوفى في وادى فرغانة [أوزجند] بأزبكستان سنة 1090م.
▫هو من أئمة المذهب الحنفي،  فقد شرح في كتابه المبسوط ستة من عمدة كُتب ”ظاهِر الرواية“، التي جمعها [الحاكم المروزي الشهيد]، فكتابه يعد المصدر والمرجع للمذهب. وقصًة كتـاب المَبسوط من أعجبِ القصص.
▪كان الخاقان الذي يحكم إحدى مدن المنطقة، يحب إمرأة طُلّقت من زوجها، فاستعجل الزواج بها قبل انقضاء العدّة الواجبة، فبحث عن فتوى تُجيز لهُ ذلك، فوقف شمس الدين سدّاً له، ولم يُجز له ذلك، فحكم عليه الخاقان بالسّجن، وبقي فيه خمس عشرة سنة كـاملة.
▫السّجن في تلك البلدة كان داخل بئرٍ! فذكر شمس الأئمة مِحنته في كتبه [باب الطلاق، باب العتاق..] أنه المحبوس، المُبعد عن أهله، لكنه لم يكتب بيده!
▪فقد كان يُمليه إملاءً على الناس، تلاميذه، من قاع البئر، وهو في سطحه يكتبون ويدوّنون! كُتب المبسوط بهذه الطريقة! 

🔹وقال عن محنته:

يقولون لي فيك انقباض وإنما
رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم
ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وإني إذا فاتني الأمر لم أكن 
أقلّب كفي إثره متندما
ولم أقضي حق العلم إن كان كلما
بدا مطمع صيته لي سلما 
وما كل برق لاح لي يستفزني
ولا كل من في الأرض أرضاه منعما
وإذا قيل هذا منهل قلت قد أرى
ولكن نفس الحر تحتمل الظما

▪في كل فترة سجنه، ألّف العديد من الكتب بحفظه! وما كان يشتكي من السجن إلا ابتعاده البقاع الشريفة.
فُرج عليه وهو يملي كتابه باب الشروط، في كتابه شرح السير، فأكرمه الأمير حسن، فأتم كتابه في بلدة مرغينان.

رحمة الله عليه 
المقال 212.

#عمادالدين_زناف

السبت، 25 سبتمبر 2021

مدرسة الجزائر في المقاومة



🔸مدرسة الجزائر في مقاومة الإستدمار 🇩🇿🇱🇾🔸

وُلد الشيخ محمد بمُستغام سنة 1787م، ربّته عمّته فاطمة، وعندما كبر قليلاً سافر إلى فاس، فأخذ العلم عن شيوخها، ثم عاد إلى جنوب الجزائر، فتتلمذ عند شيوخها ودرّس فيها، بعد ذلك سافر إلى مكّة، فأخذ يتعلم كل شيء، من التصوّف إلى فقه المذاهب إلى تعلم الفكر السلفي. أسّس هناك، أي بمكّة أول زاوية، وتسمى الزاوية السنوسيّة، علّم فيها الطلاب العلم الصحيح، والتصوف المليح، الخال من الشركيات والبدع، وعلمهم المِهن والصناعات التقليدية، وإلزامية مقاومة الإستعمار الفرنسي في الجزائر، وكل إستعمار في أرض الإسلام. بقي في مكة خمس عشرة سنة، ثم عاد بعدها للجزائـر مجاهداً ضد الإستعمار الفرنسي، لكنهم منعوه من دخولها، فأقام بليبيا في طرابلس. فكان يراسل الأمير عبد القادر بالجنود والعتاد.
فداوم على الترحال، واستقر في بُرقة الليبية، وبنى فيها الزوايا، فأصبحت له مدرستان، سنوسية الحجاز، وسنوسية برقة. عُرف بعدم تمرده على الدولة العثمانية.
وُلدَ له محمد المهدي، ومحمد الشريف.
وعاد للحجاز مجددا ومكث فيها ثمان سنوات، ينشر العلم بين قبائلها. فنشأت له عداوات تخالف منهجه السويّ.
ثم عاد إلى ليبيا وتوفى سنة 1859م.
فبـايع السنوسيون إبنه محمد المهدي ليخلفه، فكان عالما ومُوحّداً للقبائل، وداوم دعم الثورات الجزائرية. فسافر للسودان ليحرّض الناس لمقاومة الإستعمار الفرنسي الذي وصل إلى التشاد. ثم توفى جراء المرض سنة 1902م.
خلفه أحمد الشريف إبنُ أخيه، كان حافظا للقرآن ومرافقا لعمّه.
شارك السنوسيون جزائريوا الأصل مع شرفاء ليبيا في مقاومة المستدمر الإيطالي، جاء إدريس المهدي السنوسي، إبن عم أحمد الشريف، فاختلف مع أحمد الذي كان يريد إكمال المقاومة، وكان إدريس يرى الكف عن ذلك إذ لم يبادروهم بالعداء، حيث كانت فترة هدنة وسلام. 
فبويع إدريس السنوسي أميراً، فرحل أحمد الشريف إلى تركيا.
عاد الاستعمار بأكثر عنف مع قدوم الفاشـ.يين، وكسروا الهدنة. فهدموا الزوايا السنوسية. فاشتعلت المقاومة مجددا.
وبين هذا وذاك، تربّى أسد الصحراء، عمر المختار، في هذه المدرسة السنوسية، وتتلمذ بين شيوخها، وكان الرجل الذي هزّ كيان المستعمر الإيطالي.

المقال 212
#عمادالدين_زناف

الخميس، 23 سبتمبر 2021

التصوّف كما لم تقرأ عنه



التصوّف كما لم تقرأ عنه من قبل.
سيكونُ مقالاً شبه مفصّل، وان كان من الصّعب أن أقف عند كُل مرحلة أو شخصية بما يَليق به المقام، أو الحادثة، سواءً نافعة أو ضارّة، حيثُ سيكون مُختصر مُطوّل عن أصول التصوّف، وما الحق فيه والباطل، سيكون عبارة عن مقال تاريخي يُمكن التحقق من كل نقطة فيه، ليس الغرض منه أن أدافع أو أسيئ، لذلك لا أريد تعليقاً متشدداً في العداوة، ولا تعليقاً فيه غُلو في الحبّ. 
أصلُ التصوّف هو الاحسان، أن تعبُد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فهو يراك. هذا التعريف العام الذي اتّخذه الصوفية الأولون، متخذين هذا الحديث كمنهاج أساسي لتأطير وتهذيب سلوك الفرد.
في بداية القرن الأوّل للهجرة، لم تكن الكتابة معروفة الا قليلاً، لا في العقيدة ولا في الفقه، الا في السنة الشيء القليل. فقد كان الصحابة على قدر كاف من الدراية بلسان العرب، وفهم الآيات لم يكن عسيراً عليهم كما في القرون التي ستليهم. أي كان التلقّي باللسان بشكل أساسي، في زمن أتباع التابعين، اتعست دولة المسلمين، وزادت قضاياهم باختلاف نفوذهم في الأرض، فقد تداخلت ثقافات ولغات ومناخات وعادات جديدة لم يكن يعرفها الأولون. فصارت الحاجة الى الكتابة وحفظ العلوم أمراً مُلحّاً. انقسم الكُتّاب والمُدوّنون الى أقسام، كبـار السّادة كأبي حنيفة وجعفر الصادق كان منهجهم عامّاً متقارباً، لم تكن فيه دراسة تخصصات مثل اللغة والنحو والبلاغة، بل كان الخلاف في العمل بالرأي أو التمسك بالنص.
سريعاً جاء مالك والشافعي وأحمد وسفيان الثوري والأوزاعي، حيث انتشرت مدارس عدّة تُفصّل ما كان يُفهم سجيّةً عند العرب، فأصبح هناك تفصيل المُفصّل وتجزيئ المُجزّأ، فحافظ مالك على لسان الرواية فقط وصنّف الموطّأ والمدوّنة، فجاء تلميذه الشافعي وصنّف في غير الرواية كتباً في الفقه كالأمّ والرسالة. وهكذا، كلما تقدّم الزمن زادت التخصّصات، والكتابات المفصلة، بسبب النقص في المُكنة اللغوية كما أشرت، وكذلك زيادة المسائل واختلاف الظروف الجغرافية لأرض الإسلام، وكذا اختلاف ثقافاتهم وبيئتهم، فكان يجب أن تكون هناك بعض المهارات والمرونة، لأن الدين جاء لليسر وليس للعسر.  فاشتغل أهل الكلام بالعقيدة، وأهل الفقه بالأحكام، واهل النحو في تعليم لغة العرب، وفي القرن الرابع تقريباً، بدأ التدوين في علم القراءات أيضاً. 
لكن لم يُدوّن شيء في الاحسان، أي علم الأخلاق عند المسلم، الذي هو الشرط الثالث في الدين، بعد الإسلام والايمان، فقد كان التعبّد يؤخذ بالنظر والنصائح من كبار الشيوخ والعلماء، كان الفقهاء الذين ذكرتهم أهل تقى وزهد وأخلاق وتورع، فأخذ عنهم تلاميذهم ذلك. كيف لا وقد كان مالك يأخذ الحديث عن نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وتسمى بالإسناد الذهبي، أي كان حديث عهد بروح الإسلام. لكن الزّمن تغيّر، مع توسّعات بني أمية وبني العبّاس، فزاد المال وانفتحت زهرةُ الحياة الدنيا، وانفتح العرب على العلوم والفلسفة والثقافات الجديدة، والمعلمون الذين أخذو عن الصحابة وأهل البيت والتابعين واتباع التابعين موجودون، لكن تعاليمهم كانت دائما بالكلام وليس بالأوراق، فيعلمون الناس التوبة والمُراقبة والذّكر، لكن مع زيادة الترف، صار تدوين تلك التعاليم امراّ ضروريا، مثل الفقه والعقيدة والحديث والقراءات، فكل تلك العلوم ستصبح لأخذ المناصب والمال إذا كانت بلا أخلاق وورع وعمل لليوم الآخر. وكان هؤلاء المعلمون هم الصوفية. 
تكلّمت في مقالٍ سابق عن تعريفات وأصول هذه الكلمة لن أعود اليها، مثل لبسهم الصوف الرخيص، أو أخذ الصفوف الأولى. انما سوف أركّز عن شيءٍ أهم، الصوفي لا يهتم بالعبارة انّما يهتم بالمعاني، لذلك يأتي النحوي ليفصّل كلام صاحب المعاني. فكان من أوائل من كتب فيه هو أبو بكر الكلاباذي في التعرف لمذهب التصوف، فبدأ في كتابه بترجمة أعلام التصوّف المتقدمين، مثل أبي سليمان الداراني، فجاء بعده أبو القاسم القًشيري، وصنّف كثيرا في التراجم، والترجمة للشخص يعني بها هنا هو تعريف الأشخاص وتفصيل سيرتهم وحياتهم، كمالك بن دينار والفضيل بن عياض، فهو يقول إن الأخلاق تؤخذ من تفاصيل حياتهم، فكانت هذه هي طريقتهم في التدوين عن التصوّف. فيأتي بعده زكريا الأنصاري شارحاً للقُشيري، قائلا إنه ترجم بمن سبقت له من الله جفوة، أي انهما أذنبا ثم تابا وأصبحا من أولياء الله، وهو أصل من أصول علم الأخلاق أو السلوك كمت ذكرتُ في البداية، فيفهم السّالك من التلاميذ أن التوبة هي أول ما يجب فعله منم المقامات. ثم يأتي ابن عطاء الله السكندري بعدهم قائلا، ربّ معصية أورثت ذلاً وانكسارا خير من طاعة أورثت عزّة واستكبارا. 
فتوزّع هؤلاء عبر بقاع الأرض، في الشام كان الداراني، في خراسان شقيق البلخي، في العراق معروف الكرخي، في مصر ذو النون المصري، في بلاد المغرب أبو الحسن الشاذلي، وكلّهم أخذو السّند ( في الظّهار الا من  زاد من عنده، وسوف اتكلّم عن الأمر لاحقا ) في الاحسان من شيوخهم الى ان يصلو الى كبار الصحابة أو الى الرسول عليه صلوات الله.
فالسؤال الذي يطرحه الناس، ما الطُرق الصوفية، ولماذا هذه التسمية بالذات؟
الطريقة تختلف من منطقة الى أخرى، ومن قارة الى أخرى، فقد راعى هؤلاء الصوفيون ثقافات وأعراف وعادات وتاريخ تلك الشعوب، وعلى إثر ذلك صاغوا واخذوا من الشريعة عبارات الذكر أو السلوكيات بحسب قدراتهم وحسب طبيعتهم، فتجد لأهل اندونيسيا وماليزيا الحب الكبير لعبد القادر الجيلاني، لأنه كان سببا في اسلام أجدادهم، وهم يسلكون طريقته في الذكر. وكمثال، كان الشاذلي فقيها ومتكلماً، جال بلاد المغرب الى مصر، فقد كانت طريقته بحسب طبيعة أهل شمال افريقيا ومزاجهم وطبيعتهم، فاذا كانت طبيعتهم الخفة والطرب، كان "الذكر الجهري" طريقةً لهم. مستندا على "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه". 
عكس بهاء الدين شاه نقشبند، في مكان آخر وأرض أخرى تماما، ما وراء النهر خرسان الكبرى، طبيعة أهلها وعقائدهم الأولى كلها صمتٌ وتأمّل وهدوء، فاختار لهم من شرع الله الواسع طريقة يتقبلونها في السلوك والذكر، وهو "الذكر الخفي" مستندا الى "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي".
كل هؤلاء كان يندرجون تحت مذهب من المذاهب الأربعة، سنّة أشاعرة او ماتريدية (أبو الحسن الأشعري ،أبو منصور الماتوريدي).
وقيل، ان معظم علماء الأمة، كانوا متصوّفة، مثل النووي والسبكي والسيوطي، وحتى ابن تيمة رغم انتقاده اللاذع لبعض المتصوفة، الا انه قد دُفن في مقابر الصوفية في الشام، وكان كلامه عن عبد القادر الجيلاني كلاما راقيا، حيث قال، "الشيخ عبد القادر ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع، والأمر والنهي، وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشائخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية."حتى تلامذته كابن القيم كتبوا في المتصوفة بشكل عادل، ككتاب مدارج السالكين، والذهبي الذي كان يرى التبرّك بالأولياء وزيارة قبر النبي.
كان للمتصوّفة القدم في تكوين رجال عسكريين، عكس ما هو معروف، فقد كانت مدارس الوزير نظام الملك هي الشعلة التي علمت الناس المروءة، فكان الشيرازي والجويني والغزالي هم شعلة التكوين لعماد الدين زنكي، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، وكانوا كلهم من المتصوّفة. كذلك كان محمد الفاتح صوفياً، ومعظم سلاطين العثمانيين من بعده، دون ان ننسى عمر المختار، الذي كان سنوسي الطريقة، والأمير عبد القادر أيضا معروف تصوّفه.
ما هي المؤاخذات التي يحملها البعض عن الصوفية؟ 
هي تلك الطرق الغريبة العجيبة من رقص ومجون وتعويذات وكلام فيه شركيات، واختلاس أموال الناس والكذب عليهم، تُنسب زوراً الى الصوفية الأصليّة التي تكلمت عنها، فلم يبقى شيء في الإسلام الا واختُرق وشُوّه تشويهاً، وقد اخلط الكثير من الخبثاء بين التصوّف والتأمل والهندوسية وخرجوا ببدع ليس لها أي صلة بالإسلام أصلا.
كذلك، هناك بعض الأمور ليست لها سند الى النبي، يُقال ان لها منفعة بالتجربة، انقسم فيها الناس الى مؤيد لها لما قد ينتفع بها الناس، مثل الصلاة التازية (الصلاة النارية، ابحث أكثر)، ومنهم من يرفض أي شيء لم يرد بسند مُتّصل الى النبي عليه صلوات الله (الأصولية). 
في هذا المقال، حاولت الالمام بشكل مكثف عن التصوف، بحيادية، أعلم أنني لم أذكر الكثيرين، وأسقطت بعضهم، لكنني سعيت جاهدا عدم الاطالة، وذكر الصوفية من زاوية لا يعرفون عنها، لأن معظم ما يعُرف عن الصوفية هم جلال الدين الرومي، وابن سبعين، والحلاج، وابن العربي، وهم أقرب الى الأدب والشاعرية والفلسفة العربية عن الذين ذكرت، وكل واحد منهم، يحتاج الى دراسة مخصصة، ليقال عنه ماله وما عليه، فمن الصعب أن تذكر أحدهم بسوء 
 وتمر، أو بطيبة وتمر بعدها مرور الكرام.

المقال 211
#عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

العالِم ابنُ بيئته





العالِم إبن بيئته وزمانه، وإبنُ مشاكل عصره وأولوياته، فلا يصحّ أن نَلوم عالم مـا على عدم خوضه في مسائل، أو التخفّف والتساهل في أُخر، أو التعصب لأشياء، بنفس المنطق، لا يجب التعصّب لما تعصّب إليه، ولا التساهل فيما تساهل فيه، لأن الظروف تختلف، فالحُكم يختلف.
لماذا اختلفت وتفىعت المسائل، وأصبح في الدين مذاهب وطرق! ببساطة، يحدث تغيّر في الفهم للنصوص الدينية والفكرية والفلسفية، مع تغير العصر، لما فيه من تغيّر للعمران والتجارة، وزيادة الديموغرافية وتضاعف مسائل وحوائج الناس، فما كان سهلاً أضحى معقّداً، ولكل فترة جهبذ من العلماء يفكّ ألغازها، محافظاً على الأصل بيد، وممسكاً بزمانه باليد الأخرى. علاوة على ذلك، وإذا خصصنا الحديث عن الدين، مع كل تقدم في الزمان، تنزل المَلَكة اللغوية، فيزيد الإختلاف لضعف اللسان، بهذا يصبح الأمر أكثر تعقيداً في كل مرّة.
وكمثال، في فترة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كان منشغلا أيما انشغال بالمرتدين، الذين رفضوا تقديم الزكاة بعد وفاة المعصوم عليه الصلوات والتسليمات، فكرّس سنتيه في الحكم معهم، ولم يكن يهتم بشيء عدى استرجاع القبضة على محيط مكة البعيد. كذلك في فترة سيدنا علي كرم الله وجهه، لم تكن فترته سوى حروب داخلية، من فتنة الشام إلى الخوارج. انتقالاً إلى الفتنة التي غزت الدولة السلجوقية في صورة الدعوات الإسماعيلية الباطنية بقيادة حسن بن الصباح، التي أخذت تأكل المسلمين من الداخل، لولا أن تفرغ لهم الغزالي، فكان شغله الشاغل هم الفلاسفة والباطنية، حتى أنه لم يستطع أن يدرس علم الحديث، فوقع في الخطأ عند استدلاله بالموضوعات في كتاب إحياء علوم الدين. ومن هذه الأمثلة الكثير، لذلك، علينا أن نُخضع الخاكم والعالم لزمانه وظروفه، وليس لزماننا وظروفنا، فنحن الآن بلا شك، نعيش أزمات عديدة، يتفرغ لها بعض العلماء، ويقصرون في الكثير أيضاً..، فلا يجب على الأجيال القادمة أن تحاكمهم محاكمة خاضعة لظروف سنة 2200م.. 

#عمادالدين_زناف

نعم لتيسير العلـوم



رداً على مقالة الأستاذ الدكتور محمد باسل الطائي، أستاذ في الفيزياء، والذي تكلم فيها عن ”خطأ نشر العلوم إلى العوام“، بعد أن اشتكت أمٌ عن شُبهة إلحاد إبنها، لما قرأه من اكتشافات حول صناعة الجاذبية للعالم وانشاء الذرة من العدم، أو شيء قريب من هذه الفكرة، لستيفن هوكينغ.

واستشهد في حديثه عن عتاب بنُ رشد للغزالي على نشره للفلسفة وعلم الكلام بين العوام، في المقاصد والتهافت، رغم معرفته أنه لمصلحتهم، أي لتبيان خطأ الفارابي وابن سينا. 
حيث قال أنه اضطر بعد ذلك (أي الغزالي) إلى نشر كتاب إلجام العوام عن علم الكلام، أي إبعادهم عن علم الكلام لخطورته على إيمانهم. 
لكن أجيب أستاذنا الطائي أن الزمن تغير بشكل كلي، لأن ما كان في زمن الغزالي، قد تضاعف، أي أن الحواجز العلمية قد انكسرت تماما، فلم يعد هناك وسيط بين الباحث أو الفضولي، وبين المعلومة، في كل مجال، من الفلسفة إلى الفيزياء مرورا بكل ما يخطر وما لا يخطر ببالك، العلم المزيف والعلم الصحيح وما بينهما.
كذلك، لم تعد هناك قدرة لحظر، وحجب، وإخفاء أي شيء عن الناس، وهذا الأمر خليط بين حسنات ومساوئ.
إذاً، دعوتكم أستاذنا بأن يتوقف العلماء والمتمكنون عن شرح العلوم المعقدة وتبسيطها، لتفادي الشبهات والفتن، هي دعوة أخطر مما تقومون به الآن، أي الخوض فيها وتبسيطها.
لأن الفضولي لن يتوقف عن البحث، وإن لم يجد من يشرح له، فسوف يشرح لنفسه! وهذا كما تعلمون أخطر بمراحل.
كذلك، لو كان بالإمكان أن تُحجب الكتب والمقالات والمواقع، لارتاح العلماء، لكنها في كل يوم، تصبح أدنى للعوام من اليوم السابق، إذا عملية التبسيط والشرح في هذه الحالة واجب ديني وفكري، وليس عبارة عن مَزيّة!
وفي الأخير، أريد أن أعرب عن موقفي المنحاز انحيازاً كاملا لفكرة تيسير العُلوم، فهي سيفٌ ذو فقار، منها إعلام الناس للرقي بهم، ومنها توضيح المُبهم.
والسلام عليكم ورحمةُ الله.

#عمادالدين_زناف 
المقال 210

الاثنين، 20 سبتمبر 2021

الغزالي



 المُختصر المُطوّل عن الحجة

🔑
ولد أبو حامد الغزالي في بلدة طوس في خراسان (إيران).
وكان أبوه يغزل الصوف ويبيعه في دكان بسوق الصوافين، فقال فريق أنه سمي بالغزالي بتشديد الزاي نسبة الى حرفة والده.
كان والده رجل خير وصلاح، فعندما أحس بأجله، وصى صديقه المتصوف بأن يرعاهما هو وأخوه، ولما نفء كل ما خلفه لهما والدهما من المال، نصحهما الدخول في احدى المدارس التي أسسها الوزير نظام الملك، للحصول على قوتهما. وهكذا انقطع الأخوان الصغيران الى العلم حتى بلغا أحسن المراتب.
انتقل الغزالي الى نيسابور واتصل فيها بأبي المعالي الجُواني الملقب بإمام الحرمين، ولازمه حتى وفاته، تعلم عنده الفقه وعلم الكلام وتعلم الجدل والمنطق وأصولهما وأساليبهما، ثم قرأ شيئا من الفلسفة.
ثم لقيَ الوزير السلجوقي نظام الملك، فأكرمه وبالغ في الإقبال عليه، وكان بحضرة الوزير جماعة من الأفاضل، فجرت بين الغزالي وبينهم عده مناقشات ظهر فيها عليهم، فأعجب به نظام الملك، وتمت تسميته بحجة الإسلام وهو في الثالثة و الثلاثين من سنه، فرأى أن يستعين به في الدفاع عن عقيدة أهل السنة، والرد على الباطنية ببغداد.
اتسعت سعة حلقاته حتى لقب بإمام العراق، فكلفه الخليفة العباسي المستظهر بالله الرد على الباطنية التعليمية، بعد أن انتشر شرهم بظهور ابن الصباح. فصنّف في الرد عليهم عدة كتب منها المستظهر ومفصل الخلاف والدرج المرقوم والقسطاس المستقيم.
ومن كتابه الموقد من الضلال، يظهر أنه قد مرّ بأزمة نفسية هيئت له الظروف الملائمة لتفتح براعم شخصيته، فقرأ كتب الفلاسفة وهو منهمك في تدريس 300 طالب في المدرسة النظامية. فأطلعه الله على منتهى علومهم (الفلاسفة) في أقل من سنتين، ثم واظب على التفكير فيها بعد فهمها قريبا من سنتين ط. وعلى اثر ذلك، ألف كتابين للرد عليهم، وهما كتاب مقاصد الفلاسفة وكتاب تهافت الفلاسفة.
🔧
كتاب مقاصد الفلاسفة.
فقد الفه الغزالي للبرهان على أنه محيط بمذهب الفارابي وابن سينا ومنهجهم في الطبيعيات والآلهيات تمهيدا للرد عليهما، وقد حكى لنا قصة هذا الكتاب فقال، إن الوقوف على فساد المذاهب قبل الإحاطة بمداركها محال، بل هو رمي في العناية والضلال، لذلك رأيت أن أقدم على بيان تهاود مقاصدهم في علومهم المنطقية والطبيعية والإلهية.
🔨
واما كتاب تهافت الفلاسفة، فقد ضمنه للرد على الفلاسفة، حتى ظهر للناس أن نقده قد وجه الى الفلسفة ضرب قاسية، لم تقم لها بعدها قائمه، والواقع غير هذا، لأن نقده لم ينل الا من الفارابي وابن سينا.
وما انجز الغزالي تأليف هذين كتابين حتى أعذرته أزمة داخلية، غيرت مجرى حياته، فقد شلت نشاطه.
فقرر اعتزال العمل وترك الاهل والولد، مضحيا بكل شيء في سبيل البحث عن الاطمئنان الداخلي.
🛠
وفي كتاب المنقذ من الضلال، وصف وصفا مؤثرا لهذه الحالة الداخلية، التي جعلته يتخلى عن منصبه في المدرسة النظامية. بالرغم من تمسك الولاة به. حيث قال؛ ثم لاحظت أحوالي، فإذا انا منغمس في العلائق وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي وأحسنها التدريس والتعليم، فإذا أنا مقبل فيها على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق الآخرة.
ثم عاد بعد مدة الى التدريس في نيسابور، الّا أن إقامته لم تمتد الا سنتين عاد بعدهما الى طوس على إثر مصرع فخر الملك بنُ نظام الملك، وهناك في طوس أنشأ زاوية للمتصوفين، ومدرسة لطلاب الفقه، وانقطع خلال السنوات الأخيرة من حياته الى العبادة ومجالسة أرباب القلوب، وأهل الحديث، وكان ضعيفاً فيه، فمات وهو يتعلّمه.
🔑
فلسفه الغزالي؛
إن الاثر العميق الذي تركه الغزالي في تاريخ الفكر الإسلامي، يرجع في الدرجة الاولى الى انه لم يكتف كعلماء الكلام باقتباس بعض المسائل الفلسفية او نقدها والرد عليها بالحمل، بل رفع معاول الهدم، وادّعى لنفسه تقويض أركان الفلسفة كلها.
ولم يكن الغزالي متكلما من طبقه أبو الحسن الأشعري، ولا فيلسوفا من طبقه الفارابي وابن سينا، ولا متصوفا كالمحاسب والجنيد السالك، بل كان ذا مذهب فلسفي خاص تميز فيه بالبحث عن اليقين بطريق المعرفة الداخلية.
والفرق بينه وبين المعتزلة وعلماء الكلام والفلاسفة كبير جدا، لم ينسج على منوال بعض المعتزلة في التوفيق بين النقل والعقل، ولا على منوال علماء الكلام في الدفاع عن العقيدة الدينية بالاستنباط الى الحقائق والشواهد العلمية، ولا قلّد الفلاسفة في اصولهم الطبيعية والإلهية، بل بالجواز لذلك كله ادإلى طريقة الكشف الباطني. الغزالي هو المفكر الاسلامي الوحيد الذي انتهج لنفسه طريقا خاصا في التفكير.
يقول الغزالي في تحديد موقفه، ( ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعته كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما أردت ان أصنف، فصادفته علما وافيا بمقصودي غير واف بمقصودي، انما المقصود منه عقيدة تهل السنة وحراستها عن تشويش اهل البدعة)، فيقول ان الغرض من علم الكلام اذا هو الدفاع عن حياض الاسلام بالرد على المبتدعة، وهذا قريب من قول الفارابي،( ان الكلام صناعة يقتدر بها الانسان عن نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل).
قول الغزالي في العقل كان مختلفا عن رأي المعتزلة والفلاسفة لأنه لم يبن المعرفة على العقل وحده.
ويرى الغزال ان الفلاسفة وغيرهم من اهل النظر اقتصروا في تحصيل المعرفة على طريق الاستدلال والتعلم، والعلم الحاصل في النفس بطريق السمع او بطريق المشاهدة الباطنية، فهم يفنون انفسهم في تجريد المعاني الكلية من الكيفيات الجزئية، جاهلين ان هذه المعاني اقل من أن تستنفد ما تشعر به نفوسنا، ولكن احباب الله يبالغون في الرياضة والمجاهدة إلى درجة يتلقون معها علما لدنيا، لا يطّلع عليه العلماء الا بالاستنباط العقلي، ولا يرتقي الى ذلك المقام الا القليل من الناس.
🔗
في تهافت الفلاسفة.
اطلع الغزالي على كتب الفلاسفة حتى وقف على منتهى علومهم، فوجدهم ينقسمون الى ثلاثة، الدهريون والطبيعيون والالهيون.
قال، وقد رد الإلهيون على الدهريين والطبيعيين ورد ارسطو على غيره من الالهيين، ولكنه استبقى من آرائهم اشياء كثيرة، قلده فيها الفارابي وابن سينا، فوقعا فيما وقع فيه الأوائل من الخطأ والضلال.
قسم المسألة الى إبطال قدم العالم، وإبطال مذهبهم في ابدية العالم، وبيان تلبيسهم في قولهم ان الله صانع العالم وان العالم صَنَعه.
يقول الغزالي بان الله مريد، وكيف لا يكون مريدا وكل فعل صدر منه أمكن ان يصدر منه ضده، وهو مدبر للحادثات فلا يجري في الملك والملكوت قليل او كثير الا بأمره، له السلطان والقهر والخلق والامر والسماوات مطويات بيمينه ولا يعذب عن قدرته تصاريف الامور ولا تحصى مقدراته.
أما عن كلامه في الزهد، فقلنا ان العلم المبني على الالهام يحصل في النفس الا بتطهير القلب وتصفيته بالعزلة والزهد وهو العلم الحقيقي الذي يزيد صاحبه خشيه وخوفا وثوب وصبرا ورجاء ولكن ما هو الزهد، وفين هو تركما شغلك عن الله او ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا بحيث لا يفرح الزاهد بشيء منها ولا يحزن على فقده.
والغرض من الزهد تحقيق الكمال الاخلاقي.
قوله عن الشك، اول ما يسر انتباهنا في حياه الغزالي تعطشه الى ادراك الحقيقة فهو يشبه اضطراب الفرق واختلاف المذاهب في زمانه ببحر عميق غرق فيه الاكثرون، واذا كان قد عزم على اقتحام لجه هذا البحر العميق والتوغل في ظلمته فمارض ذلك الى الطبيعي في نفسه، ولا يشترط الغزالي الحق ان يكون معقولا بنفسه فحسب بل يشترط فيه ايضا ان يكون موافقا للكتاب والسنه ولذلك كان حدثه البطن مقيدا بالعقيدة الدينية ولذلك ايضا انقسمت المعرفة عنده الى قسمين معرفه حسيه ومعرفه صوفيه في العقل والتجربة اساس المعرفة الحسيه عمل المعرفة الصوفية فأسسها الكشف الباطني.
وعن الفرق قال، تنحصر الفرق الى المتكلمين والباطنية والفلاسفة والصوفية.
اما المتكلمين علمهم غير وافي بمقصودة لان علماء الكلام يتساندون في الرد على اهل البدع الى مقدمات يتسلمونها من خصومهم.
أما المنطق فلا علاقه له بالدين حتى يتحدى وينكر، الا ان أصحاب المنطق عندما انتهوا الى المقاصد الدينية، لم يتمكنوا من الوفاء بشروط البرهان بل تساهلوا فيها غاية التساهل.
ان الغزالي كان مفكرا متنوع الجوانب، ثمن نشاطه بحقول مختلفة، من منطق وجدل وفقه وكلام وفلسفة وتصوف ومع انه لم يكن فيلسوفا كالفارابي وابن سينا ولا متكلما كالأشعري ولا فقيها كالحارس المحاسبي وابي طالب المكي، الا انه اقتبس من هؤلاء جميعا كثيرا من العناصر وحاول ان يعطي كل شيء حقه، واعظم ما تتميز به فلسفته استنباطها من الدين ذوقا باطنيا لا مجرد احكام شرعيه او عقائد كلامية.
رحم الله حجة الإسلام.
المقال 209

الاثنين، 13 سبتمبر 2021

الزمخشري، أستاذاً للُغة


▪رغم تمسكه بمذهب الاعتزال، إلا ان كتبه ماتزال مصدرا عند كل المسلمين، خاصة في اللغة العربية، وهو الذي كان أستاذا فيها، وصنف فيها التصانيف، واستعملها في تفسير القران في كتابه الكشاف، على ما فيه من أخطاء كان قد صوّبها العلماء.

🔸على عكس  معظم علماء المعتزلة، لم تُرد المذاهب والفرق الاسلامية التخلي عن الأخذ باجتهادات ”جار الله“ محمود الزمخشري، فقد صنّف في اللغة والنحو على سبيل المثال: المفصل في صنعة الاعراب، والمفرد المؤلف، والكتاب الضخم في عدّة مجلّدات ”أساس البلاغة“.

▪فقد كان إماما في التفسير وفي النحو وفي الأدب والبيان والفلسفه والكلام والشعر، و لُقّب بجار الله لبقائه أمام الكعبة لمدة طويلة.

🔸أبو القاسم الزمخشري فارسي المنشأ، ولد بزمخشر سنة 1074 م،  ورحل الى بخارى لطلب العلم ثم الى بغداد.
كبر وهو عاشق للغة العربية، فقد قسم علوم البلاغة الى بيان ومعاني، وأضاف لها البديع، وقد ألّف معجماً لغويّاً مرتبا على الحروف الهجائية.

↩ ذكر غير عالم بأنه أفضل وأعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، بعد سيبويه.
وقد كان جار الله أعرجا، يمشي في رجل من خشب، أي أنه كان مبتور القدم.
وكان يأخذ تارة بالمذهب الحنفي، وتارة أخرى بالمذهب الشافعي.

📌كان رجلا تقيا متدينا، متواضعا لطيفا، قاسيا على مخالفيه من المعتزلة والمتصوفّة، محبا للعربية وأهلها. 
ويقول عن نفسه: 

تراني في علم المنزل عالما
وما أنا في علم الاحاديث راسخا
فلي للسُنة البيضاء في مناهج
ويبغي كتاب الله في المعارفا
وما أنا من علم الديانات عاطلا
في أحسن خلي لم يزن لي شانفا
وما للغايات العربي مثلي مقوم
أبا كل ندب متقن أن يخالفا

كان الزمخشري بَصري النزعة في النحو العربي، 
📍يمكنكم البحث في (اهم معالم النحو البصري لفهم الانواع) فقد كان يعتمد على منهج سيبويه ومتابعته لآرائه.

📎لا يمكن لاي لغوي ومهتم بالأدب والنحو والبلاغة، الا يقرأ للزمخشري كما لا يمكن -كما أشرت- تجاوز سيبويه الذي سبقه.

توفي في غرغانج سنه 1143م، رحمه الله.

#عمادالدين_زناف 
207

سيبويه صانع علم النحو



🔸يُعتبر سيبَويه [عمرو بن عثمان -أبو بشر-] أكبر نحوي، بل صانعُ علمه في اللغة العربية. فارسي وُلد في بيضا بإيران بالقرن الثامن ميلادي ولم يُعمّر طويلاً. 
▪سيبَويه باللغة الفارسية تعني "رائحة التفاح". فقد أسمتهُ والدته كذلك، لمقارنته برائحة أزهار التفاح. ومنذ ذلك الحين ، أصبح هذا لقبهُ، واسم عائلته في نفس الوقت. 
كل من يريد أن يتعلم لسان العرب عليه أن يلتقي بهذا الإسم، فقد كان مُحيطاً بكل ما يتعلق بقواعد النحو، وأستاذاً لا يشق له غُبار في مدرسة البصرة أو مدرسة الكوفة.
أسلوبه وقواعده التشكيلية كانت تعد استثناءً. 
▪عندما كان طفلاً ، غادر سيبويه وطنه ”بلاد فارس“ ليستقر في البصرة بالعراق ، وكانت إحدى عواصم الثقافة الكلاسيكية. 
وهناك درس اللغة العربية، وقواعدها، متفوقًا على أساتذته في دراسة القرآن الكريم، ودراسة كل الأعمال الأدبية العظيمة منذ عصور ما قبل الإسلام.
فقد كان حمّاد، المؤرخ الشهير للغة العربية، وقبله الخليل بن أحمد [المبرمج للمقاييس والقواعد العربية] معلميه الرئيسيين في فن الجمع بين القواعد المنطقية للغة.
📖 سريعاً ما أثار سيبَويه ضجة كبيرة بين أقرانه، وأصبح قائد المدرسة النحوية الشهيرة في البصرة.
بعد كثرة الأخطاء في الرسائل، وملاحظته للشاب الذي يُحدث ثورة في اللسان، خاطب الخليفة العباسي القوم غاضباً "تعلموا اللغة العربية من الفُـرس!" 
📚 جمع طُلاب سيبَويه فصول تعاليمه، فاشتهر نطق اكلمة "كتاب" بين العلماء على كتابين، القرآن الكريم، أو عمل سيبويه.
🕯 كان سيبويه ك”عالم منطقي في اللغة“ قد تعهد بتدوين القواعد النحوية للغة، وبالتالي عمل على حذف بعض ما كان موثوقًا في التعبير الأدبي، وكمثال. أجاز استعمال الهاء الساكنة، [عِ/عِه]، [المدرسة/المدرسه].
💡وبفضله، انفتحت مدينة البصرة لمنافسة لمدرسة الكوفة على أفكار جديدة في النحو، لا سيما تلك التي نقلها المعتزلة لمستوى أرقى، وأشهرهم المعروف بـ [جار الله الزمخشري].

 
#عمادالدين_زناف

السبت، 11 سبتمبر 2021

ابنُ خلدون، الشامل



🔶ابن خلدون..الرحّالة المُفكّر 🔶

هو ابو زيد عبد الرحمٰن ابن خلدون الحضرمي، ولد في تونس، من بيت علم وشرف، وينتهي نسبه  إلى وائل بن حجر، الذي كان من كبار الصحابة، الذي تولى تعليم القران ونشر الاسلام في اليمن.
ذكر ابن خلدون في ترجمة حياته، ان أحد اجداده المسمى خالد بن عثمان، قد رحل الى الاندلس مناليمن في اوائل القرن الثالث للهجرة، وذكر مؤرخ الاندلس ابن حيان ان آل خلدون كانوا في اشبيلية.

🔹 رحَلاته: 🇩🇿🇪🇬🇲🇦🇹🇳

حفظ ابن خلدون القرآن وتلاوته بالقراءات السبع.
 ثم تعلم الصناعة العربية على والده، ودرس على بعض علماء تونس كثيرا من كتب الفقه والحديث والأدب، أعانه السلطان ابي الحسن المريني على تونس.
ولم يكد بن خلدون يبلغ السابعة عشر من سنه، حتى مات والده، وأكثر أشياخه ماتوا جميعا في الطاعون الجار في الذي اجتاح تونس. 
فلما قام أمير قسنطينة الحفصي يطالب بعرش تونس، خرج السلطان ابو اسحاق للقائه ومعه ابن خلدون، فانهزم السلطان وجماعته، ونجى ابن خلدون بنفسه وذهب والى تبسة، ثم الى قفصة.
ولما عاد السلطان ابو عنان الى فاس، جرى ذكر ابن خلدون عنده، فاستدعاه واستعمله في كتاباته للتوقيع عنه.
ثم غادر فاس وسافر الى الاندلس، بعد ان صرف اولاده وأمهم الى اخوالهم في قسنطينة بجبل الفتح. 
 ثم خرج منها الى غرناطه، فاستقبله السلطان ابو عبد الله ووزيره لسان الدين الخطيب.
ولما وصل ابن خلدون الى بجاية، احتفل سلطانها محمد ابو عبد الله محمد بقدومه، وسلّمه منصب الحجّاب ،وفاءٍ له بعهد سابق كان قد اخذه على نفسه يوم كان معتقلا في فاس، والحجابة كما يقول ابن خلدون هي استقلال صاحبها بالدولة، والوساطة بين السلطان وأهل دولته.
قصد بعدها مدينه بسكرة، لما بينه وبين صاحبها ابن المزني من صداقة قديمة.
ثم كتب له السلطان ابو حمو صاحب تلمسان، يستخدمه لتوليته منصب الحجابه،لكنه ابا ذلك وآثر البقاء في بسكرة.

وصل بعد ذلك ابن خلدون الى الاسكندرية، وبقي فيها عشرة أيام، ومنها الى القاهرة، فقال عنها ( حاضره الدنيا وبستان العالم، ومحشر الأمم، ومدرج الذر، من البشر، وايوان الاسلام).

🔹 من آثاره:
لهُ عدة كتب ذكرها لسان الدين بن الخطيب، في كتاب الاحاطة بأخبار غرناطة، في المنطق واخرى في الحساب وتلخيص لبعض كتب ابن رشد وشرح لقصيده البردة، وتلخيص لمختصر الامام فخر الدين الرازي.
 ولم يصل الينا شيء من هذه الكتب والرسائل، ويظهر انها لم تكن معروفة في ذلك العهد، ولا جديرة بالاهتمام فلم يعرض ذكرها في كتب التراكم ولا في كتاب التعريف الذي ضمًنه ابن خلدون كترجمه لحياته.
 على ان ابن خلدون يتحدث في كتاب التعريف عن كتاب اخر في وصف بلاد المغرب، ألّفه في دمشق، وقدّمه الى تيمور وهو يقع في اثنا عشر كراسّة صغيرة. ولم يصل الينا منها شيء.
 واشهر كتب ابن خلدون التي وصلت الينا هو كتاب العبر، الذي اهداه الى امير المؤمنين ابي فارس عبد العزيز بن ابي الحسن المريني، وهو يعد بالرغم من تفاوت فصوله في الجودى والاتقان أهم مصدر لتاريخ عصره. 

▪ مقدمه ابن خلدون:
لكتاب المقدّمة قسمين اساسيين، الأول هو المقدمة في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط والأوهام، وذكر شيء من اسبابها.
والثاني هو الكتاب الاول في طبيعة العمران وفي الخليقة، وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم، ونحوها وما لذلك من علل والاسباب.

موضوع مقدمة ابن خلدون اذا مستقل بنفسه، وهو العمران البشري والاجتماع الانساني، والبحث فيها يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس بالعصبيات واصناف التغلبات للبشر عن ذلك، من الملك والدول ومراتبها، و البشر بأعمالهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بالطبيعة.
 ان موضوع من العمران عند ابن خلدون شبيه بموضوع علم الاجتماع عند المحدثين، لأنه يبحث في الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافيه على العوامل الطبيعية والنفسيه المؤثره فيها.

🔸فلسفته:

لقد تحرر ابن خلدون من قيود الفلسفة المشّائية، فهو وان كان لم يطبق طريقته التاريخية في تمحيص الاخبار وتحقيقها تطبيقا دقيقا، الا انه برهن كما يقول (باتول) على انه رائد من رواد علم الاجتماع الحديث، لقد ادأراد ان يعلل حوادث التاريخ بطبائع العمران، فساقه هذا التعليل الى النظر في موضوع اخر لا يقل خطورة عن الموضوع الاول ،وهو ما نطلق عليه اليوم اسم 🔸[فلسفه التاريخ]🔸.

فقد تحدث عن ثلاثة أمور مهمة، النقد التاريخي وعلم العمران، الذي قسمه الى العمران البشري والعمران البدوي والعمران الحضري ووجوه المعاش.

(أنت تقرأ مقالة للكاتب زناف حول ابن خلدون)
▪تكلم عن التاريخ وقال، انه خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال، مثل التوحش والتأنس للعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها.
▪تحدث أيضا عن مغالط المؤرخين، فقال إن كثيرا ما يقع المؤرخون في المغالط، لأسباب نفسية او اجتماعية او لجهلهم لقوانين الطبيعة، واحوال العمران، ولذلك وجب على المؤرخ تمحيص الاخبار لتمييز الحق من الباطل والصدق من الكذب فيها، لادأن الغلط والوهم نسيب للاخبار وخليل لها. 
ولان مظنة الكذب هو مطية الهدر، ولان الكذب متطرق للخبر بطبيعته، وله أسباب تقتضيه، وهذا كله يجب على المؤرخ الحقيقي نقد الاخبار لاجتناب الغرض والوهم، وسبيل ذلك معرفة الاسباب الداعية للكذب.

ومن هذه الاسباب التشيّع للآراء والمذاهب، وايضا الثقة بالناقلين، والذهول عن المقاصد، ووهم الصدق والجهل بتطبيق الاحوال على الوقائع، وتقرب الناس لأصحاب الدجلة والمراتب والبثناء والمدح، ومنها الجهل بطبائع الاحوال في العمران وسهولات التجاوز على اللسان، وقياس الماضي على الحاضر قياس مطلقا، فكثيرا ما تكون سببا للوقوع في الوهم والغلط، لان كثيرا ممن اشتهر بالشر..كان في حقيقته بخلاف ذلك.

المؤرخ يجب أن يكون محيطاً بالعمران، ليُمحص الاخبار ويعلل الوقائع.

🔹 العصبية: 
أمّا العصبيه، فهي نزعه طبيعيه في البشر تؤدي الى الاتحاد والالتحام والتعاضد بين أفراد النسب الواحد، وهي ترجع في الاصل الى صلة الرحم، فإن ذوي القربى والارحام لا يزالون يتعاطفون ويلتحمون ويتعاضضون في ادأمورهم حتى يصبحوا شخصا واحدا.

🔸الخلاصة، عن نظرته. في العقل والفلسفة:
يدل منهج ابن خلدون في البحث على انه يتبع طريقة الاستقراء، وهو يتبع طريقة الاستقراء عند ملاحظة ظواهر العمران ،للكشف عن طبائعه المختلفة، وهو يتبع طريقة الاستنتاج عند تطبيق القواعد الكلية في الحوادث الجزئية. وسواءً ان اسلك الطريقة الاولى أو الطريقة الثانية، فهو في استقرائه واستنتاجه في تحليله وتركيبه ونقده مؤمن بقدرة العقل البشري على ادراك الحقائق المتصلة بالحس والتجربة، معتقدا ان لظواهر الطبيعه قوانين عامة تضبطها، وان لاحوال العمران اسبابا تفسر حدوثها، وان الانسان من حيث هو ذو فكر قادر على التوجه الى هذا النظام للكشف عن اسبابه وقوانينه.

▪ ⚫لا شك ان ابن خلدون قد اقتبس كثيرا من اراء الفلاسفة المتقدمين عليه، وإن صرح في مقدمته بان الله قد اطلعه على علم العمران. من غير تعليم ارسطو، ولا افاده موبذان. 
فقد ابطل الفلسفة في مقدمته، وبين فساد منتحلها. 
لكنه لم يقصد بإبطال الفلسفة الا تلك التي امر الخلفاء العباسيون بترجمتها من اللغه اليونانيهدة، وعكف الفلاسفة الاسلاميين على شرحها وتلخيصها.

وقد كان مع ابطال فلسفة المشائين، لانه يعتقد انها مخالفة للدين. فكان موقفه شبيها بموقف الغزالي، فهو لم يهدضم الفلسفة، الا لخوفه من تادأثيرها في اضعاف العقيدة الاسلامية.

رحم الله مفخرة المسلمين.
#عمادالدين_زناف 
المقال 205