المُختصر المُطوّل عن الحجة
ولد أبو حامد الغزالي في بلدة طوس في خراسان (إيران).
وكان أبوه يغزل الصوف ويبيعه في دكان بسوق الصوافين، فقال فريق أنه سمي بالغزالي بتشديد الزاي نسبة الى حرفة والده.
كان والده رجل خير وصلاح، فعندما أحس بأجله، وصى صديقه المتصوف بأن يرعاهما هو وأخوه، ولما نفء كل ما خلفه لهما والدهما من المال، نصحهما الدخول في احدى المدارس التي أسسها الوزير نظام الملك، للحصول على قوتهما. وهكذا انقطع الأخوان الصغيران الى العلم حتى بلغا أحسن المراتب.
انتقل الغزالي الى نيسابور واتصل فيها بأبي المعالي الجُواني الملقب بإمام الحرمين، ولازمه حتى وفاته، تعلم عنده الفقه وعلم الكلام وتعلم الجدل والمنطق وأصولهما وأساليبهما، ثم قرأ شيئا من الفلسفة.
ثم لقيَ الوزير السلجوقي نظام الملك، فأكرمه وبالغ في الإقبال عليه، وكان بحضرة الوزير جماعة من الأفاضل، فجرت بين الغزالي وبينهم عده مناقشات ظهر فيها عليهم، فأعجب به نظام الملك، وتمت تسميته بحجة الإسلام وهو في الثالثة و الثلاثين من سنه، فرأى أن يستعين به في الدفاع عن عقيدة أهل السنة، والرد على الباطنية ببغداد.
اتسعت سعة حلقاته حتى لقب بإمام العراق، فكلفه الخليفة العباسي المستظهر بالله الرد على الباطنية التعليمية، بعد أن انتشر شرهم بظهور ابن الصباح. فصنّف في الرد عليهم عدة كتب منها المستظهر ومفصل الخلاف والدرج المرقوم والقسطاس المستقيم.
ومن كتابه الموقد من الضلال، يظهر أنه قد مرّ بأزمة نفسية هيئت له الظروف الملائمة لتفتح براعم شخصيته، فقرأ كتب الفلاسفة وهو منهمك في تدريس 300 طالب في المدرسة النظامية. فأطلعه الله على منتهى علومهم (الفلاسفة) في أقل من سنتين، ثم واظب على التفكير فيها بعد فهمها قريبا من سنتين ط. وعلى اثر ذلك، ألف كتابين للرد عليهم، وهما كتاب مقاصد الفلاسفة وكتاب تهافت الفلاسفة.
كتاب مقاصد الفلاسفة.
فقد الفه الغزالي للبرهان على أنه محيط بمذهب الفارابي وابن سينا ومنهجهم في الطبيعيات والآلهيات تمهيدا للرد عليهما، وقد حكى لنا قصة هذا الكتاب فقال، إن الوقوف على فساد المذاهب قبل الإحاطة بمداركها محال، بل هو رمي في العناية والضلال، لذلك رأيت أن أقدم على بيان تهاود مقاصدهم في علومهم المنطقية والطبيعية والإلهية.
واما كتاب تهافت الفلاسفة، فقد ضمنه للرد على الفلاسفة، حتى ظهر للناس أن نقده قد وجه الى الفلسفة ضرب قاسية، لم تقم لها بعدها قائمه، والواقع غير هذا، لأن نقده لم ينل الا من الفارابي وابن سينا.
وما انجز الغزالي تأليف هذين كتابين حتى أعذرته أزمة داخلية، غيرت مجرى حياته، فقد شلت نشاطه.
فقرر اعتزال العمل وترك الاهل والولد، مضحيا بكل شيء في سبيل البحث عن الاطمئنان الداخلي.
وفي كتاب المنقذ من الضلال، وصف وصفا مؤثرا لهذه الحالة الداخلية، التي جعلته يتخلى عن منصبه في المدرسة النظامية. بالرغم من تمسك الولاة به. حيث قال؛ ثم لاحظت أحوالي، فإذا انا منغمس في العلائق وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي وأحسنها التدريس والتعليم، فإذا أنا مقبل فيها على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق الآخرة.
ثم عاد بعد مدة الى التدريس في نيسابور، الّا أن إقامته لم تمتد الا سنتين عاد بعدهما الى طوس على إثر مصرع فخر الملك بنُ نظام الملك، وهناك في طوس أنشأ زاوية للمتصوفين، ومدرسة لطلاب الفقه، وانقطع خلال السنوات الأخيرة من حياته الى العبادة ومجالسة أرباب القلوب، وأهل الحديث، وكان ضعيفاً فيه، فمات وهو يتعلّمه.
فلسفه الغزالي؛
إن الاثر العميق الذي تركه الغزالي في تاريخ الفكر الإسلامي، يرجع في الدرجة الاولى الى انه لم يكتف كعلماء الكلام باقتباس بعض المسائل الفلسفية او نقدها والرد عليها بالحمل، بل رفع معاول الهدم، وادّعى لنفسه تقويض أركان الفلسفة كلها.
ولم يكن الغزالي متكلما من طبقه أبو الحسن الأشعري، ولا فيلسوفا من طبقه الفارابي وابن سينا، ولا متصوفا كالمحاسب والجنيد السالك، بل كان ذا مذهب فلسفي خاص تميز فيه بالبحث عن اليقين بطريق المعرفة الداخلية.
والفرق بينه وبين المعتزلة وعلماء الكلام والفلاسفة كبير جدا، لم ينسج على منوال بعض المعتزلة في التوفيق بين النقل والعقل، ولا على منوال علماء الكلام في الدفاع عن العقيدة الدينية بالاستنباط الى الحقائق والشواهد العلمية، ولا قلّد الفلاسفة في اصولهم الطبيعية والإلهية، بل بالجواز لذلك كله ادإلى طريقة الكشف الباطني. الغزالي هو المفكر الاسلامي الوحيد الذي انتهج لنفسه طريقا خاصا في التفكير.
يقول الغزالي في تحديد موقفه، ( ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعته كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما أردت ان أصنف، فصادفته علما وافيا بمقصودي غير واف بمقصودي، انما المقصود منه عقيدة تهل السنة وحراستها عن تشويش اهل البدعة)، فيقول ان الغرض من علم الكلام اذا هو الدفاع عن حياض الاسلام بالرد على المبتدعة، وهذا قريب من قول الفارابي،( ان الكلام صناعة يقتدر بها الانسان عن نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها من الأقاويل).
قول الغزالي في العقل كان مختلفا عن رأي المعتزلة والفلاسفة لأنه لم يبن المعرفة على العقل وحده.
ويرى الغزال ان الفلاسفة وغيرهم من اهل النظر اقتصروا في تحصيل المعرفة على طريق الاستدلال والتعلم، والعلم الحاصل في النفس بطريق السمع او بطريق المشاهدة الباطنية، فهم يفنون انفسهم في تجريد المعاني الكلية من الكيفيات الجزئية، جاهلين ان هذه المعاني اقل من أن تستنفد ما تشعر به نفوسنا، ولكن احباب الله يبالغون في الرياضة والمجاهدة إلى درجة يتلقون معها علما لدنيا، لا يطّلع عليه العلماء الا بالاستنباط العقلي، ولا يرتقي الى ذلك المقام الا القليل من الناس.
في تهافت الفلاسفة.
اطلع الغزالي على كتب الفلاسفة حتى وقف على منتهى علومهم، فوجدهم ينقسمون الى ثلاثة، الدهريون والطبيعيون والالهيون.
قال، وقد رد الإلهيون على الدهريين والطبيعيين ورد ارسطو على غيره من الالهيين، ولكنه استبقى من آرائهم اشياء كثيرة، قلده فيها الفارابي وابن سينا، فوقعا فيما وقع فيه الأوائل من الخطأ والضلال.
قسم المسألة الى إبطال قدم العالم، وإبطال مذهبهم في ابدية العالم، وبيان تلبيسهم في قولهم ان الله صانع العالم وان العالم صَنَعه.
يقول الغزالي بان الله مريد، وكيف لا يكون مريدا وكل فعل صدر منه أمكن ان يصدر منه ضده، وهو مدبر للحادثات فلا يجري في الملك والملكوت قليل او كثير الا بأمره، له السلطان والقهر والخلق والامر والسماوات مطويات بيمينه ولا يعذب عن قدرته تصاريف الامور ولا تحصى مقدراته.
أما عن كلامه في الزهد، فقلنا ان العلم المبني على الالهام يحصل في النفس الا بتطهير القلب وتصفيته بالعزلة والزهد وهو العلم الحقيقي الذي يزيد صاحبه خشيه وخوفا وثوب وصبرا ورجاء ولكن ما هو الزهد، وفين هو تركما شغلك عن الله او ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا بحيث لا يفرح الزاهد بشيء منها ولا يحزن على فقده.
والغرض من الزهد تحقيق الكمال الاخلاقي.
قوله عن الشك، اول ما يسر انتباهنا في حياه الغزالي تعطشه الى ادراك الحقيقة فهو يشبه اضطراب الفرق واختلاف المذاهب في زمانه ببحر عميق غرق فيه الاكثرون، واذا كان قد عزم على اقتحام لجه هذا البحر العميق والتوغل في ظلمته فمارض ذلك الى الطبيعي في نفسه، ولا يشترط الغزالي الحق ان يكون معقولا بنفسه فحسب بل يشترط فيه ايضا ان يكون موافقا للكتاب والسنه ولذلك كان حدثه البطن مقيدا بالعقيدة الدينية ولذلك ايضا انقسمت المعرفة عنده الى قسمين معرفه حسيه ومعرفه صوفيه في العقل والتجربة اساس المعرفة الحسيه عمل المعرفة الصوفية فأسسها الكشف الباطني.
وعن الفرق قال، تنحصر الفرق الى المتكلمين والباطنية والفلاسفة والصوفية.
اما المتكلمين علمهم غير وافي بمقصودة لان علماء الكلام يتساندون في الرد على اهل البدع الى مقدمات يتسلمونها من خصومهم.
أما المنطق فلا علاقه له بالدين حتى يتحدى وينكر، الا ان أصحاب المنطق عندما انتهوا الى المقاصد الدينية، لم يتمكنوا من الوفاء بشروط البرهان بل تساهلوا فيها غاية التساهل.
ان الغزالي كان مفكرا متنوع الجوانب، ثمن نشاطه بحقول مختلفة، من منطق وجدل وفقه وكلام وفلسفة وتصوف ومع انه لم يكن فيلسوفا كالفارابي وابن سينا ولا متكلما كالأشعري ولا فقيها كالحارس المحاسبي وابي طالب المكي، الا انه اقتبس من هؤلاء جميعا كثيرا من العناصر وحاول ان يعطي كل شيء حقه، واعظم ما تتميز به فلسفته استنباطها من الدين ذوقا باطنيا لا مجرد احكام شرعيه او عقائد كلامية.
رحم الله حجة الإسلام.
المقال 209
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق