الجمعة، 29 أكتوبر 2021

الشك واليقين، فيتغنشتاين


ما زلتُ أكتُب عن الأمور التي لا تُثيرُ الفُضول، وأنا سعيدٌ بهذا.  حديثي اليوم عن واحد من أكبر فلاسفة القرن العشرين، لودفيك فيتغنشتاين، لا يعرفهُ الكثيرون، وهذا أحسن بكثير من معرفةٍ مُزيّفة! ، في الحقيقة، إذا كانت الفلسفة صعبة، فإن لودفيك جزءٌ لا يتجزّأ من هذه الصعوبة بحقّ. كان النمساوي متخصّصاً في فلسفة اللغة! ولا أعلمُ له ترجمة بالعربية إلا كتاب «تحقيقات فلسفية»، ولستُ مستعداً لمطالعته، لخوفي الشديد من جودة الترجمة، فقد قرأت له بالفرنسية واكتفيت بها. مواضيعه تحوم حول اللغة كما ذكرت، ولكن أيضاً في الشك واليقين!، كنتُ أظنّ أن نظرته للشك واليقين في كتابه de la certitude لن تختلف كثيراً عن نظرة الغزالي، وديكارت، وهيوم. إلا أنني وجدتُ له نظرةً جديدة للمَفهوم. يقولُ «كلُ إنسانٍ لهُ عقلٌ ”أولا”، ثم يُضاف إليه مُعتقد ”ثانيا“»، «أعتقد أن هُناك نهرا في أستراليا، أن هؤلاء هُم أبواي، هذا ما اعتقد، لكن لم أعبر ولم أفكر يوماً في هذا اليقين، وحتى التفكير في حقيقة هذا، لم يتم التفكير فيها.»، «الطفل يتعلّم بتصديقه للرّاشد»، «الشّك يأتي بعد الإعتقاد»، «تعلمتُ عدة أمور، قبلت بهم عن ثقة، عن تحكّم ورقابة إنسانية، ومع مرور التجارب الشخصية، كثيرٌ منها تأكدت، وأخرى بطلت.»، « ما يصدر عن الكتب المدرسية، مثل كتب الجغرافيا، لا أصدق به، لماذا؟، أقول، كل هذه الوقائع تم تأكيدها مئات المرات، كيف أعرف؟، من أي شواهد آخذ؟، لدي صورة للعالم.. هل هي حقيقية أم مزيفة؟، هي قبل كل شيء تفاعلات، كل ما أبحث عنه هو أن؛ ليس كل ما قيل عرضة للتوثيق والتأكيد.» «هل هناك أحدٌ ليتحقق من بقاء هذه الطاولة التي هنا، في مكانها، عندما يغفل عنها الجميع؟» «نقرأ عن بطولات نابليون، لكن هل نتحقق من ذلك؟ لا، قد يكون كل ما ذُكر هو اختلاق وكذب، أو شيء من هذا القبيل، حتى لو تحققنا، فنحن نتحقق من الذي لا نتحقق منه عادة».
«هل الأجهزة التي أراها، موجودةٌ حقاً؟» «التحقق، اليس هذا مصطلح؟» «طفل يخبر الآخر؛ أعلم أن الأرض قديمة، وهذا يعني؛ تعلمتُ هذه المقولة». «الصعوبة، أن ندرك غياب الأسس لمعتقداتنا».
هذه لمسات فقط من كتابه،قد يعتقد البعض أنها فلسفة فارغة، من يعرف الفلسفة حق المعرفة، يدرك أن الظاهر من الأمثلة غير مُراد بالمرّة، إنما المعاني هي الأساس، فهو لا يريد منك أن تشكك في وجود الطاولة، ولا أن تثبت وجودها، لا معنى للطاولة في ذاتها، المعنى كله في نظرتك للطاولة، كرمزية للمعلومات التي تستقبلها، وللتجارب التي تخوضها.
من يحسن الفرنسية، أنصحه بكتاب de la certitude، سيسبح في دوامة لطيفة. 
بعد أن تكمله، عُد إلى «المنقذ من الضلال» للغزالي، وسوف تجد بناء مفاهيمي عبقري في قضية الشك، وكيف يزول الشك بنور الله، وليس بالماديات! ثم انتقل الى ديكارت، ودافيد هيوم، لترى كيف تطور هذا المفهوم، وتلحظ أيضاً كثيرا من التناقض! 

#عمادالدين_زناف 
المقال 229
..

المصادرة على المطلوب


مُغالطات منطقية -غير واضحة المعالم- في كلام من ينتسبون إلى الثقافة؛ تابع المنشور لتُسقطهم بالحجج.

 المُصادرة على المَطلوب.

يَعتمد المُتكلّم المُطاع، أي من لهُ آذانٌ صاغية، على أسهَل الطُّرُق لاقناع القارئ، أو المُستمع، دون الحاجة إلى ابراز المراجع التي يعتمدُ عليها، ولا حتى محاولة اقناعهم أن الأمر يحتاج بحثاً.  ينطلقُ المُتحدّث في موضوعه بعمليّة -من لحيته بخّر له- أي، الموضوع يبرّر نفسه! والموضوع مرجعُ نفسه! سأعطيكم مثالاً سهلاً، سأقولُ لكم أنني شاهدتُ صحنا فضائياً فوق منزلي، وبما أنني لا أكذب عادةً، فأنا إذن أقول الحقيقة. يجعلُ المتكلّم هنا الحجّة من ذاته، بطريقة أخرى، هو المرجع التوحد للمعلومة. مثالٌ ثانٍ، قرّرت المؤسسةُ تعويض اللغة الفرنسية بالإنجليزية، ويبرّرُ مديرها الأمر قائلاً، من الصواب أن نستعمل الإنجليزية عِوض اللغة الفرنسية السيئة. العملية هنا أيضاً تلخّصت في التبرير من الفعل نفسه، وليس لسببٍ عِلميّ! وهذا ليس بربع حُجة، بل اعتمد على الخلفية الجماهرية التي تقبل هذا الفعل، و كان الأوجه أن يقول، غيّرناها لحاجتنا الماسة للتعامل بلغة العلم. مثالٌ آخر، الزيت يطفو فوق الماء، والحجة؛ كل ما هو مثل الزيت لا يمكن أن يكون تحت الماء!، وهذا مصادرة على المطلوب بشكل سخيف، لأنك تصف العملية، ولا تشرحها، ولكن المتحدث يوهم الشرح! رغم أن الحجة تكون بقول أن الزيت أخفّ من الماء. يقول عالمٍ ما، كتبت هذا، وأنا أعلمُ ماذا أكتب. هذه الحجة رائجة جداً، وناجحة، لأن القائل يعتمد على جماهريّته، ومكانته، كحجّة دامغة على الصواب، لكنه حجته سخيفة، وهي مصادرة على المطلوب.
مثال أخير، في صحرائنا أفناكٌ نادرة، لا يجب أن نتركها عُرضة للصيد!، لأنا تُمثل الجزائر. المصادرة هنا مخفية، وهو ربط المنع بأقل الحجج صلابةً، وترك الحجة الأولى كالحفاظ على الحيوان، أو حماية التوازن الطبيعي. 

فاحذروا المتسولين من ”المثقفين“.

#عمادالدين_زناف

الخميس، 28 أكتوبر 2021

آرسطو Metaverse



الفراعنة، آرسطو، الروايات.. هكذا يصنع الإنسان مستقبله.
تـابع 🔱

[ميتا] ”المشروع الفرعوني“ الذي أطلقه مارك زوكربرغ.
لن تحمل شركته اسمه الأصلي مجدداً، بل ستحمل اسم ميتافرس، الهوية الجديدة التي تستعمل تكنولوجيا التخاطر او التنقل الإفتراضي..

⚛ما المقصود بـ "ميتافيرس"؟ [تفكيك]
باختصار، هي طريقة تمكنك من الوصول إلى العالم المادي عبر الإنترنت، وهذا عن طريق التشكل بصورة رمزية تحاكيك.
مصطلح metavers، أو meta-universe، يعني حرفيا «ما وراء الكون»، لذلك سُمي بالفِرعوني، فقد كان لهم السبق -أي الفراعنة- في هذه التصورات، وهي إشراك الجسد والعواطف والأحاسيس الحية، دون التواجد فعلياً.

♻ من المفترض أن تسمح الشاشات، والصور المجسمة، والسماعات الافتراضية، والنظارات المختصة بالواقع المعزز او المُطوّر، بالحركات المتسلسلة، بالتنقل عن بعد، افتراضياً.
هو  «الإنترنت المتجسد»، انترنت ملموس، حيث يصبح المرء مُمَثلاً ومُمَثِلاً للتجارب والأفعال، في عالم افتراضي. بدلاً من أن يكون مجرد مراقب أو مستهلك للمحتوى عن بعد.
نشأ مصطلح "metaverse" من رواية تعيسة من التسعينيات، إلا أن كتاب «The Virtual Samura» ، الذي كتبه نيل ستيفنسون، حمل تعريفًا مختلفًا ولافتا. 
فقد ظهرت  على مستخدمي "metaverse" في القصة، فيروسات كمبيوتر حقيقية، تصيب أدمغتهم مباشرة.

🌠 انتقل هذا المفهوم من التخويف الى فكرة مطورة، فقد استثمرت الشركات الرقمية الكبيرة مبالغ ضخمة في مشاريع وتقنيات مناسبة لبناء «ميتافيرس» ، مثل الواقع الافتراضي (VR) أو الواقع المطوّر ( AR).

⛔ أول شكل من أشكال كلمة "ميتا" me-ta، استُخدم في اللغة لتشكيل مفهوم عكسي من كلمة «ميتافيزيقيا». في الأصل ، كانت الميتافيزيقيا مجرد عنوان  لواحد من الأعمال الرئيسية لأرسطو!حتى ان الكتاب اللاتينيين أساؤوا تفسير هذا، على أنه يستلزم أن الميتافيزيقيا تشكل «علم ما هو أبعد من الماديات». إن ميتافيزيقيا أرسطو تفصح عن اعتبارات الطبيعة، فوق الحقائق المادية، والتي يمكن للمرء أن يفحصها من خلال هذا الجزء الخاص من الفلسفة الآرسطية العجيبة.

⚠ ميتافيرس أدبيا!
في رواية الخيال العلمي، التي صدرت عام 2011 من تأليف إرنست كلاين، صور عالم 2045 محاصرًا بأزمة طاقة واحتباس حراري، مما تسبب في مشاكل اجتماعية واسعة النطاق وركود اقتصادي. وقد كان metaverse أو ما يسمى OASIS هو منفذهم الوحيد، يتم الوصول إليه باستخدام سماعة رأس VR وقفازات سلكية.
صدر تكملة للرواية في عام 2020.
تم إصدار فيلم مقتبس من إخراج ستيفن سبيلبرغ في عام 2018.

#عمادالدين_زناف  #ميتا #ميتا_فيسبوك  #ميتافيرس #فيسبوك #Metaverse  #meta  #facebookpost 
المقال 228

الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

الشَّفقُ في أعينِ البُومِ، كتابي الثالثُ



عن {الشَّفَقُ فِي أعْيُنِ البُومِ}
بين ما أتعهّد به، والذي أتركهُ لحُكم القارئ.

لكلّ من ستقع بين يديه نُسخة من كتاب الشفق، وعند تصفحه ابتداءً من باب الفكر، وهو باب من الأبواب الأربعة التي صنًفتها في الكتاب ، سيفهم كيف تكون أسس تصويب العقل نحو التفكير السليم والمنطقي والمشروط لكل ما يحوم من حوله، وكيفية التعامل مع كل معلومة يستقبلها، علمية أو تاريخية، وكيف يتخلّص بين ذلك من المعيقات.
سوف يستفيد من هذا -ان شاء الله- كثيرٌ من الطلبة، وكذا الكتاب الجُدد، وصنّاع المحتوى الثقافي، وكل من يريدون دخول عالم الفكر الواسع بكل تفرعاته، وللقُرّاء النجباء. هو ليس عبارة عن تدريس بيداغوجي، إنما هو -توطئة- في تأسيس المسلك الفكري المنطقي.
في باب الفلسفة، سوف يجد القارئ تبسيطاً طازجاً لبعض الأفكار الفلسفية، خاصة منها النيتشاوية وغيرها، والذي يحمل في طيّاته نقداً لأمور لا تواطئ ما نحتاجه، وتأييداٌ -بتوضيح الضوابط- لأخرى، وكذا وضع مقارنات بين المدارس، واستخلاص ما يمكن فهمه منهم بسهولة، وتعريف ما يكاد لا يُذكر منها.
أما عند باب العلوم والشخصيات، فسوف تسبحون في فضاء الأرقام والكون والحيوان والتفاعلات بين الفن والانسان، بين الانسان والحيوان، أسرار الليل والمواقيت والتلاعبات وغيرها، وكذا عصير فكر بعض ممن أحبُّ كتبهم وتاريخهم! 

لمَ كل هذا؟؛ لفكّ شيفرة في عقولنا، أسميها -تهكير لعقولنا- كي نُصبح متنوّرين فكرياً ومنهجياً وفعًالين، معتمدين على أسس صلبة، وليس على تزيين الكلم. 

أما ما هو حكمٌ للقارئ، فهو أسلوب النصوص، وكذا المحتوى بما فيه؛ المواضيع المختارة، اللغة، السرد، مراجعة المصادر التي أطرحها، وكذا مناقشة ما يرونه غير صائب ،أو تأييداً لما يرونه عين الصواب.

والله يوفقنا لما فيه الخير. 
02:46

 للحجز؛ مراسلة الموزعة عائشة هديبل . 
عبر الفايسبوك. 

#عمادالدين_زناف
#الشفق_في_أعين_البوم
#تعميم_علمي

عالمٌ من صلبِ طاغية






 ومن الشخصيات، اخترت لكم خالد الخيميائي!

هو خالدٌ بن يزيد بن مُعاوية، أخ معاوية بن يزيد، ثالث ملوك الدولة الأموية بعد هلاكِ والدهِ، ولم تجاوز فترة حُكم معاوية الثاني إلا شهرين، ولم يُولّي ولم يعهد الملك بعدهُ لأحدٍ، وخطب خطبتهُ الشهيرة يذمُّ فيها أباه وما أحدثه.

وقد كانا [معاوية وخالد] أتقى وأرشد من أبيهما كثيراً، بحيث تنازل معاوية الثاني عن المُلك، بينما ترك خالد الخلاف عن ذلك المنصب بين مروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه. وعندما تمّت الغلبة لمروان، تعهّد أن يكون خالداً هو الملك من بعده، لكنّ خالداً لم يلتفت كثيراً لهاذا، وقد آثر التفرّغ تماما لميدان العلم، وبالضبط علم الكيمياء! الذي هاجر يتتلمذ فيه عند الأقباط، وعند كل من يملك علماً في المجال.

اهتم خالد بالترجمة وتصنيف الكتب والرسائل كثيرا، وقد كانت له أولى الترجمات في مقالات النجوم والفلك والطب والفيزياء والفلسفة من الإغريقية إلى العربية، وقد تبحّر فيهم جميعا، إلى أن أصبح يلقًب بعالم قُريش والعرب! وقد اخذ منه الكيمياء جابر بن حيان وكذا الإمام الجليل جعفر الصادق رضي الله.  

فتُرجمت كتبه ورسائله إلى اللغة اللاتينيية وانتشرت في أنحاء أوروبا بين الخيميائيين. 

وقد ذكره غيرُ مؤرخٍ بالصلاح والتقوى، والحكمة والعلوم، مثل الزهري، وابن خلكان، والحافظ الذهبي، وابو الفرج الأصفهاني. عُرف كذلك بالشعر والقصائد، أشهرها القصيدة الكيمائية.

فليتَ شعري.. كيفَ تركَ خالدٌ المُلك والحاشيات والجواري، وما عُرف عن أباه والمروانيين من بعده يكشف حجم الثراء الفاحش، لكنه اختار طلب العلم، في وقتٍ لم يكن فيه طلب العلم موضة العرب! ولم يتصدّروا له سوى مع قيام الحكم المأموني العباسي، ولم ببخلوا خالداً حقه، فقد ترجموا له الكبار كالجاحظ.

تبقى شخصية خالد جد ثانوية، وقد عُرض بشكل ضعيف في مسلسل الحجاج بن يوسف، رغم شجاعته في الحوار معه.
لكن يبقى وأنه هو من فتح باب العلوم عند العرب، الذين لم يكونوا مهتمين الا بالشعر والحروب.

#عمادالدين_زناف 
المقال موجز لكي تسهل القراءة.

الأربعاء، 13 أكتوبر 2021

الجذب.. وعلوم الهرطقة



المنطق الكوني والعلوم الزائفة.. قانون الجذب مثالاً.
مقال مفصّل.

يستطيع الإنسان أن يفسّر كثيرا من الأمور علمياً وتجريبياً، أو، يؤمن بها غيباً، وتظهر له حقيقتها بإشارات عديدة متفرقة.
يقول كارل بوبر، الأطروحة غير القابلة للتجريب، للدحض والإثبات، لا ترقى لأن تكون نظرية علمية، وما يعطي الأحقية للنظريات هو قدرتها على التكرار والعاودة، 
وتتيح للباحث بأن يفككها.
هناك خُزعبلات عديدة تُقحم في العلوم، تسمى بقانون الجذب والطاقة والشاكرا، يريدون أن يجعلونها علماً لمجرد حدوث بعض الخوارق لأشخاص معينين.
أولا؛ درس أبي حامد الغزالي هذا الحيّز بذكاء مبعر، بحيث يقول نفس ما يقوله علماء الفيزياء، بأن كثير من المواد في هذا العالم تبقى محبوسة فيه، تتغير وتأخذ شكلا آخراً، فإذا كان يعتقد الناس بأنها خوارق، فهذا لقصر معرفتهم بالطبيعة، يقول؛ إن تغير الشعور بحر النار إلى برد وسلام، خوارق على تمس عادة الطبيعة وليس منطق الطبيعة، فإذا اختفت الجاذبية، أو تغيرت طريقة تفاعل الأوزان في منطقة معينة على الارض، فهذا يعد ظاهرة داخل الكون، وليس ظاهرة خارجه، ما المقصود؟
خلق الله الكون وجعل له مسار دقيق، ومع تقدم علوم الإنسان، اكتشفوا بعضاً من صيرورة هذا النظام المعقد، بطريقة رياضية، فلا شك ولا ريب عند كل البشر، من آدم إلى اليوم، أن الكون مبني على نظام 1+1 يساوي 2، ولا يجادل في هذا إلا أحمق. هذا نظام الكون، أي قلبه النابض لأبصارنا.
فإذا أردت أن تفترض أن في الكون خوارق بقول أن النار لم تحرق فلاناً، وأن فلاناً مشى فوق الماء، وآخر استطاع أن يسمع ما يقال في قارة أخرى، نجيب أنها لم تغير أسس نظام الكون الرياضية، وأن تداخل العوالم [كالسحر والمس] الذي يجعلك ترى وتشعر وتفكر بطرق غريبة، أو آيات الله في صورة الكرامات لبعض الناس، أو تلك الآيات التي ارسلها للرسل عليهم صلوات الله، قد تسبب في حدوث كسر لصيرورة وسيرورة ما اعتاد الناس على مشاهدته، ولا يعد شيئا جديدا على الكون ذاته، الذي خلقه الله ولا يعرف الانسان منه الا ما أدركه، ولا يقاس الصانع بما صنع فهو فعال لما يريد.
السؤال؛ هل حدث وأثبت علمٌ ما أن 1+1=3 ؟ ،  لا يستطيع ساحر ولا أي مخلوق فضائي أن يغير هذه الحسبة الربانية، كل ما في الأمر، أن الانسان لا يعرف عن قدرة ربه الا القليل، وأن هذه الطبيعة لم تعدنا بدوام حالات التفاعل، والمؤمن يدرك أن هناك مخلوقات أخرى كالجن والشياطين تغشي أبصار الناس وتزعزع بصرهم وبصيرتهم، إليك قصة موسى وكيف قال الله أن تلك الحبال [صُوّرت لهم] على أنها ثعابين.
هناك من يبتلع العقارب والحجر والرمال والسموم ولا يحدث له شيء، لو كان أمراً علمياً، أي يؤخذ بالتجربة، لاستطعنا التعلم منه طريقة ابتلاع الحجر والعقارب والثعابين دون أن نموت، ولكن هؤلاء خوارق ليسوا يدرجون ضمن علم معين. 
كذلك من يأتينا بأفكار الشاكرا والجذب وما ورثوه من الهندوسيات، لنفترض أنها صحّت، لمَ لا تكرّر لكل من يتعلّم،  حتى السحر، بعد أن يقوم طالب السحر بفعل كل ما يلزم لكي يصبح ساحراً، لن يفلح إلا  إذا سمح له الخالق ليبتلي بعضا من الناس، وكثيراً ما يمنعهم عن عباده! 
العلم الزائف، هو اعتماد بعض الخوارق على أنها تعاد وتكرر بتجارب معينة، الا أن ايات الله تكون باختياره، كراماته باختياره، تغيير تفاعلات المادة باختياره، خروج الأرواح من الأجساد باختياره، نوم الشخص ويقظته من موته الصغير باخاياره.. فعن أي علمٍ يتحدث المتّحدون مع الشياطين هؤلاء! 

#عمادالدين_زناف

الجمعة، 8 أكتوبر 2021

المطوّل عن ابن عربي




مقال مُطوّل، تعقيباً على من عقّب مُفسّراً ومُؤولاً لمقولات مُحيي الدين ابن العربي.
بعدما تكلّمت عن التصوّف، وتاريخه، طُلب مني الحديث عن ابن عربي، والحلاّج. فآثرتُ الحديثُ عن ابن عربي، لما له من أثر عند الكثيرين، وأريد ان أقول قبل البداية في المقال، أنني لستُ أشارع نصوصه دينياً، فأنا لست شيخاً، بل سأحاول التعقيب على من يبرّر بعض الأمور التي لا تُبرّر -من وجهة نظري-، أنا من أنصار الفلسفة، من الفلسفة أن نُفكّك النصوص، ومن الذين يدعون الى أن يتكلّم المُتكلّمُ في مجاله، لأن الذي يخوض في غير مجاله، أو، يجعل كل التخصصات 'شيئا واحداً'، خاصة ونحن نتكلّم عن الدين والفلسفة، فهذا يُشوّشُ كثيراً.
النّص من موقع هنداوي، سأحاول أن أعلّق على كل نصّ.
يقولون: للصوفية اصطلاحات ورموز، ولغة اختُصوا بها، فإذا اختُلف في معانيها، يجب أن ترد إلى أصحابها وأولي العلم بأسرارها. يقول محيي الدين: «اعلم أن أهل الله لم يضعوا الإشارات التي اصطلحوا عليها فيما بينهم لأنفسهم؛ فإنهم يعلمون الحق الصريح في ذلك؛ وإنما وضعوها منعًا للدخيل؛ حتى لا يعرف ما هم فيه؛ شفقةً عليه أن يسمع شيئًا لم يصل إليه، فينكره على أهل الله فيُعاقب.»
*أقول: الصوفية في الأساس هي علمُ السلوك، فقد فصّلت في هذا، فما كان عليه الجُنيد البغدادي، وعبد القادر الجيلاني، والنووي، هو سلوك حسن وذِكر وصلات على النبي وقيام الليل والاستغفار وتعليم الناس دينهم وأحكامه وسنن نبيهم وارشادات الصحابة وأهل البيت، فلم تكن لهم لا لُغة خاصّة، ولا رموزٌ مُعيّنة، واستعمال هاذين اللفظين ليسا من "المصطلح الديني"، بل هو أشبه بالأُحجية والفلسفة التي اعرف شيئاً منها. فيقول مُحي الدين، أن أهل الله وضعوا رموزاً منعاً للدخيل. بصراحة هذه الجملة حيّرتني، لأن الإسلام واضح، وتعاليمه وَجَبَ أن تُنشر دون تجزئة ولا تفرقة ولا مقايضة ولا اشتراط ولا قُربان معيّن، والسؤال أيضاً، لمَ لا يجب أن يُعلمَ ما هُم فيه؟ لو كان الخِطاب بين أهل أرضٍ ومُستعمر ومورِست التقيّة لنَشرِ الدين خِفيةً لُقُنا نعم، هي كذلك الى ان يتغيّر الأمر، اما عن الشّفقة، فلا أر أيضا أين محلّة الشّفقة في رجلٍ يريد أن يتعلّم دينه من أُناس أخذوا السّند عن النبي او صحابته أو أهل بيته، ولا نعرفُ شيئاً يُنكر من الدين الا المُنكر والمُحدث والغريب.
يقولون: قال «إن من أعجب الأشياء في الطريق أن ما من طائفة تحمل علمًا من المنطقيين والنحاة، وأهل الهندسة والحساب والمتكلمين، إلا ولهم اصطلاح لا يعلمه الدخيل فيهم إلا بتوقيف منهم إلا أهل هذا الطريق، فإن المريد الصادق إذا دخل طريقهم وما عنده خبر بما اصطلحوا عليه، وجلس معهم وسمع ما يتكلمون به من الإشارات، فَهِمَ جميع ما تكلموا به، حتى كأنه الواضع لهذه المصطلحات.»
ويقول مجد الدين الفيروز آبادي: «كما أعطى الله الكرامات للأولياء، أعطاهم من العبارات ما يعجز عن فهمه فحول العلماء.»
*أقول : أتّفق أن أهل كل صنعة يعلمون مصطلحاتهم، لكن أليس أهل الإسلام لهم "صنعة" واحدةٌ وجب أن يعلمونها جميعاً، وهي ليست حِكراً على أحدٍ دون أحد؟ لمَ يجِبُ أن تكون مريداً، أي، أن تقوم بأمورٍ مُعيّنة، كي يتمّ قبولك بين المُستمعين، لكي تأخذ شيئا يُقال انه سندٌ عن سَندٍ الى النبي الخاتم، أليسَ هذا عمل عصابة وليس مجلسُ علمٍ؟ وهل يتكلّم المسلمون بالإشارات؟ أما بالنسبة لتعقيب الفيروز آبادي، فهو تعقيب سيّء، لأن الأولياء الحقيقيون، أي الصحابة، لم ينقلوا شيئا لا يَفهمهُ أبسط الناس، فكيف بكبار العُلماء، الا إذا جعل الصحابة أقل شئناً من الذين جاءوا بعدهم بمئات السنين، فصار لكلماتهم أكثر حكمة ديناً ومنطقا وكرامة لم يُكرّم به الصدّيقون، كذلك، اذا كان الإسلام لا يفهمه سوى "فحول العلماء"، فهل نستأمن ديننا من أناس يفكّكون لنا النصوص، كما كانت تفعل الكنيسة في العصور الوسطى، وما يدرينا ان كان قولهم صدقاً، خاصو وانّ منهم من انتهج نهج الحشاشين وجعلوا الدين عصابة ومُلك وسحر واغتيالات، ولا يخلوا عمل من أعمالهم الا بنصّ او حديث يفهمه كما يشاء هو. كذلك، هل أوصى الرسول الأكرم أن يبقى الدين حكرا في الزوايا والخبايا، ولا يًعطى الا بشروط أو بتكرار أمور  لم تَرِد مثل الصلاة التازية؟ انـا هُنا أخاطب العقل ولا اتّهمُ أحدا.  
يقولون  : ويقول محيي الدين: «كثيرًا ما يهبُّ على قلوب العارفين نفحات إلهية، فإن نطقوا بها جهَّلهم مَنْ لا يعلم، وردَّها عليهم أصحاب الأدلة من أهل الظاهر، وغاب عنهم أن الله — تعالى — كما أعطى أولياءه الكرامات، أعطاهم العبارات المعجزة.»
*أقول : مُحقّ لو كان كلامك عن نصوص فلسفية أو شعرية مُشفّرة، فنحن لا نفقه الكثير من المصطلحات الجاهلية، وبذلك نعود الى القاموس أو الفحول اللغويين ليفسّروهم لنا، كذلك نعود لدارسي الفلسفة، لنعلم المقصود من العبارات، لكن نحن أمام نصّين دينيين، القرآن والحديث، فنحن لحاجة –اذا استشكل علينا الأمر- أن نسأل من يبسّط لنا مـا هو أصلا مُيسّر جداً، القرآن والحديث فيه من البلاغة والقوّة ما يجعله يتماشى مع جميع العقول بشكل عام، الا الذي في نفسه خبث يريد أن يقلب المعاني، أو الذي لا يفقه شيئا من اللغة ولا العُرف ولا أي شيء. فالعبارات المُعجزة، هي مُعجزة كما ذكرت، فما حاجتنا للمُعجز من العبارات؟ هل الكرامة شيء مُبين أم مُعجز؟ هل الكرامة تربط العُقد أم تفكّ العُقد..
يقولون :لكل علم من العلوم اصطلاحاته الفنية، ولغته الخاصة؛ فيجب الإحاطة أوَّلًا بلغة التصوف ورموزه، قبل الجحود والإنكار.
يقول محيي الدين: «مَنْ لم يقم بقلبه التصديق لما يسمعه من كلام هذه الطائفة فلا يجالسهم، فإن مجالسهم سُمٌّ قاتل.»
أقول : هل مُجالسة الصحابة سمٌّ قاتل؟ لأنني أجزم أنهم سيفسّرون المُفسّر، ولن يزجروا أحدا. واكرّر، مصطلح "الرموز" لا يليق في كل ما هو دين.
يقولون :يُحَذِّر محيي الدين من سوء الفهم، أو سوء التأويل لكلمات العارفين، الذين أوتوا الكرامات، كما أوتوا الكلمات المعجزة، والرقائق الغالية، والدقائق المشرقة.
وسوء الفهم، وسوء التأويل، هو الذي دفع بالكثير من رجال الفكر إلى مخاصمة محيي الدين والصياح به، والإنكار عليه، ولو ردُّوا ما أنكروه إلى أهله ورجاله، لعرفوا اليقين، ولمسوا النور المبين.
أقول : لم يُنكر أحد من المسلمين على آية واحدة، أو حديث أو قول صحابي الا ما استشكل فيه السّند والمتن، اما اذا صحّا فلا يُنكرِ ما صحّ الا لئيم، فالسؤال، لمَ يُنكرون عليكم ولا يُنكرون على غيركم؟ أليس ربما لأن في كلماتكم معاني لن تجدها في القرآن والحديث؟ أو لأنها تُشبه أقوال غير المسلمين (قصدا أو بدون قصد) ؟ ليس هناك دخان بلا نار، لمَ يجبُ أن تعقّد كلماتك حتى تُصبح معانيك تُفهم بالمعكوس، كيف لي مثلا أن أضيف شيئا جديدا على "لا اله الا الله"، لا استطيع قطعا، فهي كاملة وافية واضحة جليّة، ومن زاد حرفا أو انقص أو قطعها بشيء، فسوف يُخلّ بالمعنى، ولا يلومنّ الا نفسه! فقد يقول أحدنا كلمة لا يُلقي لها بالا، يعني لا يقصدها، فترميه في الجحيم، لنفكّر!
يقولون :ومن تلك المتشابهات في كلام محيي الدين: أنهم نسبوا إليه وحدة الوجود، ونسبوا إليه أنه جعل الحق والخلق شيئًا واحدًا؛ حين قال:
فيحمَدني وأحمَده ..ويعبُدني وأعبُده
يقول الشعراني: «هذا منطق عربي مبين، على نهج الأسلوب القرآني، وعلى صحة نسبة هذا القول إليه، فمعنى يحمدني: أنه يشكرني إذا أطعتُه، كما في قوله — تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. وأما قوله: «ويعبدني وأعبده» أي: يطيعني بإجابته دعائي، كما في قوله — تعالى: لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ أي: لا تطيعوه، وإلا فليس أحد يعبد الشيطان كما يعبد الله — سبحانه.»
*أقول: اما هذه فليس لها مَخرجٌ تماما، لأن الكلام باللغة القرآنية بالتطابق التام، يستوجب ان يضع المخلوق نفسه في مكان الخالق! يعني أن الشعراني جاء ليبرّر تجاوز محيي الدين، فوقع في ما هو أخطر، وأعود وأكرّر، لمـا كل هذا التعقيد في التعبير، اللغة العربية محيط من المعاني فلمَ تُضيّق على نفسك الكلمات، فاما أنت قاصد للمعنى، أو انك تريد أن تُغيض أطرافا –تلاعب بمشاعر من ينكرون عليك-واما لغتك جد ضيّقة وطريقة مزجك للروحانية والفلسفة مع الدين كانت سيّئة.
يقولون :ومن المتشابهات أيضًا عنده، والتي فَسَّرها هو بنفسه، وعلى ضوء هذا التفسير يمكننا أن نمسك بمفتاح محيي الدين، الذي يرشد إلى إدراك حقيقة معانيه وحقيقة ألفاظه، أو حقيقة نهجه الذي تَمَيَّزَ به، كما تَمَيَّزَ كل كاتب بأسلوبه وتراكيبه. قال محيي الدين:
يا مَنْ يراني ولا أراه ..كم ذا أراه ولا يراني
فسأله بعض صحبه لما سمع هذا البيت: كيف تقول: إنه لا يراك وأنت تعلم أنه يراك؟ فقال محيي الدين على البديهة فورًا:
يا مَنْ يراني مجرمًا ..ولا أراه آخذا
كم ذا أراه منعمًا ..ولا يراني لائذا
قال المَقَّري، صاحب نفح الطيب؛ تعقيبًا على هذا القول: «من هذا وشبهه تعلم أن كلام الشيخ — رحمه الله — مؤوَّل وأنه لا يقصد ظاهره؛ وإنما له مَحَامِل تليق به؛ فأحسِن الظن به، بل اعتقد، وللناس في هذا المعنى كلام كثير، والتسليم أولى، والله بكلام أوليائه أعلم.»
أقول : نفس الرد عن سابقه، على ذكر التأويل، وحدهم المعتزلة وبعدهم الأشاعرة والمتوريدية من قبلوا التأويل في القرآن، وانا هنا لست أقر ولا أنكر، كما ذكرت في الأول، لست مشرّعاً. انما تجعل نصّك في حبل التأويل، وان المسلمين فتنتهم كلها بين التأويل والاثبات والتفويض، فهذا تلاعب كبير وخطير، خاصّة وانه كلام في الله، وليس كما ذكرت في الشعر أو الفلسفة، فهما نعم يمكنهم أن يشفروا نصوصهم ونحن نأوّل عنهم ولا نُذنب لان الحديث في البصل والخيم والحب والبهائم.. وليس حديثا في الدين والرّب.
يوقلون :ذلك قول المؤرخ العظيم المَقَّري، صاحب نفح الطيب، في وجوب الفهم والتذوق أوَّلًا، ثم حسن الظن وجمال التسليم؛ لأن لكلام العارفين الكُمَّل محامل تليق به وتليق بهم، ورضوان الله على العارف القائل:
تركنا البحار الزاخرات وراءنا ..فمن أين يدري الناس أين توجهنا
ولقد ذهب خصوم محيي الدين الذين ملئوا الدنيا حوله صياحًا في حياته، ولاحَقوه في تاريخه، ذهبوا وبقي محيي الدين؛ لأن الحق يبقى، وما كان خصومه بالنسبة إليه — كما قيل — بأكبر من ناموسة نفختْ على جبل تريد إزالته، وتذهب الرياح بأمم من الناموس، وتبقى الجبال شوامخ راسيات، يُثَبِّت اللهُ بها الأرض، وينفع بها الناس، وتتدفق منها الكنوز والخيرات.
أقول : ولأنني مسلم ومؤمن ان شاء الله، ومحسن للظن، أقول أن الكلام هذا دُسّ على مُحي الدين ونُسب اليه ان شاء الله، وان كان قد كتبه فعلا، فلربما ذهب عليه عقله، أو قد تاب عليه قبل أن يموت، أو ربما تأويل كل ما قال ليس فيه شبهة الحلول والاتحاد كما هو "واضح"، ولست هنا أتملّق ولا اتراجع عن شيء، انما عُرف عليه أنه مسلم، وأن شبهة الدّس على النصوص واردة، أما نحن، فنحاكم النصوص وليس الأشخاص عينهم، لأننا لا ندري على ماذا ماتوا، تماما مثل الذين نعتدهم شهداء أو أبطالا وهم عند الله ليسوا بشهداء.. وفي التاريخ ليسوا بأبطال.

والسلام عليكم.
المقال 221
#عمادالدين_زناف

اللهم لا تجعلني ظالماً للحق ولا ساكتاً عن الحق.

الخميس، 7 أكتوبر 2021

بلغ السيل الزبى



اشتعلت غضباً.. وبلغ السيل الزبى!

أكثر ما يغضبني من بعض العلماء، هؤلاء الذين يقولون لك ”من أنت لتفهم الغزالي، من أنت لتفهم ابن تيمية، من أنت لتفهم الشيرازي، من أنت لتفهم ابن العربي من أنت ومن أنت..“ ويقولون لك ”هل تعلم أن فقط كلمة {بسم الله} لها سبعة تفسيرات ومعاني“، ويقولون لك ”أنت عامّي لا تستطيع أن تفهم كلام الخاصّة“..
لا والله لست بشيء صحيح، وانا الآن أتكلّم بلسان كل البسطاء والسواد الأعظم من المسلمين،
 يا رجل!
 أليس هذا الدين جاء لكل الناس، ويخاطب جميع العقول، أليس أركانه من اسهل ما قد يفقهه ”العامي“ لكي يستطيع أن يعبد ربه كما يجب.
هل يصحّ أن تقول لرجل ما، يتقن شيئا من لسان العرب، وله مضغة من عقل.. قرأ مخالفات واضحة كالقمر في كبد السماء الصافية، للغزالي على سبيل المثال لا الحصر، وغيره من العلماء، فتُرعبه بقول {هروبا من الإجابة}' أنت لا تفقه شيئاً في:
علوم الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم الرجال، وعلوم اللغة، والمذهب المقارن، والدين المقارن، والنحو والصرف والإعراب والبلاغة والمجاز، والشعر الجاهلي والحديث، ولم تقرأ المجلدات الطوال،  ولم تأخذ السند من العلماء، ولم تتلمذ ولم ولم ولم..  إيش هذا !
إذا هنا حصرت نفسك وحصرت كل المسلمين بأشياء خطيرة جداً وأنت لا تدرك:
أولا؛ إذا لم يقرأ كل مسلم [حوالي 2 مليار] تلك العلوم كلها، فهو بمنطقك غير مسلم، كي لا استعمل مصطلحاً آخراً، لأنه لا يعرف دينه كما يعرفه مجموعة فقط من الناس. ونحن نعلم أن 90% من المسلمين لا يعرفون شيئاً مما ذكرت الا الشيء اليسير جداً، وهم يتّبعون كل منتصب لهذا.. علّه يرشدهم.
ثانيا؛ أنت تحكم على الذين يرون أخطاءً تخالف ما يعرفونه من دينهم، انهم لا يحسنون التفريق بين الخطأ والصحيح، اي أن من لم يتعلم كل تلك التفاصيل، ولم يتخرج بشهادة دكتوراه واجازة، فهو لا يعرف معنى ”بسم الله“ على طريقتك، ولا يعرف معنى "لا إله الا الله " بتفسيرك، اذا هو ليس على ما يظن في الدين، فلا يحق له ان يقول بأن مقولة الحلاج في قوله ”أنه هو الحق سبحانه، اي الحلاج عن نفسه“ انها طامّة مبينة واضحة صريحة، وقول الغزالي أن ”الملائكة منها تفيض الأنوار على الارواح البشرية ولأجلها قد تسمى أربابا ويكون الله تعالى رب الأرباب لذلك“، تريدون أن تجنّنوا الناس؟ وتجعلونهم لا يفهمون ابسط الأمور إلا من خلالكم! وتتهمونهم بالغباء عوض ان تقولوا لهم ؛ نعم هذا خطأ صريح، غفر الله لفلان وفلان. انتهى عصر الكَهنوت!!
أنت تحكم بان 90% من المسلمين ليسوا كذلك، اي ليس مسلمين ولا يفهمون في دينهم شيئاً إذا استنكروا شيئاً يخالف فهمهم الفطري للدين! 
فهل هذا الدين دين فرقتك وشهوتك ومذهبك أم هو دين الله ورسوله ومن اتبعهم بإحسان!
يشهد الله انني قرأت للجميع، ولا أحسب نفسي أنني قد علمت شيئاً، وأنني لا احقد ولا أكره ولا ألعن أحداً، لكن الخطأ خطأ، فقط هذا، لا تخادعوا على الناس .
ثالثا؛ إذا كان الدين يستوجب فهم كل تلك العلوم وقراءة كل هؤلاء العلماء، والقول بأن الخطأ لا يلازمهم، فنحن إذا لسنا على الدين، لأن لا طاقة لنا لكي نستوعب كل هذا!  ولا يكلف الله نفسا الا وسعها، فاذا كانت هذه الأمور ليست اساسية ليعرف الانسان ما له وما عليه من الدين، فيحق له أن يستنكر الأشياء التي تمس الضروريات التي يفهمها في الدين، في حق الله ورسوله وصلاته وصيامه وزكاته وحجه وايمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، دون أن تلزمه بمعرفة التفسيرات السبع لبسم الله الرحمٰن الرحيم،  والقراءات العشر للقرآن، وعلم السند من السلسلة الذهبية الى اثني عشر عنعنة! فقط ليقول: هذا يخالف توحيدي لله سبحانه، او هذا ينقص من قدر نبيي المصطفى!
ولو كان دخول الجنة يوجب ما تتبجحون به لتتسلطوا على الناس، لما دخل غير المسلم الى الجنة دقيقتين قبل وفاته اذا شهد بلا اله الا الله محمد رسول الله مصدقا بها، وهو لم يقدم في حياته للإسلام ركعة واحدة، وكان بوقاً لأشد ما يخالفه!!

فاتقوا الله فينا نحن ”العوام“.

#عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

بين ماكْرون والمآكرون


أريد أن أقف وقفة يسيرة عند تصريحات رئيس فرنسا، التي طعن من خلالها في تاريخ الأمة الجزائرية، ويردّد كما يردّد العامّة والخاصّة عندهم أنهم ”صنعوا“ الجزائر، وأنها كانت مُستعمرة من قبل الأتراك قبلهم، ولو طالت مقالته، لقال أن قبل الأتراك استعمارٌ عربي، وقبلهُ، رومانيّ، وقبله اسكُندينافيّ، وقبله فينيقيّ، وقبله أمازيغيّ، وقبله إنسانيّ، أي أن هذه  المنطقة، لا يجبُ أن يكون لها جذر، هكذا؛ لهوى في نفسه، بلا عِلم ولا مَنطق.
تاريخ الجزائر كدولة قديم، فإذا كان هؤلاء لا يملكون الكلمات المفتاحية اللازمة، إلا التي يحومون حولها في قاموسهم الفقير، نعطيهم بعض الإشارات، يمكنهم البحث عن مملكة نوميديا وملوكها، عاصمتها قسنطينة، أشهر ملوكها ماسينيسا، أشهر شخصياتها يوغرطة، وتاكفاريناس، ثم الملكة ديهيا. قبل قدوم العرب.
 ثم نقولُ لهم إن للجزائر عدة دويلات مُستقلّة عن الحكم الأموي والعباسي، ولكلّ منها ملوك وقصص، نذكر منها: 
الدولة الرُستمية، الدولة الأغلبية أو الفاطمية أو العُبيدية، التي نشأت في مدينة سطيف، قبل أن تنطلق لتونس [المهدية] ومن هناك الى تأسيس الأزهر والقاهرة،  الدولة الزيريّة، الدولة الحماديّة، الدولة الحفصيّة، الدولة المرينيّة،  الدولة الزيانية، إيالة الجزائر التابعة للواء الدولة العثمانية،  [الإستدمار الفرنسي]، قيام الدولة الجزائرية الحديثة. 
هذا ليس منشور تاريخي، إنما عرضٌ سطحي لهذه المنطقة، التي كانت تُدرج تحت إسم المغرب [ من ليبيا للمغرب ] بالنسبة للعرب، ثم المغرب الأوسط مع تقدم الزمن. 
شعب هذه المنطقة ساهم في فتح الأندلس، وكان للأندلسيين صولات وجولات في العلم والادب والفلسفة والفقه، ثم عاد الكثير منهم إلى أحضان هذه المنطقة عند سقوط غرناطة. 
هذا ما يسمى المسح المختصر، لكن، لماذا دولة وصفها شوبنهار بـ: إذا كان للعالم قـ.رود فإن لأوروبا ما يعادلهم بفرنسا. ”يستسهل“ رئيسها الحديث عن تاريخ الجزائر وشعبها، الجواب أبسط مما تعتقدون؛ هذا الشعب لا يحترم بلده، ولا يُريد أن يكون له تاريخ.
نحن أمّة أكرمها الله بالإسلام، وبأعراق مختلفة، منا العرب والأمازيغ والصحراويين والأتراك، وهذا دليل على أن هذه المنطقة عرفت حركات وتحركات حضارية، تنوعت معتقداتها وتنوع حكمها وثقافتها، عوض أن نحتضن هذا التاريخ بكل اختلافاته لنتباهى به، يقوم كل مننا بمحاربة الآخر وهويته وجذوره، ولا يعلم السفهاء أن الضرر يعود على الجزائر ، فهي التي تتآكل من هذه البدائية المنحطة، وإن العدو ليجد من جهلاء القوم ما لا يجده عند الخونة، فيستغلون الفرقة والشقاق، ليقولوا انظروا، لا تاريخ لهم قبل أن نأتي، كذلك تجرّأ الجُرذ عندنا تفرقت القطط..
فلا لوم على الخسيس، فكل إناء بما فيه ينضح، بل اللوم على الذي يقذب بنفسه الى ازقتهم، ويتنكر لدينه، ويتعصب لما يراه ميزة.. بعد ان وحدنا الاسلام.

#عمادالدين_زناف 
المقال 219

الجمعة، 1 أكتوبر 2021

الفيزياء والفلسفة في الأدب



الفلسفة والفيزياء في فنجان الأدب.

قبل أن يصبح علما مُستقلاً قائما بذاته، كان علمُ الفيزياء مندرجا ضمن آليات الفلسفة، على بساطته في فلسفة مآ قبل سقراط، عند فيتاغورتس وطاليس وكزينوفانيس، ثم انتقاله الى وجه آخر، مع الفلسفة الآرسطية، ما يسمى أيضاً بالفيزياء الآرسطية، التي كانت تشمل كُل العلوم الطبيعية، وعلى بدائيّة بعض التصوّرات التي فيها، الا أنها كانت ممهّدة  لاستقلال الكثير من المفاهيم والمصطلحات، والطريق العام نحو قيام العلوم التجريبية بعدها شيئا فشيئا.
 أخذ آرسطو من أفلاطون تقسيمه الشهير للعناصر، ما يسمى العناصر الأربعة الأرضية (نار، ماء، أرض، هواء)، حيق بُنيت على إثر هذا التقسيم العديد من الأطروحات المنطقية والتجريبية، بما كان يتوفّر آنذاك.
 دَرس آرسطو المعادن، ودرس التغيرات المادية، أي التداخلات بين الماء والبخار، وتفاعل النار مع الجماد، والماء مع النار، وانعكس هذا بطريقة مُباشرة على قراءته العامّة للطبيعة، في التفاعلات المادية الحيويّة أوّلاً، ثم على الإنسان والمجتمع، وكل ما يتعلّق بهذا الحقل ثانياً.
 فأصبح يُعرف بالمُعلّم الأوّل، لأنه أوّل من ربط "بتصوّره" التفاعلات الكونية، أي التداخل بين الكائنات الحيّة والطبيعة (المادة) والفلك، للخروج بأفكـار مـَنطقيّة. 
ما هو المنطق؟ هو عمليّة الاستدلال بما هو صحيح الذي يعارض الفطرة والسياق الطبيعي (لذلك هو مَرِن). وما الصّحيح؟ هو الشيء القابل للتجريب لأكثر من مرّة، ويعطي نفس النتيجة (وهذا لا يعني أنه لا يُخترق). ما التجربة؟ هي عمليّة تشتمل على أفعال حسّية تُرى أو تُسمع (أو معنويّة، في الرّوحانيات). 
تأسّس علم الفيزياء بطريقة تدريجيّة، فقد بدأ بالتأمّل، ثم التجارب، ثم تسمية الأشياء وتأصيل المعادلات، ووضع القواعد، وصولا الى فيزياء الكمّ و(نظرية كلّ شيء). كلّ هذه المنهجيّة اعتمدت على المنطق الذي فكّكته آنفاً باختصار شديد. 
فاذا علمنا أن علم الفيزياء من أصحّ وأدقّ العلوم، بحيث يعتمد على المنطق والعقل والحسّ، أي التجربة والحساب وتحديد الوحدات لكل المتفاعلات، بالنانومتر ونيوتن واللتر وسريان الهواء وباسكال وغيرهم، 
فان العمليّة العكسية في الطّرح تُصبح الزاميّة، اذ على المُتكلّم باسم المنطق والكلام، أي بالفلسفة بشكلها العام، أن يَكون مُحيطاً بالقواعد العامّة للفيزياء! لـماذا؟ 
لأن الانسان مُلازم للطبيعة، وهو جزءٌ منها، على انّه أعقل الكائنات، (وهي مسخرة له بمنظورنا الإسلامي الصحيح)، أي هو جزءٌ من التفاعلات الفيزيائية في هذا الكون، فالفيلسوف، ينطلق من قاعدته الطبيعية، جزءٌ منها يتوفّر عليه كل البشر، وتسمى الفطرة، خاصّة في التفاعلات المعنويّة والشعوريّة، والجزء الآخر خـاضع للتجربة، والتجربة هي العلم الصحيح، كما بيّنت. 
وكمثال، إذا شرع الفيلسوف في بسط فكرة مُعيّنة، لنقل أنّها نظريّة اجتماعيّة، وكان مُنطلق هذه النظريّة ان الانسان يمشي فوق الماء، وبنى على هذه الفكرة كل نظريّته، حتّى لو كان ما تلا بعد هذه الصورة الابتدائية، منطقيا ومعقولاً، مثل القول بأن هذا الانسان سيأكل ويشرب ويضحك وهو يترجّل فوق الماء،
فان الضّحك والأكل والشّرب هي معقولاتٌ تجريبية صحيحة، لكن في غير مكانها، تماما مثل الأكل والشرب والضحك في الحلم، فهي عمليّات طبيعية معقولة، وبما أن الانسان يفعلها وهو يطير في الهواء، بلا أجنحة، محاطاً بالوحوش، فهي إذا معقولات في غير موضعها، إذا منطقياً كلّ الفكرة خائطة، ولو كان أكثر من ثلاثة أرباعها صحيحاً. كذلك يمكننا أن نوسّع الأمثلة بقول ان من قال واحد زائد واحد يساوي ثلاثة، أي يُقال "إن شخصاً مع صديقه قد غادرا، وكـان ثلاثتُهم سعداء." أو أن يُقيم أحدهم فكرته على أن الزاوية القائمة درتها واحد وتسعون، وليس تسعون، ثم يتوسّع من هذه الفكرة، فحتى لو كتب ألف صفحة، وكل ورقة تحمل معلومات صحيحة، فان اكل لكتاب يلقى في القمامة، لأنه خالف المنطق.
فعلى المؤلّف بشكل عام، أن يدرس المعقولات والعلوم التجريبية، ويُقيم على إثرها فكرته الاجتماعية، لأن الانسان كما ذكرت، جزء من كل هذه الهندسة والرياضيات والتفاعلات الفيزيائية، ومن خلالها يُنتج فكرا معنويا وأخلاقيا، ومن هذا الإنتاج الفكري، يصنع حضارته المادّية، وبين هذا وذاك، سيكون مؤلّفا أديبا من الطّراز الأوّل، لأنه لن يترك وراءه ثغرة تعيبه فكريا.

المقال 218.
#عمادالدين_زناف