الجمعة، 30 يونيو 2023

فيلم صادم! The Truman show

سأضعه ضمن أحسن 5 أفلام شاهدتها في حياتي كلها..
فيلم the truman show- 1998

مباشرة بعد مشاهدتي لفيلمه الكوميدي ”كاذب، كاذب! Liar,liar!“ شرعت في مشاهدة فيلمٍ آخر لم أكن أعرف عنه سوى هذه الصورة، كنت أعتقد أنه فيلم كوميدي لأنني لم أقرأ أي شيء عنه، حتى صدمني محتواه الفلسفي.

جيم كاري من أكثر الممثلين عبقرية في الآداء، معروف عنه حسه الفكاهي الكبير، لكنه في الآن ذاته يمكنه أن يبكيك في لحظة درامية عميقة. الحديث هنا ليس عن الممثل في ذاته بل عن فيلمه the truman show،  فيلم درامي؟ خيال علمي؟ حقيقي؟ علم نفس وفلسفة؟ أم فيلم رعب ببساطة؟!. أعتقد أن هذا الفيلم جمع كل تلك الأنواع السينمائية، لأنه مدجج بالغرابة خاصة في بداياته، إذا لا يمكنك أن تفهم ما الذي يحدث بالضبط خاصة إذا شرعت في مشاهدته مباشرة دون أن تقرأ عنه شيئا أو أن تشاهد له ملخصا. في البداية ستظن أنه فيلم يتحدث عن فترة زمنية تشبع العشرينات في هوليود، لأن الديكور مجمّل بشكل مبالغ فيه..، ومع تقدم الأحداث سيراودك شعور بالقلق وعدم الإرتياح من محيط الشاب ترومان، ومع تفاقم تلك الأشياء الغربية ستعتقد لوهلة أن البطل مصاب بما سمي لاحقا( بعد الفيلم ) بـ ( متلازمة ترومان ) أي اعتقاد الشخص أنه مراقب.  لكن رويدا رويدا، سيتحقق هذا فعلا إذ أنه سيكتشف أنه محاط بمثثلين وليس أناس عاديين، وأنه يعيش ضمن مدينة مصنّعة بالكامل كاستوديو.. والصادم أكثر أن ترومان هو بطل هذه الحصة ( ذا ترومان شو) منذ ولادته! أي أنه إنسان ولد وتترعرع وكبر ضمن ضمن استدويو تصويري مراقب، وضمن حصة مباشرة يشاهدها كل العالم 24ساعة على 24! 

صدمتي وصدمة من شاهد الفيلم لن تزول بسهولة، لأن السيناريو ذهب إلى أبعد من هذا، إذ أن بطلنا اكتشف أخيرا أنه مراقب، وأن محيطه محيط غير طبيعي بالمرّة.. فبدأ يحاول الرحيل إلى جزر بعيدة، أو إلى ولايات مجاورة، وفي كل مرة تحدث مشكلة تمنعه من السفر! فزادت هواجسه كثيرا واصبح مثل المجنون لا يعلم حقيقة ما يحدث..  كان ترومان يعاني من رهاب المياه، إذ أن الذي صنع هذه المدينة والحصة، جعل الطفل ترومان يعيش حادثة غرق أبيه في الماء، وبالتالي سيكون من الصعب أن يركب القارب لاحقا!
لكن ترومان تحدا رهابه وتحايل على الكامرات وراح يبتاع قاربا في ليلة مُصطنعة، مصطنعةٌ مثل القمر والشمس داخل ذلك الأستوديو الضخم جدا!  يحددون متى يكون الليل والنهار بإضاءة عالية جدا.

وهو كذلك..غضب صانع تلك المدينة وشعر أن ترومان بدأ يخرج عن سيطرته، فراح يسبب له العواصف والرعود في ذلك البحر، لكن ترومان لم يتوقف عن الإبحار باحثا عن مكان بعيد عن تلك المدينة، إلى أن استسلم ذلك الصانع وفريقه، فتركوا ترومان يواصل ابحاره حتى جاءت صدمة لم يتوقعها أحد من المشاهدين! إذ أن ترومان وصل إلى ”نهاية الأرض“ وراح يلمس قبتها التي تلامس الأرض بالسماء (وهي نظرية من نظريات أصحاب الأرض المسطحة)، فنزل ترومان من قاربه.. فوجد أدراجا في قمتهم باب مكتوب فيها ”خروج“.. 

أعتقد أنه من أعظم الأفلام الفلسفية على الإطلاق.

المقال 361
#عمادالدين_زناف

الخميس، 29 يونيو 2023

تأثير دانينغ وكروغر، فرط الثقة بالنفس

يقال أن ”من يملكون علما أقل، يحسبون أنهم أعلم!“ هؤلاء الذين يدعون التمكن في كل شيء، هم الأقل تمكنا في أي شيء، هؤلاء الذين لديهم إجابة على كل الأسئلة، وعندهم فكرة على كل علم وموضوع.. هم موضوع هذه المقالة، التي تصنف ضمن مثالات الإنحيازات المعرفية التي كتبت عنها الكثير من النصوص، وخصصت لها أكثر من درس في قناتي.
تأثير  دانيغ- كروغر أو تأثير الثقة المفرطة في الذات، هو أكثر انحياز معرفي شائع بين البسطاء.
”لم أقل أنني مؤرخ.. لكنني خبير في التاريخ!“ هكذا يرى من يدعي أن القول الفصل في التاريخ يقف عنده، إذا أن الإنحياز الغالب عليه يدفعه لأن يجعل معتقده صحيحا لأنه يخدم عواطفه، ولا يهتم للصحيح من الأمور.  تأثير اكتشفه دافيد دانينغ وجاستن كروغر، والذي لخصاه بأن ”الأشخاص الأقل مُكنة في شيء ما هم أنفسهم الأشخاص الذين يبالغون في تقييم إمكانياتهم ومهاراتهم فيه“ وعلى التقيض من ذلك ”كلما تعلمنا وأصبحنا متخصصين في مهام ما، كلما شعرنا بالتواضع وراينا حدود إمكانياتنا فيه“.  
حذاري، كلنا معرضون لهذا التأثير، تأخذنا العزة بالخطأ في موضوع نعتقد أننا ماهرون ومختصون فيه، حتى إذا ما جاء أحدهم وصحح لنا بمعرفته، اعتضرنا له وتوسّلنا بطرق السفسطائين لتفادي ما نعنقده إحراجًا. إن المعرفة تُحرج الإعتقاد أو التصور، لأن معظم البشر يظنون أنهم بلغوا درجة من المعرفة، ولا يمكن أن يعرفوا هذا حقا حتى يوضعون في امتحان تجريبي، فيوضع التصور تخت مجهر المعرفة، فيُظهر أنه كان تصورا حقا وليس شيئا حقيقيا.
العلم ضد الانحياز المعريفي، المنحاز يريد أن يكسر رقبة العلم ليجعله وقودا لعواطفه، بينما الباحث عن الحقيقة يكسر عواطفه بشمل دائم في سبيل المعرفة والحقيقة.
لدينا شخص يواجه العام بالعاطفة والمشاعر، فيصيب الحقيقة بضربة حظ، ونقيضه الذي يواجهه بالمنطق والعقل، فيصيبها بشكل دائم، إذ أنه لا يخشى الحقيقة حتى التي تعاكس مصالحه.
سنة 1995، قام رجل يدعى ماكرتر وييلر  بالسطو على بنك وهو كاشف وجهه، وبطبيعة الحال، تم القبض عليه بسهولة تامة، لكن المثير للعجب أنه تفاجئ من سرعتهم وتفاجئ عندما شاهد وجهه مكشوفا في كامرات المراقبة .. ذلك أنه ظن بأن وضع الليمون على وجهه، إذ أنه ظن ان لليمون نفس التأثير في اخفاء الحبر من الورق! الإعجاب بالذات وتصور أنها وصلت للعبقرية اللازمة تضع صاحبها في مأزق حاد جدا، وكما ذكرت، لسنى معصومون من هذا!
قام الباحثان إذا، دانينغ وكروغر بالقيام بتجربة تطبيقية لأربعة طلاب في جامعة كورنل لعلم النفس، والتي نُشرت في ديسمبر 1999 في مجلة journal of  personnality and social psychology. فقد  قاموا بتجربة في كل من المرح والنحو والمنطق، في نهاية التجربة طلبوا من التلاميذ أن يقيموا أنفسهم وأن يضعوا لأنفسهم مراكز.  الذين وضعوا أنفسهم أسفل المراكز كانوا رائعون جدًا في إجاباتهم! تناقض كبير، لكنه يفسر أنهم لفرط معرفتهم عرفوا حدود معرفتهم فوضعوا أنفسهم في المركز الأخير، والعكس، الذين كانوا سيئين، وضعوا أنفسهم في مراكز متقدمة.
والخلاصة أفضت إلى أن كلما كان لدينا علم، زاد توضاعنا، وزادت معرفتنا بعدم معرفتنا!  وأن معرفتنا تلك أرتنا حدود ما نعرف بازاء محيط المعرفة الواسع.
وفي طريق المعرفة، سنمر بثلاثة مراحل:
1) جبل الحماقة ، نعتقد أننا نعرف كل شيء
2) الوصول إلى وادي التواضع، أين يظهر لنا حجمنا
3) منصة دمج المعارف، المعرفة بالذات ومكانتها في المحيط.

المقال 360
#عمادالدين_زناف

الأحد، 25 يونيو 2023

الزيريون في غرناطة




الزيريون في غرناطة وشمال إفريقيا،
 ومضة تاريخية براقة.

لقد عرفت إسبانيا فترة مثيرة وغنية ثقافيًّا، وذلك في القرون الثمانية التي كانَ المسلمون على رأس الحُكمِ فيها. ولم يكن ازدهار إسبانيا مقتصرًا في الجانب العسكري والديني، إنما في الجانب الثقافي والمعماري والأدبي، فقد تميّز ما كانوا يسمون بالمعتضد والمعتصم والحاكم والوالي بميولهم للشعر والتاريخ، فتجد الحاكم يولي اهتماما واسعًا للأدب والأشعار ويعقد تجمعات بالخصوص. وقد عرفت فترة الحكم الإسلامي لاسبانيا ازدهارًا للأدب اليهودي كذلك، خاصةً بين فترة القرن التاسع ومنتصف القرن الثاني عشر، وذلك للتفتح الكبير الذي كان سائدًا في تلك الفترة، فقد كان اليهود يزاملون المسلمين في الأسواق ويعيشون معهم ويتولون لهم بعض المناصب في المملكة الأندلسية وخاصة في فترة ملوك الطوائف التي خلفتها. في هذه الفترة الأخيرة، عرفت مناطق اشبيليّة وتوليدو وغرناطة وألمريّا وفالنسيا تطوّرًا لافتا تجاوزَ ما كانت عليه قُرطبة تحت الحكم الأموي، وذلك راجع لآل بنو زيري الذين كانوا يحكمونها. 
الزيريون من صنهاجة، وهم قبيلة بربرية تعود إلى بطون زناتة في المغرب الأوسط. كانَ يُنظر إليهم في البداية على أنهم قوة عسكريّة ضخمة خلفت الحكم الأموي بعد انهياره في قُرطبة، إلا أنهم لم يحضوا بالتوثيق الذي يستحقونه، فالمتوفر لدينا من المصادر حور فترة الزيريين هو من المؤرخين العرب. إن تاريخ زيريو إسبانيا عند الغرب، مقرون بتاريخ اليهود في غرناطة ولوسيانا، وإن السلام الذي كان بين اليهود والمسلمين في تلك الفترة كان وراء قوّة بنو البربر التي أحكمت سيطرتها في الأندلس. 
عندما تمت ترجمة كتاب التِبيان، من طرف Eariste Lévi Provençal، قرأنا عن الزيريين بشكل واضح لأول مرة. كذلك تم جمع عدد كبير من المعلومات حول الزيريين من الدواوين المنشورة من اليهود. كان يقود الزيريين رجل يسمى باديس بن حابوس، حيث نجد في كتاب la berbérie orientale sous les zirides كل تفاصيل حكمه. في مقاله les zirides d’espagne استعمل المؤلف H.R. Idriss عديد المراجع العربية ولم يستعمل العبرية منها. 
تتكون شجرة عائلة الزيريين من الجد الأكبر مناد بن منكوش، الذي كان له كل من زيري وحامامة وزاوي، جاء من زيري كل من آزم وحماد وباديس وجالالة وكبّاب ومجنين وأبو البهار وبولوغين وكذا ماكسن وزاوي. كان لماكسن كل من حوباسة وباديس ومُحسن وحابوس، وزاوي كا ن له حالالاة وبولوغين الثاني وابن ثالث غير معروف، أما حابوس فقد خلف أبو بكر. وُلدَ لحوباسة ياداير ولحابوس ابنان باديس وبولوغين الثالث. أعقب باديس كل من ماكسن وبولوغين الرابع، أما بولوغين فأعقب أم العُلا وابن غير معروف. وُلدَ لبولوغين الرابع كل من تميم وعبد الله وولدان غير معروفان. عقب عبد الله بنت وولدان غير معروفان. 
كان الزيريون جددا على الأندلس، عكس كل البربر الذين سبقوهم هناك تحت الحكم الأموي في قرطبة، في تلك الفترة قتل زيري بن مناد في معركته ضد المغراويين الذين كان يقودهم زيري بن عطية الصنهاجي هو الآخر، الذي كان تابعا للحكم الأموي القرطبي، فخلفه ابنه بولوغين الذي استلم سلطة شمال إفريقيا تحت لواء سلطة المعز -الدولة الفاطمية- في البداية، والتي ابتعدت رويدا رويدا نحو بلاد مصر، ما جعل نفوذ بولوغين يكبر إلى أن حكم بلاد المغرب من طرابلس إلى فاس.  
هَزَمَ زيري بن عطية كل من حماد بن بولوغين وأولاده الثلاثة مُحسن وحُباسة وباديس عندما أرادوا أن يقودوا ثورة ضده وضد الحكم الأموي في شمال إفريقيا، بينما توفى رابعهم حازم في أمان في بلد القيروان.. بقيَ من كل هؤلاء زاوي، الذي أصبح القائد الأوحد. 
كان زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي من أكثر الفرسان الصنهاجيين المحترمين بين العرب والبربر، وكان له بلقيس وحلالي وونّا من الأبناء. كان له أواصر محبة وقربة كبيرة مع كل أولاد زيري ما عدى العداء الكامن ضد بولوغين بن زيري مؤسس الدولة الزيرية في شمال إفريقيا وعاصمتها آشير (المدية)، وحماد بن زيري المنشق والمؤسس للدولة الحمادية في النصف الآخر منها، من بجاية إلى حدود طرابلس. في زمن حكم الزيريين بغرناطة، كان معظم البربر يرفضون العودة للعيش في شمال إفريقيا، لكنهم كانوا يرسلون أموالا وأمتعة لأقربائهم هناك، ما كانَ يُرضي حاكمهم زاوي.
عُرفت غرناطة بمدينة اليهود، فقد كان مُعظم يهود اسبانيا يسكنونها، وبالتالي فإن المؤرخين من اليهود كتبوا كثيرا عن فترة أولا زيري. كانت غرناطة تثير لعاب الناس، لأنها كانت تنعم بالهدوء، فهي منطقة جبلية صعبة على الغزاة. إن فوز زاوي على الحاكم المرتضى كان عبارة عن فاصلة تاريخية في حكم المسلمين على الأندلس، فهو أول بربري يحكم العرب، السلافييون، اليهود، والنصارى معا. وقد عُرف عن زاوي لقب صاحب الأف إمرأة، لكن وكما ذكر ابن حزم، كلهن لا تحل له، إذ هن من إخوته، وقد كان داهية البربر، جوادا كثير العطاء، وقيل أنه كان جائرا. 
حكم إليزة بعد خروجه من غرناطة بأمر من سليمان المستعين. 
من بين الآثار المعمارية الفنية لآل زيري وبني حماد أبناء عمومتهم، المدينة الأثرية بآشير في المدية وسط الجزائر، ثم قلعة بني حماد التي أدخلوا فيها لأول مرة الزليج في شمال إفريقيا بعد بالأسلوب العراقي وبلاد فارس (حضارة ما بين النهرين) وصنعوها بالجبس والرمل المختلط، اللَّبنة والحطب ، كذلك صنعوا قُبة مسجد القيروان، ومنبر مسجد الأنلدس في فاس، صنعوا فنون الكتاب في القيروان، وفي قلعة بني حماد كوروا صناعة السيراميك. بنوا جزءً كبيرا من مسجد سيدي عقبة في بسكرة في عهد المعز بن باديس، الذي دشن مسجد القيروان ومكتبته الإسلامية في نفس الفترة، شيدوا كذلك مسجد سيدي بو مروان في عنابة، والمسجد الكبير في قسنطينة. أبدعوا في فن الفسيفساء كذلك، وقد صنعوا المساجد تأثرا بمسجد قرطبة الكبير. 

المقال 358
#عمادالدين_زناف