الأحد، 25 يونيو 2023

الزيريون في غرناطة




الزيريون في غرناطة وشمال إفريقيا،
 ومضة تاريخية براقة.

لقد عرفت إسبانيا فترة مثيرة وغنية ثقافيًّا، وذلك في القرون الثمانية التي كانَ المسلمون على رأس الحُكمِ فيها. ولم يكن ازدهار إسبانيا مقتصرًا في الجانب العسكري والديني، إنما في الجانب الثقافي والمعماري والأدبي، فقد تميّز ما كانوا يسمون بالمعتضد والمعتصم والحاكم والوالي بميولهم للشعر والتاريخ، فتجد الحاكم يولي اهتماما واسعًا للأدب والأشعار ويعقد تجمعات بالخصوص. وقد عرفت فترة الحكم الإسلامي لاسبانيا ازدهارًا للأدب اليهودي كذلك، خاصةً بين فترة القرن التاسع ومنتصف القرن الثاني عشر، وذلك للتفتح الكبير الذي كان سائدًا في تلك الفترة، فقد كان اليهود يزاملون المسلمين في الأسواق ويعيشون معهم ويتولون لهم بعض المناصب في المملكة الأندلسية وخاصة في فترة ملوك الطوائف التي خلفتها. في هذه الفترة الأخيرة، عرفت مناطق اشبيليّة وتوليدو وغرناطة وألمريّا وفالنسيا تطوّرًا لافتا تجاوزَ ما كانت عليه قُرطبة تحت الحكم الأموي، وذلك راجع لآل بنو زيري الذين كانوا يحكمونها. 
الزيريون من صنهاجة، وهم قبيلة بربرية تعود إلى بطون زناتة في المغرب الأوسط. كانَ يُنظر إليهم في البداية على أنهم قوة عسكريّة ضخمة خلفت الحكم الأموي بعد انهياره في قُرطبة، إلا أنهم لم يحضوا بالتوثيق الذي يستحقونه، فالمتوفر لدينا من المصادر حور فترة الزيريين هو من المؤرخين العرب. إن تاريخ زيريو إسبانيا عند الغرب، مقرون بتاريخ اليهود في غرناطة ولوسيانا، وإن السلام الذي كان بين اليهود والمسلمين في تلك الفترة كان وراء قوّة بنو البربر التي أحكمت سيطرتها في الأندلس. 
عندما تمت ترجمة كتاب التِبيان، من طرف Eariste Lévi Provençal، قرأنا عن الزيريين بشكل واضح لأول مرة. كذلك تم جمع عدد كبير من المعلومات حول الزيريين من الدواوين المنشورة من اليهود. كان يقود الزيريين رجل يسمى باديس بن حابوس، حيث نجد في كتاب la berbérie orientale sous les zirides كل تفاصيل حكمه. في مقاله les zirides d’espagne استعمل المؤلف H.R. Idriss عديد المراجع العربية ولم يستعمل العبرية منها. 
تتكون شجرة عائلة الزيريين من الجد الأكبر مناد بن منكوش، الذي كان له كل من زيري وحامامة وزاوي، جاء من زيري كل من آزم وحماد وباديس وجالالة وكبّاب ومجنين وأبو البهار وبولوغين وكذا ماكسن وزاوي. كان لماكسن كل من حوباسة وباديس ومُحسن وحابوس، وزاوي كا ن له حالالاة وبولوغين الثاني وابن ثالث غير معروف، أما حابوس فقد خلف أبو بكر. وُلدَ لحوباسة ياداير ولحابوس ابنان باديس وبولوغين الثالث. أعقب باديس كل من ماكسن وبولوغين الرابع، أما بولوغين فأعقب أم العُلا وابن غير معروف. وُلدَ لبولوغين الرابع كل من تميم وعبد الله وولدان غير معروفان. عقب عبد الله بنت وولدان غير معروفان. 
كان الزيريون جددا على الأندلس، عكس كل البربر الذين سبقوهم هناك تحت الحكم الأموي في قرطبة، في تلك الفترة قتل زيري بن مناد في معركته ضد المغراويين الذين كان يقودهم زيري بن عطية الصنهاجي هو الآخر، الذي كان تابعا للحكم الأموي القرطبي، فخلفه ابنه بولوغين الذي استلم سلطة شمال إفريقيا تحت لواء سلطة المعز -الدولة الفاطمية- في البداية، والتي ابتعدت رويدا رويدا نحو بلاد مصر، ما جعل نفوذ بولوغين يكبر إلى أن حكم بلاد المغرب من طرابلس إلى فاس.  
هَزَمَ زيري بن عطية كل من حماد بن بولوغين وأولاده الثلاثة مُحسن وحُباسة وباديس عندما أرادوا أن يقودوا ثورة ضده وضد الحكم الأموي في شمال إفريقيا، بينما توفى رابعهم حازم في أمان في بلد القيروان.. بقيَ من كل هؤلاء زاوي، الذي أصبح القائد الأوحد. 
كان زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي من أكثر الفرسان الصنهاجيين المحترمين بين العرب والبربر، وكان له بلقيس وحلالي وونّا من الأبناء. كان له أواصر محبة وقربة كبيرة مع كل أولاد زيري ما عدى العداء الكامن ضد بولوغين بن زيري مؤسس الدولة الزيرية في شمال إفريقيا وعاصمتها آشير (المدية)، وحماد بن زيري المنشق والمؤسس للدولة الحمادية في النصف الآخر منها، من بجاية إلى حدود طرابلس. في زمن حكم الزيريين بغرناطة، كان معظم البربر يرفضون العودة للعيش في شمال إفريقيا، لكنهم كانوا يرسلون أموالا وأمتعة لأقربائهم هناك، ما كانَ يُرضي حاكمهم زاوي.
عُرفت غرناطة بمدينة اليهود، فقد كان مُعظم يهود اسبانيا يسكنونها، وبالتالي فإن المؤرخين من اليهود كتبوا كثيرا عن فترة أولا زيري. كانت غرناطة تثير لعاب الناس، لأنها كانت تنعم بالهدوء، فهي منطقة جبلية صعبة على الغزاة. إن فوز زاوي على الحاكم المرتضى كان عبارة عن فاصلة تاريخية في حكم المسلمين على الأندلس، فهو أول بربري يحكم العرب، السلافييون، اليهود، والنصارى معا. وقد عُرف عن زاوي لقب صاحب الأف إمرأة، لكن وكما ذكر ابن حزم، كلهن لا تحل له، إذ هن من إخوته، وقد كان داهية البربر، جوادا كثير العطاء، وقيل أنه كان جائرا. 
حكم إليزة بعد خروجه من غرناطة بأمر من سليمان المستعين. 
من بين الآثار المعمارية الفنية لآل زيري وبني حماد أبناء عمومتهم، المدينة الأثرية بآشير في المدية وسط الجزائر، ثم قلعة بني حماد التي أدخلوا فيها لأول مرة الزليج في شمال إفريقيا بعد بالأسلوب العراقي وبلاد فارس (حضارة ما بين النهرين) وصنعوها بالجبس والرمل المختلط، اللَّبنة والحطب ، كذلك صنعوا قُبة مسجد القيروان، ومنبر مسجد الأنلدس في فاس، صنعوا فنون الكتاب في القيروان، وفي قلعة بني حماد كوروا صناعة السيراميك. بنوا جزءً كبيرا من مسجد سيدي عقبة في بسكرة في عهد المعز بن باديس، الذي دشن مسجد القيروان ومكتبته الإسلامية في نفس الفترة، شيدوا كذلك مسجد سيدي بو مروان في عنابة، والمسجد الكبير في قسنطينة. أبدعوا في فن الفسيفساء كذلك، وقد صنعوا المساجد تأثرا بمسجد قرطبة الكبير. 

المقال 358
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق