الخميس، 17 مارس 2022

Ultracrepidarianism




Ultracrepidarianism،  فن الكلام فيما لا نُحسنهُ.

 هو سلوك يتمحورُ في إبداء الرأي في بعض الأمور التي لا يمتلك فيها المرء مصداقية، ولا كفاءة، وتجربة عمليّة.
هذه الكلمة مشتقة من العبارة اللاتينية Sutor ne supra crepidam وتعني أن قل للإسكافي ألا يعلوَ فوقَ الحِذاء "إذا بقيَ كل فرد في حرفته، فسيتم الاعتناء بالأبقار بشكلٍ جيّد".
 يأتي هذا المثل من حكاية رواها بليني الأكبر، هو صانع أحذية، دخل إلى غرفة الرسام لإعطائه أمرًا، فأعجب بأعمال الرسام، لكنه أشار إليه إلى خطأ في تمثيل الصندل! فصححها الرسام، ولكن عندما بدأ صانع الأحذية في توجيه انتقادات أخرى متتالية، أجاب الرسام "ne supra crepidam sutor iudicaret" (لا ينبغي لصانع الأحذية أن يصدر حكمًا بخلاف الأحذية)
تم إثبات الاسم الإنجليزي ultracrepidarianism لأول مرة في عام 1819 في نص للكاتب ويليام هازليت (1778-1830) حول الناقد الأدبي البريطاني ويليام جيفورد (1756-1826). تفرنسَ المصطلح سنة 2014.
Ultracrepidarianism 
لا تقصد الحديث دون معرفة بشكل عام، بل تريد أن توضّحَ أن التعبير لا يكونُ خارج مجال اختصاص الفرد.
 فهوَ نوع من التحيّز المعرفي الذي يقود الأقل تأهيلاً في مجال ما إلى المبالغة في تقدير كفاءته، أو كفاءات غيرهِ من الذين يثيرون إعجابه.
 تمت دراستها في أواخر القرن العشرين من قبل علماء النفس الأمريكيين ديفيد دانينغ وجوستين كروجر. يُعرف هذا التحيز باسم "تأثير Dunning-Kruger".
شاعَ هذا المصطلح آخر سنتين مع قدوم الوبـ.ـاء، وقد اشتهرت كلمة ردّدها الملايين من الناس وهي "أنا لست طبيباً ، لكني أعتقد أن..."

#عمادالدين_زناف

السبت، 12 مارس 2022

يهود الجزائر في الإيليزيه



السفارديون: يـ،ـهودُ الجزائر الذين يقودونَ فرنسا!

إنَّ المتتبع للسياسية الفرنسيّة وأدبها وفكرها بشكل عام، لا يجهلُ بعض الأسماء التي تتكرّرُ كثيراً جداً، من لا يَعلُم من هو جاك أتالي، بيرنارد هنري ليفي، وإريك زمور؟  إذا أردتُ تلخيصَ الأمر عليكم، فأقولُ أنّ ثلاثتُهُم من يـ،ـهود الجزائر، مؤلّفين، ولهم باعٌ ويدٌ عميقة في السياسة الفرنسية الداخليّة والخارجيّة.
سيكونُ لي مقالٌ مستقلّ عن إيريك زمور، المُترشّح اليميني لرئاسيات فرنسا لهذه السنة، بالرغمِ من أنني أستبعِدُ فوزه بمنصب رئيس فرنسا -رغم شعبيتهِ التي لا يُستهانُ بها- إلا أنّهُ مشروعُ سياسيّ مُزعج كثيراً بالنسبة لليسار واليسار المتطرّف في فرنسا، ذلك أنّهُ جمَعَ من حوله عدداً هائلاً من الفرنسيين الشباب الذي يدافعون عن فرنسا دون عرب ودون إسلام. حديثي اليوم سيكونُ عن ثلاثتهم بشكلٍ مُكثّف، لكن دعوني أخبركم عن سبب حديثي عنهم!
أولا، سياسة فرنسا تَعودُ علينا بشكلٍ مُباشر، ثانيا هؤلاء الأشخاص من أصل جزائريّ، الجزائر التي كانت أرضاً للأمازيغ والعرب، وفي عُمق هؤلاء العرب والامازيغ نجدُ مسلمين ويهود ونصرانيين.  إذا تعودُ عائلاتَهم في الوطن لأكثر من خمس مائة سنة، بالنسبة لمن هربَ أباءهم من شبه جزيرة أيبيريا –إسبانيا- هرَباً من محاكم التفتيش الصليبية التي كانت تطارد المسلمين واليهودَ معاً، دونَ ذِكر من كانوا يهوداً ونصارى في الوطن قبل ذلك. ثالثاً، لأن سياسة فرنسا، وبوسوسة هؤلاء، مسّت عديدَ البُلدان الإسلامية ولا تزال. فإذا تحدّثنا عن برنارد هنري ليفي، الذي وُلدَ في بني ساف، فهوَ يُسمّي نَفسهُ فيلسوفاً، وما هو إلا داعية للحرب بمُسمّياتٍ غريبة مثل نشر السّلام. فقد كانت لهث أثارٌ منذ عقود في يوغوسلافيا، نجدُ لهُ صورا في البوسنة وكوسوفو وجورجيا وأفغانستان وسوريا والعراق وفلسطين وآخرها في ليبيا! ولا يزال يتحدّث عن "إلزامية" دخول فرنسا في حرب ضد روسيا في أوكرانيا، باختصار! هذا الرّجل عبارة عن آلة صانعة للأزمات! والسؤال الذي لم يَجد له أحد إجابةً مُقنعة هو، كيفَ لمُؤلّف كُتبٍ رديئة، يدّعي أنهُ مفكرّ وفيلسوف، أو إعلامي، أن يكونَ من بين صُنّاع القرار في فرنسا؟ من أينَ لهُ هذا التأثر كلّه؟  كيفَ لرجل يُسمى عند الفرنسيين بالمهرج وصانع الحروب والمُلطّخ، أن يكونَ لهُ حريّة التنقل والحديث حيث يشاء؟.. 
كذلكَ الحال لجاك أتالي، هذا المفكّر الذي وُلد بالعاصمة الجزائر، انتقل به والده إلى فرنسا وتربّى هُناك على أنغام أنريكو ماسياس، المُغني اليهودي القسنطينيّ هو الآخر! والذي زاملَ الفيلسوف الشهير جاك دريدا، الرجل الجزائري هو الآخر الذي وُلد في الأبيار! ستصاب بالدوار لكثرة الصّدف التي جمعت هؤلاء. هذا الرجل فزّاعة حقيقية، فهو معروفٌ أنّهُ اقتصادي، كانَ ناصحاً لعدّة رؤساء فرنسيين، منهم ميتيرون!، ساركوزي، هولوند، وكان هو وراء تقديم وترشيح ماكرون، الرجل الذي جاء من المجهول. لديهِ عدّة محاضرات، تحدّثتُ عن واحدةٍ منها في قناتي على اليوتوب، موضوعها هو العالم سنة 2050م، في الحقيقة، لا نعلم إن كانَ يتوقّعُ أشياءً، أو يتكلم عمّا يريدونه، أي، يشرح مشروع السياسات القادمة!  أما إيريك زمور، الأمازيغيّ الأصل، اليـ،ـهودي الديانة، الفرنسي الجنسية منذ أن أمضت عائلتهُ ما يسمّى قانون كريميو الذي يُعطي الجنسية الفرنسية ليـ،ـهود ومسلمي الجزائر مقابل الدفاع عن فرنسا والولاء لها. قانونٌ رفضه الجزائريون المسلمين، وقبله اليهود، الكثيرُ منهم على الأقل. وكانت من بينه عائلة زمّور، التي تنحدر من ولاية سطيف. 
هذا الأخير، هو أشرسُ عدوّ لكلّ ما هو جزائريّ، فقد كانت مؤلّفاته ومحاضراتهُ وحواراتهُ، كصحفيّ أو كأديب، كلها تصبّ في نقد الإسلام كديانة وليسَ كمُعتقد دخيل على الفرنسيين، ثم المسلمين وتاريخهم أنفسهم وليسَ "المـ،ـتشددين"، ثم العرب أنفسهم وتاريخهم كلّه.  لن يَجد العالم أجملَ منه خائناً لدمائهِ وجذوره. هذا المُترشّح للرئاسيات، قادم بمشروع لم يقم به أحدٌ غيرهُ، وبما أن مشروعه يتجاوز المنطق العالمي والأوروبي بشكل خاص، فهو ملزمٌ إما بعدم تطبيق أيّ شيء من الأشياء التي كانَ يحلُمُ بها، أو أنه لن يفوز بمنصب الرئيس، بضغوطاتٍ خفيّة، ليسَ بها حفظ المسلمين أو فرنسا من اقتتال أكيد، بل حفاظاً على مصالحها ومشروعها المدسوس، فإذا اعتبرنا زمور شيطاناً متصيّداً للأزمات، فيمكننا أن نشكُرَ لهُ صراحته، صراحةٌ تُشبه أسلوب دونالد ترامب. 
لماذا تحدّثتُ عنهم؟ لكي أثير انتباه بعض المتابعين لهذه الشخصيات التي يجهل الكثير من الناس أنّها من مناطقنا. ما الذي أريد إيصاله؟ لستُ هُنا كي اتحدّثَ عن كلّ شيءٍ، فأنا أعتمد على ذكاءِ القراء أيضاً. 

المقال 274
#عمادالدين_زناف

السبت، 5 مارس 2022

الأعين الثلاث



كيف يتحوّل المتابع من؛ مُشفق إلى شيء متطرّف❓

[أدعوكم بإلحاح لقراءة هذا]

في عالم التمثيل، الإعلام، الأدب، المسرح، الموسيقى، تجد أن المتابعين ينظرون إلى الشخصيات بثلاثةِ أعيُن، سأتكلم عنها.  غالباً، نجد أن المُتواضعين فكراً ومضموناً يلقون تفاعلاً كبيراً جداً يالمُقارنة بمن يقدّمون أعمالاً ذات جودة، حيث لا يَج من الأذكياء مبررّا لهذا السلوك الشائع! 
العين الأولى؛ يرونَ في المبتدئ شخصاً مثيراً للشفقة، قد يتعاطفون معه معنوياً، لكن ليسَ كثيراً، رغم كل محاولته لتقديم الإضافة، إلا أنهم لا يريدون التفاعل مع شخص مجهول تماماً، وبذلك، سيعاني المبتدئ كثيراً من تهميشٍ لسببٍ ساذج، السبب هو أنه ليس نجماً في ميدانه، أي، لا يستفز المتابع للحُلم.
العين الثانية، يرون الشخصية التي خرجت من الجبّ أخيراً بعينِ الإعجاب، ذلك أنه تجاوز امتحان التجاهل الذي فرضوهُ عليه، الآن، بالنسبة لهم! أصبح هذا الشخص مثيراً للإنتباه، ذلك أن لديه الكثير ليرويه لهم عن ”قصة نجاحه“، يرونَ فيه الأمل بأنهم سيصلون هم كذلك، فيُصبح هذا الفرد محقاّ في كل ما يقوله، فحجّتهُ تشبه حجّة شاهد حرب بالنسبة لعوام الناس، لا يُهمهم محتواه، بقدر ما يهتمون لشخصه. وهذه الفئة هي الفئة الطاغية في العالم.
العين الثالثة، الآن، تغيّر كل شيء، من شخصية مجهولة تماماً إلى حسابٍ موثّق وشهرة واسعة! سينقسمُ المتابعون إلى فريقين متطرّفين، بين طرف لا يزال يرى في تلك الشخصية قدوته في النجاح! يرى أنها شخصية تستحق كل هذا الجزاء، سواءً لمحتواها الجيد، أو، للمثابرة وعدم الاستسلام، وكذا يرى بأنه ليسَ أقل قبمة وذكاء، ويمكنه فعل ما فعله هذا المتفوق، دون أن يحاربه. وطرف آخر، من كان يحبه ويتابعه، لأنه كان يرى نفسه  في تلك الشخصية المتواضعة في المحتوى والشهرة، أو المتواضعة شهرةً فقط، وكان يتابعه، لأنه كان يشبهه، أي لا يجد ما يحسده فيه! الآن، قد تحول ذلك الصديق الذي يشبهه إلى شاب ناجح! خائن! عميل لكل ما هو غير متواضع وكل ذا تأثير! سيبدأ هذا الصنف في بعث الكراهيّة ضد من كانَ يحبّهُ خفيةً أو علناً. 
☢ علينا معرفة أن الناس لا يحبون الشخصيات العامة لنفس السبب، بنفس الغاية، وبنفس الدوافع، رغم أن تلك الشخصية تقدم شيئاً واحداً، أي، من المنطقي أن تثير انتباه من هم مهتمين بمحتواها. ونقول أننا نتابع المحتوى لا الأشخاص.
إلا أننا لا نفعل ذلك حقاً، هناك مثل في الجزائر يقول ”لن أُعجب به حتى لو أخرج يدهُ خضراء من الجنّة“. وهذا راجع لدوافع نفسية تطغى على عقلانية الفرد، رغم أن من يفكر هكذا، يحاول أن يُعقلنَ قراره بكل الطُرُق.
عندما تكلمت  في السابق منتقداً المؤلفين الذين يضعون كتبهم في الكراتين قائلين للناس أنها مصدر عيشهم، قصدت أن حبّ الناس هنا هو حب التعاطف، والعاطفة والشفقة ليست حباً حقيقياً.  ربما سيكسب المستميل لعاطفة الناس، لكن وحيهُ إذا نجح واشتهر! ويحَ كلّ من تجرّأ وابتعدَ بأحلامه!
احموا أنفسكم من اللذين يحبونكم لأنكم تشبهونهم، فقد يصيرون أعدائكم يوماً ما.  
وهذا ليس وليد اليوم، دائما ما كانت الشخصيات العامة تعاني من الأعين الثلاثة، ولنقل أن الأمر طبيعي جداً، ليسَ فيه شرّ يُذكر!

#عمادالدين_زناف

الجمعة، 4 مارس 2022

خيار شمشون ومصير العالم



بين دَليلة وخِيار شَمشون النوويّ!

هل تعرفون أسطورة "شَمشون" هذا؟ من لا يَعرف قصّة شمشون "الخارق"، لن يفهمَ مشروع شمشون للكيان المُحتلّ، ولن يَفهم قوّة الرّدع الأخيرة للبلدان النوَوِيّة! لا تقلقوا، سأُلخّصها لكم بنُسختِهم.
تروي لنا الأساطير الإسرائيلية في عهدها القديم، أن في زمنٍ بعيد، سيطرَ الفلستيون "الفلسطينيون القُدماء" على كل منطقة كنعان (فلسطين الحالية)، بعدَ أن هُزمَ "بني إسرائيل" بغضبٍ من الرّب. وقد بقيَ منهم قليل من العائلات من بني إسرائيل، ومن بينها ترعرع فتى يُدعى شمشون. تربّى على كره الفلستيين، ذلك أنّهم "هزموا" قومه. عندما كَبُر شمشون، عَمِلَ على استرداد "وطنهم". عُرفَ على شمشون البُنية الجسديّة الخارقة والذكاء والحكمة.
سافر بينَ أطراف فلستين. وأحبّ امرأة فلستيّة تُدعى دليلة. في طريقهِ اليها للزواج منها، ومنهُ لضرب الفلستيين في معقلهم، هاجمهُ أسدٌ عظيم، فهَزَمهُ. وفي حفل زواجهِ من دليلة، أخبر شمشون ثلاثين رجلا فلستيا ما يُدعى الآن أحجيةً، وعدهم بثلاثين قميصا وثلاثين ثوباً اذا وجدوها، . الأحجية تقول أن من الآكل خرج أكل، ومن القوي خرجت حلاوة، وذلك ما شاهدهُ في جثّة الأسدالذي هزمهُ، فقد رأى التفاف النحل به. ففهمها الفلستيون وغضبوا من الأحجية وأخبروا زوجته دليلة أنهم سيحرّقونها مع عائلة أبيها إن لم تكتشف الحل وتقضيَ عليه قبل الكارثة.
عندما عادَ شمشون الى بيتِ زوجته، وجَدَ أنّ والدها قد حَرمهُ منها، وعَرضَ عليه أختها الصُّغرى، فغضبَ غضباً شديداً، قام شمشون بوضع مشاعل على أذناب ثلاثمئة ثعلب لتهجم على حقول الفلستيُّون وتحرقها كلها. فعرف الفلستيُّون سبب حرق شمشون لمزارعهم فانتقموا من أقربائه، وانتقاما منهم، قام شمشون بقتل أكبر عدد من الفلستيُّون.
طلبَ الفلستيّون بحدّ قوّة شمشون، حتى شمشون نفسهُ كانَ يساعدها في إيجاد نقطة ضعفه لأنهُ كانَ يُحبّها. فقد كانَ يُخبرها بأمور مثل أن تقيّده في نومه، لكنها لم تنجح، فقد كانَ يتخلّص من كل حيلها بسهولة. الى أن قالَ لها أنّ سرّ قوّته تكمن في شعرهِ الطويل، فقامت بقصّه، أو طلبت من الخدم بأن يفعل ذلك، فأصبحَ ضعيفاً.
قبض عليه الفلستيّون، وأحرقوا عينيهِ، فأصبحَ أعمى، ثمّ ساقوه الى سجنٍ في غَزّة ليعملَ كطحّانٍ للشعير.
في أحد الأيام اجتمع الفلستيُّون في المعبد ليضحوا للرب داجون كشكر على مسكهم شمشون. فأحضروا شمشون ليسليهم. لكنهم نسوا أن شعر شمشون كان قد عاد وطال، أيّ أنهُ استعادَ قوّتهُ الخارقة. فسأل شمشون الخادم عن أعمدة المعبد الرئيسية لكي يستند عليها، فعندما استنَدَ عليها قام بتدميرِ كل المَعبدِ كعمليّة انتحاريّة وأسقدَ كل الفلستيين الذين كانوا في المعبد، وقيل انه قتل عندَ موته أكثرَ مما قتل في حياته.
ماذا تخبرنا أسطورة شمشون؟ الحدق منكم قد فهمَ ان مشروع الكيان المسمى samson option أو خِيار شمشون، هوَ أنّه اذا استشعروا أنّهم قد خسروا، فسيدمّرون الجميع نوَوَيّاً. وليسَ الكيانُ فَحسب، بل كل دولة نووية كُبرى، من بينهم روسيا الاتحادية، تملك هذا الخيار المُدمّر للإنسانية، ويعود هذا الخيار لهذه الأسطورة العقديّة العميقة، اذا سقطتُ سيسقُطُ الجميع.
لم يَعد الحديث عن انهزامٍ ما، بل سينهزمُ الجميع اذا ما انهزمت الدولة الخارقة. طبعاً تلكَ أساطيرهم، ولكن الرّدع النووي ليسَ كذلك، على الأقل، لا نملك دليلاً يدحض هذا. وعليه، نحنُ أمام مُفترق الطّرق في تاريخ الإنسانية، من كلّ زاوية ننظر اليها.
بقدرة الله وحده وارادته، لن يحدثَ شيء، أو سيحدثُ كلّ شيء.
المقال 273

الشفرات الفلسفية


"الشّفَرات" في الفلسفة!
هُناك في الفلسفة مُصطلح مَعروف يُدعى الشفرة "كذا"، شفرة الأوكامي، شفرة دافيد هيوم، شفرة ايتشنز، شفرة ألدير، شفرة بوبر، وشفرة هانلون! ستقولونَ لي: ما هذه الشعوذة أيضاً؟ سأشرحُها بطريقة بسيطة جداً، تابعوا.
استعمال اسم الشّفرة ليسَ عَبثيّ، الشفرة عبارة عن مُوسَى صغيرة حادّة يُقطع بها ما يستطاع قطعه. تتابع المفكرون في استعمال هذا المصطلح للإشارة الى قطع الأمور والمفاهيم والأفكار التي لا نحتاجها، أو التي تعتبر غير واردة، أو التي تعيق فهمنا، أو الخاطئة منهجياً، وغيرها من الاستعمالات.
🔪أولاً، شفرة الأوكامي.  تكلّمتُ عنها في أحد دروسي في اليوتيوب، تعود الى الراهب الإنجليزي جِيّوم من مدينة أوكام من القرن الرابع عشر. عندما تكون أمام أكثر من اقتراحات تعاكس بعضها بعضاً، أو تتسابق مع بعضها لشرحِ مفهوم ما، أو حدثٍ ما، يقترح علينا الأوكامي أن نختار الاقتراح الأبسط والوارد من بينهم، بكل بساطة. نفعل ذلك عن طريق قطع كل الاقتراحات الأخرى بضربة موسى واحدة. لماذا علينا أن نعقّد الأمور، إذا كانَ بالإمكان أن نسهّلها، لماذا نتّجه نحو الحل الأعقد، والحل الأسهل متوفّر. 
🔪ثانياً، شفرة هيوم. دافيد هيوم فيلسوف واقتصادي ومؤرّخ أسكتلندي من القرن الثامن عشر. يقترح هيوم مبدأ السببية، أو بالسبب الكاف. إذا كان السبب المُلحق بأي شيء غير كافٍ لإعادة انتاجه، علينا إذا اما التخلي عنه، أو نظيف له بعض الميزات التي تسمح له ليعيد انتاج ما نريده. إذا كان الشاي عاملاً للتنحيف، فإما لا علاقة للشاي بالنحافة، واما ليس هو السبب الوحيد في النحافة.
🔪ثالثا، شفرة ايتشنز. كريستوفر ايتشنز صحفي ومؤلّف، يقول بأن من يقترح تأكيداً ما، عليه أن يبرّر نجاعة ذلك الشيء، أو يُرفض. يقول، ما يُؤكّد دون دليل، يُرفض دونَ دليل. 
🔪رابعاً، شفرة أدلر. مايك أدلر رياضياتي أسترالي، إذا كان هناك شيء لا يمكن صناعته بالتجربة أو بالملاحظة، إذا هو لا يحتاج الى جدالٍ ما. كلّ حوار يدور حول أطروحة غير محققة، لاقتراحات سطحية، لاحتمالات، أو معتقدات، هو حوار عقيم. 
🔪خامساً، شفرة بوبر. تكلمت من قبل عن كارل بوبر في احدى دروسي باليوتوب، خاصة هو نظريّته للرّفض بالنسبة للنظريات العلمية. يقول أن هدف العلم ليس التحقق من الأطروحات، بل بمحاولة رفضها. وبمحاولة رفضها بكل قوة، تُثبت أحقيتها العلمية من هشاشتها. العالم يبحث بكل الطرق على اثبات ان ما يظنه هو خطأ وليس صواباً، وإذا لم يستطع اثبات انها خاطئة، فبهذا قد ينجح في اثبات أحقيّة تجربته.
🔪سادساُ، شفرة هانلون. روبرت هانلون مبرمج بريطاني، يقول باختصار، "لا تنسب شيئاً الى الحقد، عندما يُفسّر ذلك الغباء". جملة مُعقّدة؟ يقول إننا لا يجب أن ننسب لبعض الأشخاص صفات الحقد أو المكر والخديعة والبغضاء والتهجّم والتنمّر، اذا كان السبب الوحيد الذي يشرحُ سلوكه هو الغباء. بعض الأشخاص يقومون بحماقات لا يدركون حجمها، ولا يدركون أنها تؤذي الماس، او تقودهم الى الهلاك. هناك كثير من الحمقى في العالم، لا يجب أن نعطيهم أكثر من حجمهم، ذلك أن المكر والخديعة والحقد يحتاج شيئاً من التخطيط، وهي صفات تحتاج الى الذكاء، غير أننا نظلمُ الغبيّ عندما نعتقد انه ذكيّ.

#عمادالدين_زناف 
المقال 272

الأربعاء، 2 مارس 2022

5 نقاط حول الحرب الروسية!



دائما ما كانت المعارك تُسيل الأحبار والدماء واللُّعاب، وتستثير في الانسان مشاعر مُختلطة بين الخوف، التوتر، الحماس، والسعادة بالنسبة لمن ينتظرون بفارغ الصّبر "نهاية العالم".

لن يكون هذا المقال عبارة عن سرد الواقع والأخبار التي تأتينا من وكالات الأنباء، التي وبدون مُفاجئة، تجد نفسها منحازة لطرفٍ عن آخر.  الواقع يُؤخذ من هواتف الأفراد المتجرّدين من أي انحياز ومن أي مصلحة وراء المعلومات التي يَسردونها، نستطيع القول إن الحقيقة من كل هذا الكم الهائل من المعلومات، هو ان روسيا قد اقتحمت أوكرانيا فعلاً، أما الغايات والخَلفيات، والبواعث والأهداف، فهي محل نقاش "الجميع"، إذا، هي مجرّد تخمينات أو محاولة جلب الانتباه واستغلال الحادثة من كل طرف، سواء اعلامي او سياسي أو نزولاً الى المفكرين الى غاية المؤثرين.

المعركة والحرب موضوع جذّاب، فتخيّل أن يحدثَ ذلك في زمن الشاشات فائقة الجودة، في زمن الانترنيت أخّف وزن الريشة، في زمنٍ أين لا يوجد انسان واحد لا يملك هاتفاً وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعية، أي، لا يوجد من ليسَ لهُ رأي في هذا الموضوع المُثير. لقد وضعتكم في الصورة العامّة الآن، القضيّة ليست في مُعالجة لمعركة روسيا وأوكرانيا، ولا في محاولة اقتحام تايوان من طرف الصين، ولا في أي صراعات أخرى مثل معارك الحدود بين الهند وباكستان، أو بين أذربيجان وأرمينيا.  قد تنتهي هذه الأزمة باتفاق دولي وتعود الأمور الى نصابها بعد شهرين، أو، قد تشتد الأزمة وتصل الى ما لا يُحمدُ عُقباه، لستُ نوستراداموس العَصر، رغم دراستي للاستشراف في كلية العلوم السياسية.

أولا، الاعلام:

الاعلام العربي، هذا الشيء مُزحة ليسَ الا، شلّة مُترجمين للخواطر الامريكية والأوروبية. ما هذا الاعلام الذي ينصب العداوة لكل ما هو غير أمريكي؟ قد نتفهّم الانحياز المعرفي والتأكيدي لهذا الاعلام إذا ما مسَّ أحد دول الجوار، أو إذا ما اقترب من النقطة الحساسة في الهلال العربي، وعندما أقول إنه سينحاز، فطبعاً سينحازُ ظاهراً لبني جلدته، وباطناً للمُمَوّل الذي يرعى بقائه ومَعاشه.

هذا الاعلام، الذي "وبدون مفاجئة أياً" تكوّنَ على صناعة الرأي العام من مكرز الدراسات الأمريكية، هذا الاعلام الذي أدار وغطّى عدّة أزمات بوقاحة غير مسبوقة، الوقاحة التي لم تَكن يوماً من شمات العرب. أمرَكةُ الرأي العالم كان ولا يزال هَدفُهم. مهلاً! لستُ أبرّر لروسيا ولا للصين أيّ خُطوة غير عادلة. ليسَ للحقّ الا وجهٌ واحد، لكننا نَعلمُ الآن بأن المصالح تتقاطع فيما بينها، وأن إذا كان من حقي أن أعيشَ بسلام، وكان هذا الحق يشكّل لكَ خطراً حقيقيا، فلستُ مجبراً مع ذلك بأن ان أتخلّى عن هذا الحق حتى لو كانَ ليقضيَ عليك.

الاعلام العربي، حقيقةً لا أعلم من المُلام، المُشاهد العربي، الذي يُفكّر عَكس الأخبار التي يُسوّقها له هذا الاعلام، ومع ذلك لا يَعمل على مقاطعتهِ، أو المُلام هو الصحفي الذي وضعَ نفسهُ جانباً، ليتركَ المكان "للمرتزق" الذي بداخله باسم "الخُبزة".

ثانيا، موقف الحياد:

الحياد، الكلمة التي تثير الاشمئزاز في عالم الاعلام والسياسة، ذلك ألا مَحلّ لها من الاعراب. الحياد مُصطلح أخذ مكان "النفاق"، "الكذب"، "الخوف"، لا يوجد حياد في الأمن الداخلي والدُولي، والمصالح الاقتصادية، والمصالح الجيوسياسية، مصطلح الحياد هو مُطلح لتنويم الأطفال. لستُ أرى الأمور بنظرة الخير والشر، لقد عالجنا هذا الموضوع كثيراً، وعلمنا أن الخير بالنسبة لك يتقاطع مع الشر بالنسبة لغيرك، وإذا التقت مصلحتي مع مصلحتك فنحن أصدقاء الى حين، وإذا تقابلت مصالحنا، فنحن أعداء، أما أن نقفَ في الحياد، فهو تعبير على قبول الخسارة التامة، أو محاولة لإخفاء التوجه الأيديولوجي للرأي العام، وليسَ هناك من داع لهذا الا الخوف.

الحياد كاستراتيجية لكسب الجميع؟ لا. ذلك أن المحايد ستصلهُ الحرب بعد حين، قبل ذلك، المحايد عدوّ الطرفين، في وقت يحتاج كل طرف الدعم الكامل. وأنتَ تحتاج لتأمين مصالحك المذكورة مع الطرف الأكثر تقاربا معك.

ثالثاً، السلاح النووي، نقطة استفهام كبيرة؟

السلاح النووي مُجرّد سلاح للردع وليس للاستعمال. الأسلحة النووية وسلة ضغط اعلامية واقتصادية وسياسية. السؤال المِحوري هُنا، إذا كان من المتعارف عليه أنه محظور بشكل لا نقاش فيه، فلمَ تنساق الدول وراء شيء لا يُستعمل؟ طبعا سؤال فيه كثير من البراءة والسذاجة، لكن إذا أردنا أن نرى الأمور بشكل أوضح، علينا أن نعود الى الأسئلة السهلة 'الساذجة"، أن نبتعد قليلا عن المصطلحات والبلاغات والأسئلة المتكررة، وأن نبدأ في طرق جديدة أكثر سهولة في التعاطي مع المواضيع المعقدة.

إذا كانت أوكرانيا نفسها هي من أرادت أن تتخلص من مخزون النووي السوفييتي الذي كانت تملكه من مخلفات سقوط الاتحاد السوفييتي، وقد كانت على اتفاق مع روسيا لتعيده اليها، وقد جعلت الاتفاق يتم بحضور وادارة وزعامة الولايات المتحدة، اتفاق، لم يكن فيه أين بند يضمن التدخل الأمريكي لحماية أوكرانيا من الخطر الروسي. فكيفَ بعد كل هذا، تعود أوكرانيا لمحاولة اقتناء هذه "المادة" كوسيلة ضغط؟ لمَ تلوم الولايات المتحدة على عدم خوضها لحرب الدفاع معها؟ الأسئلة بلاغية لا تحتاجُ إجابات، انما هي ملاحظات للإعلامي العربي الذي يعمل على ترجمة كذب جديد في هذه الأثناء.

رابعا، دول قطرية مفككة تحت رحمة حروب الاسترداد؟

نعم، إذا أردنا أن نستفز الجميع، فنقول ان لوكسمبرغ، بلجيكا، سويسرا، إيطاليا، هي فرنسية، تايوان، النيبال وغيرها صينية، إمبراطور اليابان؟ أصوله كورية، اليابانيين كلهم كوريين الأصل. كل دول التيشك وسربيا وما حولها تعود ليوغسلافيا، أوكرانيا ذاتها لم تصبح بلداً مستقلاً الا منذ عقود، منطقة عرفت كل استعمارات العالم مثل الجزائر. هل نواصل في الاستفزاز؟ اقضية الدول القطرية وحروب الاسترداد هذه هي ملف سخيف، لأنه يعتمد على فترة معينة من التاريخ وليس التاريخ كله، فاذا اخترت للجزائر فترة نوميديا فأقول إن جزء كبير من تونس وليبيا يعود الينا. والعكس بالعكس، قرطاجة ستقول نفس الشيء، الرومان كذلك.. الى متى؟ متى سينتهي هذا العبث بالتاريخ لزعزعة الحاضر؟  

خامسا، العقل أو الفناء.

علينا كبشر أن ننحاز للحياة، اما أن نأخذ منهج العقد الاجتماعي الروسَويّ ونطبقه على كل التوترات الدولية، او سنبقى نكرر نفس الحماقات. لصالح من كل هذه العقوبات الدولية، الدعس على ابن جارك لأنك لا تحب أباه، الى متى نتمادى في خلط الحابل بالنابل من أجل تغذية الايجو الذي، وكما قال غاندي "هناك ما يكفي لتغذية البطون، ولكن ليس لتغذية ايجو البشر".

عماد الدين زناف 

الثلاثاء، 1 مارس 2022

مُعضلة العربة trolly problem


نسبية الخير والشر في مُعضلة العَرَبَة.

"أسوأ الحلول الجيدة، أحسن الحلول السيئة"، "الأحسن سوءًا، الأسوأ حُسناً"، "جيّد لأنه ليسَ الأسوأ"، "جيّدٌ لكنهُ أسوأ ما يُمكن". عبارات لا ننطقُ بها، لا نَكتُبُها، ولا نُفكّرُ فيها. نَعتَقِدُ أن الفعل الجيّد كاملُ الجودة، والفعل السيّء، متفانٍ في السوء. لا نَعلمُ طريقة ثانية لفعل الخير، ولا لفعل الشّر، فكلاهُما واضحين بالنسبةِ لنا، وما يَجعَلُهما واضحين هكذا، هو أنهم مفاهيم غريزية مَخلوقة فينا. الجريمة شرّ، اطعام مسكينٍ، خير. التبرعُ خير، السرقة شرّ. انقاذُ نفس، خير، تركُ نفسٍ تموتُ شرٌ.
لكنّني هُنا لأجعلَ حياتكم صَعبة "كالعادة". في هذا المقال سأكلّمُكم عن مُعضلة جديدة، تُشبه مُعضلة زوغسفانغ، وقريبة من معادلة سيراكوز، لكن لا تُشبه معضلة بينروز.  ركّز معي مع ما جائت به الفيلسوفة فيليبا روث فوت؛
لدينا مُستوصف في قرية ما، وصلنا مريض يُعاني من خمسة أمراض مختلفة، وان لم نُقدّم لهُ أدوية لأمراضه الخمس، سيموت. لدينا في المقابل خمس أشخاص، كل واحدٍ منهم لديه علّة من العلل الخمسة التي يُعاني منها المريض الآخر، كل علّة كافية كي تقتل صاحبها إذا لم يشرب الدواء المخصص. المُشكلة الآن، لدينا قُرص واحد لكلّ علّة من العلل الخمسة. تذكّروا معي، المريض الأوّل يُعاني من العلل الخمسة، إذا يحتاج الأقراص الخمسة معاً كي يعيش، في المقابل، كل مريض من الخمسة يحتاج لقرص واحد كي يَعيش، أو، سيموت هو الآخر، كذلك البقية. 
الآن أنت في وضع سيّء، لكنّك وبدون تردّد ستختار أن توزّع الأقراص على المرضى الخمس، وتترك المريض الذي يعاني من العلل الخمسة يموت. خِيارُك هُنا كانَ رياضياتي، انقاذ خمسة أرواح مقابل فقدان روح واحدة هو أقرب الى العدل والمنطق. يبقى وانّك قد ساهمت في موتِ أحدهم، بقرار منك، أنت من قرّر كيف يكونُ الخير في هذه الحالة. لأن الخير المُطلق هو أن يعيش ستتهم، والشر المطلق أن يموتَ ستّتهم أيضاً، أما أحسنُ الاختياراتِ سوءًا كانَ انقاذ خمسة مُقابل ترك الآخر يلاقي مصير الموت. 
قد يكونُ هناك طبيبٌ آخر، يختار حياة الشخص مُقابل الخمسة، ذلك أن المريض رضيع، والخمسة الآخرين شيوخ. 
قد يَكون هناك طبيب آخر، يختار حياة الفرد مُقابل الخمسة، ذلك أن المريض قريبهُ، والخمسة الآخرين غُرباء.  
قد يَكون هناك طبيب آخر، يختار حياة الفرد مُقابل الخمسة، فقط لأنه أتى قبلهم بخمس دقائق. 
قد يَكون هناك طبيب آخر، يختار حياة الفرد مُقابل الخمسة، بإصرار من ذلك المريض نفسه على أن يُنقذَ هؤلاء الخمس. 
هل هُناك حُكم أخلاقي ضد هذه القرارات؟ لستُ أعتقد أن من العدل أن نصدر حكما أخلاقياً، ذلك أننا عندما نقعُ في خيار مُماثل، فإننا سنحمل جزءًا من نتائجه السيّئة، بحسب قرارانا في تلك اللحظة. علاوة على ذلك، فان كل قراراتنا مُنحازة، والانحياز جزء لا يتجزّأ من الانسان، في أحكامه ومشاعره، في نظرته وتعاطيه مع الناس. سننحاز لكل ما يستعطفُ قلوبنا، أو، ما يستعطفُ ذكائنا كذلك، ما يلدغُ عقولنا، وجانبنا اللعوب. 
عندما تُنقذ نفساً مقابل الخمسة، أو الخمسة مُقابل نفس واحدة، فانّكَ لا محالة قد ساهمت في شرّ ما، وفي خير ما. وبهذا، قد ساهمتَ في جعل الخيرِ شيئاً نسبياً، والشرّ أيضاً شيئاً نسبياً.  بهذا الاختيار، جعلتَ للشّر مكاناً محدّداً في اللعبة، لأنّك لو رفضت اللعب، فانّك بذلك ستقدّم له كل شيء.  مًعضلة العربة تشبه التجربة الأولى تماما، فعندما تقدُم عربة الترامواي، وقد تعطّلت مكابحها، وهي في سرعة فائقة، وبيدك تحديد مسارها، شمالاً ويميناً. لكنّ على اليمين، نجد خمس عمّال لا يعلمون بقدوم الترامواي بسرعة البرق، وأما في الشمال، طفل يلهو في السكة. 
سنضطر في بضعة ثوان أن نختار بين خمس أرواح عاملة باسلة، وروحٍ بريئة تلهو. 
فهل حلّ المعضلة يكونُ في تقبّل الشر مقابل كثير من الخير؟ 
هل نفضّل قليلا من الخير، لأننا نحكم بأن ذلك القليل أكثر جودة ومنفعة؟ 
كيفَ سنتعامل مع القرار؟ هل حانَ وقت إعادة فتح ملف الحُكم على القرارات بالأخلاق؟ أم بمفهوم الخير المطلق، والشر المطلق، ولا شيءَ بينهما..

المقال 270

#عمادالدين_زناف