الأربعاء، 2 مارس 2022

5 نقاط حول الحرب الروسية!



دائما ما كانت المعارك تُسيل الأحبار والدماء واللُّعاب، وتستثير في الانسان مشاعر مُختلطة بين الخوف، التوتر، الحماس، والسعادة بالنسبة لمن ينتظرون بفارغ الصّبر "نهاية العالم".

لن يكون هذا المقال عبارة عن سرد الواقع والأخبار التي تأتينا من وكالات الأنباء، التي وبدون مُفاجئة، تجد نفسها منحازة لطرفٍ عن آخر.  الواقع يُؤخذ من هواتف الأفراد المتجرّدين من أي انحياز ومن أي مصلحة وراء المعلومات التي يَسردونها، نستطيع القول إن الحقيقة من كل هذا الكم الهائل من المعلومات، هو ان روسيا قد اقتحمت أوكرانيا فعلاً، أما الغايات والخَلفيات، والبواعث والأهداف، فهي محل نقاش "الجميع"، إذا، هي مجرّد تخمينات أو محاولة جلب الانتباه واستغلال الحادثة من كل طرف، سواء اعلامي او سياسي أو نزولاً الى المفكرين الى غاية المؤثرين.

المعركة والحرب موضوع جذّاب، فتخيّل أن يحدثَ ذلك في زمن الشاشات فائقة الجودة، في زمن الانترنيت أخّف وزن الريشة، في زمنٍ أين لا يوجد انسان واحد لا يملك هاتفاً وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعية، أي، لا يوجد من ليسَ لهُ رأي في هذا الموضوع المُثير. لقد وضعتكم في الصورة العامّة الآن، القضيّة ليست في مُعالجة لمعركة روسيا وأوكرانيا، ولا في محاولة اقتحام تايوان من طرف الصين، ولا في أي صراعات أخرى مثل معارك الحدود بين الهند وباكستان، أو بين أذربيجان وأرمينيا.  قد تنتهي هذه الأزمة باتفاق دولي وتعود الأمور الى نصابها بعد شهرين، أو، قد تشتد الأزمة وتصل الى ما لا يُحمدُ عُقباه، لستُ نوستراداموس العَصر، رغم دراستي للاستشراف في كلية العلوم السياسية.

أولا، الاعلام:

الاعلام العربي، هذا الشيء مُزحة ليسَ الا، شلّة مُترجمين للخواطر الامريكية والأوروبية. ما هذا الاعلام الذي ينصب العداوة لكل ما هو غير أمريكي؟ قد نتفهّم الانحياز المعرفي والتأكيدي لهذا الاعلام إذا ما مسَّ أحد دول الجوار، أو إذا ما اقترب من النقطة الحساسة في الهلال العربي، وعندما أقول إنه سينحاز، فطبعاً سينحازُ ظاهراً لبني جلدته، وباطناً للمُمَوّل الذي يرعى بقائه ومَعاشه.

هذا الاعلام، الذي "وبدون مفاجئة أياً" تكوّنَ على صناعة الرأي العام من مكرز الدراسات الأمريكية، هذا الاعلام الذي أدار وغطّى عدّة أزمات بوقاحة غير مسبوقة، الوقاحة التي لم تَكن يوماً من شمات العرب. أمرَكةُ الرأي العالم كان ولا يزال هَدفُهم. مهلاً! لستُ أبرّر لروسيا ولا للصين أيّ خُطوة غير عادلة. ليسَ للحقّ الا وجهٌ واحد، لكننا نَعلمُ الآن بأن المصالح تتقاطع فيما بينها، وأن إذا كان من حقي أن أعيشَ بسلام، وكان هذا الحق يشكّل لكَ خطراً حقيقيا، فلستُ مجبراً مع ذلك بأن ان أتخلّى عن هذا الحق حتى لو كانَ ليقضيَ عليك.

الاعلام العربي، حقيقةً لا أعلم من المُلام، المُشاهد العربي، الذي يُفكّر عَكس الأخبار التي يُسوّقها له هذا الاعلام، ومع ذلك لا يَعمل على مقاطعتهِ، أو المُلام هو الصحفي الذي وضعَ نفسهُ جانباً، ليتركَ المكان "للمرتزق" الذي بداخله باسم "الخُبزة".

ثانيا، موقف الحياد:

الحياد، الكلمة التي تثير الاشمئزاز في عالم الاعلام والسياسة، ذلك ألا مَحلّ لها من الاعراب. الحياد مُصطلح أخذ مكان "النفاق"، "الكذب"، "الخوف"، لا يوجد حياد في الأمن الداخلي والدُولي، والمصالح الاقتصادية، والمصالح الجيوسياسية، مصطلح الحياد هو مُطلح لتنويم الأطفال. لستُ أرى الأمور بنظرة الخير والشر، لقد عالجنا هذا الموضوع كثيراً، وعلمنا أن الخير بالنسبة لك يتقاطع مع الشر بالنسبة لغيرك، وإذا التقت مصلحتي مع مصلحتك فنحن أصدقاء الى حين، وإذا تقابلت مصالحنا، فنحن أعداء، أما أن نقفَ في الحياد، فهو تعبير على قبول الخسارة التامة، أو محاولة لإخفاء التوجه الأيديولوجي للرأي العام، وليسَ هناك من داع لهذا الا الخوف.

الحياد كاستراتيجية لكسب الجميع؟ لا. ذلك أن المحايد ستصلهُ الحرب بعد حين، قبل ذلك، المحايد عدوّ الطرفين، في وقت يحتاج كل طرف الدعم الكامل. وأنتَ تحتاج لتأمين مصالحك المذكورة مع الطرف الأكثر تقاربا معك.

ثالثاً، السلاح النووي، نقطة استفهام كبيرة؟

السلاح النووي مُجرّد سلاح للردع وليس للاستعمال. الأسلحة النووية وسلة ضغط اعلامية واقتصادية وسياسية. السؤال المِحوري هُنا، إذا كان من المتعارف عليه أنه محظور بشكل لا نقاش فيه، فلمَ تنساق الدول وراء شيء لا يُستعمل؟ طبعا سؤال فيه كثير من البراءة والسذاجة، لكن إذا أردنا أن نرى الأمور بشكل أوضح، علينا أن نعود الى الأسئلة السهلة 'الساذجة"، أن نبتعد قليلا عن المصطلحات والبلاغات والأسئلة المتكررة، وأن نبدأ في طرق جديدة أكثر سهولة في التعاطي مع المواضيع المعقدة.

إذا كانت أوكرانيا نفسها هي من أرادت أن تتخلص من مخزون النووي السوفييتي الذي كانت تملكه من مخلفات سقوط الاتحاد السوفييتي، وقد كانت على اتفاق مع روسيا لتعيده اليها، وقد جعلت الاتفاق يتم بحضور وادارة وزعامة الولايات المتحدة، اتفاق، لم يكن فيه أين بند يضمن التدخل الأمريكي لحماية أوكرانيا من الخطر الروسي. فكيفَ بعد كل هذا، تعود أوكرانيا لمحاولة اقتناء هذه "المادة" كوسيلة ضغط؟ لمَ تلوم الولايات المتحدة على عدم خوضها لحرب الدفاع معها؟ الأسئلة بلاغية لا تحتاجُ إجابات، انما هي ملاحظات للإعلامي العربي الذي يعمل على ترجمة كذب جديد في هذه الأثناء.

رابعا، دول قطرية مفككة تحت رحمة حروب الاسترداد؟

نعم، إذا أردنا أن نستفز الجميع، فنقول ان لوكسمبرغ، بلجيكا، سويسرا، إيطاليا، هي فرنسية، تايوان، النيبال وغيرها صينية، إمبراطور اليابان؟ أصوله كورية، اليابانيين كلهم كوريين الأصل. كل دول التيشك وسربيا وما حولها تعود ليوغسلافيا، أوكرانيا ذاتها لم تصبح بلداً مستقلاً الا منذ عقود، منطقة عرفت كل استعمارات العالم مثل الجزائر. هل نواصل في الاستفزاز؟ اقضية الدول القطرية وحروب الاسترداد هذه هي ملف سخيف، لأنه يعتمد على فترة معينة من التاريخ وليس التاريخ كله، فاذا اخترت للجزائر فترة نوميديا فأقول إن جزء كبير من تونس وليبيا يعود الينا. والعكس بالعكس، قرطاجة ستقول نفس الشيء، الرومان كذلك.. الى متى؟ متى سينتهي هذا العبث بالتاريخ لزعزعة الحاضر؟  

خامسا، العقل أو الفناء.

علينا كبشر أن ننحاز للحياة، اما أن نأخذ منهج العقد الاجتماعي الروسَويّ ونطبقه على كل التوترات الدولية، او سنبقى نكرر نفس الحماقات. لصالح من كل هذه العقوبات الدولية، الدعس على ابن جارك لأنك لا تحب أباه، الى متى نتمادى في خلط الحابل بالنابل من أجل تغذية الايجو الذي، وكما قال غاندي "هناك ما يكفي لتغذية البطون، ولكن ليس لتغذية ايجو البشر".

عماد الدين زناف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق