الجمعة، 29 أبريل 2022

إخوان الصفا، بين الإسلام والفلسفة


اربطوا الأحزمة، سنتحدّث عن لُغز إخوان الصفا، في الإسلام والفلسفة.

لُغزُ "إخوانُ الصفاء" والفلسفة في الإسلام. 
قبل البداية في الحديث عن هذه الجماعة، لا يمكن بأي حال من الأحوال الإحاطة بالفكر الإسلامي بشكلٍ سليم، دون دراسة وإن كانت سطحية، للفكر المُعتزلي، الأشعري، الصوفي، الباطني، الجهمي، الكرّاميّ، المشّائي بكل فلاسفته كالكندي والفارابي والمعرّي وابن سينا، علمُ الكلام بأبرز من تكلّم فيه، المذاهب الأربعة وخاصة المذهب الحنفيّ بكل أعمدته كشمس الأئمة السرخسي، ولم أذكر هذا الأخير عبثاً، ذلكَ أن منوط بموضوع المقال. كل ما ذكرت في الفقرة الأولي تجدونَه على شكل مقالات مُفصّلة كنت قد صنّفتها من قبل في مدوّنتي في موقع بلوجر، ما عليكم سوى إدراج الكلمات المفتاحية داخر المدونة. 
لماذا علينا الإحاطة بكل تلك الأمور قبل الحديث عن الفلسفة في الإسلام، لأن وببساطة لا يجب أن نبدأ بالتفاصيل قبل الحديث عن الفترة، الظروف الزمكانية، البواعث، الأزمات، الوضع الحضاري السّائد، البُعد المعرفي، وغيرها من التفاصيل التي إذا ما كنا نجهلها، فسوف نقع لا محالة في الخلط، والتعصّب، والمناقشة السطحية لتلك المواضيع التي لا تزال محلّ نزاع. 
عندما نتحدّث عن الدين والفلسفة، وبصفتي مُسلما مهتماً بالفلسفة، أميل بشكل كبير لفكرة التفرقة بينهما، أي تناولهما على حِدَة. لستُ من أنصار فهم الدين بالفلسفة، ولا فهم الفلسفة بالدين، للدين قُدسيّة النًّص، بينما للفلسفة آراء لا حصرَ لها، فهما في الأساس لا يلتقيان في أبرز شيء يجب أن يلتقيَ فيه مفهومين للدمج بينهما. إذا، الفلسفة تُفسّر بالفلسفة، والدين يُفسّر بالدّين، هذا هو المنهج الذي أراهُ صحيحاً. قد يحدثُ أن تلتقي كثيرٌ من الأفكار الفلسفية مع الثوابت الدينية، وهذا ما أرحّبُ به، إبراز ان الفكر الإنساني وصل، من طُرق مختلفة، إلى نفس الخلاصة الدّينيّة المُقدّسة. بعبارة أخرى، التلاقي مَحمود، بين الدين وغيره من العلوم، إنّما المُهمّة المفخخة أن يتم تفسير الدّين، أو إثبات الدّين، بالفلسفة والعلوم، ذلك أنّهما مُتحرّكان، ومُتطوّران بشكل دائم، بينما نجد أن النًّص الدينيّ ثابت لا يتحرّك. وقد رأينا المغامرة التي خاضها السكولاستييون (الذين حدّثتكم عنهم في درس عبر قناتي في اليوتيوب، لمن يودّ الاطّلاع أكثر عنهم) في تفسير الأناجيل فلسفيا ومنطقيا، في محاولة لصناعة منطق من شيء لا يقبل المنطق الدنيوي أو العلمي كقاعدة أساسية له، وليس فرعية. ولقد رأينا أيضاً عديد المحاولات، لتبرير بعض النصوص الغامضة والشائكة، من المفسرين المسلمين الجدد، للنصوص القرآنية الثابتة، محاولةً منهم "لعصرنة" الأمور الثابتة نصاً وتفسيراً، بشكل فلسفيّ وعلمي يُرى فيه بوضوح تام محاولة تعويص النص والمفهوم لكي يُقحم عُنوةً وإكراها مع الواقع العصري، لتمرير أجندات أو إيديولوجيات معينية، كالتي قامَ بها النصارى لجعل المثلـ.يـ.ة تتماشى ودينهم، في تفسير لقول المسيح "أحبوا بعضكم البعض" بأنه حبٌ مُطلق غير محدود. 
أعلمُ أنها مُقدّمة مُطوّلة، لكن وكما ذكرت، من الأساسيّ توضيح المعالم قبل الوولوج، فـ "ثبّت العرش ثم اُنقش".  
وكمنهج آخر أقترحهُ على القارئ اقتراحاً، ولا ألزمهُ إلزاماً، هو قراءة الفيلسوف بعين الفيلسوف لا بعين المُتديّن، حتى لو أخلط الفيلسوف بينهما، وذهب لميدانٍ وعرٍ لا يتقنهُ، فعليكَ أن تملكَ تلكَ القُدرة على تجاوز رأيه الدينيّ، والتعاطي مع فكره الفلسفي. ذلكَ ألا رايَ في الدين، بل هناكَ قواعدَ واتّباع، أو على الأقل، لا رأي في نسبة كبيرة جداً فيه، كي نتركَ مجالاً للذهب الحنفي لكي يتنفّس منه. وعلى ذكر المنهج الحنفي، فالمعلومُ عنهُ أنه مذهب الرأي، لكن علينا أن نأخذ الأمر بجديّة وليسَ باستهزاء، فمن نحنُ أمام مذهب احتضن ويحتضن عظماء العالم الإسلامي إلى يومنا هذا، وليسَ في الدين فقط، بل في كل العلوم.  
 ولهذا، عرفت المناطق التي سادَ فيها المذهب الحنفي انفتاحا وانبساطاً على الفكر والعلوم بشكل كبير جداً. ذلكَ أن أبي حنيفة رحمه الله، كانَ ذا رأي منبسط ومتقبّل للمقترحات، ولا يعني هذا أبداً أنه كانَ ذا هوى. فبعدَ أن وضعنا حجر الأساس، لنتناول موضوع هذه المجموعة الفلسفية "إخوانُ الصفا". 
هم مجموعة من الأفراد، مُسلمون حسبَ رسائلهم، غيرَ أنهم كانوا متفتّحون على العالَم، خاصّة الفلسفة وعلم الفلك والرياضيات والموسيقى في كل الحضارات، اليونانية، الفارسيّة، والهندية خاصة. عندما يطّلعُ أحدنا على رسائلهم، سيجدُ أنهم للتصوّفُ أقرب، ذلكَ أن التصوّف هو المنهج الوحيد الذي ينبسط على الفكر الآخر، خاصّة أنّ التصوّف في ذاته ليس حكراً على المسلمين. ذلكَ أن الإنسان المتصوّف معروف بالزّهد والخلوة والتأمّل والترحال، وهذا ما عُرف عنه كثيرٌ من الشخصيات الهندية والفارسية والعربية واليونانية وغيرهما من الحضارات. ما يجعلُ رسائلهم فلسفية غير دينية هو المصطلحات المستعملة في رسائلهم، ذلكَ أن البحث عن السعادة والإنسان الكامل ووحدة البشر مع بعضهم، هو بحثٌ دنيوي لا آخري، وهذا لا يضرّ في المعنى، إنّما سيساعدنا على كيفية تفكيك النصوص. عندَ اطّلاعي على أحد قواعدهم التي تقول بأنهم يستعملون المرأة للإنجاب فقط، حيثُ أنهم لا يخالطونها، ولا يكلّمونها، ولكنهم يسمعونَ لها، ذلكَ أن المرأة بالنسبة لهم حكيمة جدا. تذكّرتُ فلسفة ميغتاو المعاصرة، الفلسفة التي تحدثتُ عبر قناتي في اليوتيوب من قبل، وفكرت فيما إذا كانوا قد أخذوها منهم.
عندما نتحدّث عن شخصياتهم مثل "أبو سليمان "المقدسي" وأبو الحسن "الزنجاني"، يتبادرُ إلى الأذهان فرقة الحشاشين الذين كانوا يعتمدون نفس الأسلوب في التخفّي وعدم ذكر أسمائهم ونسبتهم للمجموعة. تلكَ الشخصيات المذكورة، تجعلنا نعتقد أنهم شخصيات روائية لمؤلف أرادَ أن يُمرّر أفكاره من خلالهم، وقد نسب العديد هذا لشمس الأئمة السرخسي. 
هل تأثّرت جماعات معاصرة بمنهجهم؟ يمكنُ ذلك، فقد رأينا عديد الجماعات التي بدأت سريّة ثم انطلقَ ذيعها، أغلبها كانت تدّعي مهدويّة رئيسها، وأخرى كانت ومازالت تبحث عن بسط نفس المفاهيم الدنوية لإخوان الصفا، غيرَ أنها مادّية الطموح، ذلكَ أنها تبحثُ عن "المُكنة في الأرض" مثل جماعة الإخوان المسلمين. 
سريّة جماعة إخوان الصفا تفتحُ أمامنا تخمينين، الأوّل هو خوف سياسي واجتماعيّ، ذلك أن تلكَ الأفكار لا تستند إلى المُحكم الشرعي، بل هي إلى التطوير الذاتي والتنمية البشرية أقرب، وكذلك تعتمد على كثير من الأفكار الهندوسية واليونانية، وتُقحمها أيضا في فهم النصوص الدينية، كقولهم إن غاية الإنسان العظمى هي التشبه بخالقه قدر المستطاع، وهذا طبعا دينيا مرفوض رفضاً قاطعا.
والتخمين الثاني، هو احتفاظهم بالعلوم لأنفسهم، تماما كما فعل الحشاشون، وفرسان الهيكل، والمتنورون، والماسونيون، والصهـ.اينة، ومن لا نعلمهم. 
في الأخير، لا أريد أن أكون ناقلا كمنصة ويكيبيديا، بل حاولت ان أضعكم في المشهد بالعودة إلى القرن الرابع الهجري، ومن أبرز أقوالهم التي يمكنكم مناقشتها هي:
"الإنسانُ الكامل هو فارسيّ النسب، عربيّ الدين، حنفيّ المذهب، عراقيّ الآداب، هنديّ البصيرة، يهوديّ المخبر، مسيحيّ المنهج، شاميّ النُسُك، مَلكيّ الأخلاق، ربّانيّ الرّأي".

المقال 282
#عمادالدين_زناف 

#فلسفة 

الخميس، 28 أبريل 2022

الزيتيتيك!



الزيتيتيك، أو طريقة التشكيك! 
مقال مفصّل حول موضوع غائب عنا.

الزيتيتيك أسلوب إغريقي قديم يتمحور في الفصل بين المُعتقدات (الأمور الظنيّة) والحقائق العلمية والفكرية والإجتماعية، كذلكَ تفصل بين العلوم الحقيقية والعلوم الزّائفة، المعلومة الحقيقية والمعلومة الكاذبة، الدفاع الموضوعي عن بعض المعلومات والدفاع عن المعلومات المتأثرة بتعارض المصالح (مثل دفاع شخص ما عن شركة مُعيّنة، دون ذِكر أنه موظف فيها أثناء المحاجة، وهو أمر غير قانوني). 
يُمكننا استخراج نوعان من الزيتيتيكيين، أو لنقل "المُشككون، الشكاكون" حتى تَسهُلَ الكتابة ويَسهُل النطق. الأول هو الذي يدافع عن الأمور العلمية البَحتة، يُعارض الأفكار دون أن يتطرّق إلى الأشخاص، ولا يملك أي مصالح مُلتوية أو مَدخول مُقابل ذلك العمل، لأن أي مَدخول يُعرّض المُشكك إلى مفهوم تعارض المصالح، فمن يدفعُ له كي يصحح أخطاء الآخرين، سيدفع له ليدرأ عن أخطائه.
 النوع الثاني هو الذي يَخلط بين الجميع، أي، يَضع المؤمنين وأصحاب نظريات المؤامرة وأصحاب إيديولوجية مخالفة له في نفس الرُّكن، ويذهب لينتقدهم "علميا".
هاذا ما يُسمّى بالانحياز المعرفي والتأكيدي معاً، ذلكَ أنها ستصبح عملية دفاع عما يروق له، لا ما يقوله العلم بحياد. علماً أنه ليس من مهام الزيتيتيك الدخول في الحوار الثيولوجي بين المؤمن وغير المؤمن، ذلكَ أنه حوار ليسَ قائم عن إثبات علمي بالمعنى المادي الصريح من الطرفين، إنما هو قائم على الإيمان غيبا، أو النكران. طبعاً، هناك محاولات من الطرفين لاقتحام الجانب العلمي، لكن الحُكم ليس بيد المُشكك أو المُصحّح العلمي. 
كذلك، يخلط هذا النوع بين نظرية المؤامرة المُمكنة، ونظرية المؤامرة السخيفة (المستحيلة). 
ذلكَ أن هناك نظريات مؤامرة قابلة للنقاش، مثل تؤامر أطراف سياسية على أطراف أخرى للإطاحة بشخصية ما، وقد حدث ذلك مع الرئيس كيندي ومع غيره من الرؤساء والمُمثّلين وغيرهم، فمن غير المعقول أن يُقال ليست هنالك مؤامرة، إنما تبقى مؤامرةً مَقبولة ومنطقية، ذلكَ أنها قابلة للتصوّر والحدوث. لكن المؤامرة السخيفة تكمن في اعتقاد أن رؤساء العالم من سلالة الزواحف أو أن الأرضَ مسطّحة وأشياء من هذا القبيل التي لا يُمكن إثباتها بأي شكل ولا بأي حال من الأحوال، فيتطرّق الزيتيتيك مُغالطا وكاذباً لهذان النوعان بنفس درجة الاستخفاف، غير أن النوع الأول لا يوضع في نفس طاولة الثاني. 
 الزيتيتيكي باحث عن الحقيقة، حتى لو وجدها أنها تخالفُ هواه وما يريده. الزيتيتيكي الحقيقي، يبحث أولا عن تصحيح أفكاره ومعتقداته، قبل التطرق لأفكار ومُعتقدات الآخر ذلك أن من لا يُصحح لنفسه، لن يستطيع أن يَعدل مع الآخرين. 
ليسَ كل ما يُقال أنه حقيقة علمية وفكرية واجتماعية هو فعلاً كذلك، وهنا يأتي دور الشكّاك الباحث. 
المُشكك الباحث عن الحقيقة، لا يتقيّد بطبقة عن دونها، أو جهة عن أخرى، فهو يتطرّق لكل الجهات، بما يتماشى ومجاله العلمي، ذلكَ أنه لا يوجد شخص في العالم مُتمكّن في كل العلوم إلى درجة تصويب الجميع في كل المجالات. 
أولويّة الزيتيتيكيّ، هي معاكسة وإحباط محاولات التشويش العلمية من الذين يملكون القرار، وقدرة التأثير وقدرة الترويج، بعد ذلك، يمكنه الاعتناء بالبسطاء، الذين لا يملكون القدرة على التأثير. 
هناك مجموعة من الزيتيتيك الذين قرصنوا هذا المجال وجعلوه عبارة عن دعاية جديدة باسم العلم والإيديولوجية، أي أنهم مثلا يشككون في نجاعة الاشتراكية للترويج للرأسمالية، أو التشكيك في الفكر المحافظ للترويج للفكر المتفتّح، وكل هذا باسم العلم والتجربة. يُمكننا عقد مقارنات بين المفاهيم والنظريات، لكنها ليست أبدا من مهام المشكك، ذلك أنه لا يُروّجُ لشيءٍ ما، مهمته تنتهي في التصويب، بقول مثلا أن الاشتراكية تقول كذا وليس كذا، او أن الاشتراكيون قد قاموا بكذا ولم يفعلوا كذا، وفقط، دون التطرق إلى "البديل" أو الدعاية له. 
آخر شيء أريد التطرق له حول هذا الموضوع المعقد بعض الشيء، هو أن جميع المروجين لفكر أو نظرية أو علم أو معتقد ما، دون استثناء، يفعلون ذلك لتقوية فكرهم الخاص وشد الأزر فيما بينهم، أكثر من محاولة اقناع الآخر بذلك المنهج الذي يتبنّونه. لذلك، نلاحظ شيئا من التعالي والثقة عندما يتحدثون فيما بينهم، أو عندما يعرضون بضاعتهم في المنصات المرئية أو السمعية أو في الكتب، وكذا نوعاً من الاحتقار للجانب الآخر، وتقزيمهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة. وهذه العملية "إنسانية بحتة"، ليس فيها اعتداء على الآخر، لأن الإيمان العميق بشيء ما، عن قناعة وحب، يجعلك ترى نقيضها محلاً للسخرية في كثير من الأحيان، ذلك أن الآخر لم يصل إلى ما توصّلتَ إليه من فكر أو شعور عميق. بذلك، نجد أن الزيتيتيك، كغيره من البشر، لا يمكن أن يتجاوز بشريته باحتقار من لا يعلم ما يعلمه، وغالبا، تجده يستخف من يأتي بمعلومات خاطئة. وهذا الأسلوب، قد يظهر على محيّا المُشكك، وهذا ما يجعله عرضة للتنمر أو الكراهية أو "الإلغاء الإلكتروني"، أو قد لا يظهرُ عليه، وبذلك ينجح في إيصال رسالته التصويبية دون أي انزلاق لفظي أو جسدي، وهنا تكمن مهارات البشر "الوراثية". 
 على المُشكك أن يعلم بأن "المُخطئ" أو "صاحب نظرية المؤامرة" أو "المُدّعي" يملك المعلومة التي يملكها أو ربما أكثر منها، فالعملية ليس في محاولة سرد ما يقوله العلم وفقط، بل معالجة سبب عدم الوثوق بالعلم الحديث بكل تفرّعاته، قبل إعادة ما يقوله العلماء بشكل حرفي.

المقال 282 
#عمادالدين_زناف

الأربعاء، 27 أبريل 2022

تأملات في الفلسفة



تأملات في الفلسفة 📃 

يسأل الكثير من الذي يودّون ولوج عالم الفكر والفلسفة عن الكتب الأساسية في هذا المُحيط الواسع، ومنذ أكثر من سنتين تقريبياً، أردّد نفس الاقتراح، كُتب الرواقيين جميعاً.
من الإحسان ومن الغضب لسينيكا، المُختصر لإبتكتيتوس، وتأملات الإمبراطور الروماني ماركوس أوروليوس. لماذا؟ لأن الرواقية وفّقت بينَ أمرين أساسين في الأدب التربوي، الأول هو الفلسفة بكل ما تحمله من واقعيّة، الواقعيّة الرومانية المعروفة بالمبادرة والعمل والتوسّع، المتأثرة بطريقة مباشرة بالفلسفة الإغريقية الأم، التي، وعلى عكس الفلسفة الرومانية، هي فلسفة افتراضيّة (من الافتراض والفرضية) فكرية نفسيّة طوباويّة وعلميّة، والثاني هو الأسلوب السّهل، الكتابة الدّارجة، الكتابة القريبة من اللغة، أي، لا تعتمِدُ على البلاغة والمجاز والعالي، إنّما هو أسلوب يخاطب العوام، بتكثيف الحِكم فيما أصبحَ يُسمّى بالمأثورات. 
فإذا تكلّمنا عن تأملات ماركوس أوريليوس، فسوف نجدهُ أنه يقترب من أسلوب الخواطِر، بَيْدَ أن تأملاته أنضج من الخاطرة، ذلك أن الخاطرة لا تعدو أن تكونَ فكرةً غير ناضجة، أم التأمل، فهو التوسّع في مجموعة خواطر وأفكار مبنيّة على أسس تجريبية. فالمُتحدّث إمبراطور عظيم لدولة عظيمة آنذاك. يُحدثنا ماركوس عن أمور بسيطة بالرغم من أنهُ يتقلّد أعلى مناصب الدُنيا، ولا يُظهر أنه يشرح الحياة، بل أنّهُ يُظهر ما تعلّمهُ من تجاربه، فتجدُهُ يتحدّث بكل بساطة عن يوميات أي إنسان في هذه الحياة، حيق يقول في مأثورة "من الفجر، قُل لنفسك من البداية، سأقابل الحسود، الغيور، المُخادع، الغضوب" فهو بهذا يُعلمكَ بأنك ستقابل كل أنواع البشر، وبهذه المعرفة، لن تجد نفسكَ متفاجئا إذا ما صادفت واحد من هؤلاء، ذلكَ أن تعي ما يحملُهُ لك اليوم، وبهذا، ستكون ردة فعلك أكثر رصانة وحكمة، وأن برفضك لهذه الحقيقة الإنسانية، بوجود هؤلاء، ستجد نفسكَ تعاني من تكرار الصدمات والمفاجئات، ذلك أنك تنكر يوميا وجدو هؤلاء في كل وقت وحين. 
يقول، "لا تزعجني الأحداث، بقدر الآراء على تلك الأحداث"، وهذا لكي يجعل فكركَ يصبّ دائما عن الأحداث، لا عن التعليقات المحيطة بها، ذلكَ أن البشر لا يملكون نفس الخلفيات الفكرية، رغم نظرتهم الواحدة للأشياء، فالآراء تشوش وتحجب لنا حقيقة الأحداث، فقد يكونَ لكَ رأي سليم عن حدثٍ ما، غالباً ما يصابُ بتشوّهٍ عندما يختلط بآراء أخرى. لذلك، ليسَ عليك أن تراعي الآراء، بل عليك أن تهتم بالوقائع، كي يكونَ لكَ النظر الصحيح. 
هذا النوع من الفلسفات، حتى الإغريقية منها قد وَلّى. لذلكَ علينا أن نعودَ إليه من حين إلى آخر، ذلكَ أن الأمور البسيطة هي الأٌقرب للفهم والتنفيذ السريع، لمن لا يرى نفسه قادراً على الغوص في الفلسفة ذات البعد الجديد.
وإذا تكلّمنا عن فلسفة ذات بعد جديد، فلا يمكننا تحاشى ذكر هيجل كمثال غيرِ دارج، أو الفلسفة الهيجيلية، ذلكَ أن هيجل جاء بمفهوم مُطوّر للجدليّة (الديالكتيك)، فقد فسّر بأن لكلّ منا فكرة، ولتلك الفكرة حدود معرفية، وكلما وضعنا الفكرة تلك في النقيض الذاتي autocontradiction أو النقيض الخارجي، نعود إلا بناء الفكرة من جديد على أسس أكثر صحة ودقّة، إلى غاية بلوغ الفكرة الناضجة الكاملة، وهي نفس فكرة باشلار وكارل بوبر، كلمّا تعرضت النظرية العلمية إلى النقض والتفنيد، كلّما أصبحت أقوى، أو ضعفت واختفت.  تجربة التفنيد التي كانت منذ أيام سقراط، هي التجربة الفلسفية الأقوى لأي نظرية في أي علمٍ كان. 
فعندما نتحدّث عن الفلسفة، وبما أن هذا المقال يحكي بكل مسحي "تأملي"، نجد بأن للفلسفة أبواب ومدارس، لا يمكن تجاوز هذا التدرّج المعرفي فيها، فالفلسفة جارت الإنسان منذ بداياته، وتفاعلت وتطورت مع تطوّره، مع كبر مشاغله واهتماماته واكتشافاته. من هذا المنطلق، علينا أن نعلم أن فلسفة الغد لن تكون هي فلسفة اليوم، والقول بهذا لا يعني نفي الفلسفات القديمة، فكما أشرت، الفلسفات القديمة هي حجر الأساس لهذا الفكر، والتخلي عن الفلسفات القديمة يعيدنا لنقطة الصفر دائما. ذلك أننا لا جيب أن نتجاهل كُتُب وأقوال القدماء، لكلا نُعيد اختراع العجلة في كل مرة. فإذا أضاعت الإنسانية المبادئ الأولى للفكر، فلين تستطيع انتاج فلسفة تتماشى وعصر "ما بعد الإنسانية" أو عصر "الذكاء الاصطناعي الخالص".

المقال 281
#عمادالدين_زناف

الاثنين، 25 أبريل 2022

الفلسفة السياسية والأدب


🔱 الفلسفة السياسية
ما الفلسفة السياسية؟ ولماذا اخترتُ هذا الموضوع؟ 

سأبدأ أولا بشرح الفلسفة السياسية، منشأها وتفرّعاتها، ثم أبيّن سبب اختياري لهذا الموضوع. 
الفلسفة وكما تعرف عندَ اليونانيين هي حبُ الحكمة، الحكمة النظريّة فقط "سوفيا"، وليس التطبيقية، ما يسمي "فرونيزيس" Phronesis . تتفرع الفلسفة التطبيقية إلى شقّين، الشق الأوّل هو الفلسفة الأخلاقية، والشّق الثاني هو الفلسفة السياسية. 
الفلسفة الأخلاقية باختصار، تطمح إلى تدريس الفرد طريقة التعامل مع نفسه، مع محيطه، ومع المجتمع، حيثُ يمكننا أن نسميها أيضا الفلسفة "التربوية"، غيرَ أن التربوية لا تشمل كل المفهوم الأخلاقي، لذلك سُمّيت بالإجمال الفلسفة الأخلاقية لدراسة الحياة اليومية. 
أما بخصوص الفلسفة السياسية، فهي تدرس الحِكمة العملية في حياتنا الجمعيّة، والتي تنطلق من العائلة، ثم الحيّ، أو القرية، ثمّ المدينة، ثم البلد بكامله، والنظام أو النُظُم بشكل أكثر شمولية. 
يحدثُ تداخل مباشر بين الفلسفة الأخلاقية والسياسية، بحيثُ تفرض الحكمة الأخلاقية على الفلسفة السياسية نوعاً من الضوابط والالتزامات، ما يُسمى السياسية الأخلاقية، لكن هذا الفرع لن أتعمّق فيه لأنه لا يعنينا كثيراً في مقال اليوم. 
الفلسفة السياسية تعمل على طرح جدالات وتساؤلات حول الروابط المدنيّة (البوليسية  Polis، بالمصطلح اليوناني)، أهمها سؤالين محوريّين، سؤال عن السياسي، وسؤال عن السياسة. 
أما السؤال عن السياسي، هو في الأساس يدرسُ الإنسان وميوله، علم الإنسان له نصيب الأسد في شرح هذه العلاقة بينهُ وبين السياسة.  كيف يتعامل الإنسان بإنسانيته (بعيدا عن النظرة الأخلاقية للإنسانية) مع السياسة، كيف يقدّم ويأخذ من السياسة، كيف يكوّن مجتمعات داخل أُطر معينة، بقوانين معينة، السؤال عن السياسة يدرس الروابط الكامنة بين كل هذه المفاهيم ذات الحقل المعرفي الواسع. النتيجة التي يعبر عنها الفلاسفة من هذا المفهوم الأساسي، هي التي تقودهم إلى الجواب عن السؤال الثاني.
السؤال عن السياسة، والتي تدرس كيفية التعايش، العمل البُنيوي للجسد النظامي.
نتيجة السؤال الأول هي من تصنع الفارق بين الفلاسفة وعلماء الاجتماع! ذلكَ أن فكرة أن الإنسان حيوان سياسي التي جاءَ بها آرسطو، تعني بأن الإنسان قابل للتعايش مع الآخر، وعلى نقيض ذلك، إذا قال فيلسوف ما أن الإنسان غير سياسي بالفطرة، فهو بطبيعة الحال سيخرج بنتيجة أن التعايش مستحيل، وهو ما أنتجته الفلسفة الأناركية (ليست العملية بهذه السهولة، فالأناركية ترفض وجود النظام السياسي وليس النظام الاجتماعي، لكنني ذكرتها كمثال عام).
كذلك الجواب على السؤال الأول، يصنع عدّة انقسامات أيديولوجية، وأهم وأبرز انقسام في الطيف السياسي والايديولوجي والفكري تاريخيا هو الفكر اليساري والفكر اليميني، الذي ظهر إبان الثورة الفرنسية (التي أحدثت ثورة في الفكر السياسي العالمي)، بينَ من كان في يسار الملك وبين من كان في يمينه، بين اليسار المنفتح المتقبل للتغير والتطور المُدافع عن القضايا الأخلاقية مثل حقوق العمال والمرأة، وبين اليمين الذي يركّز على الشكل العام للنظام، في التمسك بعادات وتقاليد ودين البلد، بالتمسك بالثقافة وصدّ كل محاولات اختراقها، بصد كل محاولة تفكيكية للمجتمع، ما يسمى الفكر المُحافظ.
وهذا يدفعنا لمُصطلح النظرية السياسية، والنظرية السياسية هي عبارة عن أطروحات حقيقية من فلاسفة وعلماء من شتى المجالات تعمل على تطوير النظام السياسي العام واستشراف الاحداث، مع قراء الماضي. وأهم تخصص يقوم بهذا العمل هو تخصص العلوم السياسية، وتسمى علوما لأن السياسة عبارة عن تفرّعات، فكل تلك العلوم تصنع لنا سياسة معينية (توجه معين). 
إذا تحدثنا عن أعمدة الفلسفة السياسية سنجد أفلاطون وأرسطو، ثم جون جاك روسو ونيتشه وويليام جيمس والعديد غيرهم، فهم في الآن ذاته يتحدثون عن الفلسفة النظرية والتطبيقية، بشقيها الأخلاقي والسياسي. 
أما في الأدب، فيسمى الفرع السياسي فيه بـ الخيال السياسي، فستجدون معظم الروائيين العظماء قد خاضوا فيه بطرق مباشرة وغير مباشرة أمثال ستيندال وفيكتور هوغو ودوستويفسكي ودان براون.
الآن ومع نهاية هذا المقال، السبب في تناولي لهذا الموضوع هو أن روايتي القادمة ستكون في هذا النوع الأدبي، بذلك سنطرق بُعداً جديداً يتناول الواقع البحت بطريقة مختلفة وجديدة، أحاول فيها ملامسة العديد من النقاط في الفلسفة السياسية المعاصرة.

المقال 280
#عمادالدين_زناف

الأربعاء، 20 أبريل 2022

فن أن تجعل محاورك يبدو سخيفاً




عندَ سماعي لكل المناقشة والمساءلة والحوار الذي دارَ بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان في الدور الثاني لرئاسيات فرنسا، عادَت إلى ذهني جملة كنتُ قد كتبتها في رواية بشر لا تنين، والتي تقول (لقد ابتلينا بحمقى يسيئون الدفاع عن الحق، وحرمنا من أذكياء يحسنون الدفاع عن الباطل). طبعا، في هذا الحوار، لا يعنينا بشكل مباشر من الذي يملك الحق من الذي يروّج للباطل، لكن بطريقة غير مباشرة نعم، ذلك أن سياسة فرنسا لها ردة فعل مباشرة على وطننا. لا يعنينا أيضا، بطريقة مباشرة، فوز ماكرون أو لوبان، ذلكَ أن أيّا كانَ الفائز، فعلينا أن نُدافع عن مصالحنا وفقط، إلى هُنا أكون قد أقفلت قضيّة العلاقة بين رئاسيات فرنسا وبين المتابعين الجزائريين والعرب. الآن، سأتطرّق لموضوع المقال الأساسي، ألا وهو فن الكلام والمحاججة والمجادلة والمِراء والإقناع بشكل خاص. 
قبل التطرق إلى النقاط التي جعلت لوبان تظهر بمظهرٍ لا يليق بمترشّحة لرئاسيات الدولة، علينا ان نعلم أن عالم السياسة لا يخضع للأخلاقيات، وهذا لا يعني أنه غير أخلاقي بالمُطلق! ما أقصده أن الحوارات السياسية لا ترتكز عن الحقائق والوضوح والنزاهة، بل ترتكز على كيفية إظهار تلك الحقائق وكيفية التبليغ والمخاطبة لتلك الحقائق، والكيفية وحدها، هي التي تجعلكَ مُحقّاً، حتى لو كنتَ كاذباً ولَعوباً! السياسة ليست قرارات، بل هي أولا وقبل كل شيء إغراء المصوّتين، جعل المواطنين في وضعية المُوافقة المنطقية والعاطفية، أما القرارات، فكما يقول نيكولو ماكيافيلي "ليسَ على الأمير أن ينفّذ وعوده، بل من الأحسن ألا يقوم بتنفيذها"، لكي يُبقيَ على حكمه ويزيدَ من مَدَدِ عُمرهِ.
الجميع في فرنسا، والعالم، يعلم من هو ماكرون، يعلم أنه تسبب في عدّة كوارث داخلية، وكذا أزمات خارجية جيوسياسية، لكن دعوني أقولُ لكم أنه استطاعَ أن يظهر على أن خماسيّتهُ كانت مُحترمة جداً، بلغة الأرقام وبلاغة المنطق، لا لشيء سوى لأن منافسه لا يملك المستوى الكافي ليضعه في تناقضاته. أي منافس آخر كان ليجعل ماكرون مضطرباً في مكانهِ لا مُرتاحاً. 
إليكم أهم النقاط التي جعلت ماكرون يتسيّد الحوار بالكامل، وأكثر من ذلك، نقاط جعلتني أتعلّمُ منه فن الحوار والنقاش واستعمال الفلسفة أين يجب، الأرقام والإحصاء حيثُ يجب، والعاطفة والمشاعر أين يجب. 
1- استعملَ ماكرون أسلوب وضع المُحاور أمام تناقضاته، فقد أعاد استعمال مشروع منع الخمار إلى نحر لوبان، حيثُ قال إنها تدعي التفتّح على أكثر من الاتحاد الأوروبي، بينما لا تتفتح على الاختلافات في وطنها.
2- استعمل ماكرون حيلة تفادي وضعية الدفاع في كل مرّة، رغم أنه الملزم بالدفاع عن نفسه بما أنه الرئيس لآخر خمس سنوات، وراحَ يهاجم فِكر ومشروع حزب التجمع الوطني لمارين لوبان.
3- عملَ ماكرون على عرض مشروعه أكثر من محاولة الاشهار بمشروع لوبان، ذلك أنه يعلم بأنها لا تحسن التسويق لمشروعها، وأنها لا تستطيع البوح به بشكل مباشر، فاستغل ذلك الفراغ لكي يملأه بنواياه المستقبلية.
4- عمل ماكرون على لعب دور الأستاذ مع لوبان بالتصحيح المستمر لأخطائها، ولم يكن يتوانى في استعمال عبارات الحسرى بتذكيرها أنها لا تُحضّر.
5- استغل ماكرون المعلومات الهشة أو غير الصحيحة، أو التي كانت تبدو لوبان غير متأكدة منها، ليجعلها غير متحكمة بمواضيعها، وأنها بذلك غير مستعدة لفهم المواضيع الأكثر تعقيداً. 
6- استعمل ماكرون ورقة الحقائق والأرقام القابلة للفهم عند المشاهد، والقابلة للبحث السريع للتأكد منها، استعمل أسلوب التمثيل بالأمور البسيطة.
7- لم يتوانى في إعطاء الحق للوبان في بعض المواضيع، وذلك لأنه يستهدفُ إلى كسب ود من ينوون التصويت لها، فهو يُدرك أنهم إذا شعروا بأنها سيئة، فبدوره لا يجب أن يكونَ عدوّا لهم، بل صديقهم الذي يستقبلهم ويعمل معهم.
8- عندما يشرع في التكلم عن مشروعه، أو يتحدث مباشرة للمشاهدين، لا يُشاهد لوبان، بل يركّز في شيء آخر، ذلك أنك عندما تريد التركيز، فلا يجب أن تشاهد أحدا في أعينه، فذلك سيفقدك بعض النقاط المهمة التي كنت تريد التركيز عليها.  بينما كان لا يزيح نظره من أعينها عندما كانت تتحدث عن مشروعها، كنوع من الترهيب والتخويف والاستعداد للرد في أي لحظة. 
9- كان يستجمع حركات جسمه بطريقة مرنة، إما بوضع الكف على الخد، أو مسك القلم، وهي تقنية تجعل المحاور لا يعلم حالة الخصم النفسية من خلال لغة جسده، وتتركُهُ في حالة تشويش، فإما تدفعه للمزايدة والخطأ، أو تجعلهُ مهزوزا في مواضيعه.

كانت هذه أهم النقاط الذي جعلت ماكرون يتسيّد الحوار، رغم أن سنوات حكمه لم تكن موفقة إطلاقا، إلا أنكم سترون الجميع يركزون على سوء تعامل لوبان مع طريقة ماكرون وتحكمه في الحوار من البداية إلى النهاية.

المقال 279
#عمادالدين_زناف

الأربعاء، 13 أبريل 2022

متلازمة غوارديولا


متلازمة غوارديولا!

قبل بداية المقال، أشيرُ أن هذه المتلازمة غير موجودة، فلا تبحثوا عنها في جووجل، هذه المتلازمة من "استنتاجي الخاص".
جاءتني فكرة هذه المتلازمة منذ سنتين تقريباً، وفي كل مرّة أقول إن هذه "الفكرة"، تحتاج إلا حجج أكبر لكي تنضج وتصبح بهذا المصطلح القاسي نوعاً ما. ما المتلازمة؟ باختصار وبدون الدخول في الشروحات العلمية، من المصطلح نفسه نفهم بأنها عادة أو مرض، عضوي أو نفسي أو وراثي، يُلازم صاحبه. طيّب لمَ غوارديولا؟ هو ضحيّة فكرتي فحسب، وليسَ عن تقصّد، ذلك أن متابعي كرة القدم يعلمون جيّداً حقيقة ما سأقوله حول المدرب الكاتالوني الكبير. 
غوارديولا مدرّب ذكي جدا، لمن لا يتابع كرة القدم بشغف، أعرّف له بأنه يُدعى الفيلسوف، وإذا ما أطلق هذا الاسم عن شخص ما، فعلينا أن نعلم بأن هناك خلفية وراء ذلك. غوارديولا هو الرجل الذي طوّر أسلوب لعب أحدث ثورة في عالم كرة القدم وغير عدة مفاهيم، العديد من المتابعين يُرجعون ذلك الأسلوب لكرويف والكرة الهولندية الشاملة، نعم، لكن التطبيق الحقيقي الذي أتى بالنتائج كان عندَ بيب غوارديولا، فبالتالي فلسفة "التيكي تاكا" تُنسب إليه.
(إلى حد الآن لم نفسهم سبب استعمال مصطلح "متلازمة")، سآتي إلى التفكيك حالاً.
غوارديولا وكغيره من الفلاسفة (في كل المجالات)، هم يملكون شخصية غريبة الأطوار، شخصيات تُصرّ على فلسفتها بشكل مُستفزّ جداً، والمستفز في الأمر هو أنه ينجح بها، فلا حجة متينة للمنتقدين في غالب مبارياته التي يخوضها. لكن وفي الوقت الحرج والحساس، ينهزم شرّ هزيمة لأنه يخونُ فلسفته ويخضع للتغيير المفاجىء! فمن يتذكر مباريات غوارديولا في الأدوار المتقدمة في دوري الأبطال يفهم جيداً ما أقصده، فهو يُدير كل المباريات بأسلوب وتشكيلة رائعة ومتوازنة، وعندما يصل لنصف النهائي أو النهائي، يتحول إلى مدرب "أحمق" يُضيّع نفسه بنفسه عن طريق إحداث تغييرات ولعب مفاجئ على لاعبيه وعلى نفسه أيضاً.
وهذا ما أسميه بـ "متلازمة غوارديولا"، ذلك أنه يخون نفسه في آخر لحظة، وكما يُقال في العامية "على آخر سبولة قطّع صبعه".
كيف يكمن إسقاط هذه الفكرة على أشياء أخرى؟
في عدة أشياء، في الكثير من الحالات الانتخابية، يخسر المترشح عددا هائلا من الأصوات جرّاء التفوه بحماقات بسبب أسئلة الصحافة، كذلك، نجد أن الطلاب النجباء يقومون بحماقة في أوراق الامتحان، عن طريق سرد أشياء خارج الموضوع، رغم أنهم يحفظون الدرس عن ظهر قلب!
إنها مُتلازمة الوقت بدلا من الضائع، في الوقت الذي يجبُ أن تكونَ نفسك، أن تكون كما يجب أن تكون، تهدم ذلكَ بتجربة أشياء جديدة بالكامل لم تخبرها من قبل! فلا تفعل ذلك، كُن غوارديولا طوال الوقت.. وخاصة في أحلك الأوقات.

المقال 278

#

الاثنين، 11 أبريل 2022

هيمنغواي، أديب القوة



في عالم الأدب، هناك من هوَ مُنخرط في إيديولوجية سياسية وشعبية معيّنة مثل جون بول سارتر والحزب الاشتراكي، أو من هو داعم لتحرر الشعوب واستقلالها، دون التحيّز لشيء سوى الحرية مثل ألبير كامو، وهُناك من يشارك في قضايا، في بلدان أخرى، كصحفيّ ناقل للوقائع، كرحّالة ومصارع من أجل البقاء، كرجل حر، وكأديب استعادَ بريقه بعملٍ بآخر أعماله.
هيمينغواي ليسَ كغيره من الأدباء، فهو يمثّل الشخصية الميدانية التي لا تختفي وراء الصفائح والصحف، فكل ما ألّفه الأديب، كانَ نتاجاً لرحلاته وتجاربه المتعددة، وقد كان إرنست، على غرار مواطنه والروائي الشهير جاك لندن، من أواخر الروائيين في القرن الماضي، الذين كانوا يوفّقون بين التأليف الروائي والقَصصي والمقالات الصحفية، مع الترحال والعمل الميداني الناقل للحقائق، خاصة في أحداث الصراع الداخلي في إسبانيا. 
رواية الشيخ والبحر، لم تكن سوى إسقاطاً عبقرياً من الأديب عن حالته الحقيقة في سنواته الأخيرة، سنوات ابتعدَ فيها بريقه الأدبي ونَقُص كثيراً، فعادَ برواية قصيرة جداً، سهلة اللغة والتركيب، عميقة المعنى، ليحقق بها نوبل للأدب. فقد ظَهَرَ فيها على شكل الشيخ سنتياغو، الصائد الذي كَبُر وشاخ، ولم يَعُد يلقى سوى الذم والاحتقار من الأجيال الجديدة، والصائد الذي لم يعد يلقى دعما وإيماناً سوى من الفتى الذي كان يرافقه. في مُغامرة لإثبات الذات، تحدّى الشيخ سمك المارلين (خيل البحر) واستطاعَ اصطياده، ورغم التهام أسماك القرش للسمكة. فقد استطاع سانتياغو تجاوز ذاته مرّة أخرى. 
الاسقاطات الواقعية في الأدب الأمريكي بشكل خاص هي لبّ المحاور الناجحة عادةً، ذلكَ أنهم يجدون في المعاني الطبيعة السهلة والمُعبّرة، المرتبطة بالأرض والبحر والسماء، غاية نبيلة من الأديب ليقدمها لهم. فالأدب الأمريكي قد عرفَ توهّجاً بهذا الأسلوب القريب من الطبيعة، حتى تلك الروايات الفانتازية، تجدُ فيها سهولة في المعنى العام، وهدفاً واضحاً. 
اعتمدَ إرنست على الوَعي بالوعي في كتاباته، فهو لا يفرّ من الواقع، فلسفة الأديب تكمن في معالجة ما يجبُ معالجته دائما. فالوعي عندَه لا يتم إدراكه ومعرفته إلا بمواجهة الوقائع والأحداث حقيقةً لا مجازاً. 
من وصلَ منكم إلى هذا السّطر من المقال، فسيعلم أن عملي القادم سيكون فيه الكثير من الأسلوب الأمريكيّ في الأدب، وهو الأسلوب الذي سيخدُم الموضوع خدمةً نبيلة. 
المواجهة عندَ هؤلاء الأدباء، هي الباب المؤدي لمعرفة الحقائق، ومنها ننتج فلسفات خاصة تجعلنا حكماء أكثر من ذي قبل. هيمنغواي، مؤلّف يتعاطى مع الأدب كالملاكمة تماما، فهو مُصارعٌ وليسَ كاتباً بالمعنى التقليدي. 
من يكتب في الطبيعة وعن الطبيعة، لا يكون إلا مصارعاً وقويّ البنية والنفس، ذلكَ أن الطبيعة في الأدب الأمريكي مرة أخرى، ليست جميلة، بل قاسية جداً. وإنهُ من يواجه الطبيعة، مواجهة التلميذ لا المُعلم، فسوف يُدرك ما التراجيديا، سيدرك معنى انتهاء الأشياء الجيدة والقبيحة على حدّ سواء. 
في الأخير، قد يجد القارئ -المتشوق والمعتاد للأحداث الدرامية والخيالية العجائبية- نفسهُ غريباً عن هذا الأسلوب الأمريكي البراغماتي البسيط في الوصف والسّرد، فهيمنغواي يُمثّل الأديب الذي يصنع من البسيط أسطورة ميثولوجية بوسائل بسيطة مثل القوارب وسنارات الصيد، وقد يميل الإنسان، مع تقدم الخبرات والسن إلى هذه الكتب التي تذكّره بأن الحياة أولا وقبل كل شيء: صراع مع الواقع.

المقال 277
#عمادالدين_زناف

السبت، 2 أبريل 2022

أنت ضحية هذه الفلسفة



فلسفة المصفوفات عندَ جون بودريار. 
هي لا تُسمى فلسفةً، أنا من أضافَ عليها هذا، وستعلمونَ لماذا. في الحقيقية، المصفوفة هي مجموعة من الأعداد مكتوبة بشكل مستطيل عموديّ، بلغة أشهر، تُسمى the Matrix أو la matrice. وهي غير محصورة في الأعداد فقط، بل في الرموز والحروف أيضاً. 
لماذا تناولَ فيلم "ماتريكس" كِتاب الفيلسوف الفرنسي جون بودريار عندما أشار إليه في بداية الفيلم (Simulacres et Simulation)؟  ربما لأنه يشير إلى موضوع أعمق من الخيال العلمي الذي جاءَ به الفيلم، ورغم أن بودريار لم يوافق فكرة الفيلم التي ابتعدت عن مقصده الذي يرمي إلى ابتعاد البشر بشكل نهائي عن الواقع، أي أن وعي البشر سيصبحُ في عالم "ميتا"، ولن يكونَ لهم وعيٌ غير ذلك.
لكي نفهم فلسفته، علينا تقسيمها إلى بعض النقاط، وفي الأخير، سنجمعه في استنتاجٍ واحد. نحنُ في زمن الفائض المعرفي والمعلوماتي والإخبارين فائض لا يمكننا عقلنتُهُ، ولا فهمهٌ، ولا تحليلهُ. كثرة الأخبار وتتابعها تجعلُ منا كالبُلهٌ أمام الشاشات، لا نَصلُ بين الخبر والآخر، هي أرقام متتابعة، ذلك المزيج من الأشياء المُحزنة والمفرحة والتعيسة والمضحكة قد أماتت المشاعر الحقيقة التي يجب أن نقف عندها بعد كل شيء. تتابع المعلومات بشكل عموديّ سريع يُفقدها معناها بشكل كامل. الرموز، أو الرمزية، التشفير، الدلالة، الرقمنة، كلها مصطلحات ترمي إلى الاختصار والتحجيم.
ما الذي يقصده بودريار بمُجتمع الرمزية؟ 
   باختصار، يقصد أننا نشتري الرمزية لا المُحتوى. يمكنني أن أقف هثنا دون شرح، لأن خيال القارىء لوحده كفيل بحلبِ الأمثلة لوحدهِ، نحنُ نشتري علامة أديداس لا الحذاء عينه، نشتري علامة أيفون لا الهاتف، نشرتي الروايات لا محتوياتها، نشتري العلامات التجارية في كل شيء، ونعتقد أننا نصيب الاختيار، نقوم بما يلزم طول الوقت، حتى في مواقع التواصل، نتعامل مع الرمزيات، كل من لهُ إشارة نعتبره مُحقاً، دونَ وعي، عن ثقة بالعلامة، عن ثقة بالرمز، عن ثقة بالتشفير.
إلى ماذا يقودنا التشفير والعلامة؟ 
يقودنا مباشرة إلى عالم المُحاكاة، فنحنُ الآن مهيؤون للمرحلة الثانية، بعد أن فقدنا قيمة المحتويات وعمقها، فقدنا أصل الأشياء ومعانيها، سنمرّ إلى العالم الموازي الذي سيعمل على ابعادنا نهائيا عن الواقع. من الذي سيُكذّبُ الآخر في عالم يعتمد على الصّور والمرئيات؟ لا أحد! الصورة هي الحقيقة الوحيدة التي يتبادلها البشر، بينما يعلم الجميع في لا وعيهم الجمعي أن الصورة يُتلاعبُ بها، وأن بيعَ الوهم فيها أسهل بملايين المرات من بيع الكلام في الواقع، لكن لا أحد يهتم، ذلك أن الجميع يتعامل بنفس الطريقة مع محيطه، فالجميع يوهم محيطه أنه نجمٌ في مجالهِ إذا ما اختار الصورة المناسبة في الوقت المناسب، الجميع يمكنهم ايهام محيطهم أنهم في مكان ما من هذه الأرض، دون حاجة لإثبات ذلك في الواقع، ذلك أن الصورة هي الواقع الوحيد بالنسبة لهم.
 في عالم المُحاكاة، لا يوجد تيار سياسي، لا توجد أيديولوجية معينة، لا يوجد اختلاف، الجميع يعملون على صناعة صورة واحدة، ذلك أنهم يرونَ التفوق والنجاح من نافذة واحدة. لكن الذين يحرّكون هذه المحاكاة، يصنعون دائما تياراً وهمياً لمحاربته، لأن انتهاء الحروب بالنسبة للدول العظمى، يعني تآكلها داخلياً، فهم يصنعون العدوّ لكل مرحلة، لكي يتحجّجوا في كل مرة عن أسباب بقائهم.
الوهم عند بودريار، أن القالب يغلب المُحتوى، فعندما تشاهد متحفاً ما، تجد أن بناءه المعماري يتفوّق جمالاً عن كل اللوحات والأعمال التي بداخله، عندما ترى أغلفة الكُتب، تسيل لعابك من جمالها، لكن محتوياتها مٌفزعة في الخواء. 
في عالم ماتريكس، عالم الأرقام، صرنا لا نسأل المارة والأحياء عن مكانٍ ما، نعتمد على هواتفنا ونصدق الافتراض عن الواقع والتجارب. طلّقنا الواقع بشكل شبه نهائي، لم نعد نثق فيه، ثقتنا أصبحت في العالم المُحاكي الذي كان يخشاهُ أفلاطون. 
انتقد بودريار فيلم ماتريكس، لأنه أظهر أنه بإمكاننا الخروج من عالم ماتريكس، عالم الرموز والأعداد، وقد قال إن هذا لم يعد ممكنا.
تكمن قوة هذا الفيلسوف أنه قال هذا في سنوات الثمانينات، وقض امتنع عن الإعلام قبل سنوات من وفاته (2007) لأنه جعلهم جميعا في قائمة السفهاء. فلسفة بودريار ديستوبية، لكن مع ذلك، وفي كتابه l’échange symbolique et la mort   أشار بإمكانية "انفجار" كل هذا مع الإرادة القوية للبشر الذين يرفضون هذه القيود، فالإنسان يبقى غير مُتوقّع، فقد ينقلب على كل نظامه المعيشي.

المقال 276
#عمادالدين_زناف

الجمعة، 1 أبريل 2022

أتحب الرداءةَ خِفيةً؟



 كل ما هنالك، هو أننا نَشعُرُ بالذنب عندَ استمتاعنا بالرّداءة. 

المُتعة المُصاحبة للذنب، هو شعور يتملّك الشخص "الواعي" برداءة أو بخطورة الشّيء الذي يقرأه أو يُشاهدهُ، يَقومُ بذلك مراراً وتكراراً خفيةً عن الأنظار، مع استنكارهِ وامتعاضهِ الشديد لتلك المواضيع عندَ العامّة ومع الأصدقاء، وهو شعور مُختلف بعض الشّيء عن "النفاق"، ذلك أنّ النفاق هو الكذب في المشاعر، بينما الشعور بالتقزّز من الشيء الذي نقوم به، هو شعورٌ صريح، لكنّنا مع ذلك نستمتعُ به.  
 كيفَ نُفسّر ذلك؟ 
إننا نُدرك حقّ الإدراك ضرورة البحث عن الأمور التي تفيدنا معرفياً وفكرياً، بينما نُدركُ أيضاً أن تلك العمليّة ليست بالشيء الهيّن، فالباحثُ عن الأمور النافعة يعلمُ أنّه سيصبِحُ فعّالاً، أي، سيُصبحُ قارئاً أو مُشاهداً إيجابياً لا سلبيا. فما الفرق بينهما؟ الفرق أن القارئ أو المُشاهد السلبي، يكتفي بالقراءة والمشاهدة، بنظرة غير نقدية، أو غير مُركّزة مع التفاصيل، فهو يكتفي "بالمتعة الآنية"، وأن الشيء الذي يقرأه أو يشاهده، سريع التفاعل مع الخيال والعاطفة، ولا يحتاج مجهوداً عقليا للتفسير أو التحليل.
 بينما القارئ أو المشاهد الإيجابي، فهو يُخاطب الأعمال التي بينَ يديه، يركّزُ معها، ينقّب عن التفاصيل التي فيها، لمعرفته التّامة لقيمتها وغنائها المعرفي، فهو بذلك يشغّل جامّ أعصابه صوب ذلك الشيء. وبما أن الإنسان خُلّة بين الإرادة والكسل، فهو في آخر كل يوم متعب لا يبحث عن أشياءَ تتطلّبُ منه تفكيراً وتنقيباً، فيتوجّهُ مباشرة للأمور "السطحية"، سريعة الالتهاب والاحتراق مع الخيالات والعاطفة والأحلام. وهذا ما تستغلهُ منصّات عالمية مثل نيتفليكس، ومواقع التواصل بشكل عامّ، فهي تستغلّ فترة الكسل والفراغ والتعب، لتجعل الفرد مدمناً على المحتوى سهل الهضم والفهم، الذي يدفع الكسولَ والمتعب للبقاء مخملا أمام ما يُشاهده.
لكن، لمَ لا نعترف بأننا نحبّ السّخافات؟ 
نعم، نحبّها، كيفَ لا، والمحتوى السخيف في صدارة كل المجالات، الموسيقى الأدب الأفلام وغيرهم، من الذي يُساهم في بقائهم في الريادة عدى جانبنا الكسول، القاتل للوقت؟ 
نحنُ نعلم علم اليقين أن الأمر الذي لا يدفعنا للتفكير، فهو بالضرورة يدفعنا لتفريغ ما تبقى من طاقتنا للبحث المعرفي المُفيد. وأننا نُدرك أن أفلام مارفل، والخليعة، والرومانسية، لا تقودنا لشيء نافعٍ، بل تأخذ ما تبقى من يومنا الذي سلّمناهُ لشيء لا يُسعدنا كثيراً أيضاً. لذلك، نحن لا نُريد أن نعترف بأننا نشتري كُتباً سطحية، ونشاهد أفلاماً غبيّة، ذلك أننا لا نُريد لصورتنا الاجتماعية أن تهتزّ، ونحن لا نُنافق إذا ما قُلنا إن تلك الأشياء مُهلكة ومضرّة، لكننا نعود ونقول لأنفسنا: هي سيّئة، لكننا نُحبّها. 
ما يُمكن قوله في النهاية، يتطابق مع ما قاله غوستاف يونغ، عندما أشار بأن القناع الذي نلبسه للمجتمع لن يختفي، فنحنُ نُحافظ على شكل مقبول بين الناس، لكن علينا أن نجعلَ أنفسنا أقرب لتلك الشخصية التي نُريها، قدر الإمكان، كي لا نُعاني من ذلك الانفصام الأخلاقي والفكري الذي يُشعرنا بالذّنب يومياً.

#عمادالدين_زناف 
المقال 275