🔱 الفلسفة السياسية
ما الفلسفة السياسية؟ ولماذا اخترتُ هذا الموضوع؟
سأبدأ أولا بشرح الفلسفة السياسية، منشأها وتفرّعاتها، ثم أبيّن سبب اختياري لهذا الموضوع.
الفلسفة وكما تعرف عندَ اليونانيين هي حبُ الحكمة، الحكمة النظريّة فقط "سوفيا"، وليس التطبيقية، ما يسمي "فرونيزيس" Phronesis . تتفرع الفلسفة التطبيقية إلى شقّين، الشق الأوّل هو الفلسفة الأخلاقية، والشّق الثاني هو الفلسفة السياسية.
الفلسفة الأخلاقية باختصار، تطمح إلى تدريس الفرد طريقة التعامل مع نفسه، مع محيطه، ومع المجتمع، حيثُ يمكننا أن نسميها أيضا الفلسفة "التربوية"، غيرَ أن التربوية لا تشمل كل المفهوم الأخلاقي، لذلك سُمّيت بالإجمال الفلسفة الأخلاقية لدراسة الحياة اليومية.
أما بخصوص الفلسفة السياسية، فهي تدرس الحِكمة العملية في حياتنا الجمعيّة، والتي تنطلق من العائلة، ثم الحيّ، أو القرية، ثمّ المدينة، ثم البلد بكامله، والنظام أو النُظُم بشكل أكثر شمولية.
يحدثُ تداخل مباشر بين الفلسفة الأخلاقية والسياسية، بحيثُ تفرض الحكمة الأخلاقية على الفلسفة السياسية نوعاً من الضوابط والالتزامات، ما يُسمى السياسية الأخلاقية، لكن هذا الفرع لن أتعمّق فيه لأنه لا يعنينا كثيراً في مقال اليوم.
الفلسفة السياسية تعمل على طرح جدالات وتساؤلات حول الروابط المدنيّة (البوليسية Polis، بالمصطلح اليوناني)، أهمها سؤالين محوريّين، سؤال عن السياسي، وسؤال عن السياسة.
أما السؤال عن السياسي، هو في الأساس يدرسُ الإنسان وميوله، علم الإنسان له نصيب الأسد في شرح هذه العلاقة بينهُ وبين السياسة. كيف يتعامل الإنسان بإنسانيته (بعيدا عن النظرة الأخلاقية للإنسانية) مع السياسة، كيف يقدّم ويأخذ من السياسة، كيف يكوّن مجتمعات داخل أُطر معينة، بقوانين معينة، السؤال عن السياسة يدرس الروابط الكامنة بين كل هذه المفاهيم ذات الحقل المعرفي الواسع. النتيجة التي يعبر عنها الفلاسفة من هذا المفهوم الأساسي، هي التي تقودهم إلى الجواب عن السؤال الثاني.
السؤال عن السياسة، والتي تدرس كيفية التعايش، العمل البُنيوي للجسد النظامي.
نتيجة السؤال الأول هي من تصنع الفارق بين الفلاسفة وعلماء الاجتماع! ذلكَ أن فكرة أن الإنسان حيوان سياسي التي جاءَ بها آرسطو، تعني بأن الإنسان قابل للتعايش مع الآخر، وعلى نقيض ذلك، إذا قال فيلسوف ما أن الإنسان غير سياسي بالفطرة، فهو بطبيعة الحال سيخرج بنتيجة أن التعايش مستحيل، وهو ما أنتجته الفلسفة الأناركية (ليست العملية بهذه السهولة، فالأناركية ترفض وجود النظام السياسي وليس النظام الاجتماعي، لكنني ذكرتها كمثال عام).
كذلك الجواب على السؤال الأول، يصنع عدّة انقسامات أيديولوجية، وأهم وأبرز انقسام في الطيف السياسي والايديولوجي والفكري تاريخيا هو الفكر اليساري والفكر اليميني، الذي ظهر إبان الثورة الفرنسية (التي أحدثت ثورة في الفكر السياسي العالمي)، بينَ من كان في يسار الملك وبين من كان في يمينه، بين اليسار المنفتح المتقبل للتغير والتطور المُدافع عن القضايا الأخلاقية مثل حقوق العمال والمرأة، وبين اليمين الذي يركّز على الشكل العام للنظام، في التمسك بعادات وتقاليد ودين البلد، بالتمسك بالثقافة وصدّ كل محاولات اختراقها، بصد كل محاولة تفكيكية للمجتمع، ما يسمى الفكر المُحافظ.
وهذا يدفعنا لمُصطلح النظرية السياسية، والنظرية السياسية هي عبارة عن أطروحات حقيقية من فلاسفة وعلماء من شتى المجالات تعمل على تطوير النظام السياسي العام واستشراف الاحداث، مع قراء الماضي. وأهم تخصص يقوم بهذا العمل هو تخصص العلوم السياسية، وتسمى علوما لأن السياسة عبارة عن تفرّعات، فكل تلك العلوم تصنع لنا سياسة معينية (توجه معين).
إذا تحدثنا عن أعمدة الفلسفة السياسية سنجد أفلاطون وأرسطو، ثم جون جاك روسو ونيتشه وويليام جيمس والعديد غيرهم، فهم في الآن ذاته يتحدثون عن الفلسفة النظرية والتطبيقية، بشقيها الأخلاقي والسياسي.
أما في الأدب، فيسمى الفرع السياسي فيه بـ الخيال السياسي، فستجدون معظم الروائيين العظماء قد خاضوا فيه بطرق مباشرة وغير مباشرة أمثال ستيندال وفيكتور هوغو ودوستويفسكي ودان براون.
الآن ومع نهاية هذا المقال، السبب في تناولي لهذا الموضوع هو أن روايتي القادمة ستكون في هذا النوع الأدبي، بذلك سنطرق بُعداً جديداً يتناول الواقع البحت بطريقة مختلفة وجديدة، أحاول فيها ملامسة العديد من النقاط في الفلسفة السياسية المعاصرة.
المقال 280
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق