الأربعاء، 31 مارس 2021

مسؤولية المثقف عند علي شريعتي



ان مسؤولية المثقف تتمحور في ايصال الفكر للناس  ونشر الوعي الحضاري، فالحامل للزاد الثقافي،  مكلف بالعناية  بما يحمله،  فحركة التغيير وصناعة المستقبل والتجديد والنهضة، وصناعة أجيال  تحمل الهم العام للأمة،  لا تكون الا في ايدي النخبة المثقفة، ” لا يمكننا ان نمضي في هذا الصمت ونتحمله كما لا يمكننا ان نقول شيئا. ولكننا سوف نظل صامتين،  اني تغمرني احاسيس من يحتضر ويفارق الحياة وهو على يقين بأن ثمة راحة وطمأنينة ونجاة،  بعد عذاب الحياة المدني الذي لا يختلف على طول العمر المديد، (..)  لقد هجر اولئك حياتهم اليومية،  وظلت ارواحهم خالدة، فالموت فاجعة أليمة،(..)،  يا لهم من عظماء اولئك الرجال الذين استمعوا لهذا الأمر من الله سبحانه وتعالى فاتبعوه.“
كانت هذه توطئة  لعلي شريعتي في احد كتبه،  فهو يربط رباطا وطيدا بين المثقف والمجاهد في سبيل الله،  وكان يرى في ثورة الجزائر  بذور الوعي الثقافي،  الثقافة هي ثورة في ذاتها، والثورة هي الثقافة،  والثقافة هي نشر الوعي على اوسع نطاق.
المقال الـ132 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف 
فقد كان نضال علي شريعتي على ثلاثة انشطة،  النضال الفكري، النضال العلمي، والنضال لرسم طريق متكامل لنظام تعليمي حقيقي،  فقد كانت مرحلته في السوربون بفرنسا  بمثابة  غذاء فلسفي كبير جدا،  خاصة وانه عاصر  تصاعد الفكر الوجودي والعبثي لكامو وسارتر وغيرهم،  مما كوبنا عنده فكرة عامة عن الثقافة والفكر،  بما انه ايراني مسلم، يتحدث باللغات الثلاثة،  وعصر كل انواع التشنجات الاجتماعية والثقافية و الايديولوجية والسياسية.
”الرجل الصالح لا يتركه الزمن ولا تتركه الحياة لوحده، فحياته تدافع عنه، والزمن يبرئه، ولا يتمكن الانذال من ان يدنسوا الطاهرون الرجال مهما رموه بحجر او اطلقوا عليه من كلاب“. كتاب كوير.
اعتبر علي شريعتي قضية المثقف  من القضايا الحساسة جدا،  وعلى درجة  كبيرة من الأهمية في الصعيدين الاجتماعي والمحلي أي الإقليمي، ” منذ القرن السابع عشر تشكلت في اوروبا طائفه تسمى شريحة المثقفين، وبعد القرن التاسع عشر اخذت هذه الطائفة تشق طريقها الى الدول غير الاوروبية من افريقية واسيوية وامريكية ولاتينية،  وذلك باسمها وخصائصها وسماتها التي تشكلت بها في اوروبا،  وما لم يعرف المرء نفسه، وما لم يعرف المثقف نفسه، فلن تتيسر له معرفه مجتمعه،  ولن يستطيع ان يقوم بالرسالة التي يدعيها لنفسه، أي انه على المفكر، اينما كان، ان يعلم الخصائص التي تميزه،  وفي اية ظروف تاريخية واجتماعية نشأ،  والى أين تمد خصائصه هذه جهودها.“
بين المثقف الأصيل والمثقف المقلد عند علي شريعتي! 
«تعد شريحة المثقفين في المجتمعات غير الاوروبية  نسخو مقلدة تماما عن شريحه المثقفين في اوروبا وبلا زياده او نقصان،  و من هنا لا يمكن ان نعرف انفسنا، و ندرك نقاط الضعف والقوة فينا  ما لم نقم  بتحليل النسخة الاصلية،  لنرى في اية ظروف تكونت شريحة المفكرين في اوروبا، وفي ظل اي مؤثرات تاريخية واجتماعية ظهرت خصائصها الطبقية والنفسية والفكرية والعقائدية والروحية».
نحن نخطئ كثيرا في  وصف المثقف،  وبالتالي جرى علينا الخطأ تماما في تفسيرنا لأنفسنا كمثقفين،  الكلمة التي تعادل المعبر عنه بالمثقف في لغتنا هي في اللغة الأوروبية "انتلجانسيا"،  والصفة منها هي intelectuel،  واصل الكلمتين  معا هو الذكاء " انتلكت، انتليجونس".
”هذه الكلمة تعني الفطنة او الذكاء او العقل او القدرة على الادراك والفهم والاستنتاج،  وعليه، فكل انسان ذكي يبرز ذكاؤه وفكره وفهمه عن سائر مواهبه الاخرى في حياته ومجتمعه فهو مثقف“،  واذا اردنا تعريف المثقف اصطلاحا،  هو كلمة تطلق على فرد من طبقة او شريحة معينة تقوم بعمل عقلي.
ومن هنا في المقاس هو العِلية او السببية،  الذين يعد العقل الأداة الاساسية لعملهم نسميهم ”أهل الفكر“،  والذين تعتمد أعمالهم على سواعدهم نسميهم ”عمال يدويين“.
”ان مرادف كلمه مثقف في اللغة الفرنسية هو كلمة "clairvoyant"،  ومعناها بعيد النظر او المستنير،  و تعني ذلك الذي لا يتصف  بالتقيد والتوقف ولا يفكر بجمود عقائدي، بل يفكر بوضوح وسعة أفق، ويميز عصره والارض الذي يقف عليها، وموقع البلد الذي ينتمي اليه، والمشاكل التي تطرح في مجتمعه، ويستطيع تحليلها وتقديم الادلة لها وافهامها للأخرين، هذا هو المستنير بالمصطلح الفرنسي الذي يرادف كلمة مثقف عندنا“.
«فالذي يتحاشى مشاكل بلده، على انها ليست من شانه، فهو ليس مثقف بالمرة».
وبهذا نرى كيف صنف علي شريعتي  خصائص المثقف والمثقفين،  وانواعهم، مع واجبات المثقف الحقيقية،  التي تخدم مجتمعه وامته بشكل رئيس.
#عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 30 مارس 2021

عن الاستيــاء


كيفَ ولمَ تتحول شخصية ”السّاعة او الـتراند“ من.. 
”محبوبة و مُحترمة“ الى ”محل سخرية“ و ”تقزيم“؟
_


يشرحُ لنا علم النفس/الإجتماع بشكل عام هذا ”المصعد العاطفي“ الذي ينزل ويصعد بشكل ”قالبه“ عبثي غير مفهوم، والذي عمقه يعود لـ ”الاستياء“.
الاستياء هو ”الشعور بالملل“ من شيءٍ ما، حيث يمكننا تفكيك هذا الشعور الى عدة أسباب، المسبب الأول للاستياء العادي هو التكرار، فعندما يتكرر نفس الأمر لمدة معتبرة، يشعر المرء بالامتعاض، دون تقييم ”أخلاقي“ للشيء، أي، بعيدا عن كون الأمر إيجابي أو سلبي، خيراً أو شرّاً.
ثم ينتقل سريعاً هذا الاستياء "العادي" الى الاستياء ”بالهوس“، ويُقصد بالهوس هنا، هو أن الأمر تعدى القلق من التكرار، الى الإستياء من الشخص ذاته!، أي أن الشخص اصبح يشكل قلقاً للمُستاء.
وأخيراً، ينتقل هذا الهوس الى الدرجة القصوى، الاستياء ”الساخر“، وهو اعمق أنواع الاستياء، يشعر فيها المستاء برغبة كبيرة في التقليل من قيمة الشخص، وليس فقط الاكتفاء بالاستياء على أساس ”الملل“، وهنا يُوظّف المُستاء
طاقته لكسر الشخص الذي يعتلي ”التوندونص“.
إذا كان ذا مُكنة ثقافية ويملك قدرة على القيادة والتملك، فسوف يجمع حوله نفس المحبطين لشن هجماتٍ شرسة ومخطط لها ضد شخصية الساعة.
أما مجموعة المحبطين متوسطو الذكاء والمكنة الثقافية، فسوف يجتمعون على ضرب الشخصية ”تحت الحزام“، كوسيلة تدمير مختصرة ونهائية.
فبشكل تلقائي، اي شخصية تتسيّد حديث الساعة، وان كانت محبوبة، او محترمة، فسوف تأخذ نصيبها من مجموعة المستاءين، وعليه، يجب عدم الأخذ بعين الاعتبار، الآراء التي تكون مكثفة في ظرف وجيز، فالإنسان يشعر بالخطورة كلما ”زُحزحت“ منه النجومية والاهتمام، وسيتهم كل شخص بارز، أنه سبب وحدته.

#عماد_الدين_زناف

الأحد، 28 مارس 2021

بين العاطفة والمنطق



بين العاطفة والمنطق!
المقال 130 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف 
..وأنا أتسكّع في بعض الصفحات والمواقع والمدونات، ما زلت أصادف نفس الإشكالية التي تطلّ برأسها الساخر، إشكالية اِسقاط القول على القائل، حيث يوجب العديد منا ان يكون القائل مؤمنا بقوله، ومُشبّعا بما يقول، ويكون أسلوبُ حياته من قوله وقوله أسلوب حياته، والا، فتُرفض أقاوله، بحكمٍ عاطفي غير قائم الا على "الإحساس" بالمكر والخديعة، أو النفاق، رغم ان صاحب القول يمكنه ان يكوناً رسولاً للمنطق، مجبراً لا بطلاً، لا مؤمناً به حق الايمان.
ولي في هذا الموضوع عديد الأمثلة الدامغة في بطلان العاطفة في قول القائل، فقد أوحى الله الي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالحوار الذي دار بين ابليس وربه "الحوار كان بإذنه".
 قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) 
في حديث قُدسيّ، "وعزتك وجلالك لأغوينهم مادامت ارواحهم في أجسادهم" فيقول الله "وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما داموا يستغفرونني".
هنا اقرارٌ واضح من ابليس ان الله ربه ورب العالمين، "ولا تُقوّلوني ما لم أقلهُ"، ابليس أقرّ أنه ذو العزة والجلال رب العالمين، مادام ابليس مُقرّ بعزّة الله، والمعروف عن ابليس أنه كاذب في جميع الحالات.. انه يريد أن يمكر بنا بهذا الإقرار؟، لمَ خلّد الله تعالى إقرار ابليس بربوبيته في كتابه العزيز؟..
لأن الحق لا يُعلى عليه، فرغم ان ابليس ملعون، ويعلم لعنته، فهو يُقرّ بما هو معلوم ولا شكّ فيه، حتى بكفره وتمرّده.
أحمل لكم مثالا آخرا.. أقل قيمة، عندما كتب جون جاك روسو كتابه العقد الاجتماعي لقى عديد الانتقادات العاطفية، وما زالت الى يومنا، فحواها أنهُ هو نفسه غير أخلاقي ومُهمل لأسرته وأبنائه، فكيف يُعلّم البشرية طرق العيش الاجتماعي؟.
اضرب رأسي بكفي مُجددا، هل يمكننا القول إن الرجل الذي ينصحنا بشرب الماء وهو "يُنجّس" في الماء الشروب، ان بفعلته تلك لم يعد الماء صالحاً للشرب؟، بما انه يُنجّس فيه ولا يحترمُ نصيحته؟، لا أعلمُ عنكم، لكنني سأكون مُمتنا لنصيحته، رغم منظره المناقض لقوله.
 آخر مثال، هو أقوال الملاحدة التي تُنصف الإسلام، دعونا نتفق أننا لسنا بحاجة لتأكيد منهم، لأننا مؤمنون "تلقائيا" أو عن "قناعة"، لكل قناعاته ونواياه، لكننا لا نُمثّل سُرّة هذه الأرض، أي أن القول الحقّ حقٌّه أن يُقال، أن تمتعض من قائله، وعلى ماذا مات قائلُه، وكيف عاش القائل، ثم التنقيب في آراءه حول مواضيع أخرى، فهذا يُعتبر سفسطة وتشويش وخروج عن الموضوع الأصلي، بل والأمرّ، يُعتبر تشويهاً لعقلك، وابرازاً لعيبك في التفريق بين العاطفة والمنطق ( ما ينطقه الانسان عن حق).

#عمادالدين_زناف

السبت، 27 مارس 2021

ألبر كامو..العبثية هي الجواب



ألبرت رجل يساري، حمل على عاتقه همّ العدالة الاجتماعية، ورغم اتفاقهم حو الكثير من الأفكار الوجودية والعبثية، هو و جون بول سارتر، الا أن الاختلاف بينهما ظهر جلياً في الجانب السياسي،وصل حد العداوة، بما ان سارتر شيوعيّ الإيديولوجية، وكامو ”لا إيديولوجي“ او كان يخشى تأثير الإيديولوجية على إنسانية الفرد، وقد استنكر التعسف الذي كان يتعرض اليه الشعوب جراء الحكم الشيوعي، تماما كسابقه النّا-زي والفا-شي.. وكل ما هو شُمولي!
فبعد إصدار كامو لكتابه الإنسان المتمرد في 1951، الذي انتقد فيه بشدة الفلسفة الوجودية، رد عليه سارتر ”بعنف“ في مقالة بجريدة ”les temps modernes“ في سنة 1952، وانتهت الصداقة بينهما بعد ذلك.
فما هي أبعاد الفلسفة التي انتهجها كامو؟ ولمَ اختلف عن غيره من المفكرين؟
المقال الـ 129 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف 
ألبير كامو هو المفكر العبثي الأشهر في فرنسا للقرن العشرين، ويظهر ذلك جليا في كتبه الثلاثة، والتي كتبهم في ثلاث أجناس ادبية مختلفة: 
أسطورة سيزيف (محاولة) 1942، الغريب (رواية) 1942، كاليجولا (أدب مسرحي) 1944.
فقد وزّع فكره الفلسفي العبثي في الأجناس الأدبية بشكل عبقري، عبثية كامو تكمن في عمقه الأدبي.
”هناك مشكلة فلسفية واحدة وجادة، إنه الإنتحار، الحكم إن كانت الحياة تستحق أن تُعاش أو لا، هو الإجابة على السؤال الرئيس للفلسفة.“
هذا الاقتباس يلخص ”تشدد“ كامو في عبثية الوجود.
إذا كان العالم عبثيا، فلمَ العيش؟، ولمَ هذا التمسك بالحياة؟، العبثية تلامس حقيقة الإنسان الأولى في الوجود: أعماق كينونتنا، العبثية ليست غطاء ثقافي تعجيزي، بل هي أصل يُبنى عليه، هكذا يشرحها كامو في أعماله.
السؤال حول العبثية، يعني التساؤل حول قيمة الحياة، فماهي إذا قيمة الحياة؟ ومن أين نستمد هذه الطاقة للعيش؟
عكس الأبيقورية، يطرح كامو تساؤلاً: لمَ نرى الموت على انه أمرٌ محزن؟، علينا أن نسأل عن قيمة الحياة ونجيب عنها، قبل أن نقيّم الموت.
الجواب ينقسم الى ثلاثة أحام، الأحكام الاخلاقية الاحكام البيولوجية والحكم الديني، يقول إن من يضع قانونا يمنع القتل، فهو يعطي للحياة معنى، ويولّد حس التعايش، من ثم حب الحياة.
الشطر الثاني هو التلقائية البيولوجية التي تمنع الفرد من الانتحار، عدم قدرة الفرد على كتم انفاسه، أو اغراق نفسه، يعد دافعاً بيولوجيا مبرمجاً لإعطاء قيمة للحياة.
الشطر الثالث هو الجواب الديني، فيتفق كامو مع فرويد أن الدين يجيب على الأسئلة التي تؤرق الإنسان، فهما يعتبرانه ”تكاسل“ عن البحث الحقيقي على سر الوجود، فالدين يجيب على الموت والحياة الآخرة، وكل ما لا نراه، فيجد الدينيون أنفسهم لا يبحثون أكثر، رغم عدم تأكّدهم من الأمر..(حسب اعتقادهما).
العبثية ليست جواباً على أن الحياة عبثية، بل هي سؤال دون جواب، بالنسبة لكامو، من المستحيل أن يجيب أحد علميا ومنطقيا حول سبب الوجود، إذا فالأمر يبقى عبثياً، او، نستعمل الدين، والأحكام السابقة ”لتحاشي الجواب“.
العبثية والوجودية هما الوجه الحقيقي للعدمية، لأن العدمي يبحث عن الأسباب الواقعية والفضيلة المطلقة، مما يلقي بنفسه في العدم.
يجيبني الكثيرون، يقول كامو، أن للحياة معنى لأننا نحبها، ”يجب أن نشرح ما نحب، لا ان نستسلم له“.
”الإيمان يجيب عِوض المنطق، لكن المنطق لم يحلل بعد ذلك الجواب.“..”وهذا سهل جداً، والسهولة تعني تحاشي مواجهة الحقيقة“.

*هذا المقال مُحايد، لشرح العبثية كما هي، لكن وجب علي التنويه بأن هذا الفكر ليس قائما على شيء معين حتى يؤخذ بجديّة، وعدم القدرة على الجواب، لا يعني أن ليس هناك جواب، بل ان الجواب لم يشفي ميولك فقط.

انتهى
#عمادالدين_زناف

الاثنين، 22 مارس 2021

عن الأخطاء اللغوية والرواقيين

عن الأخطاء اللغوية،، لهواة التصيّد.
إن الكاتب أو المؤلف بشكل عام هو مفكّر ومُحلّل، قبل أن يكون خطّاطاً، والأدب يستوعب عديد الكتاب من مجالات وتكوينات مختلفة، فيهم من تكوّن لغوياً بشكل سليم، وهناك من درس اللغة درساً، وهناك من يحمل أفكاراً لكن تكوينه اللغوي متوسط، فمن غير المعقول أن يكون كل الكُتّاب متخرجين من جامعات أدبية.
وهنا يدخل دور المدققين، ولهذا هناك مُدققون!، المدقق معني بتتبع واصلاح الهفوات التي يقع فيها المؤلف، المُتمكن لُغوياً وغير المُتمكن، وهو عمل رسمي ومأجور، من اعلى سلطة في البلاد الى أدناها، أي، العيوب اللغوية التي تبقى في الكتب والأوراق الرسمية والملفات يتحمّلها المكلّف بالتدقيق وليس الكاتب.
قد يعتقد المتصيّد انه قد وجد الثغرة التي يمكنه بها أن يحطّ  من شأن اي عمل، لكنه يجهل العُرف الأدبي، الذي يزحزح مسؤولية العمل النهائي عن الكاتب، ويضعه في حجر من راقبه وسهر على ترقيعه! 



من كتاب: تأملات-ماركوس أوريليوس


عن نفسي كقارئ، لا أهتم للأخطاء والهفوات، بل ولا أهتم للغة أصلاً، وجدتُ كثيراً من العيوب في كتب فرنسية، والتي اتحكم فيها بشكل أفضل، لكن الافكار المطروحة لن تجدها عند الأكاديمي مربّع التفكير، فالحياة توازن، من وجد انه يحسن التنقيب كالغُراب على الهفوات، فليعرض خدماته كمدقّق ليُقدّم الإضافة للادب بطريقته، وليترك التفكير والتأليف والبحوث، لمن لا يملك التكوين اللغوي الاكاديمي الكامل.

وهكذا تسير الحياة!

الأحد، 21 مارس 2021

الإنسان الأعلى عند دوستويفسكي



بدأت فكرة الإنسان الاعلى تتبلور في عقول الفلاسفة بداية من الشاعر والفيلسوف الالماني جوته، قبل أن تنتقل الى فيودور دوستويفسكي،  وخاصه في رواية الجريمة والعقاب،  اين يظهر بشكل واضح نظريه الانسان الاعلى بالنسبة له، قبل ان تستقر عند الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه،  الذي استعان بنظريات كلّ منهما، ليُخرج منظوره "النهائي" حول عُلوّ الإنسان.
في هذه المقالة اخترت أن أتوقف عند دوستو، لأن نظرته عن الإنسان الأعلى تختلف عن الألمانيين!، وقد تكون هذه النظرة هي أقل ما يُعرف عن ”المُقامر“.
المقال الـ128 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف 
هل علينا قتل الإنسان السيئ و إقصائه من الوجود؟، في رواية الجريمة والعقاب، يروي فيودور قصة شاب من سانت بيترسبورغ وقد نزلت به الظروف الى الفقر الفاحش، يدعى ذلك الشاب روديون راسكونليكوف، وقد كان طالباً في كلية الحقوق، فقد اطر روديون لبيع اعزّ، الذي يتمثل في ساعة والده، لكي يدفع أجرة البيت.
اتجه روديون الى الساعاتية، والتي استغلت ظرفه القاسي و حطّت من ثمن الساعة الى الدرجات الدنيا، فالتهب الشاب غضباً لهذا الظلم، وقرر معاقبة العجوز، إذ لم تغادر فكرة ”قتلها“ ذهنهُ المُغضب! 
إنها عجوزٌ تعيش على أنقاض البؤساء والمحتاجين، إنها امرأة سيّئة ومنها الكثيرون..، هذه المرأة عبء على الإنسانية..يُحدّث نفسه روديون!
دبّر راسكولنيكوف جريمته بدقة، فقدد تسلل لبيت الساعاتية، وشقّها بضربة فأس ليشقّ رأسها نصفين! لكنه لن يلمح وجود أختها في البيت، وبما أنه لم يفكر لوهلة بالعدول عن جريمته، فقد قرر قتل اختها أيضا لكي لا يُبقيها شاهدة ضدّه.
في صدر الرواية نجد تحقيقات، خوف من أن يتم القبض عليه، الوسوسة، نقاشات في عقل روديون، وعديد الأمور المعقدة، التي يتلاعب بيها دوستو بمهارة نادرة، لكن هناك شيءٌ واحد لا يتغير في عقل الشاب روديون، هو أنه لم يندم عن الجريمة.
راديون متيقن حق اليقين أنه لم يرتكب أي خطأ!، قتل تلك المرأة ليس شراً بل أمراً بديهيا، كان يجب تخليص الإنسانية من ذلك السوء!
” مع غاية صلبة ونبيلة، نستطيعُ القيام بشيءٍ مخزي“، هكذا يرى دوستو الإنسان الأعلى، وهي لا تبتعد عن نظرة ماكيافيلي، الغايات تبيح الوسائل، إنما التعديل الذي أضافه دوستو، هو الإقتناع بنبل تلك الغاية.
كان يرى بأن نابليون كان على حق، عندما اطلق النار على عديد العُزّل، ”فلولا تلك العملية، لما عرف العالم قائداً فذاً وعظيماً.“
راسكونليكوف أعلى لنفسه الضوء الأخضر للدعس عن الأخلاق لسببٍ أعلى وأرقى، وهو إزاحة الشر.
من الضروري أن نزيح بعض البشر من أجل استمرار البشرية، هكذا يُصوّر راديون جريمته.
دوستو لم يكن شيوعيّ الايديولوجية، على الأقل لم يسرح بذلك، لكن تفكيره كان الأكثر شيوعية بين المفكرين، فقد حكم عليه بالسجن في بانيا لمحاولة قلب الحكم ضد ”التزار“ نيكولاس الأول الروسي.
الايديولوجية الشيوعية تعمل بنفس الفكر والطريقة، اقصاء السيىء بالجريمة لهدف أسمى وطيب! فهل نستطيع القول أن دوستويفسكي كان الأب الروحي ”الأدبي“ الذي لازم الانقلاب السوفييتي والجيش الأحمر!
الإنسان الأعلى هو القانون ولا قانون يعلو عليه، لأنه الفاروق والفيصل، فهو يملك سلطة الاصلاح، وجرأة الاصلاح! هذه هي نظرة دوستويفسكي.
هل نجحت فكرة الإنسان الأعلى السوفييتية والنازية؟ لم تنجح، ومع ذلك، دعونا لا نأخذ موقفا بالتأييد ولا بالرفض.
كانت نظرة جوته للإنسان الأعلى شاعرية وعاطفية، فقط كان متأثرا بالإسلام كثيراً، وكان الجو في بروسيا وقتها مستقراً، أما نظرة دوستويفسكي فكانت وليدة البيئة القاسية في روسيا، فالأدب الروسي كله تأثر بالحكم والاقتصاد الروسي الوعر.
فهل من الممكن أن نجد نظرة متجردة عن طبيعتها في القضايا الإنسانية؟، وهل ستضيف شيئاً معينا إذا حاولت التوفيق بين كل الظروف والأزمنة..


انتهى
#عمادالدين_زناف

الثلاثاء، 9 مارس 2021

هذا هو الإنسان



المقال الـ127 Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف 

العالم هذا يشهد نفاقاً مرئياً، وخوفاً خيطه يكاد ينقطع ،ما الذي أقصده؟
 أقصد أنه لو انقطعت مواقع التواصل الإجتماعي لأي سبب كان لمدة معينة، سنعود لنقطة الصفر في قضايا الحقوق والواجبات والقمع والتعذيب والجرائم وكل ماكان وما لم يكن، لماذا؟
يقولون أن عُمر البشرية حوالي 300ألف سنة (حسب ما توصلوا اليه الآن)، فلم تعرف البشرية تواصلا برفع الحجاب  الا آخر مئة سنة، ومذا تساوي مئة سنة من جينات البشر؟ لا شيء تماما.
 الإنسان يحمل قدرة هائلة على التأقلم، لكنه يتأقلم بيولوجيا بسرعة فائقة ، عكس التأقلم المعنوي الذي يأخذ عقوداً كبيرة، فالإنسان يحمل نفس الدموية والشراسة والعصبية التي عايشها لآلاف السنين.
ما الذي تغير؟ 
أصبح الانسان يخشى الموت، لأن المعارك لم تعد متكافئة مثل الماضي، هل تغير الإنسان؟
 الإنسان لا يتغير بل يتأقلم ليعيش، أما غريزته فلن تتهذّب أبداً، عندما تُفضح أمام الملايين وأنت تتحرش بفتاة أو تسرق شيئاً ما، فسوف تقع في حالة خوف من الموت، وليس في حالة نكران للعمل.
هذا هو الإنسان، لو انقطع التواصل، فلن يجد الناس صعوبة في نهش بعضهم بعضاً، لأن الإنسان خلق ليسفك الدماء على قول الملائكة، ولولا حكمة ربك وهداه، لما وجدنا مكاناً نلقي فيه أجسادنا لنغفو..
هل يحتاج الإنسان الى 300ألف سنة أهرى ليصبح مهذّبا وتتغير جيناته؟ 
ننتظ الإجابة عند الإنسان الأخير.

#عمادالدين_زناف

الأحد، 7 مارس 2021

السارق الرحيم


 
فكرة السّارقُ الرّحيم..

هي فكرة تروادني منذ أيّام الجامعة، عندما كُنا ندرس تاريخ الأنظمة وتطور الفكر السياسي، كنا نمرّ على فترات تاريخيّة يسودها التناقض التّام، ولم يصل الأساتذة الى ذروة الخُلاصة، أو، قد يكونوا قد تحاشوا الخُلاصة.
أتذكّر أن الأستاذ روابحية، مُحاضر مادة الإقتصاد السياسي قد قصّ علينا أنّهُ عوقب بكتابة مقالات بدون أجر لمدة ثمانبة أشهر، لأنّه تفوّه بكلمة ”لي يخاف ربّي ميحكمش“، وهي كلمة مُطلقة لا تعني أحداً.
ففهمت لمَ قد تصل الفكرة الى عقولنا وهي غير ناضجة أو غير مُكتملة الأركان، وقد يكون ذلك جيداً لكي يحرّك الطّالب تلك الأعصاب النّائمة..، ابتعدتُ عن المَوضوع قليلا، ها أنا أعود إليه بتسليط الضوء عن التناقض في بعض الفترات التاريخية، التي يتزاوج فيها التطوّر والتقدّم والإزدهار المَدني والعلمي، مع الديكتاتورية والقهر والتعسف والحُكم الجبريّ!، لن يخالفني الرأي مؤرخ إسلاميّ، عربيّ أو مُستشرق، أن السلاطين المسلمين بعد الخلافة الراشدة كانوا مستبدين استبداداً مَرضياً، ومع ذلك كانت الحضارة بمُقوّماتها في تقدّم مستمر، ولا مثال يعلوا فوق الحاكم المأمون الذي قاتل أخاه على العرش، هو ذاته من صنع أكبر المدارس التاريخية في العلوم والأدب ”بيت الحكمة“، وإذا قفزنا تاريخياً قفزة كبيرة لوجدنا أن الحُكم النازي عرف ذروة التطور الصناعي الألماني، وأكبر تقدم إعلامي وعمراني في أوروبا وقتها، لكن هيتلر كان الشيطان والملك في جسد واحد، فقد حمل ألمانيا ثم ألقاها بشعبها الى البحر.
السارقُ الرحيم، هو السارق الذي يَخدُم محيطهُ، هو الدون كورليوني، هو لوكي لوتشيانو، الذي يتعارك المؤرخون حول ما اذا كان شريراً سفّاحاً..او منقذا لسيسيليا وايطاليا في الحرب العالمية الثانية.
السارق الوضيع، هو الأرنب الذي يحشر الجزر حشراً، يموت وهو يحشر المزيد.. فيفسد ولا يسعد بأكله.
السارق الرحيم هو شرٌ لابد منه، أما الذي لا يسرق من الأساس، فهو أفلاطونيّ، لا صلة له بالحياة.. 

#عمادالدين_زناف