الأحد، 7 مارس 2021

السارق الرحيم


 
فكرة السّارقُ الرّحيم..

هي فكرة تروادني منذ أيّام الجامعة، عندما كُنا ندرس تاريخ الأنظمة وتطور الفكر السياسي، كنا نمرّ على فترات تاريخيّة يسودها التناقض التّام، ولم يصل الأساتذة الى ذروة الخُلاصة، أو، قد يكونوا قد تحاشوا الخُلاصة.
أتذكّر أن الأستاذ روابحية، مُحاضر مادة الإقتصاد السياسي قد قصّ علينا أنّهُ عوقب بكتابة مقالات بدون أجر لمدة ثمانبة أشهر، لأنّه تفوّه بكلمة ”لي يخاف ربّي ميحكمش“، وهي كلمة مُطلقة لا تعني أحداً.
ففهمت لمَ قد تصل الفكرة الى عقولنا وهي غير ناضجة أو غير مُكتملة الأركان، وقد يكون ذلك جيداً لكي يحرّك الطّالب تلك الأعصاب النّائمة..، ابتعدتُ عن المَوضوع قليلا، ها أنا أعود إليه بتسليط الضوء عن التناقض في بعض الفترات التاريخية، التي يتزاوج فيها التطوّر والتقدّم والإزدهار المَدني والعلمي، مع الديكتاتورية والقهر والتعسف والحُكم الجبريّ!، لن يخالفني الرأي مؤرخ إسلاميّ، عربيّ أو مُستشرق، أن السلاطين المسلمين بعد الخلافة الراشدة كانوا مستبدين استبداداً مَرضياً، ومع ذلك كانت الحضارة بمُقوّماتها في تقدّم مستمر، ولا مثال يعلوا فوق الحاكم المأمون الذي قاتل أخاه على العرش، هو ذاته من صنع أكبر المدارس التاريخية في العلوم والأدب ”بيت الحكمة“، وإذا قفزنا تاريخياً قفزة كبيرة لوجدنا أن الحُكم النازي عرف ذروة التطور الصناعي الألماني، وأكبر تقدم إعلامي وعمراني في أوروبا وقتها، لكن هيتلر كان الشيطان والملك في جسد واحد، فقد حمل ألمانيا ثم ألقاها بشعبها الى البحر.
السارقُ الرحيم، هو السارق الذي يَخدُم محيطهُ، هو الدون كورليوني، هو لوكي لوتشيانو، الذي يتعارك المؤرخون حول ما اذا كان شريراً سفّاحاً..او منقذا لسيسيليا وايطاليا في الحرب العالمية الثانية.
السارق الوضيع، هو الأرنب الذي يحشر الجزر حشراً، يموت وهو يحشر المزيد.. فيفسد ولا يسعد بأكله.
السارق الرحيم هو شرٌ لابد منه، أما الذي لا يسرق من الأساس، فهو أفلاطونيّ، لا صلة له بالحياة.. 

#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق