التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين العاطفة والمنطق



بين العاطفة والمنطق!
المقال 130 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف 
..وأنا أتسكّع في بعض الصفحات والمواقع والمدونات، ما زلت أصادف نفس الإشكالية التي تطلّ برأسها الساخر، إشكالية اِسقاط القول على القائل، حيث يوجب العديد منا ان يكون القائل مؤمنا بقوله، ومُشبّعا بما يقول، ويكون أسلوبُ حياته من قوله وقوله أسلوب حياته، والا، فتُرفض أقاوله، بحكمٍ عاطفي غير قائم الا على "الإحساس" بالمكر والخديعة، أو النفاق، رغم ان صاحب القول يمكنه ان يكوناً رسولاً للمنطق، مجبراً لا بطلاً، لا مؤمناً به حق الايمان.
ولي في هذا الموضوع عديد الأمثلة الدامغة في بطلان العاطفة في قول القائل، فقد أوحى الله الي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالحوار الذي دار بين ابليس وربه "الحوار كان بإذنه".
 قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) 
في حديث قُدسيّ، "وعزتك وجلالك لأغوينهم مادامت ارواحهم في أجسادهم" فيقول الله "وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما داموا يستغفرونني".
هنا اقرارٌ واضح من ابليس ان الله ربه ورب العالمين، "ولا تُقوّلوني ما لم أقلهُ"، ابليس أقرّ أنه ذو العزة والجلال رب العالمين، مادام ابليس مُقرّ بعزّة الله، والمعروف عن ابليس أنه كاذب في جميع الحالات.. انه يريد أن يمكر بنا بهذا الإقرار؟، لمَ خلّد الله تعالى إقرار ابليس بربوبيته في كتابه العزيز؟..
لأن الحق لا يُعلى عليه، فرغم ان ابليس ملعون، ويعلم لعنته، فهو يُقرّ بما هو معلوم ولا شكّ فيه، حتى بكفره وتمرّده.
أحمل لكم مثالا آخرا.. أقل قيمة، عندما كتب جون جاك روسو كتابه العقد الاجتماعي لقى عديد الانتقادات العاطفية، وما زالت الى يومنا، فحواها أنهُ هو نفسه غير أخلاقي ومُهمل لأسرته وأبنائه، فكيف يُعلّم البشرية طرق العيش الاجتماعي؟.
اضرب رأسي بكفي مُجددا، هل يمكننا القول إن الرجل الذي ينصحنا بشرب الماء وهو "يُنجّس" في الماء الشروب، ان بفعلته تلك لم يعد الماء صالحاً للشرب؟، بما انه يُنجّس فيه ولا يحترمُ نصيحته؟، لا أعلمُ عنكم، لكنني سأكون مُمتنا لنصيحته، رغم منظره المناقض لقوله.
 آخر مثال، هو أقوال الملاحدة التي تُنصف الإسلام، دعونا نتفق أننا لسنا بحاجة لتأكيد منهم، لأننا مؤمنون "تلقائيا" أو عن "قناعة"، لكل قناعاته ونواياه، لكننا لا نُمثّل سُرّة هذه الأرض، أي أن القول الحقّ حقٌّه أن يُقال، أن تمتعض من قائله، وعلى ماذا مات قائلُه، وكيف عاش القائل، ثم التنقيب في آراءه حول مواضيع أخرى، فهذا يُعتبر سفسطة وتشويش وخروج عن الموضوع الأصلي، بل والأمرّ، يُعتبر تشويهاً لعقلك، وابرازاً لعيبك في التفريق بين العاطفة والمنطق ( ما ينطقه الانسان عن حق).

#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...