ان مسؤولية المثقف تتمحور في ايصال الفكر للناس ونشر الوعي الحضاري، فالحامل للزاد الثقافي، مكلف بالعناية بما يحمله، فحركة التغيير وصناعة المستقبل والتجديد والنهضة، وصناعة أجيال تحمل الهم العام للأمة، لا تكون الا في ايدي النخبة المثقفة، ” لا يمكننا ان نمضي في هذا الصمت ونتحمله كما لا يمكننا ان نقول شيئا. ولكننا سوف نظل صامتين، اني تغمرني احاسيس من يحتضر ويفارق الحياة وهو على يقين بأن ثمة راحة وطمأنينة ونجاة، بعد عذاب الحياة المدني الذي لا يختلف على طول العمر المديد، (..) لقد هجر اولئك حياتهم اليومية، وظلت ارواحهم خالدة، فالموت فاجعة أليمة،(..)، يا لهم من عظماء اولئك الرجال الذين استمعوا لهذا الأمر من الله سبحانه وتعالى فاتبعوه.“
كانت هذه توطئة لعلي شريعتي في احد كتبه، فهو يربط رباطا وطيدا بين المثقف والمجاهد في سبيل الله، وكان يرى في ثورة الجزائر بذور الوعي الثقافي، الثقافة هي ثورة في ذاتها، والثورة هي الثقافة، والثقافة هي نشر الوعي على اوسع نطاق.
المقال الـ132 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف
فقد كان نضال علي شريعتي على ثلاثة انشطة، النضال الفكري، النضال العلمي، والنضال لرسم طريق متكامل لنظام تعليمي حقيقي، فقد كانت مرحلته في السوربون بفرنسا بمثابة غذاء فلسفي كبير جدا، خاصة وانه عاصر تصاعد الفكر الوجودي والعبثي لكامو وسارتر وغيرهم، مما كوبنا عنده فكرة عامة عن الثقافة والفكر، بما انه ايراني مسلم، يتحدث باللغات الثلاثة، وعصر كل انواع التشنجات الاجتماعية والثقافية و الايديولوجية والسياسية.
”الرجل الصالح لا يتركه الزمن ولا تتركه الحياة لوحده، فحياته تدافع عنه، والزمن يبرئه، ولا يتمكن الانذال من ان يدنسوا الطاهرون الرجال مهما رموه بحجر او اطلقوا عليه من كلاب“. كتاب كوير.
اعتبر علي شريعتي قضية المثقف من القضايا الحساسة جدا، وعلى درجة كبيرة من الأهمية في الصعيدين الاجتماعي والمحلي أي الإقليمي، ” منذ القرن السابع عشر تشكلت في اوروبا طائفه تسمى شريحة المثقفين، وبعد القرن التاسع عشر اخذت هذه الطائفة تشق طريقها الى الدول غير الاوروبية من افريقية واسيوية وامريكية ولاتينية، وذلك باسمها وخصائصها وسماتها التي تشكلت بها في اوروبا، وما لم يعرف المرء نفسه، وما لم يعرف المثقف نفسه، فلن تتيسر له معرفه مجتمعه، ولن يستطيع ان يقوم بالرسالة التي يدعيها لنفسه، أي انه على المفكر، اينما كان، ان يعلم الخصائص التي تميزه، وفي اية ظروف تاريخية واجتماعية نشأ، والى أين تمد خصائصه هذه جهودها.“
بين المثقف الأصيل والمثقف المقلد عند علي شريعتي!
«تعد شريحة المثقفين في المجتمعات غير الاوروبية نسخو مقلدة تماما عن شريحه المثقفين في اوروبا وبلا زياده او نقصان، و من هنا لا يمكن ان نعرف انفسنا، و ندرك نقاط الضعف والقوة فينا ما لم نقم بتحليل النسخة الاصلية، لنرى في اية ظروف تكونت شريحة المفكرين في اوروبا، وفي ظل اي مؤثرات تاريخية واجتماعية ظهرت خصائصها الطبقية والنفسية والفكرية والعقائدية والروحية».
نحن نخطئ كثيرا في وصف المثقف، وبالتالي جرى علينا الخطأ تماما في تفسيرنا لأنفسنا كمثقفين، الكلمة التي تعادل المعبر عنه بالمثقف في لغتنا هي في اللغة الأوروبية "انتلجانسيا"، والصفة منها هي intelectuel، واصل الكلمتين معا هو الذكاء " انتلكت، انتليجونس".
”هذه الكلمة تعني الفطنة او الذكاء او العقل او القدرة على الادراك والفهم والاستنتاج، وعليه، فكل انسان ذكي يبرز ذكاؤه وفكره وفهمه عن سائر مواهبه الاخرى في حياته ومجتمعه فهو مثقف“، واذا اردنا تعريف المثقف اصطلاحا، هو كلمة تطلق على فرد من طبقة او شريحة معينة تقوم بعمل عقلي.
ومن هنا في المقاس هو العِلية او السببية، الذين يعد العقل الأداة الاساسية لعملهم نسميهم ”أهل الفكر“، والذين تعتمد أعمالهم على سواعدهم نسميهم ”عمال يدويين“.
”ان مرادف كلمه مثقف في اللغة الفرنسية هو كلمة "clairvoyant"، ومعناها بعيد النظر او المستنير، و تعني ذلك الذي لا يتصف بالتقيد والتوقف ولا يفكر بجمود عقائدي، بل يفكر بوضوح وسعة أفق، ويميز عصره والارض الذي يقف عليها، وموقع البلد الذي ينتمي اليه، والمشاكل التي تطرح في مجتمعه، ويستطيع تحليلها وتقديم الادلة لها وافهامها للأخرين، هذا هو المستنير بالمصطلح الفرنسي الذي يرادف كلمة مثقف عندنا“.
«فالذي يتحاشى مشاكل بلده، على انها ليست من شانه، فهو ليس مثقف بالمرة».
وبهذا نرى كيف صنف علي شريعتي خصائص المثقف والمثقفين، وانواعهم، مع واجبات المثقف الحقيقية، التي تخدم مجتمعه وامته بشكل رئيس.
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق