الغيبوبة..
إن موضوع الغيبوبة يستفز مخيّلتي، يرعبني، يؤرقني، أكثر من الموت نفسها، لمَ لا يُجيب العلم عمّا يشعر به المغيبين؟
كيف يمكن لإنسان أن يبقى نائما لسنوات طوال، وهو يكبر، ويشيب، وتظهر تجاعيد وجهه جلياً في ذلك السرير، الذي بقي فيه لعقد ..!
ما زلت لا أهضم فكرة الإنقطاع عن الحياة دون موت، قرأت عديد القصص والتجارب، عن الفتاة التي قصّت أن طوال فترة غيبوبتها كانت تريد شرب الماء، ولم تستطع، عن التي كانت تخاف عندما يقترب منها الأطباء، عن الذي كان يبحث عن بصيص من الألم..ولم يفز به لكي يشعر بوجوده!
لم ارتوي، مناظرهم وهم كذلك تؤرقني، حتى ان أعين بعضهم بقيت مفتوحة لعشر سنوات، مسجونين في أنفسهم ، لا نعلم ما يرون،
هل هو ينظر إلي؟ أم هو في عالم آخر؟ هل سيتكلم معي ويفزعني؟ أم سيتكلم بعد ثلاثين سنة من الآن؟
هل سيستيقظ، ام سيموت وهو كذلك؟
وما زلتُ احدّق، وأنتظر أن يحدث شيء اسمه الحياة، أو الموت، ولم يحدث شيء.
استعرت سريراً، غلفته بالأبيض، وتمددتُ، حاولت أن أقلل حركتي كلياّ، لم يكن الأمر سهلا، فقد دخلت في تنويمٍ ذاتي، أُثقل فيه جسدي على السرير، أحاول أن أتنفس ببطء شديد، فكأنني بدأت أغفو.. بدى الأمر مخيفاً، لأنني شعرت بثقل جسدي ..بطريقة غير معتادة، كأن وزني تضاعف، وصرت متيقناً أنه الجاثوم، ولكن الامر طال، وطال كثيراً، وكأن شيئا يمنعني من تحريك يدي أو قدمي، ”ابقى على هذه الحال“، وبقيت كذلك..
وفجأة! فزعت من أصوات غريبة من حولي ..ارتعبت كثيراً، ورحت أحاول النهوض! لم أستطع! فرحت أتخبط في مكاني الى أن شعرت بانفلاتي.. كأنني تحررت.. لكنني أصعد ببطء الى سقف الغرفة، أتحركّ بمرونة وثقل كأنني في أعماق البحر، أو في تيه الفضاء، فتحت عيني، فإذا بأشكالٍ مضيئة تتحرك بشكل حلزوني متناغم، ارى فيه اشخاصا يكلمونني ويبتسمون، وبعضهم يحاولون البكاء .. وآخرون يخدشون حدود تلك الأشكال السوداء غربية الأبعاد..، حركاتنا غير مفهومة، نلتفت لنرى أجسادنا في الأسرّة، وأشخاص يعبثون بها، أريد أن اخبرهم ان ينظروا الى السقف.. فهو أقرب لكي تتقابل انظارنا..
وأنا أكذلك أرى أشخاص تُخطف الى بعدٍ أخار بسرعة الضوء.. وأخرى تنزل بسقطة حادة فوق أجسادها.. وآخرون معلقون مثلي.
وحدث أن سقطتُ في غفلة على جسدي، فقلتُ ..ياه على نومة العصر.. فإذا بي أفتح عيناي فرفعتُ يدي الهرمة، جلدها المتجعّد المبيض صلبُ جافٌّ ومتصحّر. فتذكرتُ أنني أريد شرب الماء مثل تلك الفتاة..،
دخلت الممرضة فأغمضت عيني، فقالت: هذا الشيخ يزداد ورعاً.. فصدمت، ومن الرعشة، انتقلت بسرعة الضوء الى العالم البعيد.
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق