التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أتحب الرداءةَ خِفيةً؟



 كل ما هنالك، هو أننا نَشعُرُ بالذنب عندَ استمتاعنا بالرّداءة. 

المُتعة المُصاحبة للذنب، هو شعور يتملّك الشخص "الواعي" برداءة أو بخطورة الشّيء الذي يقرأه أو يُشاهدهُ، يَقومُ بذلك مراراً وتكراراً خفيةً عن الأنظار، مع استنكارهِ وامتعاضهِ الشديد لتلك المواضيع عندَ العامّة ومع الأصدقاء، وهو شعور مُختلف بعض الشّيء عن "النفاق"، ذلك أنّ النفاق هو الكذب في المشاعر، بينما الشعور بالتقزّز من الشيء الذي نقوم به، هو شعورٌ صريح، لكنّنا مع ذلك نستمتعُ به.  
 كيفَ نُفسّر ذلك؟ 
إننا نُدرك حقّ الإدراك ضرورة البحث عن الأمور التي تفيدنا معرفياً وفكرياً، بينما نُدركُ أيضاً أن تلك العمليّة ليست بالشيء الهيّن، فالباحثُ عن الأمور النافعة يعلمُ أنّه سيصبِحُ فعّالاً، أي، سيُصبحُ قارئاً أو مُشاهداً إيجابياً لا سلبيا. فما الفرق بينهما؟ الفرق أن القارئ أو المُشاهد السلبي، يكتفي بالقراءة والمشاهدة، بنظرة غير نقدية، أو غير مُركّزة مع التفاصيل، فهو يكتفي "بالمتعة الآنية"، وأن الشيء الذي يقرأه أو يشاهده، سريع التفاعل مع الخيال والعاطفة، ولا يحتاج مجهوداً عقليا للتفسير أو التحليل.
 بينما القارئ أو المشاهد الإيجابي، فهو يُخاطب الأعمال التي بينَ يديه، يركّزُ معها، ينقّب عن التفاصيل التي فيها، لمعرفته التّامة لقيمتها وغنائها المعرفي، فهو بذلك يشغّل جامّ أعصابه صوب ذلك الشيء. وبما أن الإنسان خُلّة بين الإرادة والكسل، فهو في آخر كل يوم متعب لا يبحث عن أشياءَ تتطلّبُ منه تفكيراً وتنقيباً، فيتوجّهُ مباشرة للأمور "السطحية"، سريعة الالتهاب والاحتراق مع الخيالات والعاطفة والأحلام. وهذا ما تستغلهُ منصّات عالمية مثل نيتفليكس، ومواقع التواصل بشكل عامّ، فهي تستغلّ فترة الكسل والفراغ والتعب، لتجعل الفرد مدمناً على المحتوى سهل الهضم والفهم، الذي يدفع الكسولَ والمتعب للبقاء مخملا أمام ما يُشاهده.
لكن، لمَ لا نعترف بأننا نحبّ السّخافات؟ 
نعم، نحبّها، كيفَ لا، والمحتوى السخيف في صدارة كل المجالات، الموسيقى الأدب الأفلام وغيرهم، من الذي يُساهم في بقائهم في الريادة عدى جانبنا الكسول، القاتل للوقت؟ 
نحنُ نعلم علم اليقين أن الأمر الذي لا يدفعنا للتفكير، فهو بالضرورة يدفعنا لتفريغ ما تبقى من طاقتنا للبحث المعرفي المُفيد. وأننا نُدرك أن أفلام مارفل، والخليعة، والرومانسية، لا تقودنا لشيء نافعٍ، بل تأخذ ما تبقى من يومنا الذي سلّمناهُ لشيء لا يُسعدنا كثيراً أيضاً. لذلك، نحن لا نُريد أن نعترف بأننا نشتري كُتباً سطحية، ونشاهد أفلاماً غبيّة، ذلك أننا لا نُريد لصورتنا الاجتماعية أن تهتزّ، ونحن لا نُنافق إذا ما قُلنا إن تلك الأشياء مُهلكة ومضرّة، لكننا نعود ونقول لأنفسنا: هي سيّئة، لكننا نُحبّها. 
ما يُمكن قوله في النهاية، يتطابق مع ما قاله غوستاف يونغ، عندما أشار بأن القناع الذي نلبسه للمجتمع لن يختفي، فنحنُ نُحافظ على شكل مقبول بين الناس، لكن علينا أن نجعلَ أنفسنا أقرب لتلك الشخصية التي نُريها، قدر الإمكان، كي لا نُعاني من ذلك الانفصام الأخلاقي والفكري الذي يُشعرنا بالذّنب يومياً.

#عمادالدين_زناف 
المقال 275

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...