التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تأثير دانينغ وكروغر، فرط الثقة بالنفس

يقال أن ”من يملكون علما أقل، يحسبون أنهم أعلم!“ هؤلاء الذين يدعون التمكن في كل شيء، هم الأقل تمكنا في أي شيء، هؤلاء الذين لديهم إجابة على كل الأسئلة، وعندهم فكرة على كل علم وموضوع.. هم موضوع هذه المقالة، التي تصنف ضمن مثالات الإنحيازات المعرفية التي كتبت عنها الكثير من النصوص، وخصصت لها أكثر من درس في قناتي.
تأثير  دانيغ- كروغر أو تأثير الثقة المفرطة في الذات، هو أكثر انحياز معرفي شائع بين البسطاء.
”لم أقل أنني مؤرخ.. لكنني خبير في التاريخ!“ هكذا يرى من يدعي أن القول الفصل في التاريخ يقف عنده، إذا أن الإنحياز الغالب عليه يدفعه لأن يجعل معتقده صحيحا لأنه يخدم عواطفه، ولا يهتم للصحيح من الأمور.  تأثير اكتشفه دافيد دانينغ وجاستن كروغر، والذي لخصاه بأن ”الأشخاص الأقل مُكنة في شيء ما هم أنفسهم الأشخاص الذين يبالغون في تقييم إمكانياتهم ومهاراتهم فيه“ وعلى التقيض من ذلك ”كلما تعلمنا وأصبحنا متخصصين في مهام ما، كلما شعرنا بالتواضع وراينا حدود إمكانياتنا فيه“.  
حذاري، كلنا معرضون لهذا التأثير، تأخذنا العزة بالخطأ في موضوع نعتقد أننا ماهرون ومختصون فيه، حتى إذا ما جاء أحدهم وصحح لنا بمعرفته، اعتضرنا له وتوسّلنا بطرق السفسطائين لتفادي ما نعنقده إحراجًا. إن المعرفة تُحرج الإعتقاد أو التصور، لأن معظم البشر يظنون أنهم بلغوا درجة من المعرفة، ولا يمكن أن يعرفوا هذا حقا حتى يوضعون في امتحان تجريبي، فيوضع التصور تخت مجهر المعرفة، فيُظهر أنه كان تصورا حقا وليس شيئا حقيقيا.
العلم ضد الانحياز المعريفي، المنحاز يريد أن يكسر رقبة العلم ليجعله وقودا لعواطفه، بينما الباحث عن الحقيقة يكسر عواطفه بشمل دائم في سبيل المعرفة والحقيقة.
لدينا شخص يواجه العام بالعاطفة والمشاعر، فيصيب الحقيقة بضربة حظ، ونقيضه الذي يواجهه بالمنطق والعقل، فيصيبها بشكل دائم، إذ أنه لا يخشى الحقيقة حتى التي تعاكس مصالحه.
سنة 1995، قام رجل يدعى ماكرتر وييلر  بالسطو على بنك وهو كاشف وجهه، وبطبيعة الحال، تم القبض عليه بسهولة تامة، لكن المثير للعجب أنه تفاجئ من سرعتهم وتفاجئ عندما شاهد وجهه مكشوفا في كامرات المراقبة .. ذلك أنه ظن بأن وضع الليمون على وجهه، إذ أنه ظن ان لليمون نفس التأثير في اخفاء الحبر من الورق! الإعجاب بالذات وتصور أنها وصلت للعبقرية اللازمة تضع صاحبها في مأزق حاد جدا، وكما ذكرت، لسنى معصومون من هذا!
قام الباحثان إذا، دانينغ وكروغر بالقيام بتجربة تطبيقية لأربعة طلاب في جامعة كورنل لعلم النفس، والتي نُشرت في ديسمبر 1999 في مجلة journal of  personnality and social psychology. فقد  قاموا بتجربة في كل من المرح والنحو والمنطق، في نهاية التجربة طلبوا من التلاميذ أن يقيموا أنفسهم وأن يضعوا لأنفسهم مراكز.  الذين وضعوا أنفسهم أسفل المراكز كانوا رائعون جدًا في إجاباتهم! تناقض كبير، لكنه يفسر أنهم لفرط معرفتهم عرفوا حدود معرفتهم فوضعوا أنفسهم في المركز الأخير، والعكس، الذين كانوا سيئين، وضعوا أنفسهم في مراكز متقدمة.
والخلاصة أفضت إلى أن كلما كان لدينا علم، زاد توضاعنا، وزادت معرفتنا بعدم معرفتنا!  وأن معرفتنا تلك أرتنا حدود ما نعرف بازاء محيط المعرفة الواسع.
وفي طريق المعرفة، سنمر بثلاثة مراحل:
1) جبل الحماقة ، نعتقد أننا نعرف كل شيء
2) الوصول إلى وادي التواضع، أين يظهر لنا حجمنا
3) منصة دمج المعارف، المعرفة بالذات ومكانتها في المحيط.

المقال 360
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...