الخميس، 29 يونيو 2023

تأثير دانينغ وكروغر، فرط الثقة بالنفس

يقال أن ”من يملكون علما أقل، يحسبون أنهم أعلم!“ هؤلاء الذين يدعون التمكن في كل شيء، هم الأقل تمكنا في أي شيء، هؤلاء الذين لديهم إجابة على كل الأسئلة، وعندهم فكرة على كل علم وموضوع.. هم موضوع هذه المقالة، التي تصنف ضمن مثالات الإنحيازات المعرفية التي كتبت عنها الكثير من النصوص، وخصصت لها أكثر من درس في قناتي.
تأثير  دانيغ- كروغر أو تأثير الثقة المفرطة في الذات، هو أكثر انحياز معرفي شائع بين البسطاء.
”لم أقل أنني مؤرخ.. لكنني خبير في التاريخ!“ هكذا يرى من يدعي أن القول الفصل في التاريخ يقف عنده، إذا أن الإنحياز الغالب عليه يدفعه لأن يجعل معتقده صحيحا لأنه يخدم عواطفه، ولا يهتم للصحيح من الأمور.  تأثير اكتشفه دافيد دانينغ وجاستن كروغر، والذي لخصاه بأن ”الأشخاص الأقل مُكنة في شيء ما هم أنفسهم الأشخاص الذين يبالغون في تقييم إمكانياتهم ومهاراتهم فيه“ وعلى التقيض من ذلك ”كلما تعلمنا وأصبحنا متخصصين في مهام ما، كلما شعرنا بالتواضع وراينا حدود إمكانياتنا فيه“.  
حذاري، كلنا معرضون لهذا التأثير، تأخذنا العزة بالخطأ في موضوع نعتقد أننا ماهرون ومختصون فيه، حتى إذا ما جاء أحدهم وصحح لنا بمعرفته، اعتضرنا له وتوسّلنا بطرق السفسطائين لتفادي ما نعنقده إحراجًا. إن المعرفة تُحرج الإعتقاد أو التصور، لأن معظم البشر يظنون أنهم بلغوا درجة من المعرفة، ولا يمكن أن يعرفوا هذا حقا حتى يوضعون في امتحان تجريبي، فيوضع التصور تخت مجهر المعرفة، فيُظهر أنه كان تصورا حقا وليس شيئا حقيقيا.
العلم ضد الانحياز المعريفي، المنحاز يريد أن يكسر رقبة العلم ليجعله وقودا لعواطفه، بينما الباحث عن الحقيقة يكسر عواطفه بشمل دائم في سبيل المعرفة والحقيقة.
لدينا شخص يواجه العام بالعاطفة والمشاعر، فيصيب الحقيقة بضربة حظ، ونقيضه الذي يواجهه بالمنطق والعقل، فيصيبها بشكل دائم، إذ أنه لا يخشى الحقيقة حتى التي تعاكس مصالحه.
سنة 1995، قام رجل يدعى ماكرتر وييلر  بالسطو على بنك وهو كاشف وجهه، وبطبيعة الحال، تم القبض عليه بسهولة تامة، لكن المثير للعجب أنه تفاجئ من سرعتهم وتفاجئ عندما شاهد وجهه مكشوفا في كامرات المراقبة .. ذلك أنه ظن بأن وضع الليمون على وجهه، إذ أنه ظن ان لليمون نفس التأثير في اخفاء الحبر من الورق! الإعجاب بالذات وتصور أنها وصلت للعبقرية اللازمة تضع صاحبها في مأزق حاد جدا، وكما ذكرت، لسنى معصومون من هذا!
قام الباحثان إذا، دانينغ وكروغر بالقيام بتجربة تطبيقية لأربعة طلاب في جامعة كورنل لعلم النفس، والتي نُشرت في ديسمبر 1999 في مجلة journal of  personnality and social psychology. فقد  قاموا بتجربة في كل من المرح والنحو والمنطق، في نهاية التجربة طلبوا من التلاميذ أن يقيموا أنفسهم وأن يضعوا لأنفسهم مراكز.  الذين وضعوا أنفسهم أسفل المراكز كانوا رائعون جدًا في إجاباتهم! تناقض كبير، لكنه يفسر أنهم لفرط معرفتهم عرفوا حدود معرفتهم فوضعوا أنفسهم في المركز الأخير، والعكس، الذين كانوا سيئين، وضعوا أنفسهم في مراكز متقدمة.
والخلاصة أفضت إلى أن كلما كان لدينا علم، زاد توضاعنا، وزادت معرفتنا بعدم معرفتنا!  وأن معرفتنا تلك أرتنا حدود ما نعرف بازاء محيط المعرفة الواسع.
وفي طريق المعرفة، سنمر بثلاثة مراحل:
1) جبل الحماقة ، نعتقد أننا نعرف كل شيء
2) الوصول إلى وادي التواضع، أين يظهر لنا حجمنا
3) منصة دمج المعارف، المعرفة بالذات ومكانتها في المحيط.

المقال 360
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق