الجمعة، 29 أكتوبر 2021

الشك واليقين، فيتغنشتاين


ما زلتُ أكتُب عن الأمور التي لا تُثيرُ الفُضول، وأنا سعيدٌ بهذا.  حديثي اليوم عن واحد من أكبر فلاسفة القرن العشرين، لودفيك فيتغنشتاين، لا يعرفهُ الكثيرون، وهذا أحسن بكثير من معرفةٍ مُزيّفة! ، في الحقيقة، إذا كانت الفلسفة صعبة، فإن لودفيك جزءٌ لا يتجزّأ من هذه الصعوبة بحقّ. كان النمساوي متخصّصاً في فلسفة اللغة! ولا أعلمُ له ترجمة بالعربية إلا كتاب «تحقيقات فلسفية»، ولستُ مستعداً لمطالعته، لخوفي الشديد من جودة الترجمة، فقد قرأت له بالفرنسية واكتفيت بها. مواضيعه تحوم حول اللغة كما ذكرت، ولكن أيضاً في الشك واليقين!، كنتُ أظنّ أن نظرته للشك واليقين في كتابه de la certitude لن تختلف كثيراً عن نظرة الغزالي، وديكارت، وهيوم. إلا أنني وجدتُ له نظرةً جديدة للمَفهوم. يقولُ «كلُ إنسانٍ لهُ عقلٌ ”أولا”، ثم يُضاف إليه مُعتقد ”ثانيا“»، «أعتقد أن هُناك نهرا في أستراليا، أن هؤلاء هُم أبواي، هذا ما اعتقد، لكن لم أعبر ولم أفكر يوماً في هذا اليقين، وحتى التفكير في حقيقة هذا، لم يتم التفكير فيها.»، «الطفل يتعلّم بتصديقه للرّاشد»، «الشّك يأتي بعد الإعتقاد»، «تعلمتُ عدة أمور، قبلت بهم عن ثقة، عن تحكّم ورقابة إنسانية، ومع مرور التجارب الشخصية، كثيرٌ منها تأكدت، وأخرى بطلت.»، « ما يصدر عن الكتب المدرسية، مثل كتب الجغرافيا، لا أصدق به، لماذا؟، أقول، كل هذه الوقائع تم تأكيدها مئات المرات، كيف أعرف؟، من أي شواهد آخذ؟، لدي صورة للعالم.. هل هي حقيقية أم مزيفة؟، هي قبل كل شيء تفاعلات، كل ما أبحث عنه هو أن؛ ليس كل ما قيل عرضة للتوثيق والتأكيد.» «هل هناك أحدٌ ليتحقق من بقاء هذه الطاولة التي هنا، في مكانها، عندما يغفل عنها الجميع؟» «نقرأ عن بطولات نابليون، لكن هل نتحقق من ذلك؟ لا، قد يكون كل ما ذُكر هو اختلاق وكذب، أو شيء من هذا القبيل، حتى لو تحققنا، فنحن نتحقق من الذي لا نتحقق منه عادة».
«هل الأجهزة التي أراها، موجودةٌ حقاً؟» «التحقق، اليس هذا مصطلح؟» «طفل يخبر الآخر؛ أعلم أن الأرض قديمة، وهذا يعني؛ تعلمتُ هذه المقولة». «الصعوبة، أن ندرك غياب الأسس لمعتقداتنا».
هذه لمسات فقط من كتابه،قد يعتقد البعض أنها فلسفة فارغة، من يعرف الفلسفة حق المعرفة، يدرك أن الظاهر من الأمثلة غير مُراد بالمرّة، إنما المعاني هي الأساس، فهو لا يريد منك أن تشكك في وجود الطاولة، ولا أن تثبت وجودها، لا معنى للطاولة في ذاتها، المعنى كله في نظرتك للطاولة، كرمزية للمعلومات التي تستقبلها، وللتجارب التي تخوضها.
من يحسن الفرنسية، أنصحه بكتاب de la certitude، سيسبح في دوامة لطيفة. 
بعد أن تكمله، عُد إلى «المنقذ من الضلال» للغزالي، وسوف تجد بناء مفاهيمي عبقري في قضية الشك، وكيف يزول الشك بنور الله، وليس بالماديات! ثم انتقل الى ديكارت، ودافيد هيوم، لترى كيف تطور هذا المفهوم، وتلحظ أيضاً كثيرا من التناقض! 

#عمادالدين_زناف 
المقال 229
..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق