الاثنين، 1 نوفمبر 2021

مصطلح ”الهيولي“ الغريب




مقال اليوم فلسفي، لا مُجاملة فيه.

وأنا أتصفّح كتاب «التوحيد» لأبي منصور الماتُريدي، صاحب المذهب الماتُريدي الشهير، شدّني مُصطلحٌ كرّرهُ بكثرة، وبأسلوب مُزعج بعض الشًيء، فشعرتُ بأنني سمعتُ بهذا المُصطلح من قبل، والحقيقة أنني قرأتهُ عند الفلاسفة، باللغة الفرنسية -Hylé-، لكنني لم أقف عندهُ في ذلك الوقت، لأن فلسفة آرسطو تسمح بأي تصوّر، لكن أن تجدهُ في كتاب ”دينيّ“، فهذا يدعو للبحث الجاد.
الهيّولة أو الهيولا أو الهَيولي، هو جزء من خمسة أجزاء لما يُسمّى ”الجوهر“، الصورة، النفس، الجسم، العقل، والهَيولي.
نبدأ بتفكيك مصطلح الجوهر! ستجد عدة تعريفات فلسفية له، لكنها تتحاشى القول ببساطة أن الجوهر هو الروح، روح تشبه صورة الجسم لكنها غيرُ مريئة، مشكلة العديد من الفلاسفة الأولين، إما إنكار الروح، أي إنكار الجوهر من أساسه، أو، جعل الروح في كل شيء، أي لكل شيء جوهر! لن تعريف الجوهر فلسفيا، غير تعريف الروح دينيا، لذلك أخذوا هذا المصطلح ووضعوه في وعاء فلسفي، وهي فلسفة تشبه فكرة [ وحدة الوجود، التي ترمي لاتحاد الخالق بالجمادات ] للفيلسوف سبينوزا، ولبعض المتصوفة كابن العربي وابن الفارض وابن سبعين والحلاج، وتشبه أيضا فكرة [ الإتحاد ] التي يؤمن بها النصارى، وهي تثليث الرب. إذا فهمنا بالتقريب ما المعنى بالجوهر، والإسم يدلّ على المعنى، فلا يتفاعل شيء في هذه الحياة دون جوهر، وبعد تقسيم هذا الجوهر، بقي مُصطلح الهيولي مُعلّقاً بين الفلاسفة والمتصوفة والعلماء.
يُقصد بالهيولي هو أصل المادة، وهو أصلٌ مُوحّد عند جميع المواد، إنما تختلفُ صورته عند كل مادة، أو يأخذ صورة من كل مادة، كما بينت في تقسيم الجوهر. 
وهذا المبحث، اتّخذ طريقاً واسعا فيما يُسمى علم الأجزاء،  وأسس كذلك لمذهب الذرات الروحية مذلك ”المونادولوجيا“، والتي ينطلق منها كل الكون، من تفكير الفيلسوف ليبنيتز. الذي شرح فيها إجمالا «مبادئ الطبيعة واللطف الإلهي».  -ابحث أكثر-
إذا اتفقنا أن المصطلح فلسفي بحث، فما الذي جعل الماتُريدي يردّده في كتاب، يزعم أنه يتكلم على التوحيد، سؤال وجيه. المعروف أن الأشاعرة والماتردية قد تأثروا كثيراً بالفكر المُعتزِلي -فرقة المعتزلة، ابحث أكثر- ، والمعتزلة ذاتهم كانوا متأثرين جدا بالفلسفة، إلا أنّهم ”لطّفوها“ فيما يسمى بـ ”علم الكلام“، وهو فرع من فروع الفلسفة. وقد حاولوا التوفيق بين الفلسفة والدين في أصل الدين، وهذا ما أحدث فتن عديدة معروفةً جداً لا أريد الإطالة فيها.
اتّفق للماتريدية عديد المصطلحات الفلسفية في الوعاء الاصطلاحي الديني.
ما تراهُ من الأجسام، في قول الفلاسفة، ظاهرهُ منفصلٌ وباطنه مُتصل! بمعنى، أن الأجسام تتجزّأ نظريا، لك تحتوي على نفس الهيولي! الآن اتضحت لكم الفكرة، وفهمتم لمَ قلت أنها قريبة من فكرة الحلول والإتحاد التي تبناها سبينوزا وابن العربي.
إذا الخطأ جليّ وواضح في هذا الاستعمال للإمام أبي منصور الماتُريدي، ولا أعتقد أنه يؤمن بالحلول والاتحاد، بل كان اعتقادهُ سليماً، لكن هذا المُصطلح في غير محله، بعد أن فككناه فلسفيا، وعرفنا أن لا أصل له في ديننا، إنما الاصل عندنا هي الروح والنفس، وما نعرفه عنهما هو ما عرفنا الله به فقط، ولا يمكن تحليل الروح علمياً لأنها من الغيبيات.
تجد مصطلح الهيولي منتشراً في العلوم الدقيقة، كالدم والعظام، وتجده منتشراً عند بعض الماركات العالمية التي تسوق التسميات الفلسفية، كما شاهدنا مؤخرا تسمية (ميتا).

لا تنسى نشر المقال لتعُمّ الفائدة 
المقال 231
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق