التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصطلح ”الهيولي“ الغريب




مقال اليوم فلسفي، لا مُجاملة فيه.

وأنا أتصفّح كتاب «التوحيد» لأبي منصور الماتُريدي، صاحب المذهب الماتُريدي الشهير، شدّني مُصطلحٌ كرّرهُ بكثرة، وبأسلوب مُزعج بعض الشًيء، فشعرتُ بأنني سمعتُ بهذا المُصطلح من قبل، والحقيقة أنني قرأتهُ عند الفلاسفة، باللغة الفرنسية -Hylé-، لكنني لم أقف عندهُ في ذلك الوقت، لأن فلسفة آرسطو تسمح بأي تصوّر، لكن أن تجدهُ في كتاب ”دينيّ“، فهذا يدعو للبحث الجاد.
الهيّولة أو الهيولا أو الهَيولي، هو جزء من خمسة أجزاء لما يُسمّى ”الجوهر“، الصورة، النفس، الجسم، العقل، والهَيولي.
نبدأ بتفكيك مصطلح الجوهر! ستجد عدة تعريفات فلسفية له، لكنها تتحاشى القول ببساطة أن الجوهر هو الروح، روح تشبه صورة الجسم لكنها غيرُ مريئة، مشكلة العديد من الفلاسفة الأولين، إما إنكار الروح، أي إنكار الجوهر من أساسه، أو، جعل الروح في كل شيء، أي لكل شيء جوهر! لن تعريف الجوهر فلسفيا، غير تعريف الروح دينيا، لذلك أخذوا هذا المصطلح ووضعوه في وعاء فلسفي، وهي فلسفة تشبه فكرة [ وحدة الوجود، التي ترمي لاتحاد الخالق بالجمادات ] للفيلسوف سبينوزا، ولبعض المتصوفة كابن العربي وابن الفارض وابن سبعين والحلاج، وتشبه أيضا فكرة [ الإتحاد ] التي يؤمن بها النصارى، وهي تثليث الرب. إذا فهمنا بالتقريب ما المعنى بالجوهر، والإسم يدلّ على المعنى، فلا يتفاعل شيء في هذه الحياة دون جوهر، وبعد تقسيم هذا الجوهر، بقي مُصطلح الهيولي مُعلّقاً بين الفلاسفة والمتصوفة والعلماء.
يُقصد بالهيولي هو أصل المادة، وهو أصلٌ مُوحّد عند جميع المواد، إنما تختلفُ صورته عند كل مادة، أو يأخذ صورة من كل مادة، كما بينت في تقسيم الجوهر. 
وهذا المبحث، اتّخذ طريقاً واسعا فيما يُسمى علم الأجزاء،  وأسس كذلك لمذهب الذرات الروحية مذلك ”المونادولوجيا“، والتي ينطلق منها كل الكون، من تفكير الفيلسوف ليبنيتز. الذي شرح فيها إجمالا «مبادئ الطبيعة واللطف الإلهي».  -ابحث أكثر-
إذا اتفقنا أن المصطلح فلسفي بحث، فما الذي جعل الماتُريدي يردّده في كتاب، يزعم أنه يتكلم على التوحيد، سؤال وجيه. المعروف أن الأشاعرة والماتردية قد تأثروا كثيراً بالفكر المُعتزِلي -فرقة المعتزلة، ابحث أكثر- ، والمعتزلة ذاتهم كانوا متأثرين جدا بالفلسفة، إلا أنّهم ”لطّفوها“ فيما يسمى بـ ”علم الكلام“، وهو فرع من فروع الفلسفة. وقد حاولوا التوفيق بين الفلسفة والدين في أصل الدين، وهذا ما أحدث فتن عديدة معروفةً جداً لا أريد الإطالة فيها.
اتّفق للماتريدية عديد المصطلحات الفلسفية في الوعاء الاصطلاحي الديني.
ما تراهُ من الأجسام، في قول الفلاسفة، ظاهرهُ منفصلٌ وباطنه مُتصل! بمعنى، أن الأجسام تتجزّأ نظريا، لك تحتوي على نفس الهيولي! الآن اتضحت لكم الفكرة، وفهمتم لمَ قلت أنها قريبة من فكرة الحلول والإتحاد التي تبناها سبينوزا وابن العربي.
إذا الخطأ جليّ وواضح في هذا الاستعمال للإمام أبي منصور الماتُريدي، ولا أعتقد أنه يؤمن بالحلول والاتحاد، بل كان اعتقادهُ سليماً، لكن هذا المُصطلح في غير محله، بعد أن فككناه فلسفيا، وعرفنا أن لا أصل له في ديننا، إنما الاصل عندنا هي الروح والنفس، وما نعرفه عنهما هو ما عرفنا الله به فقط، ولا يمكن تحليل الروح علمياً لأنها من الغيبيات.
تجد مصطلح الهيولي منتشراً في العلوم الدقيقة، كالدم والعظام، وتجده منتشراً عند بعض الماركات العالمية التي تسوق التسميات الفلسفية، كما شاهدنا مؤخرا تسمية (ميتا).

لا تنسى نشر المقال لتعُمّ الفائدة 
المقال 231
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...