العالِم إبن بيئته وزمانه، وإبنُ مشاكل عصره وأولوياته، فلا يصحّ أن نَلوم عالم مـا على عدم خوضه في مسائل، أو التخفّف والتساهل في أُخر، أو التعصب لأشياء، بنفس المنطق، لا يجب التعصّب لما تعصّب إليه، ولا التساهل فيما تساهل فيه، لأن الظروف تختلف، فالحُكم يختلف.
لماذا اختلفت وتفىعت المسائل، وأصبح في الدين مذاهب وطرق! ببساطة، يحدث تغيّر في الفهم للنصوص الدينية والفكرية والفلسفية، مع تغير العصر، لما فيه من تغيّر للعمران والتجارة، وزيادة الديموغرافية وتضاعف مسائل وحوائج الناس، فما كان سهلاً أضحى معقّداً، ولكل فترة جهبذ من العلماء يفكّ ألغازها، محافظاً على الأصل بيد، وممسكاً بزمانه باليد الأخرى. علاوة على ذلك، وإذا خصصنا الحديث عن الدين، مع كل تقدم في الزمان، تنزل المَلَكة اللغوية، فيزيد الإختلاف لضعف اللسان، بهذا يصبح الأمر أكثر تعقيداً في كل مرّة.
وكمثال، في فترة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كان منشغلا أيما انشغال بالمرتدين، الذين رفضوا تقديم الزكاة بعد وفاة المعصوم عليه الصلوات والتسليمات، فكرّس سنتيه في الحكم معهم، ولم يكن يهتم بشيء عدى استرجاع القبضة على محيط مكة البعيد. كذلك في فترة سيدنا علي كرم الله وجهه، لم تكن فترته سوى حروب داخلية، من فتنة الشام إلى الخوارج. انتقالاً إلى الفتنة التي غزت الدولة السلجوقية في صورة الدعوات الإسماعيلية الباطنية بقيادة حسن بن الصباح، التي أخذت تأكل المسلمين من الداخل، لولا أن تفرغ لهم الغزالي، فكان شغله الشاغل هم الفلاسفة والباطنية، حتى أنه لم يستطع أن يدرس علم الحديث، فوقع في الخطأ عند استدلاله بالموضوعات في كتاب إحياء علوم الدين. ومن هذه الأمثلة الكثير، لذلك، علينا أن نُخضع الخاكم والعالم لزمانه وظروفه، وليس لزماننا وظروفنا، فنحن الآن بلا شك، نعيش أزمات عديدة، يتفرغ لها بعض العلماء، ويقصرون في الكثير أيضاً..، فلا يجب على الأجيال القادمة أن تحاكمهم محاكمة خاضعة لظروف سنة 2200م..
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق