التخطي إلى المحتوى الرئيسي

علم الكلام ضد السّفسطة



▪هو أبو البركات عبد الله بن أحمد، وُلد في قرشي بأوزبكستان سنة 1223م وتوفى بإيذج في إيران، سنة 1310م.
هو من سادة الأحناف، ومن جهابذة علم الكلام الأصلولي، عُرف بتفسيره لكتاب الكشاف للزمخشري وتفسير البيضاوي.
شرَع النّسفي في نقد السّفسطة ، لأنها كانت من الأساليب الشائعة بين المتكلمين، أساسها قبول كل الآراء، والمُغالطة في الحوار، وعدم الخروج بأي نتيجة، فاعتبر هذا خطراً على الدين. 
▪وفي كتاب شرح العقائد النسفية، لسعد الدين الدين التفتزاني، نقل شروحات النسفي وردّه على أنصار السّفسطائية.
يقولُ ما يلي: [..ردّا على القائلين بأنه لا ثبوت لشيء من الحقائق، ولا علم بثبوت حقيقة، ولا بعدم ثبوتهت. خلافاً للسوفسطائية، فإن منهم من ينكر حقائق الأشياء، ويزعم أنها أوهام وخيالات باطلة، وهم العِناديّة. ومنهم من ينكر ثبوتها، ويزعم أنها تابعة للإعتقاد، حتّى إن اعتقدنا الشيء جوهراً فجوهر، أو عرضاً فعرض، أو قديماً فقديم، أو حادثاً فحادث، وهم العِنديّة، ومنهم من يُنكر العلم بثبوت شيء ولا صبوته، ويزعم أنه شاكّ، وشاكّ في أنه شاكّ وهلمّ جرًا، وهم اللاأدريّة، ولنا تحقيقاً أنّا نجزم بالضرورة بثبوت بعض الأشياء بالعيان، وبعضها بالبيان، وإلزاماً أنه إن لم يتحقّق نفي الأشياء فقد ثبت، وإن تحقّق فالنفي حقيقة من الحقائق لكونه نوعاً من الحكم، فقد ثبت شيء من الحقائق، فلم يصحّ نفيها على الإطلاق، ولا يخفى أنه إنّما يتمّ على العِناديّة قالوا، الضروريّات منها حسّيات، والحسُّ قد يغلط كثيراً، كالأحول يرى الواحد اثنين، والصفراوي قد يجد الحلوّ مرّاً، ومنها بديهيّات، وقد تقع فيها اختلافات، وتعرض بها شبه يفتقر في حلّها إلى أنظار دقيقة، والنظريّات فرع الضروريّات، ففسادها فسادها، ولهذا كثر فيها اختلاف العقلاء. قُلنـا: غَلَطُ الحسّ في البعض لأسباب جزئيّة لا ينافي الجزم بالبعض بانتفاء أسباب الغلط، والاختلافات، في البديهي لعدم الإلف والعادة أو لخفاء في التصوّر لا سنافس البداهة، وكثرة الإختلاف لفساد الأنظار لا تنافي حقّيّة بعض النظريات، والحقّ أنه لا طريق إلى المناظرة معهم، خصوصاً مع اللاأدرية، لأنهم لا يعترفون بمعلوم ليثبت به مجهول، بل الطريق تعذيبهم بالنار، ليعترفوا أو يحترقوا، و«سوفسطا» اسم للحكمة المموّهة، والعلم المزخرف، لأن «سوفا» معناه العلم والحكمة، و«اسطا» معناه المزخرف والغلط، ومنه اشتقت السفسطة، كما اشتقّت الفلسفة من «فيلاسوف»، أي: محب الحكمة. وأسباب العلم، وهو صفة يتجلّى بها المذكور لمن قامت هي به، أي: يتّضح ويظهر ما يذكر، ويمكن أن يعبّر عنه، موجوداً كان أو معدوماً، فيشمل إدراك الحواس وإدراك العقل من التصوّرات والتصدقيات اليقينية وغير اليقينية، بخلاف قولهم: صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، فإنه وإن كان شاملاً لإدراك الخواسّ بناء على عدم تقييد المعاني، وللتصوّرات بناء على أنها لا نقائض لها على ما زعموا، لكنّه لا يشمل غير اليقينيّات من التصديقات هذا، ولكن ينبغي أن يحمل التجلّي على الإنكشاف التامّ، الذي لا يشمل الظنّ، لأن العلم عندهم مقابل للظّن..»
أدعوكم لقراءة هذا الكتاب الماتع لمعرفة الردود القويّة على الفلسفة بشكل عام، والسوفسطائية بشكل خاصّ، التي أفردتها بمقالات ودرسين في اليوتوب، ولا يزال الكثير للحديث عنها وعن استعمالاتها في الحيل والتلاعب.

المقال 214
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...