المقال الأوّل من السِلسلة.
وها قد انطلقنا، فلا تقُل في "أوّل الأمرِ" بل قل في "إبّانه"، وقد نقل عن ابن الأعرابيّ أنه قال : "قد هرّمتني قبل إبّان الهرَم".
وإن مللت من "همّ ليذهبَ" فقل "أبَّ ليذهبَ"، وإن سئمت من تكرار "اتّسعَ له الرزق" فقل " طاعَ لهُ الأبُّ".
ثم قالَ، تأبّدَ فُلانٌ، ومعناهُ توحّشَ، أي صار مثل الوحوش في غربته. وإننا قد افتقدناه إلى الأبد. والتأبّد والأبيدِ فقدٌ، ويقال كانت أعمارهم طويلة الآباد، فهم من الآبدين.
ويقال تأبّدَ المنزلُ، أي سكنتهُ الوُحوش بعدً أن أُبّد، وان مللتَ من قول 'أحب القصص الغريبة" فقل "مولعٌ أنا بأوابِدِ الكلامِ"، ويقول، قال النابغة : "نبئتُ زُرعةَ والسفاهةُ كاسمها، يُهدي إليّ أوابد الأشعارِ"، وإذا مللت من قول "جئتنا بكلام غريب" فقل "جئتنا بآبدةٍ ما نعرفها".
وإذا قالوا لكَ "قهروهُ وزجروه" فقل لهم وكذا "أبَسوه وحبسوهُ"، وهي من الأبْسِ، أي القهر.
وقد قالَ أن الإبِلُ المؤبّلة تعني الإبل المُهملة. والإبالة من السياسة،. ويقول، تأبّلَ فلانٌ، أي امتنعَ عن الزواج. ويُقال عن الراهب أنه أبيلٌ، ويقول، فلانةٌ لو أبصرها الأبيل ضاقَ به السبيل.
مقالة للكاتب عماد الدين زناف.
وقال جار الله أيضا، الأبَنُ من القضيب الخشبي كثير العُقد، ويُقال بينهُن أبَنٌ، أي بينهم عداواتٌ، ويقال كذلكَ بينهم إحنٌ. ومن البلاغة أن يقال إن في حصانهِ أبَنٌ، أي فيه عيبٌ.
وخيرٌ لنا أن نقولَ تأتّبَ الثوب عن لبسهُ (أَتَبَ)، إذا كان في الثوب ثقبٌ ( مثل قمصاننا)، فاللّبس يكون لما يُرتدى مثل المعطف. ويُقال ها قد تأتّبَ الجُنديّ سلاحَهُ، أي لبسهُ من عنقه.
ولا نقول قضى عليهم الدهرُ، فالقضاء قد قُضيَ، بل قُل أتَى عليهم الدهرُ. ونقول استأتت الناقة، أي طُلِبَ منها أن تأتيَ. و تُضاف (ا س ت) إذا أردنا أن نطلب الشيء (استثمر، استقبل، استرشد، استخبر..)، ونقول أيضاً تأتّيتُ لهذا الأمرِ، والمعنى أنّني تهيأت له، وتفصيلا معناه، هيأت نفس لآتي إلى الأمر. و"الأتيُّ فينا" و "أتاويٌّ" هو "الغريبُ"، أي أتى من مكان مجهول. وقال عمرو ابن الإطنابةِ : وبعضُ القول ليس له عِناجٌ، كمخض الماء ليس له إتاءُ.
ثم دَع قول "اجتمعوا حوله" لقول تأثّفوهُ، من الأثفية. وقل: لا تترك الحق، وإن "تأثَفَكَ" الأعداء.
وقل أثّلتهُ، أي أصّلتهُ، ولذاك يسمى علم المصطلح بالتأثيلية، أي ذكر أصول ومعاني المصطلح، والأثالُ هو المجدُ.
وقلنا إن الله أوجدني بعد فقر أي قوّاني. و نقول ناقةٌ أُجُدٌ، وبناءٌ مُؤْجَدٌ، وثوْبٌ مُؤْجَدُ النسيج، فـ الأجَدُ يعني القوّة.
وكفّ عن قولِ "كَرِهَهُ" وتفنّن بقولِ "أجِمَهُ".
ونقول، أَدِبْهُم على الأمر، أي اِجمعهم، والأدَبُ هو الجمع على شيءٍ، ونقول أدبهم عليه وضدها نَدَبهُم عنه.
ونقول آذنتهُ بالأمر، وهي من إبلاغ الأُذن، أي أسمعتهُ أمري من فمي لسمعه، لقوله تعالى (فأذِنوا بحربٍ من الله ورسوله)، فإذا قيل تأذّنَ المؤذن أو السلطان بمعناه أنه نادى للأذنين، وليس للأبصار(بالإشارة).
مقال للكاتب عماد الدين زناف.
ويقال يأرِزُ فلانٌ لوطنه، يعني يروح ويجيء إليه. ونقول صعدَ الجبل آرزاً، أي منهكاً. ويقال بتنا في ليلةٍ آرزة، أي، يأرزُ من فيها من شدة البرد.
ونقولُ تأرّضَ فلان، أي أنه لزم تلك الأرض ولم يغادر ولم يبرح. ونقول إذا وصل مقرّهُ تأرّضَ، وهي من الأرض.
ونقول أن الأمرَ فيهِ أرنٌ، أي فيه مرحٌ، ونقول عن اليوم الشديد أنه أرَوْنَانيّ.
1 #لسان_الزمخشري
المقال 323
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق