التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سلسلة لسان الزمخشري #8



سلسلة #لسان_الزمخشري #8

اعتمد الزمخشري في تهذيب اللسان، خاصة في كتابه الضخم أساس البلاغة، الذي أخذ نصيب الأسد من هذه السلسلة، على ما سمعه من الأعراب من فصيح اللسان، من نثر بشتى فنونه وشعر في شتى صوره وما طولع في بطون الكتب ومتون الدفاتر من روائع الألفاظ.
 فقال (فُليت له العربية وما فصح من لغتها، ومُلح من بلاغتها، وما سمع من الأعراب في بواديها، ومن خطباء الحلل في نواديها، ومن قراضبة نجد في أكلائها ومراتعها، ومن سماسرة تهامة في أسواقها ومجامعها، وما تراجزت به السقاة على أفواه قُلبها، وتساجعت به الرعاة على شفاه عُلبها، أو ما تزاملت به شعراء ثقيف وهذيل في أيام المفاتنة، وما طولع في بطون الكتب ومتون الدفاتر من روائع ألفاظ مفتنّة، وجوامع كلم في أحشاؤها مجتنّة)
وقد اعتمد على القرآن الكريم، والحديث النبوي من مثل قوله (ولا تؤبن فيه الحرم) و(سترون بعدي أثرة)، وأقوال الصحابة على رأسهم علي وعمر عليهما الرضوان والأنوار، وشعر الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين، والأمثال كـ ( آبل من حُنيف الحناتم) و(سمنكم هوريق في أديمكم)
 وكلمات منثورة للعرب مثل ما جاء (وتقول العرب، أصل كل داء البَردة، وأصل كل دواء الأزم)، (وفي أدعيتهم أبى الله لك أسراً) (وقال أعرابي لآخر، كيف كانت مطرتكم أأسّلت أم عزّمت)، وشعراء المولدين كأبي نواس في طردياته : 
تراه في الحضر إذا هـَا هـَا به    كأنما يحرج من إهابه
وما سمعه بنفسه كـ (قال، وهو مستأهل له، وسمعت أهل الحجاز يستعملونه استعمالاُ واسعاً)  وما قاله (وفي نوابغ الكلم، من كان آدب كان رحله أجدب)، وعن المعجمات العربية القديمة وما رواه اللغويون قبله مثل أخذه من كتاب العين للفراهيدي (الواو في مرئي أكلتها الياء، لأن أصله مرؤوي) 
ونقل عن اللغويين 'وقال عن الأصمعي أبيض يضُّ ولهق بمعنى واحد، وهو الشديد البياض. وقال ابن دريد : هو الناصع اللون في سمن. وقال المبرد : هو الرقيق البشرة الذي يؤثر فيه كل شيء)
واطلع على كتب كالمفردات في غريب القرآن للأصفهاني.

في المقال المقبل (التاسع) سأتحدّث عن ترتيبه للعلوم اللسانية ان شاء الله .

#عمادالدين_زناف
المقال 328

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...