الأربعاء، 14 يوليو 2021

الحكم على الآخر عمل صحّي



📌 هل ”الحُكم على الآخر“ عادة خلقية سيئة، أم عادة إنسانية طبيعية؟

كثيراً ما يردّد الناس أنه من المخزي أن تحكم على الآخر بالفساد، بالغباء، بالضعف، بالتطرّف، بالجهل، لمجرّد خطأ أو جملة أو عمل أو إشارة كانت قد صدرت منه، وقد تكون تلك ”الهفوة“ لا تمثّل سريرته ولا أهدافه ولا نواياه، وقد تكون لحظة غضب أو اندفاع أو سهو أو زلّة لسان، بحيث لا يمكن أن تكون لحظة هي المُمثلة لكائن مركّب مثل الإنسان.
يقولون أيضاً، أنّه من المرجّح أن يكون الشخص نابغة، عبقري،  قويّ المُلاحظة، سريع البديهة، عميق الفكر، إذا بدر منه شيء بسيط يشير إلى تلك الصّفات، إذا أصاب الشخص في موضوع ما، في رأي ما، في معلومة ما، يتم ترجيح أنّه من الأذكياء، ففي كلا الحالتين، يخضع الآخر للحُكم الآني اللحظي، وأساس ذلك الحُكم هو الظاهر من الأعمال.
الحُكم على الآخر يخضع لشيء وحيد وأوحد، وهو الإنحياز المعرفي، ما يسمى بالفرنسية le biais cognitif بحيث لا يمكن في أي حال من الأحوال تفادي هذا الإنحياز المعرفي حتى في العلوم، وكمثال سريع، يخضع المؤمن تلقائيا إلى الدراسات التي تشير إلى الخلق الإنساني أكثر منها إلى التي تدرس التطوّر، ويُحاجج المؤمن تلقائيا بتلك المقالات العلمية لمناهضة الأبحاث الأخرى، ربما دون قرائتها حتى. 
يسمى هذا أيضا بـ النزعة التأكيدية او الإنحياز التأكيدي biais de confirmation الذي بدوره يعدّ حلقة مغلقة من الباحث او المُصدر للأحكام، في معظم الحالات يتم استعمال هذا المنطق لمن يرى أن حجج الآخر قد تشكّل خطراً، وبالتالي، يتم تجميع أكبر عدد من البحوثات المختارة بعناية والتي تصب لنفس النتائج، في أي موضوع، علمي نفسي اجتماعي وفلسفي.
إذا أسقطنا الإنحياز المعرفي والإنحياز التأكيدي في الحياة اليومية بين أفراد المُجتمع، فنجد هذه العملية ”تلقائية جداً“، بحيث لا نتردّد في الحكم على الأشياء بالصلاح والفساد عن طريق قياسها بمُكنتنا العلمية، أي لما ننحازُ إليه نفسياً، وفي الغالب، يكون العلم ضحية تلك التحيّزات، فقد يستخدم الناس كما أسلفت جانباً من الأبحاث دون الأخرى لإشباع حقل راحتهم المعرفية لكسل فكري، فعوض التفكير خارج الحقل المعرفي الخاص، يحاول الفرد فرضه وتأكيده في كل مرة.
مغالطة رجل القش!
من بين الأساليب في الحكم عن الآخر هي تقويل الآخر ما لم يتفوه به، لكي نجرّه إلى حقل معرفتها ومجالنا الذي نتحكم فيه مبدئيا بشكل أحسن، ويمكننا من خلاله المواصلة في الكلام واستبدال المصطلحات لايهام الآخر بأننا نملك رصيداً معرفيا، وأن هذا الحكم ليس عبثيا، وإنما هو علمي اخلاقي قائم على أسس متينة.
لماذا يجد الإنسان نفسه في كل مرة مضطراً بأن يحكم على الآخر بالفساد أو بالصلاح؟ 
قضية الحكم على الآخر أساسها حيواني غرائزي بحت، فالإنسان كائن اجتماعي يبني حياته على أساس تفادي المخاطر، والخطر بشكل العام هو الآخر، الغريب، ولتأطير تلك المخاوف، عليه أن يصنّف الآخر تصنيفاً ولو كان مبدئياً، فالآخر يجد نفسه في امتحان مستمر خاصة في لحظاته الأولى، ذلك الحكم السريع يأخذ منحى شبه علمي، فالعقل يحاول عقلنة المخاوف فيربطها بالمحصلات العلمية والأخلاقية، فإذا وافقت لغة الآخر ومصطلحاته وحركاته ما نعرفعه علميا وخلقيا، فهو ينحاز معرفيا الينا، وكل ما لا ينحاز لمعارفنا فهو الخطر، وعليه، يوضع في قائمة الصفات الذميمة، واذا اضطررنا لإثبات ذلك، فما علينا سوى تكرار ما نعرفه.

#عمادالدين_زناف 
المقال 180

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق