التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحكم على الآخر عمل صحّي



📌 هل ”الحُكم على الآخر“ عادة خلقية سيئة، أم عادة إنسانية طبيعية؟

كثيراً ما يردّد الناس أنه من المخزي أن تحكم على الآخر بالفساد، بالغباء، بالضعف، بالتطرّف، بالجهل، لمجرّد خطأ أو جملة أو عمل أو إشارة كانت قد صدرت منه، وقد تكون تلك ”الهفوة“ لا تمثّل سريرته ولا أهدافه ولا نواياه، وقد تكون لحظة غضب أو اندفاع أو سهو أو زلّة لسان، بحيث لا يمكن أن تكون لحظة هي المُمثلة لكائن مركّب مثل الإنسان.
يقولون أيضاً، أنّه من المرجّح أن يكون الشخص نابغة، عبقري،  قويّ المُلاحظة، سريع البديهة، عميق الفكر، إذا بدر منه شيء بسيط يشير إلى تلك الصّفات، إذا أصاب الشخص في موضوع ما، في رأي ما، في معلومة ما، يتم ترجيح أنّه من الأذكياء، ففي كلا الحالتين، يخضع الآخر للحُكم الآني اللحظي، وأساس ذلك الحُكم هو الظاهر من الأعمال.
الحُكم على الآخر يخضع لشيء وحيد وأوحد، وهو الإنحياز المعرفي، ما يسمى بالفرنسية le biais cognitif بحيث لا يمكن في أي حال من الأحوال تفادي هذا الإنحياز المعرفي حتى في العلوم، وكمثال سريع، يخضع المؤمن تلقائيا إلى الدراسات التي تشير إلى الخلق الإنساني أكثر منها إلى التي تدرس التطوّر، ويُحاجج المؤمن تلقائيا بتلك المقالات العلمية لمناهضة الأبحاث الأخرى، ربما دون قرائتها حتى. 
يسمى هذا أيضا بـ النزعة التأكيدية او الإنحياز التأكيدي biais de confirmation الذي بدوره يعدّ حلقة مغلقة من الباحث او المُصدر للأحكام، في معظم الحالات يتم استعمال هذا المنطق لمن يرى أن حجج الآخر قد تشكّل خطراً، وبالتالي، يتم تجميع أكبر عدد من البحوثات المختارة بعناية والتي تصب لنفس النتائج، في أي موضوع، علمي نفسي اجتماعي وفلسفي.
إذا أسقطنا الإنحياز المعرفي والإنحياز التأكيدي في الحياة اليومية بين أفراد المُجتمع، فنجد هذه العملية ”تلقائية جداً“، بحيث لا نتردّد في الحكم على الأشياء بالصلاح والفساد عن طريق قياسها بمُكنتنا العلمية، أي لما ننحازُ إليه نفسياً، وفي الغالب، يكون العلم ضحية تلك التحيّزات، فقد يستخدم الناس كما أسلفت جانباً من الأبحاث دون الأخرى لإشباع حقل راحتهم المعرفية لكسل فكري، فعوض التفكير خارج الحقل المعرفي الخاص، يحاول الفرد فرضه وتأكيده في كل مرة.
مغالطة رجل القش!
من بين الأساليب في الحكم عن الآخر هي تقويل الآخر ما لم يتفوه به، لكي نجرّه إلى حقل معرفتها ومجالنا الذي نتحكم فيه مبدئيا بشكل أحسن، ويمكننا من خلاله المواصلة في الكلام واستبدال المصطلحات لايهام الآخر بأننا نملك رصيداً معرفيا، وأن هذا الحكم ليس عبثيا، وإنما هو علمي اخلاقي قائم على أسس متينة.
لماذا يجد الإنسان نفسه في كل مرة مضطراً بأن يحكم على الآخر بالفساد أو بالصلاح؟ 
قضية الحكم على الآخر أساسها حيواني غرائزي بحت، فالإنسان كائن اجتماعي يبني حياته على أساس تفادي المخاطر، والخطر بشكل العام هو الآخر، الغريب، ولتأطير تلك المخاوف، عليه أن يصنّف الآخر تصنيفاً ولو كان مبدئياً، فالآخر يجد نفسه في امتحان مستمر خاصة في لحظاته الأولى، ذلك الحكم السريع يأخذ منحى شبه علمي، فالعقل يحاول عقلنة المخاوف فيربطها بالمحصلات العلمية والأخلاقية، فإذا وافقت لغة الآخر ومصطلحاته وحركاته ما نعرفعه علميا وخلقيا، فهو ينحاز معرفيا الينا، وكل ما لا ينحاز لمعارفنا فهو الخطر، وعليه، يوضع في قائمة الصفات الذميمة، واذا اضطررنا لإثبات ذلك، فما علينا سوى تكرار ما نعرفه.

#عمادالدين_زناف 
المقال 180

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

خيانة سيجموند فرويد للعالم.

 تحذير⭕، هذا العمل ليس للجميع ، فهو يحتوي أمور نفسية لا يحتملها البعض، من لا يشعر بالارتياح من جراء القصص الصادمة لا يكمل. العنوان: اليهود ، زنا المحارم و الهيستيريا. ترجمة مني عن عمل لكاتب فرنسي لن اذكر اسمه لانه ممنوع من المواقع الاجتماعية، لكنني سوف اترك اسم كتابه داخل الترجمة. _____ لا نعرف عدد الذين يمارسون زنا المحارم في العوائل اليهوديه،  ليس هناك احصائيات في هذا الموضوع،  ولكن عبر الادب والسينما،  عرفت ان زنا المحارم امر يتكرر كثيرا عند هؤلاء النجوم الادبيون،  عند يهود الصيفاراد  في البحر المتوسط، او عند اليهود الاشكيناز في اوروبا الشرقيه. مثلا في فيلم charlotte for ever في سنة 1986 ،  او في موسيقى 1984  lemon incest،  زنا المحارم عند الادبيين اليهود واضح ،  الروائيه كريستين هونغو ، من أم يهودية اشكينازية ،  في كتابها المعنون ب«زنا المحارم» في سنة 1999 و خاصة الصفحة 206،  كتبت فيه كل علاقاتها الجنسيه مع ابوها ،  وكان ابوها غير يهودي بل فرنسي ابيض البشرة ، والذي اتهمت به «لتبعد البشهة عن اليهود»كل ذوي البشرة البيضاء...