السبت، 6 نوفمبر 2021

تفسيرات جديدة، للثابت المحكم؟!



القرآن الكريم، بين القراءة الأصولية والاستقراء الحديث.

عَرفَ عصرنا الحديث، شيوع مصطلح "الاعجاز العلمي"، الذي يرمي الى ربط العلم بالآيات، واثبات صحة الحديث والقرآن، بالتطابق بين ظاهر النص، وآخر ما توصّل اليه العلوم، بمختلف التخصصات. عرفت هذه الحركة رواجاً عبر العالم، بين تأييد المسلمين بشكل عام، واستنكار الآخرين. وقد بيّن الكثير من العُلماء، أن الاعجاز العلمي قد يكون سلاح ذو حدّين، فقد يَدعم ظاهر النص أحياناً، وقد يتغيّر المنظر العلمي، او يتم اكتشاف شيءٍ مخالفٍ تماما، وهذا يضع المُستدَل ببعض الآيات في حرج، لذلك، آثر الكثير من الفقهاء، ألا يتم التسرّع بإسقاط الآيات الثابتات، على الأمور المتغيرات، فالعلم غير ثابت النظرة، لذلك، من العبث أن نُثبت أحقية القرآن، بشيء غير صُلب، والقرآن في ذاته، يؤمرنا بالإيمان بالغيب، ولا يطالبُ بإثبات ذلك مادياً. 
لكن هذه الحركة، حركة الاعجاز العلمي، هي حركة مُجتهدة، تُصيب وتخطئ، فلا تُعاب على اجتهادٍ، ما لم تجزُم به، ولم تَفرضه فرضاً على الناس، عكس حركات جديدة، تدّعي انّها قرآنية، أي تعتمد على القرآن فقط، ولا تلتفتُ الى السُّنة، رغم أن نفس الذي أتى بالسنة ونقلها لنا، هو الذي نقل القرآن تواتراً لفظياً، فاذا كان القرآن مقدّساً فالسنةُ كذلك مقدّسةً، واذا شكّكنا في مصادر السنة، ألزمنا أنفسنا بأن نشكك بمصادر تواتر القرآن، فهو لا ينزل من السماء على "القرآنيين"، بل يعتمدون على سند الرجال والقُرّاء، مثل قراءة حفص عن عاصم، وورش عن نافع، رضي الله عنهم جميعاً. 
الآن وبعد أن فككنا أوّل قنبلتين، بقيت لنا قُنبلة أخيرة، اعادةُ قراءة القرآن، تأويلاً وتفسيراً. هذه المهنة عُرفت لمن يُسمّونَ المفسّرين بدرجةِ المُجتهدين. ما المُجتهد في التعريف الديني للمصطلح؟ المُجتهد هو الذي أحاط بكل أدوات وعلوم الآلة الخاصة بالدين، المُجتهد مُحيطٌ بعلوم اللغة، نحو وصرف وبلاغة ومجاز، بعلوم الفقه بكل ما فيها، علوم الحديث قاطبةً، بعلم الرجال، الإحاطة بالجرح والتعديل، معرفة أصول المذاهب، على ما قامت عليه، وعلى ما اختلفوا فيه، كذلك أضيف شيئاً مهماً، الاطّلاع على كل التفسيرات السابقة، من تفسير ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، الى الطبري الى ابن كثير الى البصري الى القرطبي، هذا إذا اكتفينا بأعمدة التفسير الأوائل.
كذلك، الإحاطة بالاختلافات العقائدية بين أهل الحديث، الأشاعرة، الماتردية، قراءة كتب العقائد المشهورة، مثل العقيدة الطحاوية والنسفية وغيرهم. فاذا أحاط الطالب بكل هذا، ويعلم الله كم هو صعب وشاق على أي طالب أن يحيط بكل هذا، هُنا يُمكنه أن ينطلق في فهمٍ جديد، لم يُسبق اليه، مع عدم تنصّله من الثوابت الدينية المعلومة من الدين بالضرورة.
أما ان تتقدم لشرح النصوص، وأنت لا تُحسن قراءة الآيات بأكثر من قراءة، ولا اعرابها، ولا تعرف سبب نزولها، ولا ما قاله الصحابة عنها، وتخطئ وتلحن في الكلام، وليس لكَ دراية بمن هو الطبري والطبراني، النسفي والتفتزاني، الباقلاني والجويني، السرخسي والزمخشري، الذهبي وابن عساكر، ولا تعرف من هم أعمدة التفسير، وأهل الحديث والرجال، ثم تقوم لتفسّر القرآن.. فهذا عَبث لا يصحّ.

والله ينصر المُتعلّم، طيّب النوايا.

#عمادالدين_زناف 

المقال _231

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق