السبت، 27 نوفمبر 2021

نيتشه والتاريخ، نظرة وتفكيك


من أجمل كتب نيتشه وأيسرهم، هو تحليل للتاريخ من أستاذ فلسفة اللغة، قراءة وتفكيك وجيز للكتاب.

 

..يبدو أن مسألة التاريخ هي عائق يُلازم الإنسان عن سائر المَخلوقات، إن الذي يفكّر في التاريخ تفكيراً صحيحاً، لا يراهُ إلا وسيلةً لما يمكنه فهمهُ من هذا الحاضر. إن الذي يُلقي على الأنام بالتاريخ دون مغزى، لا يزيدهم سوى سوءَ فهمٍ وألم.

إن ما يُثقل كاهل الإنسان هو جرّه لتوابع التاريخ، فيحدث أن يتأمل الحيوان متسائلا، لمَ لا يعبّر عن سعادته وهو لا يحمل همّ التذكر والنسيان، فيقول أنه يريد التعبيرَ لكنه ينسى أن يفعل ذلك. إن الإنسان عكس الحيوان يتظاهر بالنسيان والدهشة، إنه عكس الحيوان يفكّر طويلا في المفقود.

 إن البالغ لا يترك حتى يبلغ مراده من الطفل، أن يزعجه حتى يخرجه من النسيان، سيجعله يقول ”كان يوماً“.. وحينئذٍ، سيتركه. سيقترب الإنسان بعدها إلى ما يسمى الكفاح والألم والسأم ليفكر في حقيقة واحدة:

ماضٍ ناقصٌ لا يكتمل البتة.

إن الإنسان يتظاهر، بينما لا يمكن للحيوان أن لا يكون إلا صادقاً، في كل وقت ومكان.

إن السعادة كما عبّر عنها الكلبيّ، هي القدرة عن النسيان، القدرة عن النسيان، وليس التظاهر بالنسيان. إنها ملَكَة الإحساس اللاتاريخي طوال ديمونة السعادة.

الإنسانُ محرومٌ تماما من ملكة النسيان، فهو تلميذ حقيقي لهرقليطس بحيث لا يجرؤ على رفع إصبعه في وجه ما يحدث. إن الإنسان مجبورٌ على أن يبقى مُستيقظاً.

على الإنسان أن يعرف القوة الخلقية له، وللشعب، وللحضارة، قوة تسمح بنمو خارج الذات، وتحويل الماضي وامتلاكه، وعلاج جراحه وتضميدها.

كلما امتلكت الطبيعة الداخلية  للإنسان جذوراً قوية تمكّن من امتلاك الشيء الكثير من الماضي. الطبيعة الأكثر قوة تتجاهل حدود المعنى التاريخي الذي بمكنه أن يضرها بشكل طُفيليّ.  إنه قانون كونيّ، فكل ما هو حيّ يصبح قوياً في حدود أفق معيّن، ودون تحديد ذلك الأفق، فسيمضي سريعاً نحو انهيارهِ.

والتذكّر السليم، يكون في الغريزة القوية التي تجعلنا نحس متى يستوحب أن نستعمل وجهة نظر تاريخية، ومتى تكون غير تاريخية. إن الحيوان متجرد من التصورات التاريخية، فهو لا يتظاهر بالسعادة، ولا بالحزن، ولا بالتخمة والرياء، إن هذه الملكة، أي الإحساس بطريقة غير تاريخية هي الأكثر أهمية وأصالة، فما هو غير تاريخيّ تجده شبيهاً بأجواءٍ آمنة، يمكن فيها للحياة أن تولد.

عندما يتم الإفراط في التاريخ، يتوقف الإنسان من جديد.

إن النظرة الفوق-تاريخية überhistorish،  تُشفي كل ميل للنظر إلى التاريخ بجدية مُفرطة، ولا تجعلنا نمر عن أسئلة أساسية مثل، كيف يتوجب أن نعيش؟ ولماذا؟..

يقول الفوق تاريخيون إن التاريخ والحاضر، وجهان لعملة واحدة، مثل تطابق كل اللغات مع الحاجات الثابتة والنمطية، لكن، فلنترك لهم هذا، ولنستمتع بافتقادنا للحكمة، ولنتمتع بيومنا كرجال للفعل والتقدم.. كمغرمين بالتطور!

 

#عمادالدين_زناف

المقال 241

#نيتشه

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق