طاحونة تطحن نفسها. [مقال ليس لكلّ أحد]
ليس هناك عهدٌ ينتهي من ذاته، إنما ينتهي عندما يملّ الإنسان مما يفعله، فلا تتعاقب الحضارات، سوى من الملل الذي يسودُ شعوبها وعلمائها وحكامها وفرسانها، ذلك الملل الذي يحطّ من الهمم، فتتقابل مع حضارة فتيّة في عزّ شبابها، تُعجّل من هلاك ذلك الشيخ المريض، ولم يشخ حقاً إنًما انتهى شغفه للحياة. هكذا تدول الدول، ترشدُ حتى تسْكَر من رُشدها.
يقف الإنسان الأخير، في عتبة نهاية حضارته، يبكي بكاء الصقور، لا ينفعهُ سوى ابقاء ما سلف في الورق والجدران، أو استشراف ما هو آت، فتحمله أمواج الحضارات الأخرى، يعيش بين ظهرانها، اِبناً لكل حضارة لا يشيخ ولا يغرق.
لا يرفُض الفعّالُ الحضارة سوى ليطرحَ فكرة ما بعدَ الحضارة، بمعاييرَ أكثر صرامة. الهدّام، يرفُض الحضارة لكي ينزل بالعالم إلى جُحرهِ، فلا ننزل إلّا لمن يرفعنا لما وراء الواقع.
من يغيّر الحضارة سوى القويّ، لكن تراجيديا القوي أنهُ يعاني أكثر من الضعيف، فالقوي قويٌّ لأنه يتحمّل الصّعاب، فاحموا الأقوياء من الضعفاء، لكي يكون للضعفاء خلفٌ أقوياء.
توقّف عن جعل الصّور هي من تحدّد القويّ من الضعيف، لا تُبنى الحضارات بنوادي المصارعة، بل بالعقول المعلقة في بعض الأجساد الهشّة والمتوسّطة. ومع هذا، لا تدع فكرة الجسد الهشّ مثالاً للقوّة، اضفر بالقوّة بكلّ أركانها، فالقويً الكامل قويً اللّسان، وجدير بصدّ كلّ من يعتدي عن اللّسان.
الحضارة قرار، هذه الفكرة التي فهمها الإنسان، لا يوجد تسليمٌ ولا تبادل للحضارات، لا يوجد مسرح للتويج، لضمان صيرورة الإنسانية، كل حضارة، لا تريد وجود حضارة بعدها.
لا ننجح، لأننا نأخذ بالنقد، ونتراشق به، ونتبادل التهم، ونهدم كل من يحاول تجميع الهمم، نحنُ نحب فكرة أننا بليدون، لماذا؟ لأن البليد رُفع عليه التكليف، البليد طفل ليس مكلّف، إذا أحسن مدحناه، وإذا أساء قُلنا لم يبلغ الرشد.
نحب فكرة أننا سيؤوون حد الثمالة، ما دمت سيئا، فإذا أنا لست مكلفاً، أنا سيًء، إذا أنا متحرّر من كل شيء، وأستطيع أن أقوم بأي شيء، في الأخير.. لا يوجد ما تذمّ به القبيح سوى البحث عن مرادفات جديدة للقُبح.
عليك أن تقبل بالنهايات التراجيدية، الموت حقيقة لكل مخلوق، وكل متحرّك متلازم بالسكون، وسكون الكون متلازم بسكون الوقت، والوقت مخلوق كغيره، سيأتي فيه يوم لا يكون.
سيكون النصر يوماً، والنصر لا يعتمد عليك كشخص بعينك، إنما تستطيع أن تكون ضمن لائحة النصارى مع المنتصرين.
هذا هو الإنسان في نظري.
#عمادالدين_زناف
المقال 235
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق