الخميس، 11 نوفمبر 2021

التكيّف؛ هاجس الفلسفة الجديد



هاجس الفلسفة الجديد: التعامل مع التكيّف!

في كتاب "يجبُ أن نتكيّف، تحت الزامٍ سياسيّ" Il faut s'adapter، تناولت الفيلسوفة "النيتشيّة" باربرا ستيغلر موضوع التكيّف من جوانبه العديدة، خاصة الجانب الفلسفي والإنساني، حيثَ عملت على مسح تاريخي سريع عن التسارع التكنولوجي الذي مس العالم، وقدرة الأفراد على التأقلم أو التكيّف معه، حيثُ أشارت بأن نيتشه، في كتاب Œuvres posthumes، كان قد عبّر عن قلقه من بروز التيلغراف، الذي سيلغي العمل الإنساني، مما سيأثر على طبيعته وجسده وهرموناته، حيث كان متأثراً بالنظرية الداروينية التي ترمي الى تأقلم الانسان مع الوضع، وأشار، أن هذا النوع من التكيّف سيكون مضراً، وهو غير محمود بالمرّة، لكنه واقع وجب التأقلم معه في نفس الوقت. أسست باربرا خطة عمل تاريخية، تدرس بداية ظهور الليبرالية الجديدة في سنوات 1930، وتبلور حكومات جديدة تقود هذا التحوّل الإنساني والحضاري الجديد.
فكرة التكيّف مع الواقع، نقلتنا الى فكرة التأقلم مع هذا التأقلم، يقول نيتشه أننا سنقوم بردود فعلٍ، في زمن ردّ الفعل أصلا، ما سيجعلنا نحوم حول نفس الفكرة العدمية، ذوبان العالم في فكرة وحدة وتوجّه واحد، اضمحلال الثقافات والعادات، وبروز العولمة والفِكر الموحّد، لن يساعد على بروز فكر جديد، ينقذ البشرية من هذا التأقلم السّام. ترعرع نيتشه في نفس الزمن الذي شاع فيه استعمال التليغراف، والصحافة المكتوبة، وقد أشار الى أن هذا العالم الجديد، لا سبيل بعده للرجوع الى الانسان الأعلى. 
تناولت فكرة العود الأبدي، عندما فككت فكرة نيتشه الى مصطلحين، الركود والاغلاق، الأمر الذي يعطّل التطوّر الإنساني نحو الأفضل، وليس التغييرات السطحية في التواصل وتعويضه بالآلة، الركود يُقصد به عدم تطور الانسان تفاعليا، جرّاء التراجع الجسدي والهرموني، وفقدان القدرات البدائية له، والاغلاق، هو البقاء في تلك الحالة، فكر وتوجّه مُوحّد للعالم كله، يجعل منه مغلقاً يُكرّر نفسه، فكما هو معلوم، الاختلاف أصل التقدّم الإنساني، أما القيادة الوحيدة، فتجعل العالم راكداً ومُغلقاُ، ولو ظهرت التغييرات كلها. 
كيف يمكننا أن نبقى بشراً في زمن التليغراف؟ كيف ستكون تعاملاتنا، عندما نتباعد، هكذا أشار نيتشه الى نقد ما بعد الحداثة، وكيف سيعود الانسان، بعد ان تكيّف مع الوضع العالمي، في ظلّ غياب كلّي للصوت الآخر.
يقول، لا نستطيع أن نواصل في فكرة "سنُصبح" الديوجينيزية، المواصلة دون توقف ستجعل العالم لا يطاق ولا يُعاش، ولا يمكن التوقف والركود، الفكرة الأبولونية، خاصة وأن هذا الركود يحدث عندما ينغلق الانسان على توجّه نحو الهاوية. 
التكيّف مع عالم مريض، هل هذا هو الحل الوحيد؟ هكذا وضعت حكومات العالم فكرتها النهائية، في بداية القرن العشرين، تمخض العالم وبرزت فيه عدّة أيديولوجيات متباينة الفكر والوسائل، الحروب والمكائد والمخلفات التي وصل اليه في منتصف هذا القرن، جعلت الانسان يظن أن زمننا الحالي هو أنضج ما يمكن أن يصل اليه الانسان، كذلك تظن كل حضارة مسيطرة على الزمكان.
بعد الحرب الباردة، خرج العالم بأسره منهكاً من كل شيء، من الجوع والعداوات وحالات عدم الاستقرار، مما أنتج جيلاً تلازمه فوبيا "المقاومة" والحروب، جيل يقبل كل التغيرات الجديدة التي تُبعده عن الواقع، وتضعه في حجر أو في منفى، يعيش مسالماً وسط خيالاته، والفخ الذي لا نَعلمُ كيف سنجاوزه : كيف سنُجاوز قنطرة هذا التكيّف الجديد. 

المقال 234.
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق