التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من يناير, 2022

أمركةُ العالم وبداية التحوّل

الاغراء الرأسماليّ، الاغراء في الرأسمالية، أو، الرأسمالية المُغرية، ورأسماليّة الاغراء، كلها عناوين تقترب من معنى العُنوان الأصلي لكتاب ميشيل كلوسكارد Le Capitalisme de la séduction ، الذي تحدّث فيه عن دخول الرأسمالية بنسختها الامريكية الى السوق الأوروبية، ومن خلالها، الى العالم. تحدّث عن ذلك من الجانب التاريخي، بما فيه الجانب السياسي والاقتصادي، ثم الاجتماعي والنفسي، واللذان يعتبران نتيجة حتميّة.  كلوسكارد في الأساس رجل رياضيّ، لكنّه أكمل مشواره الدراسيّ في سنّ الأربعين، وأصبح متخصصا في علم الاجتماع، وبدأ في دراسة الظاهرة الرأسمالية في فرنسا، بما أنه انخرط في الحزب الاشتراكي. لكنّه ومع ميوله الاشتراكي، فهو يختلف جذريا مع الفكرة اليساري، خصوصاً المنفتح، المتمثّل فيما يُسمّى في فرنسا السيتّينيون les soixantehuitard ، أي أبناء سنوات الستينات، إشارة الى مظاهرات ماي 1968، والتي كانت مفصليّة في السياسة الفرنسة، وخاصة في جانبها الاجتماعيّ والقانوني. حيث أصبحت فرنسا بلداً غير محافظاً، أي، يساريّ بالمُطلق، ومن أبشع ما انتجه هذا الفكر هو تبنّي فكرة البيدوفيليا، ولو بحثتهم في أرشيف الصحف، لو...

تجاوز الذات Überwindung

"الانسان فكرة يجبُ تجاوزها، فماذا فعلتم كي تتجاوزوها؟" "جئتُ أعلّمكم الانسان الأعلى." "انني أعلمُ خَطَرَكُم، لقد حان الوقت كي يولدَ نَجمُكُم الرّاقص" نيتشه –هكذا تكلّمَ زرادشت-. عندما نتحدّث عن علم النفس، يجب أن نتحدّث عن كارل غوستاف يونغ، الفيلسوف السويسري 1875م-1961م، المُسافر، المتفتّح على الثقافات. انّه الوجه الآخر، وفي بعض الأحيان، الوجه الأكثر بروزاً في المجال مع سيجموند فرويد، وقد كانت الخصومة بينمها محلّ بعثٍ لنظريات نفسية أكثر عمقاً وأكثرَ استثارة، مثلما أحدثت قطيعة نيتشه وريشارد فاغنر فوضى وثورة في فلسفة الفنّ، في فلسفة العدمية القاتلة وفلسفة الانسان الأعلى، انسانٌ يتعالى على سذاجة الانسان المثالي، بين لاوعي فرويد، وبين  لاوعي شخصي، ولاوعي جمعيّ، وسُلطة الظّل عند يونغ.  عنما نتحدّث عن يونغ، نجدُ أنّه من الصّعب أن نلخّص أفكاره في مقالة لا تحتمل كل تلك التفاصيل العلمية، ومن حسن الحظّ أن يونغ نفسه من قام بتبسيط الأفكار النفسية المعقّدة، في رواياته ومحاولاته الأدبية، فقد تكلّم كثيراً عن الهند ودياناتها، وعن افريقيا، ودرس فلسفة نيتشه، وتكلّم عن سيرته ...

التنمية البشرية "بريكولاج" أدبي

  لماذا تُعتبر التنمية البشرية والتطوير الذاتي أسلوباً.. لمن لا أسلوبَ له! التنمية البشرية عبارة عن مزج بين التجارب الشخصية، الاحصاءات، تجارب الآخرين، قليلا من علم النفس، قليلاً من الفلسفة، قليلاً من الدين للمجتمعات المتدينة، قليلاً من اللادين بالنسبة للمجتمعات الأخرى، كثيراً من الأمل، قليلا من النتائج طويلة المدى. لماذا تحظى التنمية البشرية بهذا النجاح؟ لأن التخصصات صعبة، وتحتاج الى ارادة حقيقية من الأفراد للنهوض بذاتهم، لنكن صريحين، من الذي يركّز مع علم النفس بشكل عميق، بشراء كُتب متخصّصة، بسماع المختصين النفسانيين، باقتناء كتبهم، بسماع محاضراتهم العلمية؟.. نسبة قليلة من الناس، لأن الاستماع لمختص علمي، يحثّك للبحث عن مصطلحاته المعقّدة، منشأها، فعاليّتها، العلم مُتعب كثيراً، لذلك المهتمين بالعلوم من الشعوب قلّة. من الذي يقتني عشرات من كتب للفلاسفة، لكي يستخلص فلسفته الخاصة بالحياة؟ من الذي يدرس كتب الفقهاء؟ من الذي ينبّش في كتب التاريخ؟ القلة دائماً. أليس هذا تناقضاً مع دعمي المستمرّ للتعميم العلمي؟ لا، لأنني لم أدعو للاكتفاء بالتعميم العلمي، التعميم هو الباب الذي يقودك الى التخصص...

مثلث بينروز.. الزاوية المستحيلة

الزاوية الميتة لمُثلث بينروز. هو واحد من الأشكال الهندسية مستحيلة التطبيق، سوّق لها روجر بينروز، لمنها لا تعود له كعمل فنّي. هناك المربع المستحيل، الخماسي السداسي المستحيل.. المكعّب المستحيل، إلى آخره من الأشكال الهندسية غير القابلة للتركيب الواقعي.  لكن، هي ليست عبارة عن تصميم فني مصنوع ليكون قابلاً للتطبيق، بل هي عبارة عن هندسة خيالية، أفلاطونية، تعبيراً عن بعض المستحيلات الفلسفية. لكن، هذا العمل، ورغم عمق معناه، إلا أنه غير مستحيل كما يُسوّق له الرياضيون والهندسيون، الأمر المُعجز فيه هو لا نهاية الخطوط بين الأضلع، أي أننا عندما نشاهد الشكل ببُعدين، لا يمكننا ابقاف مسار قاعدة المثلث أو ضلعه، لكن إذا ما شاهدناه بطريقة ثلاثية الأبعاد، يمكننا اكتشاف الخدعة البصرية من الشكل الهندسي.  الرسمة الفنية تقضي باسقاط العملية بطريقة ثنائية الأبعاد مثل الصورة، وهذا ما يجعل منه مستحيلاً، لكن المجسّم قابل للتطبيق، لكن علينا أن نتحرّك بطريقة تسمح لنا بمشاهدة الشكل كاملا، أي أننا مضطرين لتغيير زاوية النظر، لكي نشكّل نحن ذلك الشكل، وهنا تكمن الحيلة اابصرية التي نقع فيها، أو نصنعها، لا ندري.. إ...

ZugZwang

عندما تَكونُ مُلزماً على الخسارة.. وضعية ZugZwang هي من أسوأ الوضعيات في لعبة الشطرنج، يعود أصل المصطلح إلى اللغة الألمانية zug حركة zwang ضرورية، أو إلزامية. وهذه الحركة غالباً تكون ضدك، لكنك ملزم على تنفيذها، كل وضعية تقوم بها ستكون في صالح خصمك، فإما أن تواصل اللّعب، أو أن تعلن انسحابك. هناك وضعية أهرى لهذه المُعضلة، هل تتذكرون جملة ”الماكلة سيف“ عندما كنا نلعب الدامة؟ عليك أن تتخطى بيدق خصمك، هي حركة إلزامية، فيها نصرٌ لك، لكنك بعدها ستتعرّض لإذلال قد يصل لخسارة ثلاث بيادق في حركة واحدة، ذلك أنك لم تُحصّن خطوطك قبل أن تضع نفسك في موقف المُنتصر. الوضعية الثالثة أكثرهم تعقيداً، تتذكرون منطقة كُنا نسمّيها ”الوادي“ وهي خط مستقيم يربط منطقتك بمنطقة خصمك، عندما يبقى لكل واحد منا بيدق واحد، تُدعى تلك الوضعية ”طابلة“ أي ”طاولة“، وأوّل من ينقض على منطقة الوادي، يتحرّك بسهولة من أقصى نقطة عنده، إلى أقصى نقطة عند خصمه. معضلةُ هذه الحالة هي شبه استحالة انتهاء اللعبة، إلا في حالة مغامرة من أحد الطرفين، إما الخروج من الوادي، أو محاولة حصر بيدق الخصم بطريقة عشوائية. زوغزوانق، ظرف مررنا به، وسنمرّ...

الشعور بالذنب.. لا طبيب له

الشعور بالذنب ..لا طَبيبَ لهُ. هو شعور يقود الفرد إلى الانقلاب على نفسه. برغم كل المحاولات التي جاء بها العصر الحديث ليخفي أعراضه، محاولات تغطية الخراب بالزينة، محاولة العصر لإخماد النيران بأوراق الأشجار. يبدو أن الطب لا يستطيع علاج كل شيء، هذه هي الحقيقة التي يستكبرها الانسان.  في اليابان وإسكندينافيا، يقودُ الشعور بالذنب الى الانتحار، فمن المهم استكشاف أصل هذه المشاعر التي تنخر الانسان، حتى نتمكن من فهمها والتحكم فيها. الشعور بالذنب هو الشعور بالندم العميق، ندم مؤلم لا حلّ له، فهو مفهوم مرتبط بالخير والشر، ومن المعلوم أن مفاهيم الخير والشر تطورت مع تطوّر الشعوب والحضارات، الخير والشر عرفا تحوّلاً منذ أن جاءت أحكام جديدة تقود الانسان، فقد خضع الى مرحلة أن من يُصنّف الخير هو القوي، وبالتالي كل ما هو ضعيف يُعتبرُ شرّاً، ثم الى مرحلة الدين، وأنه هو من فرّق بين الخير والشّر، دون الأخذ بعين الاعتبار من القويّ ومن الضعيف، وأخيراً، مرحلة الانقلاب على المرحلتين السابقتين، أي، قوانين تقتضي بفرض ما يراه العامّة خيراً، وان كان شرّاً على الخاصّة، الخاصّة النجباء والأغنياء والحكماء.  وبال...

النفسجسمية psychosomatique

النَفسَجِسميّة، بسيكوسوماتيك، أو المرض النفسي الجسمي، كلها تسميات لما يُعرف بانتقال المُعاناة النفسية الى مرض عضوي جسدي. أكثر أنواع السيكوسوماتيكية هي الصّداع النصفي، والقولون العَصبي، هذا ما يُشير أيضا بطريقة مباشرة للعلاقة الوطيدة بين الروح والجسم، وهذا ما يطرد أيضاً نظرية عدم وجود الرّوح.  غالباً، لن يَجد المُشخّص أي مَولد لهذه الأمراض، فقد نستطيع اتّهام تذبذب تناولنا للكافيين، للنيكوتين، لقلّة النوم، لكن الى متى؟ العلاقة بين سوء التغذية والمرض تكون حلولها بالعودة الى النظام الغذائي المتوازن، لكن الكثير منها مولدها نفسيّ بحت. لا أستطيع أن أتذكّر أنني حادثتُ شخصاً لم يصب بصداع مزمن أو بالقولون العصبي، آلام المفاصل، السكري، الضغط، وفي حالات مؤسفة، أمراض القلب، السرطان، والمرض العضال.. صرتُ أكلّم أشخاصاً مصابين بأمراض بهذه القساوة، بالرّغم من غياب تلك الأمراض عن العائلة، أي أنها غير متوارثة. في علم النفس، يشخّص المعالجون تلك الحالات غالبا وحسب مطالعتي الى صنفين، الصنف الأوّل يعاني فعلا من آلام عُضويّة حادّة، وهنا يمكن القول إنه في مرحلة النفسجسمية، أو، الصنف الثاني الذي يتهيأ له أن...

انسى المرأة قليلاً..

انسى المرأة قليلاً.. مشكلة الشباب اليوم، يريدون النتيجة ”الحصول على المرأة المثالية“ مباشرةً، لم تكن الحياة هكذا أبداً، من يريد أن يُثير انتباه أحسن النساء، عليه أن لا يبحث عنها، من الآخر: لا يجب أن يبحث عنهن؛ عليه أن يصنع حياةً مثالية له، هدفاً شخصياً طويل المدى، أن لا يكون هدفه أمراً عَرضياً، المرأة رفيقة الهدف وليست الهدف عينه، هي هدف جميل، لكن تسبقها أهداف للحصول عليها، عندما تصبح المرأة هدفاً للرجل، ويظهر عليه ذلك، سيفقد كل محاسنه، سيصبح طارداً لهنّ تلقائياً، لأن المرأة لا تثق في الذي لا هدف له سواها، لا تريد أن تكون هي الهدف، بل تريده أن يصحبها إلى عالمه..، إلى الشباب، ضع النساء جانباً الآن، لا تخجل من رغباتك، الرغبة هي الدليل على أنك سويّ جسدياً ونفسياً، حاول ألا تتسرع، اصنع عالمك وانسى نفسك فيه. السبب الرئيس لتعمال الشباب مع النساء بشكل عنيف وغير مُحترم، هو ذلك الإحباط من الرفض النسوي المتكرر لهم، ذلك أنهم لم يستوعبوا بعد أن النساء لسن هدفا، ولا تردن أن تكون هدفا لهم، هي تحتاجك لتنقلها من عالمها، ولا تريد أن تدخلك إليه..  توقف عن إرسال الطلبات للتعارف، توقف عن تضييع وقتك، ل...

أتحبون الأشرار؟

لا يجب أن نُعطي الشيء السيئ منظراً يوهم بعظمته وقوّته، بقدرته الخارقة أو انبهارنا بعدم قدرتنا على فهمه. في كثير من الأحيان، كل ما يبحثُ عنه هؤلاء هو العِرفان، أن يُرون كأنهم أساطير شريرة مدجّجة بالعبقرية والكاريزما، وان كان الامر كذلك، لا يجب أن نساهم في تضخيمها أكثر من ذلك.  نُشاهد عديد الأفلام والمسلسلات، ونقرأ الكثير من القصص والروايات، وصفاً مليحاً للأشرار، وصفاً لن يحظى به غيرهم، ذلك كي نُبرّر أفعالهم وأن من الضروري أن نوقفهم. لكن في خضمّ تلك المحاولات، ننسى أن الجماهير تنبهر بالدماء وأكثر مما تمدح الأشخاص الذي ينظّفون المكان منها، وأن تلك المحركات الغريزية للعنف والحرب والموت، تجد متعتها الكاملة في إطالة تلك المشاهد. غالبية الأفراد، يحملون في أعماقهم تلك الرغبة في تقليد أحد الأشرار الذين يشاهدونهم، ذلك أن الشرير يحمل صفات لا تتوفر في الأخيار والعاديين من الناس، ومن أبرزها الجمال، الفصاحة، الذكاء، والثقافة بشكل عام. لا يستطيع أي أحد أن يقوم بأعمال سيّئة، لمدة طويلة، دون ان تتوفر فيه كثير من هذه الأمور، التي تطيل عمره اجتماعيا، فالمرضى النفسيين، هم الأكثر نجاحاً في لعب الأدوار المل...

الحدس الكاذب

الحدسُ الكاذِب.. فِخاخ الذكاء البشري. الحدس مَلَكة إنسانية وحيوانية، تُسمّى الغريزة عند هذا الأخير، وقد نُعنا بها أيضاً إذا اعتبرنا أنفسنا من نفس عائلة الأحياء فوق الأرض، دون فوارق فاصلة. غريزة الحيوان أعلى حَيويّة بكثير من غريزة الانسان، لأن الحيوان معرّض للخطر بنسبة كبيرة جداً، ذلك أنه عاجز على تحليل الحِيَل غير المُباشرة، الحيوان عاجز على تحليل مفهوم الكذب. إذا كان الكذب وسيلة إنسانية بَحتة، فهو بذلك يملك الأفضلية دائماً، توقّع الأشياء، وعدم تكرار التجارب السّابقة. قد يكون لبعض الحيوانات ذاكرة غريزية حيويّة عالية، تجعلهم يتذكّرون الخطر، لكنّها لا تكفي كي لا يقعون في فخّ تكرار المُخاطرة، ذلك أن غريزتهم هي التي تتولى قيادة سلوكهم، وأن فكرة عدم القيام بالواجب الغريزي لا تخطر في بالهم للحظة.  وقد تربط بين الانسان والحيوان في هذه النقطة، حيث ان هناك أصنافاً من البشر تتحرّك غرائزياً، رغم مَعرفة العواقب، وكذب الواقع الذي يعيشونه، الا انهم يصمّمون على تكرار التجارب. الشيء الذي يفكّ الرباط مُجدّداً بين الانسان والحيوان، هو الضمير، النّدم، الحسرة، الغضب من الذات، الحزن العميق، الشيء الذي ...

علم النفس عند بيار داكو

الكتاب الذي سأشرع في تحليله هو لـ بيار داكو، وهو مُعالج نفسي بلجيكي ولد سنة 1936م وتوفى سنة 1992م، هو أحد أبرز طُلاب كارل جوستاف يونغ. مُعظم مؤلّفاته تتحدّث عن علم النفس التحليلي، فهو فرويدي بامتياز، خاصّة عندما يتناول موضوع اللاوعي والآليات التي تكُوّنه، كان يُدافع عن فكرة التعاطي مع الانسان بطرق مُختلفة plurifactorielle، للوصول الى كماليّة الانسان. اعتمَدَ أسلوب التعميم العلمي في شرح علم النفس وفروعه، في الحديث عن الأمراض النفسية، في تبسيط المفاهيم المعقدة او تلك التي تختلط علينا عادةً. من الضروري أن تكون لدى الشعوب ثقافة مُحترمة في علم النفس، وكذا تفضيل المعالجين النفسيين ابتداءً وآخراً، على أساليب أخرى غير علمية، ما يُسمّى بالدّجل أو "العلم الزائف".  كُل ما سأرجهُ، سيكون ترجمةً بتصرّف لما كتبه داكو حول الموضوع في كتابه، les prodigieuses victoires de la psychologie الانتصارات العظيمة لعلم النّفس. بماذا يهتم علم النفسي؟  ابان تجاربي في هذا المجال الرائع، اكتشفت ان لعلم النفس مليء بالخبايا والظلال، يُقال لي "ما هو علم النفس في نهاية المطاف؟"، "ما الذي يُعاجله؟...

مولد الأخلاق عند نيتشه

إذا كان كتاب ما وراء الخير والشّر قد سبب لنيتشه المتاعب من محيطه، مثلهُ مثل نقيض المسيح، وهكذا تكلم زرادشت، يبقى كتاب مولد الأخلاق، أو جينيالوجيا الأخلاق هو العدو رقم واحد لمُتديّني أوروبا.  وعندنا نتكلم عن الدين، فنحن نتكلم عن النصرانية واليهودية حصراً، بما أنهما موضوع حديث نيتشه، بل هو حديث الأوروبيين، فلم يشكل غيرهما تحولاً ملموساً في هيكل الشعوب هناك.  نستطيع تقسيم كتاب نيتشه هذا إلى خمسة مراحل صنعت الأخلاق التي عليها القارة العجوز! 🔸 المرحلة الأولى؛ «الأقوياء جيّدون، الجيّدون أقوياء، هكذا كانت الأخلاق في عصر السادة والنبلاء، عند مجتمعات ما قبل الأخلاق» هي صورة ملخصة لنظام الحكم في الإمبراطورية الرومانية الوثنية، السادة والنبلاء هم من يرون الجيّد والسيء، الخير والشر، هم من يصنعون ويحدًدون القيم، صاحب السلطة والمال، هو الذي يحكم على الأشياء بأنها طيبة فتعيش، أو سيئة فتُعدم.  كل القواعد تُبنى بما يليق مع نمرة الملوك والسادة وقادة الجيوش. مادون هؤلاء سيّؤون يمثلون الفوضى والإزعاج. 🔸المرحلة الثانية؛ ثورة العبيد، إن ثورة العبيد في الأخلاق تنطلق عندما يبدأ الاستياء نفسهُ ...

روائي الروبوت.. فلسفة الآلة عند عظيموف.

إذا، يبدو أن سيطرة الروبوتات على البشرية مسألةُ وقت؟ لتفهم ذلك، تابع المقال. كان إسحاق عظيموف أو "أسيموف" بروفيسور في مادة الكيمياء الحيوية في جامعة بوسطن بالو.م.أ، وروائي مختصّ في الخيال العلمي، وصاحب توقّعات تكنولوجية "وروبوتيّة" معتبرة.  ألّف أكثر من خمس مائة كتاب، واُشتهر بسلسلة الأساس، وهي أشهر سلسلة أعمال في الخيال العلمي، وسلسلة الروبوت الكامل وغيرها. عُرف أسيموف بهوسّه الكبير بالروبوت، حيث لا تكادُ تخلو أعماله من ذكره، كانت التكنولوجيا آنذاك، بين سنوات الأربعين الى السبعينيات، مليئة بالتنظيرات والنبوءات والتطلعات للمُستقبل، ولم يكن مجال الأدب الا وسيلة أساسية من بين الوسائل التي كانت تُروّج لأفكار وتوقّعات وتنبؤات العلماء للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد.  نعلم أن في تاريخ الأدب، هناك عدة كُتّاب أّلفوا في التنبؤات التكنولوجية، قد يكون أشهرهم على الاطلاق ميشال دي نوسترادام "نوستراداموس"، وصاحب أدب الرحلة المعروف جول فيرن، وغيرهم الكثيرون، الذين رسموا أبعاد المستقبل، أصابوا فيما أصابوا واخطئوا فيما أخطئوا.  حديثنا اليوم عن عظيموف ونظرته لسنواتنا التي...

التنميط، فن دراسة الإنسان

التنميط، بين العفوية والاستعمال المتباين. (المقال تفكيكي وبّناء.) في هذه الصورة رسمة لي، لمُمَثّل ليس بتلك الشّهرة عند الشباب، نستطيع أن نُسمّيه مُمَثّل ما قبل نيتفليكس. هو ماندي باتينكين، المعروف بدور المُحلل النفسي السلوكي جايزون جايدن في أوّل مَوسمين (2005- 2007) من مُسلسل العقول الاجرامية، Esprits Criminels. سلّط كلٌّ من المخرج والمساعدين وكُتّاب السيناريو الضوء على ما يُسمّى بتنميط الجاني، فقد كانت كل مواسمه عبارة عن مُلاحقة المجرمين، خاصة منهم القتلة المتسلسلين، بطريقة ما يسمى التنميط، ينقسم الفريق الى عملاء متخصصين في مجال معيّن، على سبيل المثال، نجد منهم من هو متخصّص في التحركات عبر المواقع الجغرافية، وفي السوابق العدلية والاجتماعية، في أنواع الجريمة (عاطفية، انتقامية، رُهاب، ساديّة..)، الاحصائيات وما يُعلم في الموضوع (مثلا في مُجرمي الحرائق)، وكذا طبعا تحليل السلوك الجسدي للمُجرم، أو السلوك النفسي. نقاط التشابه بين الضحايا هو أهم ما يوصل هؤلاء للجاني عادةً، فالمُجرم ورغم عبقريّته، لا يمكنه الا أن يُرضي رغباته، التي غالباً لا يمكنه مقاومتها، وبالتالي، فهو عادةً يكرّر نفس الأسال...