الاغراء الرأسماليّ، الاغراء في الرأسمالية، أو، الرأسمالية المُغرية، ورأسماليّة الاغراء، كلها عناوين تقترب من معنى العُنوان الأصلي لكتاب ميشيل كلوسكارد Le Capitalisme de la séduction ، الذي تحدّث فيه عن دخول الرأسمالية بنسختها الامريكية الى السوق الأوروبية، ومن خلالها، الى العالم. تحدّث عن ذلك من الجانب التاريخي، بما فيه الجانب السياسي والاقتصادي، ثم الاجتماعي والنفسي، واللذان يعتبران نتيجة حتميّة.
كلوسكارد في الأساس رجل رياضيّ، لكنّه أكمل مشواره الدراسيّ في سنّ الأربعين، وأصبح متخصصا في علم الاجتماع، وبدأ في دراسة الظاهرة الرأسمالية في فرنسا، بما أنه انخرط في الحزب الاشتراكي. لكنّه ومع ميوله الاشتراكي، فهو يختلف جذريا مع الفكرة اليساري، خصوصاً المنفتح، المتمثّل فيما يُسمّى في فرنسا السيتّينيون les soixantehuitard ، أي أبناء سنوات الستينات، إشارة الى مظاهرات ماي 1968، والتي كانت مفصليّة في السياسة الفرنسة، وخاصة في جانبها الاجتماعيّ والقانوني.
حيث أصبحت فرنسا بلداً غير محافظاً، أي، يساريّ بالمُطلق، ومن أبشع ما انتجه هذا الفكر هو تبنّي فكرة البيدوفيليا، ولو بحثتهم في أرشيف الصحف، لوجدتم انّهم لم يكونوا يعتبرون ذلك الوسخ امراً سيّئا، بل تفتحا جنسيا –ليبرتار-أي –تحرّرا جنسياً-. فراح ميشيل يدرس سبب هذا التقهقر في كتابه، وسوف أشرع في وضع اهم النقاط التي تناولها.
يقول انّ أوروبا وبعد دمار الحربين العالميّتين، عمدت على طلب المساعدة من الو.م.أ، أو، لنقل أن الو.م.أ كانت تريد أن تساعد النهضة الأوروبية لأهداف طويلة المدى. فوقّعوا على مشروع مارشال، الذي يعود للجنرال الأمريكي جورج مارشال، وقد كان هذا طريقاً
مفتوحاً لأمريكا في أوروبا من الجانب الدعائيّ ضد الاتحاد السوفييتي، وكذا من الجانب الاقتصادي، فقد طغت المواد والسلع الأمريكية في السوق الأوروبية، الجينز، اللبان، الات الموسيقى، الشعر الطويل.. بل وأكثر من ذلك، تم الاتفاق على عرض الأفلام الأمريكية بمقابل مسح الديون في فرنسا.
هذه الأمور التي أسماها –الرأسمالية المتسامحة-عمدت على تغيير العمود الفقري عند الفرد الأوروبي، مما جعله –لعوباً- Ludique، مثل الطفل، واللعوب هو الفرد المُستهلك، أي الذي يشتري كل شيء، بما فيها الأمور غير المهمة وغير الأساسية. أيضا شكّل ما أسماه الفرد المهووس بالليبيدو –Libidinale-، أي تنمية المحركات الجنسية والاستثارة المستدامة، دائما أكثر، المزيد من اشباع الرغبات دون توقّف. يقول إن سراويل الجينز هي المثال أكبر على تحوّل المجتمع الأوروبي الى مجتمع مُأمرَك، ذلك أن هذا السروال وحّد الجميع في نوعٍ واحد من الألبسة، نساءً ورجالاً، وبالنسبة للنساء، كان تسويق الجينز لها مثل التدخين، لكي ترى نفسها حرّة مثل الرّجل تماما.
بالنسبة للشعر الطويل، فربما تجدون أن المثال سخيف، لكنّه كان يمثّل نقلةً نوعية، لأن الشعر الطويل كان موضة الثوريين مثل تشي غيفارا، هو إذا نوع من أنواع التمرّد، لكنّه تمرّد على العادات والتقاليد والدين، أي تمرّد على كل ما هو محافظة على القيم والأخلاق. عملت امركَة أوروبا على صناعة العصابات، على طريقة المافيا في الو.م.أ ذات الأصول الايطالية، وهي مجموعات تعمل هرمياً، وهذا ما حثّ الشباب على صناعة المؤسسات لغرض الرئاسة والتحكّم. بالنسبة له، ما 1968 كان ترجمة لكل ذلك الفساد مع تواجد "فلاسفة ومفكرين" يدعمون التحرر المُطلق والتمرّد على كل القيم.
دون نسيان طغيان موسيقى الروك والديسكو اللذان طمسا الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية. شاعَ أيضاً تعاطي المخدّرات، الحقن المنشطة في كمال الأجسام والرياضات، دخول عقلية الموضة وضرورة شراء ألبسة وأفرشة جديدة كل سنة لمواكبة العصر، ما يعني أن من لا يفعل ذلك سيتأخر عن الركب، ويصبح أضحوكة الجميع، تعدد الماركات جعل الانسان في هوس دائم لتجديد خزانته واثاثه وسياراته.
وقد قدّمت أوروبا لأمريكا خدمة جليّة عندما نشرت بلدانها تلك الثقافة في مستعمراتها القديمة.
#عمادالدين_زناف
المقال 262
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق