الثلاثاء، 18 يناير 2022

الشعور بالذنب.. لا طبيب له



الشعور بالذنب ..لا طَبيبَ لهُ.

هو شعور يقود الفرد إلى الانقلاب على نفسه. برغم كل المحاولات التي جاء بها العصر الحديث ليخفي أعراضه، محاولات تغطية الخراب بالزينة، محاولة العصر لإخماد النيران بأوراق الأشجار. يبدو أن الطب لا يستطيع علاج كل شيء، هذه هي الحقيقة التي يستكبرها الانسان.  في اليابان وإسكندينافيا، يقودُ الشعور بالذنب الى الانتحار، فمن المهم استكشاف أصل هذه المشاعر التي تنخر الانسان، حتى نتمكن من فهمها والتحكم فيها.
الشعور بالذنب هو الشعور بالندم العميق، ندم مؤلم لا حلّ له، فهو مفهوم مرتبط بالخير والشر، ومن المعلوم أن مفاهيم الخير والشر تطورت مع تطوّر الشعوب والحضارات، الخير والشر عرفا تحوّلاً منذ أن جاءت أحكام جديدة تقود الانسان، فقد خضع الى مرحلة أن من يُصنّف الخير هو القوي، وبالتالي كل ما هو ضعيف يُعتبرُ شرّاً، ثم الى مرحلة الدين، وأنه هو من فرّق بين الخير والشّر، دون الأخذ بعين الاعتبار من القويّ ومن الضعيف، وأخيراً، مرحلة الانقلاب على المرحلتين السابقتين، أي، قوانين تقتضي بفرض ما يراه العامّة خيراً، وان كان شرّاً على الخاصّة، الخاصّة النجباء والأغنياء والحكماء.  وبالتالي فإن الشعور بالذنب هو المرض الذي تنتهجه البشرية اليوم، لأن الانسان يمشي عكس طبيعته الأولى والثانية.
اعتبر نيتشه أن الضمير السيئ أو الشعور بالذنب هو المرض العميق الذي يغرق فيه الإنسان تحت ضغط التغييرات التي يمر بها بشكل عام، التغيير الذي يحدث عندما يجد نفسه أسير قوانين المجتمع وأسيراً لمفهوم السلام.
عندما غادر الإنسان البرية، تلك الحياة الخارجة عن القانون، ليدخل عالمًا جديدًا، المسمى بالحضارة والمدنية، وقع في صدمة. صدمته في أن غرائزه القديمة أصبحت لا قيمة لها.  يقارن نيتشه التغيير الجذري الذي مر به الإنسان، بالتغيير الذي حدث من قبل للحيوانات البحرية الأولى، التي شعرت بالرغبة للزحف نحو اليابسة، الأمر الذي حدث بدافع الضرورة، لأن الحيوانات المائية أُجبرت إما على أن تصبح حيوانات برية أو أن تهلك. ان الذي حدث لهذه الحيوانات هو مضمار طويل من محاولة التأقلم، هي التي تعودت على الحرب والتشرد تحت الماء، وفجأة، كما حدث للإنسان، وجدت كل غرائزها مُحطمة القيمة ومعلقة بلا معنى. وتحولت تلك الحيوانات –مثل الانسان-الى اجبارية التفكير، والاستنتاج، والحساب، وتدبير الأسباب والنتائج، والشعور بالتعاسة، والشعور الضمير، والشعور بأعضائهم الفقيرة والضعيفة، وأصبحت –كما أصبح الانسان-أكثر انفتاحًا على سوء الفهم منها على الفهم.
أصبح الانسان ملزماً بأن يتخلى عن غرائزه اللاواعية، ليسترخي على الضمير العقلاني، لكن غرائزهُ الجامحة لم تختف عكس ما يعتقد، بل على العكس، فقد اضطر إلى قلب غرائزه إلى الداخل، في أعمق غرفةٍ من نفسه، ذلك أن قوانين المجتمع الجديدة تنهى عن التعبير عنها بأي شكلٍ كان. ويعود "الفضلُ" في هذا إلى تنظيم الدول للحماية من غرائز الحرية القديمة للإنسانية. 
كل هذه الغرائز للإنسان البرّي، الحر، المتجول، المتشرّد.. ستنقلب على نفسه. وبعد أن يقلب غرائزه القاسية على نفسه، يبدأ الإنسان في إغماء نفسه بكل الطرق، هذا التحوّل هو أعلى "الشرّور" الذي عانت منها الانسانية على الإطلاق –وستعاني منها كثيراً- ، هو مرض لم يشف منه الإنسان، ولن يُشفى منه أبدًا.
الانسانُ المعاصر يعاني من قلة الأعداء والنقص الفادح للمقاومة من الاعتداءات الخارجية، انهُ ينضغِط في نُظُم الأخلاق المفروضة ووجودها، يمزّق نفسه، يعذّب نفسه، يقضم نفسه، يشنقُ نفسه، يعامل نفسه بوحشية باحثاً عن إرادة القوّة التي كانت يوماً سبب سعادته. إنه باختصار مرض الإنسان المتحضر.
يجب تجاوز الشعور بالذنب، لأن المُذنب الحقيقي لا نعلمهُ، هذا الشعور هو نكرانٌ للحياة ببساطة، ذلك أن هذا الشعور كاذب، غير متعلق بخطء مُقترف، انما هو شعور يُثقل كاهل كل انسان، بعد ان سلبوهُ غرائزه، ورحّلوه عن طبيعته.

#عمادالدين_زناف 
المقال 258

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق