النَفسَجِسميّة، بسيكوسوماتيك، أو المرض النفسي الجسمي، كلها تسميات لما يُعرف بانتقال المُعاناة النفسية الى مرض عضوي جسدي. أكثر أنواع السيكوسوماتيكية هي الصّداع النصفي، والقولون العَصبي، هذا ما يُشير أيضا بطريقة مباشرة للعلاقة الوطيدة بين الروح والجسم، وهذا ما يطرد أيضاً نظرية عدم وجود الرّوح.
غالباً، لن يَجد المُشخّص أي مَولد لهذه الأمراض، فقد نستطيع اتّهام تذبذب تناولنا للكافيين، للنيكوتين، لقلّة النوم، لكن الى متى؟ العلاقة بين سوء التغذية والمرض تكون حلولها بالعودة الى النظام الغذائي المتوازن، لكن الكثير منها مولدها نفسيّ بحت. لا أستطيع أن أتذكّر أنني حادثتُ شخصاً لم يصب بصداع مزمن أو بالقولون العصبي، آلام المفاصل، السكري، الضغط، وفي حالات مؤسفة، أمراض القلب، السرطان، والمرض العضال..
صرتُ أكلّم أشخاصاً مصابين بأمراض بهذه القساوة، بالرّغم من غياب تلك الأمراض عن العائلة، أي أنها غير متوارثة. في علم النفس، يشخّص المعالجون تلك الحالات غالبا وحسب مطالعتي الى صنفين، الصنف الأوّل يعاني فعلا من آلام عُضويّة حادّة، وهنا يمكن القول إنه في مرحلة النفسجسمية، أو، الصنف الثاني الذي يتهيأ له أنهُ يعاني من آلام، وقد تكون أحد أعراض الهيستيريا.
هذه معلومات أوّلية وعامة عن هذه الظاهرة التي أضحت علمية ولا مجال لتفنيدها، ذلك أن مُعظم الناس يتعرّضون او قد تعرّضوا لهذه الظاهرة، لديّ نَظرة خاصة بهذا الشأن، وليست لهذه النظرة أي علاقة بتجربة علمية أو نفسية، بل هي عبارة عن فكرة فحسب، الفكرة أننا عندما نتعرّض لاضطرابات نفسية، لضغطات متراكمة، لصدمات، حالة الغضب أو الحزن أو الرّفض التي نعيشها تؤثّر في شقّين، الشّق الاوّل اضطراب عصبي في الجسم، اضطراب في الدورة الدموية، مما يؤدي الى تصاعد او تباطء في دقات القلب، صعوبة في التنفس أو تنفس سريع، ما يربك العملية العامة للحياة البيولوجية، هذا ما يؤثر بشكل مباشر في المناعة، أي يضعفها، ونحن نعلم أن الأمراض تنقض على الشخص في فترة نزول مناعته، وما يضعف المناعة أيضا، هو خلل في التدفّق الهرموني، غالبا ما يتأثّر الدماغ بسوء الوضعية الجسمية، ونحن نعلم أن الـHypothalamus المتواجد في الدماغ، هو المسؤول الرئيس –وليس الوحيد- عن الإشارات لتدفّق الهرمونات، فاذا تعرّض لخلل ما –قلّة النوم- خاصة، يصبح من الصعب أن يقوم بمهامه، لـAxe Hpta
الذي يتحكم في ميزان ومعدّل تدفّق الهرمون الذكوري أو الأنثوي يختل شيئا فشيء، وكل هذا يحدث إثر صدمة أو حادثة غير مُدارة بطريقة صحيحة في آنها. هذا في الشّق الاوّل، أما في الشّق الثاني، والذي يكون عبارة عن توابع للشق الأول، وهو الصيام غير الصحي، نعلم جميعا أن الانتقال السريع –غير المتدرّج- في معدّلات السّكر والملح يُحدث مشاكر كبيرة في القلب والدماغ، هذا الأخير، يعتمد بنسبة كبيرة جداً على الكلوكوز للعمل بشكل طبيعي، فضرب نسبة تعاطيه في اثنين –بتعاطيه او بنقصانه- يُرّضنا حتما الى صداع، الى ارهاق ونقص إرادة كبيرين. وذلك الإحساس بالضعف، يتطابق تماما مع الشعور بالكآبة المُبكّرة premature.
بالنسبة للكآبة، فهي تعود بشكل كبير جدا الى الاختلال الهرموني، النّاجم طبعا عن أسباب نفسية، أو، عن أخطاء طبيّة، أو حُقن مُنشّطة يستعملها الرياضيون، أو المخدرات وبعض الأدوية. للأسف، الحزن، والكآبة، والرّفض، كلها أمور تعرف كيف تغذّي نفسها بشكل ذكي، فهي مثل الوباء الذي يتحوّر باستمرار للهروب من أي مضاد، الحزن يأخذ أشكال مختلفة دائما، فهو ينتقل من النفس الى الصداع الى المرض العضوي الى محرّكات سلبية مثل محركات الموت أو العداوة، ويبقى هكذا يتحوّل ويختفي ما لم نعالج السبب الرئيس الذي وضعنا في هذه الوضعية الحرجة.
يرى الكثير من أطباء النفس، أن العملية النفسجسمية ردّة فعل طبيعية، قد تكون صحيّة Bénin، فكثير مننا يشعر بتحسّن بعد القيئ، أو بعد ليلة عانى منها من حمى وتعرّق شديدين، ذلك أن العلمية مرّت بسلاسة بين الصدمة النفسية والجسمية، ولم يكن لها أثر كبير. الخطير هو ردّة افعل المنعدمة أو المتأخّرة، الكثير من الناس يعانون من غياب ردود الفعل مثل الضحك أو البكاء أو الصراخ، أو حتى المرض أو الصداع، قد يتمتع هؤلاء بما يسمى dédoublement émotionnel أي القدرة على تخطّي المشاعر السيئة أو المرور سريعا الى شيء آخر، لكن الغالبية لا يملكون ذكاءً عاطفيا متطوّراً، ذلك أن معظم الناس لا يجلسون لينصتوا الى أنفسهم بعمق.
كل ما يمكنني أن أقوله ختاماً، أننا لا يجب أن نعتبر أنفسنا خارقين وغير معرّضين لهذه الأمور، الانسان كائن ضعيف رغم كل القوة التي ينتجها، فهو يحتاج الى تجديد الإرادة وتجديد نفسيته للمواصلة، باختصار، يجب التواصل مع الأخصائيين في حال تعرضنا لأي حادث نفسي معيّن، لا ضرر في معاينة بسيطة، في محادثة مع أخصائيين كرّسوا حياتهم لهذه التفاصيل التي، اذا اعطيناها حقها، خرجنا منها بأقل الأضرار، واذا ما تغاضينا عنها، فلن يتضرر أحد غيرنا، خاصة اذا كنا أناسا طموحين لا نريد الوقوف في منتصف الطريق.
#عمادالدين_زناف
المقال 257
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق