عندما تَكونُ مُلزماً على الخسارة..
وضعية ZugZwang هي من أسوأ الوضعيات في لعبة الشطرنج، يعود أصل المصطلح إلى اللغة الألمانية zug حركة zwang ضرورية، أو إلزامية. وهذه الحركة غالباً تكون ضدك، لكنك ملزم على تنفيذها، كل وضعية تقوم بها ستكون في صالح خصمك، فإما أن تواصل اللّعب، أو أن تعلن انسحابك.
هناك وضعية أهرى لهذه المُعضلة، هل تتذكرون جملة ”الماكلة سيف“ عندما كنا نلعب الدامة؟
عليك أن تتخطى بيدق خصمك، هي حركة إلزامية، فيها نصرٌ لك، لكنك بعدها ستتعرّض لإذلال قد يصل لخسارة ثلاث بيادق في حركة واحدة، ذلك أنك لم تُحصّن خطوطك قبل أن تضع نفسك في موقف المُنتصر.
الوضعية الثالثة أكثرهم تعقيداً، تتذكرون منطقة كُنا نسمّيها ”الوادي“ وهي خط مستقيم يربط منطقتك بمنطقة خصمك، عندما يبقى لكل واحد منا بيدق واحد، تُدعى تلك الوضعية ”طابلة“ أي ”طاولة“، وأوّل من ينقض على منطقة الوادي، يتحرّك بسهولة من أقصى نقطة عنده، إلى أقصى نقطة عند خصمه. معضلةُ هذه الحالة هي شبه استحالة انتهاء اللعبة، إلا في حالة مغامرة من أحد الطرفين، إما الخروج من الوادي، أو محاولة حصر بيدق الخصم بطريقة عشوائية.
زوغزوانق، ظرف مررنا به، وسنمرّ به دائما، لا مناص من الخسارة في مغامرةٍ ما، هناك حركة يجب أن نقوم بها إذا ما أردنا عدم الانسحاب.. ولا يكسر قاعدة zugzwang إلا القدر، شيء ربّاني لا منطق بشريّ فيه.
لقد تعرّضت لهذا في السنة الماضية، وجدت نفسي في مكانٍ خال في وقت المغرب، وبينما اعتقدت أن هؤلاء الشباب أرادوا مساعدتي فعلا، إذ بهما أخذاني لمكان مُظلم واشهر أحدهم خنجره طالباً هاتفي. هنا سنرى المشهد من القمر الصناعي، الآن تخيلوا العملية كأنه تحدث في طاولة دامة، هناك بيدقان للخصم، وبيدق واحد لي، أي حركة سأقوم بها ستعتبر Zugzwang، أي هي حركة كئيبة وخاسرة، لكن مع ذلك وجب القيام بها، انزلوا إلى الأرض مجددا، عندما أشهر خنجره، مباشرةً مسكت محفظتي بقوّة، والتفت وانطلقت بسرعة البرق أجري بخط مستقيم في ذلك الطريق السيار، حاولت عدم النظر خلفي كي لا تقل سرعتي، وأن لا أجهد نفسي بالصراخ، كل ما كنت أقوم به هو الاشارة للسيارات بالوقوف، حركة خاسرة لكنها حركة حياة، حركة بقاء.
لا أعلم كيف ركضت بتلك السرعة، لا أعلم كيف لم يلحقا بي، لا أعلم كيف لم ينقضا عليّ عندما وقعت من طولي عندما خذلتني طاقتي، وخذلني صوتي للصراخ، لكن ذلك ما حصل، توقفت سيارة في وقت فقدت الأمل بأن يقف لي أحدهم، وعندما حصل ذلك، اختفى الشابان بدراجتهم..
كانت تلك هي حركتي، كنت أكرر الشهادة لأنني اعتقدت أنني لن أفلت منهما أبداً في ذلك المكان الشبه خال، لكن حدث عكس ما كدت أن أستسلم له.
نعم، zugzwang حركة كئيبة، في كل الألعاب، هي حركة خاسرة، إلى في الحياة، عليك أن تتحرك وإن توقعت الخسارة، فالله يرعاك إذا شاء، وسيحملك في الهواء إذا تطلب الأمر، لن يفهم كلامي هذا إلا من مرّ بتجربة كان فيها قاب قوسين أو أدنى من الهلاك.
#عمادالدين_زناف
المقال 259
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق