لا يجب أن نُعطي الشيء السيئ منظراً يوهم بعظمته وقوّته، بقدرته الخارقة أو انبهارنا بعدم قدرتنا على فهمه. في كثير من الأحيان، كل ما يبحثُ عنه هؤلاء هو العِرفان، أن يُرون كأنهم أساطير شريرة مدجّجة بالعبقرية والكاريزما، وان كان الامر كذلك، لا يجب أن نساهم في تضخيمها أكثر من ذلك. نُشاهد عديد الأفلام والمسلسلات، ونقرأ الكثير من القصص والروايات، وصفاً مليحاً للأشرار، وصفاً لن يحظى به غيرهم، ذلك كي نُبرّر أفعالهم وأن من الضروري أن نوقفهم. لكن في خضمّ تلك المحاولات، ننسى أن الجماهير تنبهر بالدماء وأكثر مما تمدح الأشخاص الذي ينظّفون المكان منها، وأن تلك المحركات الغريزية للعنف والحرب والموت، تجد متعتها الكاملة في إطالة تلك المشاهد. غالبية الأفراد، يحملون في أعماقهم تلك الرغبة في تقليد أحد الأشرار الذين يشاهدونهم، ذلك أن الشرير يحمل صفات لا تتوفر في الأخيار والعاديين من الناس، ومن أبرزها الجمال، الفصاحة، الذكاء، والثقافة بشكل عام. لا يستطيع أي أحد أن يقوم بأعمال سيّئة، لمدة طويلة، دون ان تتوفر فيه كثير من هذه الأمور، التي تطيل عمره اجتماعيا، فالمرضى النفسيين، هم الأكثر نجاحاً في لعب الأدوار الملائمة مع الناس العاديين. فتخيّل أن يُصوّر لك انسانٌ، يشبه كثيرا من صفاتك الاجتماعية "الطيّبة"، وفي نفس الوقت، يقوم بأشياء مُعقّدة، ولا يُكتشف أمره. كل تلك التناقضات التي نراها في الأفلام والكتب، تُعجبنا الى درجة محاولة تقليدها في مخيّلتنا، ونتمنى دائما لو كان ذلك "غير حرام"، أو "قانوني". وتر القانون، الذي استعملته سلسلة أفلام مثل The Purge، أين حاولت تجسيد تلك الرغبة الجماهرية في تشريع القتل ليوم واحد دون معاقبة.
وقد شاهدتُ عديد
المسلسلات، أخفق فيها كتاب السيناريو في إيصال الشهوة الى ذروتها بالنسبة
للمشاهدين، ذلك الإخفاق الذي صرتُ أراه نجاحاً انسانياً باهراً، ذلك ان المُنتج
فيه نوع من الحسّ النفسي، سأعطي مثالاً سريعاً. في سلسلة the mentalist، تابعنا حلقات باتريك جاين وهو يحاول أن يصل الى القاتل المتسلسل RedJohn، ذلك المجرم الذي قتل زوجته وابنته مبررا ذلك بأن باتريك جاين قد احتقره
في التلفاز أمام الملايين من المشاهدين. في هذه السلسلة شاهدنا كل شيء له صلة
بالعبقرية والذكاء من الطرفين، باتريك وريد جون كانا مثالاً في الخير القويّ
والشرّ القويّ، وقد وصل بنا الأمر كمشاهدين لدرجة البحث عن الخبايا والتفاصيل
لاكتشاف من الرجل الذي يختفي وراء هذا الاسم المستعار، المسلسل الى حدّ الآن
أوصلنا الى ما كان منشوداً، أصبنا بهوس البحث عن القاتل، وفي نفس الوقت، بتنا
نتساءل، هل هناك بشريّ يملك هذا القدر من العبقرية لكي يفلت في كل مرة؟ وهل يمكنه
ان يكون مجرماً، وفي نفس الوقت يملك حساً فنيا، وكذا قدرة عالية في كسب ثقة
الجميع، بل وولائهم له! لم نصل اليه، الا بعد ان قام المخرج بتفكيك هذه الشخصية، وتفكيك
طريقتها، وانزالها من درجة "القداسة"، الى درجة الإنسانية والخطأ، بل
والى درجة السذاجة، فقد قام مخرج السلسلة بعمل نفسيّ تفكيكي جبّار، لكي يخلع من
عقولنا فكرة كادت أن تُضاف الى عدة تخيّلات بأن الشرير رجل جذّاب لا يخطئ.
وقد كانت ملاقاة
الرجلين، باتريك وريد جون، عبارة عن مسرح عظيم جدا من هذا الجانب، وصادم جداً
بالنسبة للذين كانوا يعظّمون "ريد جون". كنا نريده كما خُيّل لنا، لكن
المخرج كان أذكى من ذلك، لا أعلم ان كان يدرك أو لا يدرك ذلك، لكنّه عمد على انقاد
الجميع من حبّ ذلك الرجل النتن.
هل تعلم كتبا ومسلسلات كُتبت لتعيب الشّر، فأصبتم محبين للأشرار؟ انّه الإخفاق النفسيّ الكبير، والخطير، بالنسبة للمشاهدين والقرّاء، وهو الربح العظيم، بالنسبة للذين يستعملون نقد الشّر لكي يبجّلونه بطرق ملتوية. ربما ذكر الشّر كما هو، ما هو الا تسويقٌ له، يجب إهانة ذكر كل انس وجنّ سيئين، لأن أي خطوة غير هذه ستعكس رسالة المؤلّف، فاذا كانت مرجوّة، فهؤلاء أخطر شيء في الوجود، وإذا لم تكن مرجوّة، وجب الانتباه لهذا، لأن الشّر في نظر العامة، أكثر اصارة للاهتمام من الخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق