الثلاثاء، 4 يناير 2022

مولد الأخلاق عند نيتشه



إذا كان كتاب ما وراء الخير والشّر قد سبب لنيتشه المتاعب من محيطه، مثلهُ مثل نقيض المسيح، وهكذا تكلم زرادشت، يبقى كتاب مولد الأخلاق، أو جينيالوجيا الأخلاق هو العدو رقم واحد لمُتديّني أوروبا. 
وعندنا نتكلم عن الدين، فنحن نتكلم عن النصرانية واليهودية حصراً، بما أنهما موضوع حديث نيتشه، بل هو حديث الأوروبيين، فلم يشكل غيرهما تحولاً ملموساً في هيكل الشعوب هناك.  نستطيع تقسيم كتاب نيتشه هذا إلى خمسة مراحل صنعت الأخلاق التي عليها القارة العجوز!
🔸 المرحلة الأولى؛
«الأقوياء جيّدون، الجيّدون أقوياء، هكذا كانت الأخلاق في عصر السادة والنبلاء، عند مجتمعات ما قبل الأخلاق»
هي صورة ملخصة لنظام الحكم في الإمبراطورية الرومانية الوثنية، السادة والنبلاء هم من يرون الجيّد والسيء، الخير والشر، هم من يصنعون ويحدًدون القيم، صاحب السلطة والمال، هو الذي يحكم على الأشياء بأنها طيبة فتعيش، أو سيئة فتُعدم.  كل القواعد تُبنى بما يليق مع نمرة الملوك والسادة وقادة الجيوش. مادون هؤلاء سيّؤون يمثلون الفوضى والإزعاج.
🔸المرحلة الثانية؛
ثورة العبيد، إن ثورة العبيد في الأخلاق تنطلق عندما يبدأ الاستياء نفسهُ في صناعة القيم، استياء هؤلاء العبيد، ردات فعلهم وأفعالهم كلها تتلخص في تعويض ضعف قدرتهم أمام السًادة، في الانتقام منهم بالخيال!
بعد أن تم احتقراهم من الرومان، عمد اليهود والنصارى الى صناعة أخلاق وقيم جديدة تتماشى واستحالة صعودهم في سلم الحياة الاجتماعية، والعملية، والعلمية، وبما أنهم قد وُصفوا بالسوء، فما يقي لهم إلا أن يصفوا أنفسهم بأنفسهم على أنهم صلحاء وطيبون وزاهدون بالحياة، يدّعون احتقار المال والمناصب حباً في الحياة الأخرى، يقول نيتشه، كمثل الذئب الذي إذا لم يصل العنب انقلب عليه ونعته بمرّ المذاق.
روّج هؤلاء لفكرة أن الحياة بما فيها حقيرة ومن يريد الحياة معرًض لغضب الرب، فالزهد والعيش البسيط أكرم من عيش الملوك عندهم، من هنا أطلق نيتشه مصطلحه أخلاق العبيد.
غرست هذه الأخلاق وتغلغلت في أوروبا لألف سنة، ما يسمى ثورة العبيد الأخلاقية، وقد كان اليهود هم قوّاد هذه الثورة، فإذا كنا لا نراهم اليوم، ذلك لأنهم انتصروا.
🔹 تجتمع أخلاق السادة وأخلاق العبيد في إرادة إنسانية واحدة، ألا وهي إرادة السيطرة والتملّك، التي أسماها لاحقاً بإرادة القوّة. الجميع يبحث عن القوة، من يصل إليها يكون سيّدا، هو من يحدًد معايير الخير والشر، وااذي يفشل فيعا، سيعمل على قلب القيم، ليحدد معاييره الهاصة للخير والشر. 
هؤلاء الذين لا يصلون إلى القوة، عادة ما يعادون الجمال والقوة وااسلطة والمادة،  ويجعلونها أمراً دنيوياً حقيراً لا يستحق المعاناة، ينغمسون في أحلامهم البعيدة. ولخصها نيتشه في قوله، النسور سيّئة جدا، نحن عكس النسور ولا نشبهها، لذلك نحن طيبون معشر الخرفان.
🔸المرحلة الثالثة؛
هي مرحلة  النهضة الأوروبية، نهضة علمية وفلسفية وفكرية حجّمت النصرانية [الكنيسة] واليهودية كثيراً، مع بروز النظريات وتوسّع الفكر وتعميمه، لم يعد لسلطة الأخلاق قوة تردع به هذا المدّ الإنساني الأصيل بقول نيتشه، العودة للإنسان اليوناني ما قبل سقراط.
🔸 المرحلة الرابعة؛
تكبّد العلم والفكر هزيمة نكراء في ليلة الثورة الفرنسية، وعادت السلطة للبابوية والمتدينين، وعاد الردع وترهيب كل من يخرج عن سياق الأخلاق التي رسمها المنتصرون!
وعاد حكم أخلاق العبيد، الذين ما كان لهم أن يتسلموا مقاليد الحكم يوماً.
🔸 المرحلة الخامسة؛
مع سيطرة حكم الأخلاق، وتجذرها في أوروبا، عادت كل ميولات الإنسان وقواه وإراداته إلى نفسه وذاته، لم تختفي بل أصبحت تمزًقه تمزيقاً، فلم يعد يستطيع التعبير عن إرادته وقدرته، فقد صار مثل النسر الذي يكسر منقاره ويخدش جلده، يجلدُ نفسه ويعذبها عوض أن يعبر عن ذلك بأسلوبه الذي جبل عليه، أي بالتنافس مع كل ما هو حي كما كان دائما.
الإنسان في ظل هذا الحكم مريض، كئيب، غاضب ومستاء من حالته.. ما قد يولّد دورة جديدة من ثورة العبيد ضد هذا الحكم الأخلاقيّ.

انتهى ملخّصي لأحد أعمدت كتب نيتشه.
#عمادالدين_زناف 
المقال 252

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق