التخطي إلى المحتوى الرئيسي

روائي الروبوت.. فلسفة الآلة عند عظيموف.


إذا، يبدو أن سيطرة الروبوتات على البشرية مسألةُ وقت؟ لتفهم ذلك، تابع المقال.

كان إسحاق عظيموف أو "أسيموف" بروفيسور في مادة الكيمياء الحيوية في جامعة بوسطن بالو.م.أ، وروائي مختصّ في الخيال العلمي، وصاحب توقّعات تكنولوجية "وروبوتيّة" معتبرة.  ألّف أكثر من خمس مائة كتاب، واُشتهر بسلسلة الأساس، وهي أشهر سلسلة أعمال في الخيال العلمي، وسلسلة الروبوت الكامل وغيرها. عُرف أسيموف بهوسّه الكبير بالروبوت، حيث لا تكادُ تخلو أعماله من ذكره، كانت التكنولوجيا آنذاك، بين سنوات الأربعين الى السبعينيات، مليئة بالتنظيرات والنبوءات والتطلعات للمُستقبل، ولم يكن مجال الأدب الا وسيلة أساسية من بين الوسائل التي كانت تُروّج لأفكار وتوقّعات وتنبؤات العلماء للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد. 
نعلم أن في تاريخ الأدب، هناك عدة كُتّاب أّلفوا في التنبؤات التكنولوجية، قد يكون أشهرهم على الاطلاق ميشال دي نوسترادام "نوستراداموس"، وصاحب أدب الرحلة المعروف جول فيرن، وغيرهم الكثيرون، الذين رسموا أبعاد المستقبل، أصابوا فيما أصابوا واخطئوا فيما أخطئوا.  حديثنا اليوم عن عظيموف ونظرته لسنواتنا التي نعيشها، فقد تحدّث بإسهاب عن كثيرٍ من الأمور التي نراها اليوم أشياءً عادية، لكن في فترته، لم تكن سوى تصوّرات، وربّما كثيراً منها تخيّلات. 
في سنة 1964، كتب بأن العالم سنة 2014 سيستعملُ الألواح الكهربائية أكثر فأكثر، الحيطان والأسقف ستضيئ وتُغيّر لونها عن طريق التحكّم بالأزرار. تكلّم عن الآلات التي تحمّر الخُبز، تسلق البيض، تصنع القهوة، مأكولات مجفّفة محفوظة جاهزة للطبخ السريع مثل الاندومي، أو البيزا المُجهّزة، أو اللحوم المُغلّفة.  في سلسلته دورة الروبوت، كتب بالتفصيل عن مستقبل سيتعايش فيه الانسان مع الرجل الآلي، وكيف سيكون الأخير في خدمته، ولكي تبقى تلك الروبوتات في خدمة الانسان ولا تتمرّد عليه، وضع أسيموف قواعد وقوانين محدّدة:
1- على الروبوتات ألا تهاجم الانسان، دون بقاءها غير فعّالة، عليها ان تترك الانسان معرّضاً للخطر. 
2- على الروبوت أن يُطيع أوامر الانسان، الا إذا تعارضت تلك الأوامر مع القانون الأوّل.
3- على الروبوت ان يحمي وجوده، دون أن يتجاوز الشرط الأول والشرط الثاني. 

أثّرت هذه القوانين في عدّة معاهدات عالمية فيما يخصّ الذكاء الاصطناعي. 
كان يقول إن روبوت 2014 سيكون غير مكتمل التطور، لكنه سيحوي على كمبيوتر مُصغّر في رأسه، وبإمكانه ان يوبّخ الناس إذا ما رموا نفاياتهم في الشارع.  توقّع أسيموف أن أجهزة 2014 لن تكون مربوطة بأي خير كهربائي، لأنها ستكون مرفقة ببطاريات تُعوّض ذلك، وهو صاحب التوقّع ان الانسان سيبتعد عن الأرض في تنقلاته بخمسين متراً، أي باستعمال سيارات طائرة، ومع تأخر هذا، الا أن مشروع ايلون موسك Hyperloop  يعد بالجديد..، توقع أيضاً بقدوم ما يسمى مُحاضرة افتراضية، أي أن يكلّم الناس بعضهم بعاضاً عن طريق الشاشات، الامر الذي انتشر وشاعَ مع ظهور Skype، وكَثر استعماله آخر سنتين مع قدوم الوباء، اذا أصبح وسيلة للتدريس والامتحانات أيضاً. 
توقّع هروب الانسان من الطبيعة بكل أشكالها، ذلك ما يسببُّ حتما في فناء الحياة، الزراعة، الفلاحة، بشكلها الطبيعي ستختفي، سنُعوّض كل شيء بما يشبهه فحسب !، من يريد أن يفهم أكثر أفكار إسحاق، يمكنه مشاهدة فيلم I robot . توقع أن حرية التعبير ستأخذ منحنى تصاعدي لدرجة جنوني، اذ أن كل شيء وقرارا سيُعرض للانتخاب، الجميع سيعلم بالتفصيل بالمشاكل والحلول الممكنة، الكمبيوتر سيتطور ليصبح ذكيا، ربما أذكى من الانسان، لأن ستكون له نظرة أخرى عن الانسان، كيف ذلك؟ 
يقول ان الأرض عرفت تطورا لثلاث ملايين من السنين، نجى فيها كل كائن حيّ يتمتّع بالذكاء اللازم، وانقرض فيها الأقل ذكاءً، فمن الطبيعي أن تكون كائنات أخرى أكثر كمالاً منا هُنا لتُعوّضنا، سيكون لنا الشرف حتماً أننا نحن من صنعناها، لكننا لا نملك القدرة عن وضع المكونات التي تصنع عقولنا في الكمبيوتر، لا نعرف الكثير عن عقلنا، عقلنا مكرّب ومُعقّد لدرجة انه من الصعب على الانسان أن يفهم ميكانيزميّته..، نحنُ نحاول فهم العقل البشري بالعقل البشري، وان انجح الطرق لفعل ذلك هو جمع اكثر من عقل لفعل ذلك، فالعملية تحتاج حتما الى كمبيوتر، هذا الأخير هو من يترجم النتائج، اذا الكمبيوترات هي التي تساعدنا لفهم عقولنا، اذا ستكونُ أكثر كمالاً منا. 
في الأخير، يقول إن الانسان لديه الخيار، اما ان يسبب في خرابه ويُنهي وجود الحياة، أو يتقاسم الحياة مع الروبوت ويكون ثمنُ ذلك جزءً كبيراً من حرّيته، هل نستطيع أن نكونَ أحراراً وسُعداء؟ يقول إنه لا يملك الإجابة، فهو يكتفي بوضع المشاكل كما هي.

#عمادالدين_زناف 
المقال 251

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...