الجمعة، 28 يناير 2022

تجاوز الذات Überwindung



"الانسان فكرة يجبُ تجاوزها، فماذا فعلتم كي تتجاوزوها؟" "جئتُ أعلّمكم الانسان الأعلى." "انني أعلمُ خَطَرَكُم، لقد حان الوقت كي يولدَ نَجمُكُم الرّاقص" نيتشه –هكذا تكلّمَ زرادشت-.
عندما نتحدّث عن علم النفس، يجب أن نتحدّث عن كارل غوستاف يونغ، الفيلسوف السويسري 1875م-1961م، المُسافر، المتفتّح على الثقافات. انّه الوجه الآخر، وفي بعض الأحيان، الوجه الأكثر بروزاً في المجال مع سيجموند فرويد، وقد كانت الخصومة بينمها محلّ بعثٍ لنظريات نفسية أكثر عمقاً وأكثرَ استثارة، مثلما أحدثت قطيعة نيتشه وريشارد فاغنر فوضى وثورة في فلسفة الفنّ، في فلسفة العدمية القاتلة وفلسفة الانسان الأعلى، انسانٌ يتعالى على سذاجة الانسان المثالي، بين لاوعي فرويد، وبين 
لاوعي شخصي، ولاوعي جمعيّ، وسُلطة الظّل عند يونغ. 
عنما نتحدّث عن يونغ، نجدُ أنّه من الصّعب أن نلخّص أفكاره في مقالة لا تحتمل كل تلك التفاصيل العلمية، ومن حسن الحظّ أن يونغ نفسه من قام بتبسيط الأفكار النفسية المعقّدة، في رواياته ومحاولاته الأدبية، فقد تكلّم كثيراً عن الهند ودياناتها، وعن افريقيا، ودرس فلسفة نيتشه، وتكلّم عن سيرته ومحطّاتها، وربما أبرز كتاب قدّمه كان بعنوان الكتاب الأحمر. تحدّث يونغ عن عدّة تفاصيل تخصّ نفسية الانسان، متأثراً بفلسفة نيتشه، وأعمال فرويد، وكذا بحضارات الشرق والغرب، وبالطّبع أثّر في عديد الشخصيات في التخصّص النفسي، الفلسفي، الفني، السينمائي –فيديريكو فيليني، جون بورمان..- شخصيات عديدة تأثرت في أدوارها بشخصيّته، مسلسلات استمدّت من تحليلاته، وأثّر خاصة في عالم الأدب مثل الكاتب هرمان هس، هربرت جورج ويلس، فيكتوريا اوكامبو، وليونارد باكون، فاليريو ايفنجيليستي.. وغيرهم بالمئات.
🔸تكلّم عن الانطواء والانبساط النفسي، حيثَ حلّل شخصية المُنطوي اجتماعيا، الراغب في العُزلة، الانبساط، وهو الشخص المتوجه كلياً نحو العالم الخارجيّ، معرضاً عن كل ما هو داخليّ في نفسه. لكن من درسوا يونغ، يعلمون أنّ أبرز ما جاء به هو 
🔸النماذج الأصليّة في اللاوعي الجمعي Les Archétypes. يُمكننا جمع اثنا عشر نموذجاً قدّمه:
 الحكيم – البريء – المغامر – المسيطر – المبدع – المدافع – الساحر – المحب – التافه – اليتيم – المتقنّع persona- الأنيما والأنيموس.
هي نماذج حدّدها يونغ لصناعة جسم يعيه الوعي –العقل-، وهو عبارة عن حبل يربط بين الوعي واللاوعي عند الفرد نفسه، وكذا هي نماذج تُمثّل اللاوعي الجمعي، أي ما يتشارك فيه الناس جميعا. 
🔸قسّم يونغ الانا الى شطرين، شطر أسماهُ الأنا الجسدي Le somatique، والانا النفسي Le Psychique. وقدّ عبّر عن أن تداخل اللاوعي في الوعي أمر ضروري لصناعة الأنا المُكتمل Totale، وليس صناعة الكمال La perfection.
ان اللاوعي هو القائد والمُحرّك الأساسي للإنسان، ما أطلق عليه نيتشه اسم الفوضى Le chaos، "يجب أن تحمل في داخلك تلك الفوضى، كي تستطيع تقديم للعالم نجماً راقصاً".
🔸تحدّث يونغ عن الظّل l’Ombre، وسلطته، وقوّته. حيث أكّد أن على الفرد أن يبحثَ في ظلّهِ كي يجد جواباً للأمور التي تثير انتباهه، وقد تعمّق نيتشه في حوار افتراضيّ في كتاب انساني مفرط في انسانيته، قصة اسمها –المُسافر وظلّه-، ربط يونغ فكرة الظّل بالوهم، حيث قال، علينا أن نطرح عدّة أسئلة لمعرفة ما الوهم، لماذا أشاهد هذا؟ لماذا أحبّ هذا؟ لماذا أفعلُ هذا؟ بماذا أشعر؟
الصراع مع الظّل! يقول يونغ، اما أن تكونَ سيّدَ ظلّك، أو ستبقى عبداً له. الضعفُ هو ان تبقى ضحيّةً لظلّك، ان مواجهة الوهم ضرورة كي لا يسيطر عليك. 
بعدَ ذلك، سيصل الانسان الى صناعة أخلاقه الخاصة، تأتي هذه العملية بعد دراسة الوعي، ودراسة الوعي تمر بدراسة النماذج، أو النموذج الذي يُمثّل الفرد، واذا تحدّثنا عن نموذج بيرسونا –المتقنّع-، فإننا سنجد أن مُعظم الناس لا يمكنهم تجاوزه، ذلك أنّه يمثّل حماية الانا الخاصة بهم في المجتمع، بيرسونا هي شخصية مقنّعة مصنوعة خصيصاً للمجتمع، وما لم يدرس الانسان لاوعيه، ولم يبحر ويغص في أعماقه،  لن يستطيع السيطرة على ذاته –ظله- -وهمه-، وبذلك، لن يتمكّن من تجاوز ذاته، ولن يصبح ذلك الانسان الأعلى.

#عمادالدين_زناف 
المقال 261

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق