التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجاوز الذات Überwindung



"الانسان فكرة يجبُ تجاوزها، فماذا فعلتم كي تتجاوزوها؟" "جئتُ أعلّمكم الانسان الأعلى." "انني أعلمُ خَطَرَكُم، لقد حان الوقت كي يولدَ نَجمُكُم الرّاقص" نيتشه –هكذا تكلّمَ زرادشت-.
عندما نتحدّث عن علم النفس، يجب أن نتحدّث عن كارل غوستاف يونغ، الفيلسوف السويسري 1875م-1961م، المُسافر، المتفتّح على الثقافات. انّه الوجه الآخر، وفي بعض الأحيان، الوجه الأكثر بروزاً في المجال مع سيجموند فرويد، وقد كانت الخصومة بينمها محلّ بعثٍ لنظريات نفسية أكثر عمقاً وأكثرَ استثارة، مثلما أحدثت قطيعة نيتشه وريشارد فاغنر فوضى وثورة في فلسفة الفنّ، في فلسفة العدمية القاتلة وفلسفة الانسان الأعلى، انسانٌ يتعالى على سذاجة الانسان المثالي، بين لاوعي فرويد، وبين 
لاوعي شخصي، ولاوعي جمعيّ، وسُلطة الظّل عند يونغ. 
عنما نتحدّث عن يونغ، نجدُ أنّه من الصّعب أن نلخّص أفكاره في مقالة لا تحتمل كل تلك التفاصيل العلمية، ومن حسن الحظّ أن يونغ نفسه من قام بتبسيط الأفكار النفسية المعقّدة، في رواياته ومحاولاته الأدبية، فقد تكلّم كثيراً عن الهند ودياناتها، وعن افريقيا، ودرس فلسفة نيتشه، وتكلّم عن سيرته ومحطّاتها، وربما أبرز كتاب قدّمه كان بعنوان الكتاب الأحمر. تحدّث يونغ عن عدّة تفاصيل تخصّ نفسية الانسان، متأثراً بفلسفة نيتشه، وأعمال فرويد، وكذا بحضارات الشرق والغرب، وبالطّبع أثّر في عديد الشخصيات في التخصّص النفسي، الفلسفي، الفني، السينمائي –فيديريكو فيليني، جون بورمان..- شخصيات عديدة تأثرت في أدوارها بشخصيّته، مسلسلات استمدّت من تحليلاته، وأثّر خاصة في عالم الأدب مثل الكاتب هرمان هس، هربرت جورج ويلس، فيكتوريا اوكامبو، وليونارد باكون، فاليريو ايفنجيليستي.. وغيرهم بالمئات.
🔸تكلّم عن الانطواء والانبساط النفسي، حيثَ حلّل شخصية المُنطوي اجتماعيا، الراغب في العُزلة، الانبساط، وهو الشخص المتوجه كلياً نحو العالم الخارجيّ، معرضاً عن كل ما هو داخليّ في نفسه. لكن من درسوا يونغ، يعلمون أنّ أبرز ما جاء به هو 
🔸النماذج الأصليّة في اللاوعي الجمعي Les Archétypes. يُمكننا جمع اثنا عشر نموذجاً قدّمه:
 الحكيم – البريء – المغامر – المسيطر – المبدع – المدافع – الساحر – المحب – التافه – اليتيم – المتقنّع persona- الأنيما والأنيموس.
هي نماذج حدّدها يونغ لصناعة جسم يعيه الوعي –العقل-، وهو عبارة عن حبل يربط بين الوعي واللاوعي عند الفرد نفسه، وكذا هي نماذج تُمثّل اللاوعي الجمعي، أي ما يتشارك فيه الناس جميعا. 
🔸قسّم يونغ الانا الى شطرين، شطر أسماهُ الأنا الجسدي Le somatique، والانا النفسي Le Psychique. وقدّ عبّر عن أن تداخل اللاوعي في الوعي أمر ضروري لصناعة الأنا المُكتمل Totale، وليس صناعة الكمال La perfection.
ان اللاوعي هو القائد والمُحرّك الأساسي للإنسان، ما أطلق عليه نيتشه اسم الفوضى Le chaos، "يجب أن تحمل في داخلك تلك الفوضى، كي تستطيع تقديم للعالم نجماً راقصاً".
🔸تحدّث يونغ عن الظّل l’Ombre، وسلطته، وقوّته. حيث أكّد أن على الفرد أن يبحثَ في ظلّهِ كي يجد جواباً للأمور التي تثير انتباهه، وقد تعمّق نيتشه في حوار افتراضيّ في كتاب انساني مفرط في انسانيته، قصة اسمها –المُسافر وظلّه-، ربط يونغ فكرة الظّل بالوهم، حيث قال، علينا أن نطرح عدّة أسئلة لمعرفة ما الوهم، لماذا أشاهد هذا؟ لماذا أحبّ هذا؟ لماذا أفعلُ هذا؟ بماذا أشعر؟
الصراع مع الظّل! يقول يونغ، اما أن تكونَ سيّدَ ظلّك، أو ستبقى عبداً له. الضعفُ هو ان تبقى ضحيّةً لظلّك، ان مواجهة الوهم ضرورة كي لا يسيطر عليك. 
بعدَ ذلك، سيصل الانسان الى صناعة أخلاقه الخاصة، تأتي هذه العملية بعد دراسة الوعي، ودراسة الوعي تمر بدراسة النماذج، أو النموذج الذي يُمثّل الفرد، واذا تحدّثنا عن نموذج بيرسونا –المتقنّع-، فإننا سنجد أن مُعظم الناس لا يمكنهم تجاوزه، ذلك أنّه يمثّل حماية الانا الخاصة بهم في المجتمع، بيرسونا هي شخصية مقنّعة مصنوعة خصيصاً للمجتمع، وما لم يدرس الانسان لاوعيه، ولم يبحر ويغص في أعماقه،  لن يستطيع السيطرة على ذاته –ظله- -وهمه-، وبذلك، لن يتمكّن من تجاوز ذاته، ولن يصبح ذلك الانسان الأعلى.

#عمادالدين_زناف 
المقال 261

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...