الأحد، 23 يناير 2022

التنمية البشرية "بريكولاج" أدبي

 


لماذا تُعتبر التنمية البشرية والتطوير الذاتي أسلوباً.. لمن لا أسلوبَ له!
التنمية البشرية عبارة عن مزج بين التجارب الشخصية، الاحصاءات، تجارب الآخرين، قليلا من علم النفس، قليلاً من الفلسفة، قليلاً من الدين للمجتمعات المتدينة، قليلاً من اللادين بالنسبة للمجتمعات الأخرى، كثيراً من الأمل، قليلا من النتائج طويلة المدى.
لماذا تحظى التنمية البشرية بهذا النجاح؟
لأن التخصصات صعبة، وتحتاج الى ارادة حقيقية من الأفراد للنهوض بذاتهم، لنكن صريحين، من الذي يركّز مع علم النفس بشكل عميق، بشراء كُتب متخصّصة، بسماع المختصين النفسانيين، باقتناء كتبهم، بسماع محاضراتهم العلمية؟.. نسبة قليلة من الناس، لأن الاستماع لمختص علمي، يحثّك للبحث عن مصطلحاته المعقّدة، منشأها، فعاليّتها، العلم مُتعب كثيراً، لذلك المهتمين بالعلوم من الشعوب قلّة. من الذي يقتني عشرات من كتب للفلاسفة، لكي يستخلص فلسفته الخاصة بالحياة؟ من الذي يدرس كتب الفقهاء؟ من الذي ينبّش في كتب التاريخ؟ القلة دائماً.
أليس هذا تناقضاً مع دعمي المستمرّ للتعميم العلمي؟
لا، لأنني لم أدعو للاكتفاء بالتعميم العلمي، التعميم هو الباب الذي يقودك الى التخصص، هو أسلوب يجعلك تكتشف ميولاتك الفكرية والعلمية والفلسفية، باب للاستفزاز المعرفي، اما التنمية البشرية فهي لا تدعو لشيء ملموس، بل هي تدعو لشيء يخاطب المشاعر فحسب.
ما قيمة الحماس أمام السلوك؟
الحماس هو عبارة عن ردّة فعل هرمونية لتفاعل الفرد مع شيء مثير، شيء يحرّك باباً من أبواب الشهوات المتعدّدة في الانسان، لكن تصاعد الهرمونات لا يدوم، لأن دوامه يوقف القلب أو الدماغ. وان كنا نعتمد على التفاعلات الهرومنية للتحرك، فلن نتحرّك الا لربع ساعة في اليوم. ودون سلوك منهجي، فكري وفلسفي، فلن ينفع الحماس في شيء، بل سيكون حماساً مدجّجاً بالرغبات والاحلام دون أرضيّة ودون استراتيجية.
السلوك هو ذلك التنظيم غير المرئي المتواجد في العقل والقلب، وعلى عكس ما يظن البعض، البرنامج الأسبوعي أو الشهري أو السنوي للقيام بالرياضة، بالبحوث، بالسهر للنجاح.. لا يُعدّ سلوكاً أبداً، بل عملاً انسانيا محضاً، السّلوك هو قاعدة فكرية نمشي عليها، فلسفة معينة، تربية دينية، وهذه الأشياء تحتاج من الفرد -كما ذكرت أنفا- بحوثاً علمية، والبحث العلمي لا يتماشى والحماس، بل يتماشى مع الحب، الحب لا يعتمد على حماسنا للنجاح، الحب لا يعتمد أبداً على التحركات المزاجية والقدرات البدنية، الحب شيء لا يُترجم، حبك للعلم والتعلم يجب ان يكون مثل حب الام لابنها، بلا شرط، بلا قيد، بلا حماس، بلا قوة، بلا واقع، بلا منطق.
هل تعلمنا التنمية البشرية سولكاً معينا؟
لا، التنمية البشرية كما ذكرت، تقوم بخلط كل شيء لصناعة جملة شبه مفيدة، مفادها البحث عن النجاح، ما النجاح؟ النجاح وهم، لأن النجاح الحقيقي لا يجب أن تصل اليه، من يصل الى مبتغاه سيموت قبل طلاق روحه من جسده.
لماذا لا يدعو روادها الا الى انفسهم؟
لأن التنمية ليست سوى حيلة للدعوة الى الذات، رائد التنمية لا يحيلك الى العلماء، او العلم، بل يحيلك الى التجارب، التجربة كما أفردتها في عدة دروس على قناتي وفي مقالاتي، ما لم تكن علمية، أو ما لم تكن قابلة للتفنيد -كارل بوبر-، فهي فقاعة لا فائدة منها وان نجحت.
التجربة ليس دليلا علميا، ولا حجة منطقية، التجربة لن تُكرّر وان طبقنا نفس الخطوات.
لماذا تسخر التنمية البشرية من محبيها؟
السخرية هنا تكمن في جعل كل الناس بنفس الذكاء، بنفس المهارات، بنفس المنطق، بنفس التجارب، بنفس العمر، بنفس الثقافة.. كيف لا وهي توجه خطابا واحداً لكل هذه الانماط!
أبسط طالب في علم النفس يدرك ان هذا سخف وسذاجة، قد يكون هناك ما يسمى علاج الزوجين، أو مجموعة ضيّقة thérapie de groupe ليس فيها نصيحة واحدة للنجاح ولا للتطور، بل فيها ما يدفع الفرد، أو الزوجين لتخطّي مشاكلهم النفسية بأساليب علمية.
التحدث مع الناس على أنهم نسخة واحدة من البشر، هو استغباء، لكنه استغباء ناجح في نفس الوقت، لأن العقل الجمعي، العاطفة الجمعية، اللا وعي الجمعي.. يتفاعل بتطابق مع بعض المصطلحات، وهذا يشتغل عليه هؤلاء الدعاة من رواد التنمية والتطوير.
من لا يحب الخير، والمال، والمناصب؟
هو أسلوب طفولي مُغري، ناجح في كل وقت وحين.
هل هناك تنمية بشرية خفيّة.. ناجحة؟
نعم، قلتها من قبل، ان تجارب الشخصيات السياسية والرياضية وغيرها من الشخصيات الناجحة المتقاعدة غالبا هو أمر ضروري جداً بالنسبة للشباب، السير الذاتية هو أسلوب تنموي خفيّ وناجح، لكنه يصبح تجاريا وسخيفا وداعيا لعلم زائف اذا ما دعى انه ينمّي الأفراد ويطوّرهم، ذلك أن السير ليس هنا لتنمي انما لكي نستخلص منها.
لماذا ينتهج الشباب أسلوب التنمية والتطوير وهم دون تجربة؟
لأنهما أسلوب لمن لا أسلوب له، أسلوب لمن لا اطلاع له على العلوم، المختص في علم ما، صلب أو اجتماعي، لن يكتب عن الأمور العامة.. أمور تسمعها من أيّ كان، ولو كان لجدّاتنا شيء من الرغبة في الثراء، لكنّ أفضل من يقدن هذا النوع من الكتابات.
لا أنصح بكتب التنمية والتطوير الذاتي أبدا، أنصح بالتخصص في علم النفس، في الفلسفة، في الفقه، في العلوم، فهذا هو سبيل النجاح السويّ، وليس النجاح المشاعريّ والشّاعريّ.
المقال 260

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق