التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مثلث بينروز.. الزاوية المستحيلة



الزاوية الميتة لمُثلث بينروز.

هو واحد من الأشكال الهندسية مستحيلة التطبيق، سوّق لها روجر بينروز، لمنها لا تعود له كعمل فنّي. هناك المربع المستحيل، الخماسي السداسي المستحيل.. المكعّب المستحيل، إلى آخره من الأشكال الهندسية غير القابلة للتركيب الواقعي.
 لكن، هي ليست عبارة عن تصميم فني مصنوع ليكون قابلاً للتطبيق، بل هي عبارة عن هندسة خيالية، أفلاطونية، تعبيراً عن بعض المستحيلات الفلسفية. لكن، هذا العمل، ورغم عمق معناه، إلا أنه غير مستحيل كما يُسوّق له الرياضيون والهندسيون، الأمر المُعجز فيه هو لا نهاية الخطوط بين الأضلع، أي أننا عندما نشاهد الشكل ببُعدين، لا يمكننا ابقاف مسار قاعدة المثلث أو ضلعه، لكن إذا ما شاهدناه بطريقة ثلاثية الأبعاد، يمكننا اكتشاف الخدعة البصرية من الشكل الهندسي. 
الرسمة الفنية تقضي باسقاط العملية بطريقة ثنائية الأبعاد مثل الصورة، وهذا ما يجعل منه مستحيلاً، لكن المجسّم قابل للتطبيق، لكن علينا أن نتحرّك بطريقة تسمح لنا بمشاهدة الشكل كاملا، أي أننا مضطرين لتغيير زاوية النظر، لكي نشكّل نحن ذلك الشكل، وهنا تكمن الحيلة اابصرية التي نقع فيها، أو نصنعها، لا ندري.. إذا أننا نصنع المثلث بزاوية النظر التي يفرضها هو، بينما يكون المثلث العادي مثلثاً من أي زاوية يُرى منها مثل مجسم الهرم بالجيزة. 
زاوية النظر هي من تصنع الشكل، أو، هي من توصلنا لقراءة الشكل، الكثير من الناس يصنعُ بمخيلته وجهاً بالسُحب، أو في رغوة القهوة، أو بالأرضية المزخرفة، الكثير منا يرون خريطة بلدهم في الأكل، يرون شكل الحيوانات في الظلال، يُسهل العقل على الانسان عملية اسقاط الأمور الهندسية، خاصة عند هؤلاء الذين يملكون ذاكرة تصويرية، هذا ما يساعدهم على الابداع اافني غالبا، أي، القدرة على اسقاط وتصميم الذاكرة في الواقع.
واذا ابتعدنا قليلا عن الهندسة، يمكن للانسان أن يستعمل طريقة ”هزّ الرأس“ لكي يرى الأمور من زاوية أخرى، فقد تكون الزاوية التي يرى منها الأشياء ميتة، عبارة عن نظرة ثنائية الأبعاد لا تقرأ الأحداث التي تكون تفاصيلها لا نهائية مثل أضلع مثلث بينروز..
قد يكون الواقع مستحيلاً، لكن عملية بسيطة مثل البحث عن زوايا مناسبة لرؤيته..قد تساهم في تركيب صورة نمطية في مخيلة المُلاحظ، وقد ترى شيئاً تعرفه يساعدك على فهم ذلك المستحيل، ومن يدري، قد لا يكون مستحيلاً كما تظن، بل كانت زاويتك مغلقة فحسب.

#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...