التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, 2021

تجارة الديستوبيا

في رواية 1984 لـ جورج أرويل، لم يُصب الروائي في مُعظم توقّعاته، خاصة في الجانب الجيوسياسي، ومع ذلك نجحت الرواية نجاحاً باهراً، بحيث يمكنني القول أن الروايات من نوع ”ديستوبيا“ تثير مشاعر القُرّاء وفضولهم لما هو قادم، ولا يُهمّ إن هو تحقّق أو لا. ديستوبيا هو نوع من الخيال الذي يتصور مستقبلاً طوباوي ظلاميّ، وهذا ما اعتمدهُ معظم الكتاب والروائيين، و ما زال العديد منهم يعتمدهُ حالياً، كنوع من التقليد للروايات الناجحة شكلياً، مثل رواية جورح أرويل 1984. لكننا نملك بدائل روائية مُميّزة، مثل روايات جول فيرن، الروائي الفرنسي الذي تخصّص في ”رواية المغامرات، أو الرحلات“، مثل ”رحلة إلى مركز الأرض“، و”رحلة حول العالم في ثمانين يوماً“، يصف في معظمها ما يعيشه، ويتوقع فيها المستقبل البعيد، في معظمه بعيد عن السودويّة. وقد يكون ابتعاده عن السودوية هو ما لم يجعلهُ الروائي الأشهر في الخيال العلمي! فقد سبقه نوستراداموس، الذي تحدّث عن المستقبل البعيد، لكنّه لم يكن سودوياً كفاية لكي يُصبح الروائي أو المؤلف الأشهر عند القُرّاء! فكيف ولمَ يُثير هذا النوع فضول القُرّاء؟ ما الطريقة التي تجعل القارئ يتمسّك بهذا ال...

الكتب السهلة سرطان

📌 الكُتُب السّهلة مثل السرطان..! تنقسمُ الثقافة في العالم إلى طبقتين، الثقافة الشعبية والثقافة البورجوازية، الثقافة الشعبية تتمحور في العلم المجاني أو شبه المجاني، مثل التمدرس والحصص التلفزيونية، وتسمى شعبية لأنها ثقافة متساوية عند غالبية الشعب، سأعود لاحقاً لفتح قوس حول الحصص التلفزيونية. أما الثقافة البورجوازية، فهي تعني تمكن نلك الطلقة من إضافة ثقافة جديدة بعضها نادر، وبعضها مُكلّف، مثل حضور قاعات السينما والأوبرا وشراء الكُتب والمجلات وشراء آخر الأفلام والمسلسلات، بالإضافة إلى القدرة على الاشتراك في المواقع التي تنشر مقالات علمية وحصرية، مما يتشكل عند هذه الطبقة ”ثقافة إضافية“ عن الثقافة الشعبية. في أغلب الأحيان، نجد الكثير من أبناء الثقافة الشعبية يحاولون القفز لقطف بعض من ممتلكات البورجوازيين، مثل شراء الأفلام والكُتب، لكن العملية تشبه ”التشبّه“ بالبورجوازية ولن تكون مُطابقة لها، دون أن ننسى أن من تربّى على الثقافة البرجوازية، غير ذلك الذي يحاول ”تدارك“ ذلك، بعد سنوات من ”الاكتفاء“ بالثقافة الشعبية، وبالعودة للحصص التلفزيونية، جدير بالذّكر أن الأفلام والمسلسلات والوثائقيات والرس...

ثالث بُعد.. عن البعد الثالث

📌 ثالثُ بُعدٍ..عن البُعدِ الثالث! تقليدُ عالم الفكر أوّل ابتعاد عن الواقع، فالمُثل لا يمكن تجسيدها، الفكر أعلى بكثير من التجسيد والتعبير، فهو يتجاوز اللغة، ويتجاوز حدود القدرات الإنسانية، فعلى الإنسان معرفة العالمين! هكذا وَسَمَ أفلاطون أوّل قواعده في الامتناع عن ”فن نسخ الطبيعة“. ثاني ابتعاد ”مُحرّم“ بين الإنسان والطبيعة هو إعادة تشكيل الطبيعة! فكيف يكون ذلك ولمَ خالفه آرسطو في هذا؟ يرى أفلاطون أن الفنون بكل أشكالها بما في ذلك التدوين والأرشفة أمرٌ مخالف للطبيعة، ومحاولة بائسة لتقليدها، فالطبيعة في ذاتها لم تُحسن تقليد عالم الفكر ”المُثُل“، ومن أجل ذلك، فإن الحياة الحقيقة ليست ها هُنا! لأن هذا العالم غيرُ مُتكاملٍ. فقد تمّ تشويهُ المُثل والابتعاد عنه مرّتين، الأوّل هو في عدم استكمال المثالية التي تؤرّق عقل البشر، ثم محاولة تقليد أو استنساخ ما هو ليس بكامِل في عالم الأبعاد الثلاثة!.. فما هو الابتعاد الثالث الذي كان ليضيفه أفلاطون؟ اليوم نعيش تقليدَ المُقلّد، فقد شاعَ بين معتادي مواقع التواصل ما يسمّى بـ”العمليات التجميلية“ وأخرى ”برامج تعديل الصّور“، فقد أصبح تقليد المُقلّد هوساً يضرب...

الولادة الثالثة

📌الولادة الثالثة! لقد تعلّمنا ونحنُ صغار بأننا يجبُ أن نحبّ المُعلّم، فللمُعلّم الفضلُ في بناء قاعدتنا العِلمية والفكريّة، ثم تعلّمنا أن نُحبّ المُدرّب، مُدرّبنا في الرياضة التي نُمارسها، في مُعلّم الموسيقى، في شيخِ المَسجد الذي يُساعدنا على القراءة غيباً وفهم القرآن، وبعد أن يشتدّ عضضنا ويَتَقَعقعُ صوتنا، نتعلّمُ حُبَّ من لم يُطلَب منّا حُبّه، وهو نوعٌ من الولادة الثانية للفرد، بعد الخروج من رَحم أمّهِ، يَخرُجُ من رَحِمِ التَّوجيه العائلي، ويَختارُ من يجدِهُ قُدوة ومِثالاً، من يراهُ يتمثّلُ في ذاتِه المُستقبليّة، وهنا يُطيلُ البقاء أغلبُ الناس، ويَعجزون عن اقتحام الولادة الثّالثة: التحرُّر مِمّا تهواهُ النّفس، والبحثُ عن ما ينفَعُها! بين الهَوى والتعلّم خيطٌ رفيع، رغم التباعد بين المُصطلحين، وقد يَقَعُ الفُضوليُّ في تعلّمِ ما يهوى، وليس تعلّم ما يحتاجهُ، فكيف يكون ذلك؟ وما المُشكلةُ في ذلك! عندما ينطلقُ أحدنا في الحياة، بعد ”الولادة الثانية“، وينتهي من حبّ مُدرّس الموسيقى، وشيخ المسجد، ومُدرّب الكارتيه..لأن الاختيارات الأولى غالباً ما تكون بتأثيرٍ من المُحيط العائلي بطريقة مباشرة أو ...

لا عقلانية القُوّة

📌لا عقلانية القوّة. وبعد أن علمتُ بحماقة تهوّري، تريّثت للحظة وفكّرتُ وتساءلت، ما مَعني أن أفقد عَقلانيّتي وهدوئي في كلّ مرّة أجد فيها نفسي مرغماً على الفعل، أو ردّة الفعل، كيف أفسّر غياب حكمتي ورصانتي، عندما أحتاج الى الهرولة أو الصّراخ، عندما أهمّ بالبطش على شيء ما، أو سحب شيء ما. وكلّما اشتدّت الظّروف وقساوتها، أو كُنتُ على شفا حفرة، أو وجدتني مُنقذاً لمارٍّ أو صبيٍّ، أو مُنقذاً لنفسي، كُلّما قلّت حِكمتي وحيلتي، وارتفعَت هِمّتي وقَسوتي، وزاد عُنفواني واندفاعي، غير مُبالٍ بما قد يُسفرُ عنه هذا التحوّلُ اللّحظي.  أعقِلُ أنّ مواجهة الخطر تَكون بالخَطر نفسه، ولا عقلَ مع من لاعقلَ لهُ من جمادٍ أو دواب، لكنني لا أعقلُ تقبّل العقل للمُخاطرة بالذّات في سبيل "لحظة"، وليس في سبيل سعة من الوقت والحياة، فعندما تَفقد أعزّ ما تملك، وهي نَفسك، من أجل لحظة مُعيّنة، فقد يكنُ هذا نبيلاً، بل هو كذلك، لكنّك ستفقدُ نَشوة الانتصار بذلك، أو عَيشِ ذلك، ولن تعودَ لك نَفسك، فقد تَخسرُ حياتك للأبد. هذه توطئة، لفكرة التهوّر عندما نحتاجُ التريّث، فهل هذا التهوّرُ لا عقلانيّ فعلا؟ الجميع يعلم أن الرّج...

نقطة جودوين

قانون جودوين، أو نقطة جودوين، أو مرحلة جودوين، هي ”نظرية“ طورها المحامي الأمريكي مايك جودوين، حيث وضع هذا القانون عام 1990، مؤكداً أن ليس لقانونه هذا أي قيمة علمية.  طور قانونه بعد قضاء بعض الوقت على Usenet ، وهو منتدى افتراضي كان موجودًا قبل الويب، بحيث أن كلما طالت مدة المناقشة عبر الإنترنت، زادت اِحتمالية العثور على مقارنة تتضمن الإقتراب من النـ،ـازيين أو هتلر!.  عادة ، يكون هذا القانون صحيحًا عندما يكون هناك ذكر ”للنـ،ـازية“ في نقاش لا علاقة له بالموضوع الأساسي! هناك تعريفات مختلفة معطاة لنقطة جودوين! عندما يخرج النقاش عن السيطرة ، نعلم أنه تم الوصول إلى نقطة ”جودوين“ القاضية! فكلما شعر الفرد بخسارة الحوار أو الحجج..، كنوع من السفسطة، يقترب من نقطة جودوين..، أي اتهام الآخر بالـنـ،ـازية أو الفـ.ـاشيّة!  لم يذكر مايك جودوين عن "نقطة" جودوين، بل اكتفى بـ"وضع نظرية" لهذا القانون.  قبله ببضع سنوات، أي في الخمسينيات من القرن الماضي، تحدث الفيلسوف ليو شتراوس عن ظاهرة تسمى "اختزال المقاربة لـ هتلر"! كانت الفكرة هي استبعاد ”حجة الخصم“ من خلال ربطه مباشرة بهتلر ...

جنون الحُكماء

النجاح في مجال مُعيّن يتطلّب مستوى عال من التركيز المُستمر، متواصلة وجهد بدني ونفسي، وهذا قبل أن يكون النّاجح موهوباً، فالموهبة دون صقل تبقى حَبيسة عند صاحبها. الموهوب والعَبقري في مجاله، له مُتنفّس وعادات غريبة، وسلوك يختلف جذرياً عن عادات وسلوكيات الآخرين، مما يضعه في خانة المَجنون! وقد يعاني العبقريُّ من نسبة من الجنون فعلاً، مثل الغباء الكبير، الذكاء الخارق يشكّل ”خللا“ في سلوك ما، اجتماعي أو فردي، نظراً لإهمال الفرد لا إرادياً لبعض الأعراف أو العادات أو السلوكيات ”العادية“. في هذا المقال سأكشف عن بعض العادات المجنونة، والأخرى المُخزية، لبعض الفلاسفة المَشهورين، والتي كانت سبباً مباشراً أو غير مباشر في ”ابتعاد الناس عنهم، أو ابتعادهم عن الناس“! ديوجينوس كان ابن رجل ثري ومختلس في نفس الوقت، ما جعله يرحل عن تلك المدينة ويقرر ان يعيش حياة الزّهد، معظمها في الشارع وهو عارٍ تماما، عُرف عنه الحكمة، في يوم من الأيام قدم إليه الإسكندر الأعظم، وعندما طلب منه أي شيء ليحققه له، لأنه كان معجباً به، قال له: ”فقط ابتعد قليلا لأنك تحجب عني ضوء الشمس“، فقال الإسكندر:”لو لم أكن الإسكندر لتمنيت أن أ...

مجتمع الرقابة ”المُراقب“

في كتابه المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، أعاد ميشال فوكو فكرة ”بانوبتيكون“ للواجهة لـ جريمي بنتهام،  وهذا المصطلح يعني بأن ”تشاهد الآخر دون أن يراك“،  اصل هذه الفكره هي عبارة عن سجون دائرية العُمران،  في داخلها زنزانات بشكل دائري، يتوسط تلك القاعة الكبيرة برج مراقبة، المراقبون داخل ذلك البرج يستطيعون أن يشاهدوا جميع الزنزانات، بين المساجين لا يعلمون إن كان هناك أفراد داخل ذلك البرج أو لا، وهذا ما بجعلهم ”يفترضون“ أنهم مراقبون طوال الوقت، مما يجعلهم يُعدّلون سلوكهم بنفسهم وبشكل تلقائي. أخذ ميشال فوكو هذه الهندسة المعمارية وحوّلها إلى مفهوم قد يتم تطبيقه في هياكل أخرى، وقد حدّد ستة معايير لهذا المفهوم! ١- أن تكون مشاهداً من الجميع وغير مُراقب في المحتوى، نعلم جميعاً بوجود المراقبة، لكننا لا نستطيع ان نثبت وجودها. ٢- الرقابة تكون تلقائية وغير فردية، إما انها غير بشرية، أو لا يمكننا مشاهدتها. ٣- عملية ”الحديقة المَلكية“ والمُختبر، أي تقسيم المجتمع الى قطاعات مثل المساجين، واخضاع كل قطاع لتجارب معيّنة. ٤- التطبيقات المتعددة، أي تعدد أشكال عملية ”بانوبتيكون“. ٥- الاقتصاد، في شاكلة المواد وا...

حياةُ الفكرة

📌«التفكير من الذات».. دعوة للتفرّد أم  للسرقة الفكرية؟ يستعرض الكثير من المفكرين عضلاتهم الفكرية على عامة الناس، عندما ينطلقون في الحديث عن أمور فلسفية أو علمية، اجتماعية أو نفسية، دينية وما ورائية، يدّعون في كثير من الأحيان أنّ تلك التحليلات والنتائج من بنات أفكارهم، وكأنّها إلهامٌ من السّماء، وهنا، وجب تحديد ”قيمة“  وأبعاد هذه ”المحاولات“ الفكرية، ووضع بعض النقاط على الحروف، لأن عامّة طُلّاب العلم والفضوليون، لا يبحثون عن أصول الفِكر، بل يعتبرون صاحب المعلومة هو أب الفكرة، كنوعٍ من الأستاذية، مثل صغير البطّة الذي يعتبر أن أول ما يراه أمامه هو أمّهُ. هُنا تكمن الخيانة العلمية الفكرية من صاحب الادعاء، لأن الإنسان يُكمّل الإنسان، والحضارة تُكمّل الحضارة، والابن يُكمّل الجدّ، فالقول بأن معالجة فكرة معيّنة جاءت من ”العدم“، أي من منطلق فردي، هو استخفاف بعقول الطُلّاب والفضوليين، واستهانة بعقول المثقفين والمطالعين، ومخاطرة أمام العلميين والمختصين. يحدث أن يتلقّى الفرد أفكاراً وينسى مصادرها، أو نُقلت له من مصدر مغلوط، جُملاً واقتباسات وأفكار بهيكلة، فيتبنّاها، حدثت وتحدثُ للجميع، ف...

الفلسفة الرواقية

بعد أن تكلمتُ عنها سابقاً في درس يوتيوب منذ تقريباً سنة، أعود لأكتب عن الرواقية لأهمّيتها البالغة في عالم الفكر والفلسفة، هي من أشهر المدارس وأكثرهم تكاملاً، وقد غذّت عدّت تيّارات ومفكّرين وفلاسفة. الرواقية ترمي إلى السلام الداخلي والتوازن الإجتماعي، وتهدف إلى أن تزيدك علماً ووقار. تهدف أيضاً إلى دفع الفرد للتحكّم في عواطفه واندفاعاته، في تصويب الحُكم على الذات، وعلى الأحداث، وعلى الطبيعة. اتفق الرواقيون أن ما يحدُث في الكون هو نتيجة ”الفاتوم“ أي القدر، ولا يمكننا إلا تقبّل ذلك القدر، وتصويب حكمنا عليه. إذ من المستحيل أن نُغيّر العديد من الأشياء، ولكن يمكننا أن نُغيّر نظرتنا إليها والحكم عليها، مثل الموت والمرض والنجاح والخذلان. الهدف من قبول القدر هو بقاء المرء هادئاً مهما ساءت الأحوال، فيقال فب الدارج الفرنسي ابقى رواقيا rester stoïque. عدم الإفراط في الحزن أو في السعادة هو أول طريق لبلوغ ذلك الهدوء الدائم الذي تعلمنا اياه الرواقية. أكبر المفاهيم الرواقية ترمي الى تعليم الأفراد بأن يهملوا كل ما لا يعتمد عليهم، وأن يركّزوا فيما يمكنهم تغييره، فقدم حملت لنا هذه الفلسفة أكبر مثالين مختل...