التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفلسفة الرواقية


بعد أن تكلمتُ عنها سابقاً في درس يوتيوب منذ تقريباً سنة، أعود لأكتب عن الرواقية لأهمّيتها البالغة في عالم الفكر والفلسفة، هي من أشهر المدارس وأكثرهم تكاملاً، وقد غذّت عدّت تيّارات ومفكّرين وفلاسفة.
الرواقية ترمي إلى السلام الداخلي والتوازن الإجتماعي، وتهدف إلى أن تزيدك علماً ووقار.
تهدف أيضاً إلى دفع الفرد للتحكّم في عواطفه واندفاعاته، في تصويب الحُكم على الذات، وعلى الأحداث، وعلى الطبيعة.
اتفق الرواقيون أن ما يحدُث في الكون هو نتيجة ”الفاتوم“ أي القدر، ولا يمكننا إلا تقبّل ذلك القدر، وتصويب حكمنا عليه.
إذ من المستحيل أن نُغيّر العديد من الأشياء، ولكن يمكننا أن نُغيّر نظرتنا إليها والحكم عليها، مثل الموت والمرض والنجاح والخذلان.
الهدف من قبول القدر هو بقاء المرء هادئاً مهما ساءت الأحوال، فيقال فب الدارج الفرنسي ابقى رواقيا rester stoïque.
عدم الإفراط في الحزن أو في السعادة هو أول طريق لبلوغ ذلك الهدوء الدائم الذي تعلمنا اياه الرواقية.
أكبر المفاهيم الرواقية ترمي الى تعليم الأفراد بأن يهملوا كل ما لا يعتمد عليهم، وأن يركّزوا فيما يمكنهم تغييره، فقدم حملت لنا هذه الفلسفة أكبر مثالين مختلفين، إبكتيتوس الذي كان عبداً عند سيّده، وأوريليوس الذي كان إمبراطوراً، فكلاهما لم يختارا طبقتهم وما ورثوه، فلم يحاولا تغيير ما لا يمكن تغييره، بل ركّزا على اصلاح الأمور من طبقتهما ومستواهما، وهذا ما تتميز به الرواقية عن باقي الفلسفات، المرونة.
يعتبرها الفنانون نوعا من أنواع التثبيط للمشاعر، بما أنها تحاول أن تعقلن الحزن والفرح، وأنها لا تترك مجالا للإنسان كي يفرغ مخزونه، وقد نلاحظ فعلا أن بعض المأثورات في كتاب «المختصر» تحمل نوعا من برودة الدم في التعامل مع الأحداث والمصائب.
و يراها الكثيرون، وأنا معهم، كأحسن بديل لمن يبحث عن ”التطوير الذاتي“ بصيغته الفلسفية، لأنها تصلح للتطبيق في أيّ زمان ومكان، ولا تتناقض مع أي عرف ودين، ومع اختلاف تجارب ومناصب روّادها، فهذا يجعل منها مصدراً حكيما لمن يريد أن يخطو بحذر واتزان في الحياة.
من أهم الكتب الرواقية :
المختصر، تأملات، من الغضب، من السعادة.
_
المقال 165
Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...