الاثنين، 14 يونيو 2021

مجتمع الرقابة ”المُراقب“



في كتابه المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، أعاد ميشال فوكو فكرة ”بانوبتيكون“ للواجهة لـ جريمي بنتهام،  وهذا المصطلح يعني بأن ”تشاهد الآخر دون أن يراك“،  اصل هذه الفكره هي عبارة عن سجون دائرية العُمران،  في داخلها زنزانات بشكل دائري، يتوسط تلك القاعة الكبيرة برج مراقبة، المراقبون داخل ذلك البرج يستطيعون أن يشاهدوا جميع الزنزانات، بين المساجين لا يعلمون إن كان هناك أفراد داخل ذلك البرج أو لا، وهذا ما بجعلهم ”يفترضون“ أنهم مراقبون طوال الوقت، مما يجعلهم يُعدّلون سلوكهم بنفسهم وبشكل تلقائي.
أخذ ميشال فوكو هذه الهندسة المعمارية وحوّلها إلى مفهوم قد يتم تطبيقه في هياكل أخرى، وقد حدّد ستة معايير لهذا المفهوم!
١- أن تكون مشاهداً من الجميع وغير مُراقب في المحتوى، نعلم جميعاً بوجود المراقبة، لكننا لا نستطيع ان نثبت وجودها.
٢- الرقابة تكون تلقائية وغير فردية، إما انها غير بشرية، أو لا يمكننا مشاهدتها.
٣- عملية ”الحديقة المَلكية“ والمُختبر، أي تقسيم المجتمع الى قطاعات مثل المساجين، واخضاع كل قطاع لتجارب معيّنة.
٤- التطبيقات المتعددة، أي تعدد أشكال عملية ”بانوبتيكون“.
٥- الاقتصاد، في شاكلة المواد والتقنيات الفردية.
٦- الجانب العملي.
قسّم كل من فوكو ثم دولوز المجتمع إلى ثلاثة:
من 1600م الى 1800م المجتمع السيادي، وهو مجتمع اعتمد على العقاب (حكم إعدام)
من 1800م الى 2000م المجتمع التأديبي، وهو مجتمع اعتمد على تسيير المؤسسات المغلقة (سجون، مستشفيات، مدارس..)
من 2000م الى يومنا المجتمع المُراقب.
_
يقول دولوز: « نحن في أزمة عامّة في الأماكن المغلقة، سجون، مستشفيات، شركات، مدارس، عائلات، يجب إصلاح المدرسة، إصلاح الصناعة، إصلاح المستشفى، إصلاح المؤسسة العسكرية، إصلاح السجون.. لكن الجميع يعلم أن هذه المؤسسات قد انتهت، ما يحدث الآن هو مسايرة سكرات موتها، وتشغيل الناس الى غاية تركيب قوّة جديدة..قد تطرقُ أبوابنا، إنها مجتمعات الرقابة من تعوض المجتمعات التأديبية».
بالنسبة لدولوز، المصنع في السابق كان عبارة آلة انتاج كبيرة بنسب أجور منخفضة، أما المؤسسة، فهي تبحث عن رضى العامل ورغبته في العمل، في السابق، كان دور المؤسسات ينتهي، أي أن عمل السجن، والمستشفى، والمدرسة، سينتهي في وقت معين، أما في مجتمع الرقابة، فعمل المؤسسات لا ينتهي، هو تكوين دائم للفرد، رحلة مستقيمة غير منتهية، في المجتمع التأديبي، كان توقيع الفرد يكفي لتمييزه عن الآخر، واثبات وجوده، في مجتمع الرقابة، الفرد عبارة عن ملف وأرقام صالحة لأجل طويل، الفرد مراقب تلقائيا من جميع النواحي بشكل آلي (غير بشري)، فهو لا يشاهد تلك الرقابة، لكنها تشاهده.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق