التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجتمع الرقابة ”المُراقب“



في كتابه المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، أعاد ميشال فوكو فكرة ”بانوبتيكون“ للواجهة لـ جريمي بنتهام،  وهذا المصطلح يعني بأن ”تشاهد الآخر دون أن يراك“،  اصل هذه الفكره هي عبارة عن سجون دائرية العُمران،  في داخلها زنزانات بشكل دائري، يتوسط تلك القاعة الكبيرة برج مراقبة، المراقبون داخل ذلك البرج يستطيعون أن يشاهدوا جميع الزنزانات، بين المساجين لا يعلمون إن كان هناك أفراد داخل ذلك البرج أو لا، وهذا ما بجعلهم ”يفترضون“ أنهم مراقبون طوال الوقت، مما يجعلهم يُعدّلون سلوكهم بنفسهم وبشكل تلقائي.
أخذ ميشال فوكو هذه الهندسة المعمارية وحوّلها إلى مفهوم قد يتم تطبيقه في هياكل أخرى، وقد حدّد ستة معايير لهذا المفهوم!
١- أن تكون مشاهداً من الجميع وغير مُراقب في المحتوى، نعلم جميعاً بوجود المراقبة، لكننا لا نستطيع ان نثبت وجودها.
٢- الرقابة تكون تلقائية وغير فردية، إما انها غير بشرية، أو لا يمكننا مشاهدتها.
٣- عملية ”الحديقة المَلكية“ والمُختبر، أي تقسيم المجتمع الى قطاعات مثل المساجين، واخضاع كل قطاع لتجارب معيّنة.
٤- التطبيقات المتعددة، أي تعدد أشكال عملية ”بانوبتيكون“.
٥- الاقتصاد، في شاكلة المواد والتقنيات الفردية.
٦- الجانب العملي.
قسّم كل من فوكو ثم دولوز المجتمع إلى ثلاثة:
من 1600م الى 1800م المجتمع السيادي، وهو مجتمع اعتمد على العقاب (حكم إعدام)
من 1800م الى 2000م المجتمع التأديبي، وهو مجتمع اعتمد على تسيير المؤسسات المغلقة (سجون، مستشفيات، مدارس..)
من 2000م الى يومنا المجتمع المُراقب.
_
يقول دولوز: « نحن في أزمة عامّة في الأماكن المغلقة، سجون، مستشفيات، شركات، مدارس، عائلات، يجب إصلاح المدرسة، إصلاح الصناعة، إصلاح المستشفى، إصلاح المؤسسة العسكرية، إصلاح السجون.. لكن الجميع يعلم أن هذه المؤسسات قد انتهت، ما يحدث الآن هو مسايرة سكرات موتها، وتشغيل الناس الى غاية تركيب قوّة جديدة..قد تطرقُ أبوابنا، إنها مجتمعات الرقابة من تعوض المجتمعات التأديبية».
بالنسبة لدولوز، المصنع في السابق كان عبارة آلة انتاج كبيرة بنسب أجور منخفضة، أما المؤسسة، فهي تبحث عن رضى العامل ورغبته في العمل، في السابق، كان دور المؤسسات ينتهي، أي أن عمل السجن، والمستشفى، والمدرسة، سينتهي في وقت معين، أما في مجتمع الرقابة، فعمل المؤسسات لا ينتهي، هو تكوين دائم للفرد، رحلة مستقيمة غير منتهية، في المجتمع التأديبي، كان توقيع الفرد يكفي لتمييزه عن الآخر، واثبات وجوده، في مجتمع الرقابة، الفرد عبارة عن ملف وأرقام صالحة لأجل طويل، الفرد مراقب تلقائيا من جميع النواحي بشكل آلي (غير بشري)، فهو لا يشاهد تلك الرقابة، لكنها تشاهده.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...