الاثنين، 7 يونيو 2021

حياةُ الفكرة



📌«التفكير من الذات».. دعوة للتفرّد أم  للسرقة الفكرية؟

يستعرض الكثير من المفكرين عضلاتهم الفكرية على عامة الناس، عندما ينطلقون في الحديث عن أمور فلسفية أو علمية، اجتماعية أو نفسية، دينية وما ورائية، يدّعون في كثير من الأحيان أنّ تلك التحليلات والنتائج من بنات أفكارهم، وكأنّها إلهامٌ من السّماء، وهنا، وجب تحديد ”قيمة“  وأبعاد هذه ”المحاولات“ الفكرية، ووضع بعض النقاط على الحروف، لأن عامّة طُلّاب العلم والفضوليون، لا يبحثون عن أصول الفِكر، بل يعتبرون صاحب المعلومة هو أب الفكرة، كنوعٍ من الأستاذية، مثل صغير البطّة الذي يعتبر أن أول ما يراه أمامه هو أمّهُ.
هُنا تكمن الخيانة العلمية الفكرية من صاحب الادعاء، لأن الإنسان يُكمّل الإنسان، والحضارة تُكمّل الحضارة، والابن يُكمّل الجدّ، فالقول بأن معالجة فكرة معيّنة جاءت من ”العدم“، أي من منطلق فردي، هو استخفاف بعقول الطُلّاب والفضوليين، واستهانة بعقول المثقفين والمطالعين، ومخاطرة أمام العلميين والمختصين.
يحدث أن يتلقّى الفرد أفكاراً وينسى مصادرها، أو نُقلت له من مصدر مغلوط، جُملاً واقتباسات وأفكار بهيكلة، فيتبنّاها، حدثت وتحدثُ للجميع، فما على الفرد إلّا أن يعلم أنه رهينة النسيان، أكثر من صاحب الاختراع، وأن يتواضع للتصويب والإعادة للمرجع.
يحدث أن تتقابل الأفكار والحِكم، وهذا بيت القصيد، فالإنسان في غالبه تكرار لما سبق، وما يأتي به من جديد يبقى نادراً وإن اتّخذ ألف مسلك لقوله ولتطبيقه.
كيف يكون الفرد مستقلاً بفكره، وفي نفس الوقت أميناً؟
على الإنسان أن يعيى للمعرفة، اقرأ، هذا هو عماد الوجود بعد العبادة أو معها، أما ما يكون بعد القراءة، فهو رهن ذكاء الفرد، وجيناته وطموحاته، على الإنسان أن يعلم ما سبقه فيه الإنسان، ولا "قدقدة" في أن عمره لن يكفي ليعلم كُلّ ما قيل وفُعل.
فيعمدُ الكثيرون على تبنّي ما ليس لهم، فلا يُقاوم أحدنا مقام ”الحكماء“ وما فيه من وقار وتبجيل وتعظيم، من صغار البطّة الأبرياء.
الأمانة، أن يُحيل المرء تلك الأشياءَ لأهلها، وأن لا يركب أيّ فرسٍ.. معتبراً أنه تائه أو لغير أحدٍ! فيُفضح بجريمة السفهاء.
ولا تحسب أن الأفكار تائهة لا رقيب لها، كذلك يفعل كل هرّ مُندفع.
لماذا نقرأ؟
نقرأ لكي نتعلّم، لكي لا نخاف المجهول، لكي نُسهّل الحياة على أنفسنا، لكي نأخذ القرارات السليمة في كل خطوة، لكن من الذي يُذكّرنا بأننا نقرأ كي لا ننسبَ ما ليس لنا من فكر وخواطر واختراعات؟ وأن نتّهم كل من يُحيل لنفسه ما ليس له، حتى بعد الدليل والإثبات!، إن هذا المسكوت عليه هو أساس قوت كل مُحتال!
لمن نقرأ؟
نقرأ للذي لا ينسب شيئاً لنفسه إلّا بين القولين، وبين القوسين، على استحياء وتواضع، ذلك الذي يعلم المنبع والمصبّ، ولا يستحي من الإكثار من قال فلان وردّ علّان.
من المُحتال؟
المُحتال هو ذلك الذي لا يخضع للتذكرة، ويستكبر عند البرهان، كثير التبرير لذاته، نادر الإحالة لغيره، جاهل بالأعراف الأدبية، ينكر الانتماء لأيّة مدرسة فكرية، لكي لا يُقال أنه يأخذ منها، كثير الادعاء أنه يقرأ للجميع، فلا تعلمُ له قِبل من دُبر، ولا تكاد تميّز له منهج من فكر قائم، قلمه ينكسر راكعاً لكلّ موضة أدبية.
ما هي مسؤولية القارئ؟
على القارئ أن لا يكون ”صاحب الكتاب الواحد“، فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والمصدر الواحد كاذب ولو صدق، لأن العلم لا يكون علماً إلا عند التصادم مع المصادر، فالعلم والفكر الذي لم يدخل في ”حرب طاحنة“ لا ثقة فيه، تسيّد فكرة عن فكرة، وعلم عن علم، لا يكون إلا بالمواجهات، فالقارئ هنا عليه أن يعلم ما يقرأ، ولمن يقرأ، ومصادر ما يقرأ، وأن يمتحن ما يعلمه باستمرار ودون هوادة.

المقال 166
Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق